الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حركتنا حركات أحياء *
جوانب من الخطبة الفيّاضة المرتجلة التي تفضّل بإلقائها سماحة الشيخ محمد البشير
الإبراهيمي على شباب الإخوان في المركز العام لخّصها مندوب المجلة.
ــ
هذا موقف الشكر على النعمة التي أنعمها الله على جمعية الأخوة الإسلامية إذ اجتمعت بأعضائها بعد فترة غياب. وهناك فرق- أيها الإخوة- بين المقيم والغائب وهو أن المقيم لا يشعر بالتبدّل والتغيّر إلا قليلًا، أما الغائب فإنه يشعر بهذا التبدّل ويحسّ بالفرق بين الحالة الماضية والحالة الحاضرة. وأخوكم هذا قد غاب عنكم السنة أو فوق السنة فاسألوه ينبئكم: ماذا رأيت لما فارقتنا وأقبلت إلينا؟
لا شك أن حركتكم حركة ناجحة وإني شعرت بهذا التبدّل وهذا التقدّم المحسوس الذي تلمسه اليد، فقد تركتكم في مسجد ورجعت فوجدتكم في دار ومسجد.
إن حركاتنا حركات حق، ودعوة إلى الحق، فالواجب أن تكون في تقدم واستمرار على غرار الدعوة المحمدية الأولى
…
بدأت قليلة العدد بطيئة الأثر. فالإسلام في بداية أمره استند على أربعة ثم توسّع وشمل العالم، فالله سبحانه وتعالى يخرج من الضعف القوّة، فالإسلام قام على أكتاف أربعة: على امرأة هي خديجة، وعلى شيخ هو أبو بكر، وعلى صبي هو علي، وعلى مولى هو زيد بن حارثة. فهذا ضعف باعتبار الناس، وهذه الأركان الأربعة الضعيفة التي عددتها هي التي قام عليها الإسلام، وهؤلاء الأربعة هم الذين حملوا عرش الإسلام. ثم ان الإسلام أخذ يسري كما تسري النار في الهشيم، غير أن سريانه في النفوس ضعيف في الظاهر قوي في الباطن.
لما سأل هرقل أبا سفيان- وإن هرقل داهية زمانه-: أيكم أقرب نسبًا إلى هذا الرجل؟ (يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فأشير إلى أبي سفيان، فسأله أسئلة تعد دستورًا في علم النفس، وكان من ضمنها: أيزيد أتباعه أم يقلّون؟ فأجاب أبو سفيان: بل يزيدون
…
* مجلة "الأخوة الإسلامية"، السنة الأولى، العدد الثالث عشر، بغداد، 2 رمضان 1372هـ الموافق لـ15 ماي 1953م.
وإني فرح بهذه الجمعية التي هي قطعة من قلبي وهي امتداد للحركة التي دعوت إليها، وكلما سمعت أنها ملكت شيئًا من أرض أو امتدّت شبرًا فإني أشعر بالسرور والغبطة، بل إذا بلغني أن الشيخ أمجد الزهاوي يشعر بقوّة في جسمه وفكره ازددتُ فرحًا، وقد أراد الله أن يكون هو سبب وجودي بينكم الآن. وقد التقيت مع الأستاذ الصواف في القاهرة فجرّني أو جررته أو تجاررنا. فأشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة وأسأله لهذه الجمعية التي تمثّل الإسلام بكامله أو أنها تمثّل السياسة الإسلامية وهي إصلاح بين المرء وربّه، وهيهات أن يصلح المرء ما لم يصلح المعاملة مع الله وما لم يعمل لله وحده.
وما أخّر المسلمين إلا هذا الشرك الذي أبعد المسلمين عن عبادة الله. لأن الإنسان إذا تلفّت إلى جهات متعددة فإنه يصبح بلا إرادة، وما الإنسان إلّا إرادة وعزيمة فإذا صلحت إرادته صلحت عزيمته، وإذا أراد الإنسان شيئًا وسعى لتحقيقه فإن إرادته تؤدي به إلى نيل مبتغاه، ومن أصبح بلا إرادة أصبح مسيّرًا مثل ما هو حالنا اليوم.
فانظروا ذات اليمين وذات الشمال تجدوا المسلمين مسيرين متأخرين في كل شيء، فإن أرادوا أن يكونوا كغيرهم من الأمم فعليهم بأن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولكم أن تطلقوا على هذه الدعوة ما تشاؤون من تعابير: فسموها بحركة أخوة أو حركة إحياء، لا إحياء الإسلام لأن الإسلام حي بل إحياء الإسلام في نفوسنا، وإن الإسلام لا يقوم بالكم بل بالكيف، وتدبروا آيات سورة الأنفال حول المؤمنين الصابرين الذين رغم قلة عددهم يغلبوا أضعاف ذلك العدد من الكافرين وينتصروا عليهم. ولم يرد الله سبحانه وتعالى إرهاقنا بل أراد أن يثبتنا على القوة الحقّة التي هي قوة النفوس التي تستكن في الإرادات.
أيها الأبناء:
إن أمتكم تعول عليكم شرط أن تعدّوا أنفسكم إعدادًا روحيًا لا بدنيًا، فإذا أشرقت أنوار الإسلام وغمرت هدايته كل المجتمع البشري، فإن هذا المجتمع سينعم بالخير العميم، وتتحقّق له السعادة في الدنيا والآخرة، والإعداد الروحي يجعل المسلم موقنًا بأنه إذا مات في سبيل الله ينتقل من حياة بعضها شقاء إلى حياة كلها سعادة، فكونوا مسلمين كاملين، أي كونوا عاملين في سبيل الله، وإياكم أن تكونوا أنصاف أو أرباع مسلمين وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا واقتدوا بالقدوة الصالحة، وإن الواحد منّا يستطيع أن يقود الملايين بشرط أن تكون النفوس مستعدة. وإن هذا الشباب إذا تدرّب على الإقدام وقوّة العزيمة وعدم الخوف إلا من الله فإنه يأتي بالأعاجيب.
وإن الله يأتي بعبارات الحصر والخوف {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} ، وإن المسلمين لم يؤخذوا إلا من الابتعاد عن خشية الله
…
فإذا كان المسلم لا يرهب إلّا الله فإنه لا يعبد وثنًا ولا
يهاب ظالمًا مهما بلغ طغيانه. ويوم كان المسلمون كذلك سادوا الدنيا وملكوها بالعدل، ولما انتقلوا إلى اعتقادهم بالمخلوق واعتمادهم على المخلوق استعبدوا.
فحسبكم أن في الأرض خمسمائة مليون مسلم كلهم مستعبدون، وحياة المسلمين لا تحتاج إلى ترجمة لأنهم كلهم خاضعون لهذا الاستعباد.
فلو أقمنا لجنة لامتحان المسلمين لسقط 99% منهم، لأننا مسلمون باللفظ وإلّا فكيف نُغلب بالكَفَرة، أيكذب القرآن؟ حاشا لله: بل نحن كاذبون، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِئعَبِيدِ} ، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ، وقد كرّر الله سبحانه هذا المعنى بأساليب مختلفة، فنحن إذن بين أمرين: فإما أننا كاذبون في إسلامنا، أو أن الله قد جار علينا، والله نزيه عن الجور. إذن فنحن كاذبون في إسلامنا ظالمون لأنفسنا فعلينا أن نتوب والتوبة تكون بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى واتّباع أوامره ونواهيه، والإقلاع عن الخضوع لغيره، وبمواجهة الحياة والاستهانة بها.
أتدرون لماذا ملكنا الغربيون؟ لقد ملكونا لأننا انغمسنا في الكماليات السخيفة التي غمرونا بها والتي تملأ الشوارع والمحلات ليضعفوا بها اقتصادنا ويمتصّوا ثرواتنا، وانظروا إلى حكوماتنا التي لا تهتم إلّا بالشيء التافه والوضيع من الصناعات الوطنية.
إن العلماء يقسمون الحاجيات إلى: أولًا ضروري، ثانيًا حاجي، ثالثًا كمالي، رابعًا تحسيني. فالضروري هو الذي يستر الجسم ويصونه، أما نحن فننتقل من لبس الكتّان إلى القطن إلى الصوف ثم إلى المحرمات كالحرير، ومن استعمال الساعة النحاسية إلى الفضية إلى الذهبية، وهذه أموالنا تخرج من جيوبنا إلى خزائن الدول الغربية لتعود لنا بحبال نشنق بها وأسلحة نقتل بها، وأصبح كثير مما نستورده من الكماليات كالضروريات لا نطيق العيش بدونه، فصرنا نأكل الحلوى ونحن في البلوى.
أيها الأبناء:
بدأت بالشكر على هذه النعمة- نعمة الاجتماع- وعرضت لكم أشياء مؤلمة عن واقعنا كمسلمين، وأرجع بكم إلى حياة الاستئثار فأدعوكم إلى العمل والنظر إلى الحياة نظر تفاؤل، واعلموا أن الفجر قريب، وأن شمس الإسلام لا تغيب والله أكبر ولله الحمد.