الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خماسيات عمر الأميري *
الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري- وزير سوريا المفوّض في باكستان- شاعر موهوب، رقيق الحس، وجداني النزعة، خصب الشاعرية، مستجيب الطبع، متدفق الطبع، صادق التأمل، واسع التخيّل، نظم كثيرًا ولم ينشر شيئًا، وله في هذه الضنانة بالنشر أعذار بعضها معقول، وبعضها غير مقبول.
يختص كثير من شعر الأميري الذي سمعناه منه بوصف سرائر النفس وانفعالاتها ونشدان الصداقة الصادقة والود الخالص، ويفيض بالذاتية المستعلية بالله، المترفعة عن الاسفاف، المتعففة عن الشهوات إذا نافت الكمال، أو وقفت في الطريق إلى الله، ويسمو في كثير من أغراضه إلى صلة الروح بخالقها، وترقّيها في مجالي التقوى والإيمان فيدلّك حين تقرأه على قرب صاحبه من الله، والاعتزاز بعبوديته له، وقد تبدو في بعض شعره حيرة ولكنها حيرة المؤمن المسلم وجهه لله، لا حيرة الشاك المضطرب، فهو مع شبابه وإلمامه بمعارف عصره، وملابساته لفتن عصره، متين الإيمان بالله، صادق التعبّد له، قوي الخوف منه، وقاف عند حدود آداب الدين والمحافظة على شعائره محافظة دقيقة، ولكنه- مع ذلك- مرح طروب، مطلق اللسان في اصطياد النكت، بارع الذهن في استخراجها من مكامنها اللفظية، لا يتحرج في ذلك ولا يتحفظ، وقد تنزل به هذه البوادر عن منزلته الحقيقية عند من لم يعرفه إلا من طريقها، ولكن هذا الظن به لا يجاوز لحظات.
ولو رزق الأميري أناة في نظمه للشعر وصبرًا على تحكيكه وصقله واستفتاء أساليب البلغاء فيه لجاء منه شاعر أي شاعر، وقد أرشدته إلى هذا وعسى أن يفعل.
* تقديم لخماسيات الشاعر عمر بهاء الدين الأميري، «البصائر» ، العدد 195، 7 جويليه 1952 (بدون إمضاء).
وللأميري عادة خاصة برمضان، وهي أن يصلّي الصبح مغلسًا، ثم يتلو جزءًا من القرآن تلاوة متدبّر، ثم ينام قليلًا بعد طلوع الشمس، فإذا استيقظ نظم الخاطر الذي يصحب تلك اللحظة في خمسة أبيات، فإن تعددت الخواطر نظم كل خاطر في خماسية، حتى لينظم في الصباح الواحد ثلاث خماسيات أو أربعًا، وقد اجتمع له من هذه الخماسيات ديوان صغير، ورأى لإعجابه بـ «البصائر» أن تتولى نشرها تباعًا، كل خماسية في عدد، و «البصائر» ترحّب بالشعر والشاعر، وبهذا اللون الجديد العامر، وترى أن أحكم الشعر ما صوّر خواطر صاحبه، وأن خواطر الشعراء هي مادة لشعرهم كيفما كان وزنها ولونها.
…
وللأميري صلة وثيقة بجمعية العلماء، فهو متّصل بمبدئها الإصلاحي اتصال العقيدة والعمل، وهو متّصل برجالها منذ كان طالبًا في باريس قبيل الحرب الأخيرة، وهو معجب بـ «البصائر» مواظب على قراءتها من ذلك الحين، وهو يرتفع برئيسها الأول عبد الحميد بن باديس، ورئيسها الحالي محمد البشير الإبراهيمي إلى الصفوف الأولى من قادة الإسلام، وهو معجب بشاعر الجزائر محمد العيد، يحفظ كثيرًا مما نشر من شعره في «البصائر» ويتغنّى بمطالعه وغرره. وها نحن أولاء ننشر خماسية في كل عدد وقد ننشر له قصائد كاملة في مناسبات خاصة.
وما زال الأدب العربي يظفر في كل عصر من عصوره بهذا الطراز من الشعراء الوزراء، وإن لم يكن بين الوصفين تلازم عقلي ولا عرفي، عرف منهم تاريخ الأندلس عشرًا، وعرف منهم عصرنا الحاضر فؤاد الخطيب وخليل مردم وعبد الوهاب عزّام وعمر الأميري، فهل يطمع كل الشعراء أن يصبحوا وزراء؟ أم أن دولة الأدب ستضن برجالها؟