الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكريم الأستاذ مسعود الجلّالي *
تقديم:
أقام مكتب جمعية العلماء بالقاهرة حفلة شاي للأخ الأستاذ مسعود الجلّالي بمناسبة نيله للشهادة العالية من كلية أصول الدين بالأزهر الشريف، وقد حضرها جمع حافل من الشخصيات الإسلامية الكبرى نذكر منهم حضرات السادة: الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر، وأحمد حلمي باشا، وعلي المؤيد سفير اليمن بالقاهرة، ونجيب الراوي سفير العراق بالقاهرة، والدكتور منصور فهمي، ومحمد أمين بوغرا حاكم التركستان الشرقية سابقًا، والأستاذ محي الدين القليبي، والأستاذ صالح عشماوي وغيرهم. وكان في استقبال الضيوف الكرام سماحة الشيخ البشير الإبراهيمي والأستاذ الفضيل الورتلاني وطلاب البعثات العلمية لجمعية العلماء بمصر والشرق العربي، وقد كانت فرصة سعيدة جمعتْ بين بعثات جمعية العلماء بمصر وسوريا والكويت بمناسبة مرور الأخيرتين بمصر في طريقهما إلى معاهد سوريا والكويت العلمية، فالتقى فيها شباب آمن بالله، ثم بحياة أمته وتحرير وطنه من كل نير واستعباد، فهاجر يبغي العلم ويطلب الحكمة، وكله غيرة وحماس وتطلع إلى مستقبل سعيد لأمته ووطنه العزيز، وفّقه الله وحقّق آماله.
ولما اكتمل عقد الحاضرين وقف سماحة الشيخ البشير الإبراهيمي فألقى خطابًا رائعًا حيّا فيه الضيوف الحاضرين حسب اقتراح سماحة الشيخ، وبعدئذ تطرق الشيخ في الكلام إلى الجزائر فأبان كيف عمل الاستعمار منذ وطئت قدماه أرض الجزائر على محو الشخصية الإسلامية والقضاء على اللغة العربية فيها وأنه بذل أقصى ما يستطيع بذله في هذا الميدان من فرض القوانين الجائرة، وتحريم التعليم باللغة العربية، والاستيلاء على الأوقاف الإسلامية، وتحويل المساجد والمدارس إلى كنائس نصرانية، وتشجيع البعثات التبشيرية ومدّها بالعون المادي والأدبي، مستغلة في ذلك حالة الفقر واليتم والترمل التي تركتها الحروب الطويلة التي خاضها المجاهدون الجزائريون ذودًا عن بلادهم ودفاعًا عن كرامة دينهم وقوميتهم، أمام المستعمر الغاصب، ثم ضربه أخيرًا نطاقًا حديديًا بين الجزائر وشقيقاتها في الشرق حتى لا يعرفوا ما يجري فيها وما يدبره الاستعمار من دسائس ومكائد للإسلام والعروبة حتى يسهل عليه تحطيم كل قواها المعنوية والأدبية بعد ذلك.
ت. ر. ع.
* «البصائر» ، العدد 249، 4 ديسمبر 1953م.
ثم قال:
أيها السادة: كانت هذه الأعمال الفظيعة التي صبّها الاستعمار على الجزائر حافزة لنا على مضاعفة العمل، ودافعة لطائفة من العلماء الغيورين على أن يقاوموها بكل ما يستطيعون من قوّة مهما كلفهم ذلك من تضحيات وجهود حتى لا يتركوا للمستعمر أية فرصة ينفذ فيها أغراضه المنكرة للقضاء على شخصية الأمة ومقوماتها- لا قدّر الله-، ويتضح هذا جيدًا في خطاب ألقاه أحد الخطباء في احتفال كبير أقامته فرنسا بمناسبة اكتمال قرن من الزمان لاحتلالها للجزائر، قال بعد أن عدد عظمة فرنسا وقوة جيشها الحربية في ذلك الحين: إننا أيها السادة لم نقم هذا الحفل في الواقع لأجل مرور قرن كامل لاحتلالنا للجزائر فحسب، لأن مائة سنة لا قيمة لها في عمر الأمم، فقد بقي الرومان في هذه البلاد عدّة قرون ثم ذهبوا، وبقي العرب في إسبانيا سبعة قرون ثم ذهبوا أيضًا، ولكننا أقمنا هذا الاحتفال لتشييع جنازة الإسلام في الجزائر، فكانت هذه الكلمة من فم هذا المستعمر الباغي كشعلة من النار في أنفس الوطنيين الأحرار، ألهبت فيهم الحماس ودفعتهم إلى توحيد الصفوف وتكتيل الجهود وتنظيم الأعمال لما يجب أن يعمل، ثم كانت لنا أخيرًا بمثابة النذير القوي لما يراد بالإسلام والعروبة في بلادنا العزيزة إن لم نقابل أعمال المستعمرين ومكرهم بأعمال إيجابية وطنية تحبط كل ما يبيّتون من نيات سيئة لهذا الوطن الإسلامي العزيز، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} . فاجتمعت القلوب، وتجاوبت الأرواح، وتلاقت العواطف كلها على العمل والفداء والتضحية، وفي هذا الجوّ - أيها السادة- تكونت جمعية العلماء وبرزت للوجود لتحمل الراية، وتنشر لواء الكفاح الإسلامي بين المواطنين، ثم لِتَقِفَ حجر عثرة في طريق المستعمر، فتكون شجى في حلقه وغصّة في نفسه، وحارسًا قويًا على إسلام الجزائر وعروبتها وتاريخها المجيد من كل سوء وكل مكروه، وعلى ضوء هذا الاتجاه من الاستعمار في محاربة الإسلام في الجزائر، اتجهت أعمال جمعية العلماء إلى تقوية الإسلام في النفوس، وغرسه في القلوب، وطبع حياة الأمة كلها بطابعه، ونشر اللغة العربية بين مختلف طبقات الشعب، وبذلك أحبطنا ما كان يبنيه المستعمرون من آمال في كل من تشييع جنازة الإسلام وقبر اللغة العربية في الجزائر- لا قدّر الله- {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ائكَافِرُونَ} .
وقد أصبحت للجمعية الآن عشرات المدارس والنوادي ومراكز الوعظ والإرشاد في كل أنحاء الجزائر، كما أنَّ شُعَبَ الجمعية منتشرة في كامل القطر، وهي تقوم بمهمتها الإسلامية الوطنية بهمّة ونشاط، وللجمعية معهد ثانوي يضم بين جنباته الآن قرابة الألف طالب، يضارع أرقى المعاهد الثانوية المصرية، ومنه ترسل الجمعية بعثاتها إلى الشرق العربي، وإنّ
إقبال الأمّة على بناء هذه المدارس الضخمة- أيها السادة- التي لا تقوم بها إلّا الحكومات، ليس معناه دليلًا على غنائها وسعة ثرائها لأنّ فرنسا لم تترك سبيلًا إلى إفقارها وسلب ثروتها منها إلا سلكته، ولكنه دليل على قوة إيمان هذه الأمّة وصلابة عقيدتها في الله وعظمة روحها المعنوية مما جعل كل المحاولات الاستعمارية الظالمة تتحطم على صخرة إيمانها العتيد، وتبوء بالتالي بالفشل الذريع.