الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
2
- *
خلاصة خطبة الإبراهيمي جوابًا لرئيس مؤتمر العالم الإسلامي
في الحفلة التي أقامها تكريمًا لوفود العالم الإسلامي
ــ
أيها الإخوان:
إذا هيّأ الله أمة للسعادة جرّ إليها الخير بأسباب من الشرّ، وساق إليها النفع بوسائل الضرّ، ومرّ بها إلى الحق على قنطرة من الباطل، وجعل الخلاف فيها ممكّنًا للوفاق، والتضاد في أعمالها مثبّتًا للائتلاف، وذلك بتوفيق المتخالفين، إلى أن يكون الخلاف خلافًا في الوسائل لا في الغايات، والاتجاه إلى هدف واحد.
الرباط الجامع للأمم هو المحبّه، فإذا خلصت المحبّة بين أفراد الأمّة تمحض الخلاف إلى أحسن ثمراته، واختلاف الرأي- كما يقول شاعرنا شوقي- لا يفسد للودّ قضية.
كل ما هو موجود بين المسلمين من خلاف وفتن وشرور هو مرحلة طبيعية للأمم في الأطوار الأولى من نهضاتها، فلا يهولننا أن هذا الشيء خصصنا به، ولا يثبطننا هذا عن الاستماتة في علاجه والعمل متضافرين على إزالته بالتدرّج، لأن أول مراحل النهضة هو آخر مراحل الانحطاط.
ما دام هذا القرآن موجودًا بين المسلمين، يقرؤونه ويجلّونه ويضعونه في مكانه من التقديس، فإن الأمل في إصلاح المسلمين لا ينقطع، لأن أوائلهم ما صلحوا إلّا به، فلا يصلح آخرهم إلّا به، وما هي إلّا هبة من هباته ونفحة من نفحاته تهب على نفوس هذا القطيع المبدّد وإذا قلوبهم مجتمعة، ونوافرهم متآلفة، وأمرهم جميع، وإذا بالمعجزة القرآنية التي جمعت العرب بعد ما كانوا عليه من تشتّت وتدابر، تعود ثانية فتنقل هذه الأمم من حال إلى حال.
الوحدة الإسلامية التي ننشدها تتوقّف على شيء واحد لا ثاني له وهو أن يوجد لها محور، وقد وجد هذا المحور وهو باكستان، وهي نعمة يجب أن نشكر الله عليها وأن نعرف قيمتها وأن نستغلّها.
* مسوّدة وُجِدَت في أوراق الإمام المرحوم.
يجب على طرفين أن يشكرا الله على هذه النعمة الجليلة شكرًا عمليًا: الطرف الأول هو حكومة باكستان وشعب باكستان، والطرف الثاني هو الأمم الإسلامية.
أما شكر الأمم الإسلامية فقد تحقّق وتجلّى في هذه العناية التي رأيتموها من العالم الإسلامي في استجابته لدعوة ترسلونها مع رسول أو في البريد، وإذا هو مقبل عليكم مرسل إليكم بأفلاذ كبده وخلاصة علمائه وقادته وخطبائه وزعمائه، كأنه متحنث عابد سمع أذان الصلاة، وهذه وحدها نعمة عليكم لم تظفر بها أمة من الأمم الإسلامية ولا حكومة من حكوماتها.
وأما نوع الشكر العملي الذي يجب أن تؤديه باكستان حكومة وشعبًا فهو مقسّم عليها لتحفظ به هذه النعمة وتحصنها من الزوال.
فالحكومة يجب عليها أن تشكر الله على هذه النعمة بمحافظتها على الإسلام عقيدةً وعملًا وحكمًا وأدبًا ولغةً، وأن تفرض على رجالها أن يكونوا قدوة للناس في هذا.
والشعب يجب عليه أن يشكر الله على هذه النعمة بعدم الاختلاف، وعرفان قدر هذه النعمة، والسعي الحازم في توجيه الرأي العام إلى الاتحاد بتوحيد طوائفه المختلفة إليه، فعلماء الدين يتقاربون فيقف كل واحد عند قدره الذي وضعه فيه القدر ويُسَلِّم العالِم للأعلم، والكبير للأكبر.
إن المسلمين بدأوا يرتابون فيكم من هذه المؤتمرات المتعاقبة التي وجّهت الدعوات من باكستان وبعضها يحمل اسمًا واحدًا، وإنني أعرف بالأمم الإسلامية منكم أيها الباكستانيون، فلا تغرّنكم هذه الاستجابات السريعة من إخوانكم، فيومَ يعلمون عنكم اختلافًا أو اتباعًا لهوى مطاعًا سينفضّون عنكم وينبذونكم، ويومئذ تدعون فلا يستجيب لكم أحد، فترجعون إلى أسوأ مما كنتم عليه، فاستديموا هذه النعمة بالمحافظة عليها، والنعمة إذا عَظُمت عَظُمت تبعاتها ومسؤولياتها.
أنا لا يرضيي أنني في وطني كلٌّ، لأنني مرجع لإخواني العلماء، ومطاع من أتباع جمعيتي، لأن هذا الكلّ مهما قَوِيَ ضعيف، ولكن يسرّني أن أكون جزءًا من هذا الكل العظيم وهو علماء الإسلام، بل أفخر بهذا وأعلم ما له من الآثار النافعة للأمم الإسلامية.
كلنا جند النبي، ليس فينا أجنبي.
أربعوكم أن نتأدب بأدب جديد وهو الاقتصاد في المجاملات والألقاب وتقارض الثناء.