الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزائر وطن *
هذا الاسم أصبح علمًا تاريخيًا وجغرافيًا على هذه القطعة الثمينة الواسعة من شمال إفريقيا، مشخصًا لها تشخيصًا واقعيًا لا ينصرف الذهن إلى غيرها عند إطلاق الاسم ولا يتردد سامع في مسماه.
وهذه القطعة ذات خصائص طبيعية وخصائص مكتسبة، اجتمعت كلها في نقطة واحدة تصدق رواد الحق وأنصار الحقائق، وتكذب المبطلين من أصحاب الفكر الزائغ والرأي الضال والهوى الأعمى.
هذه النقطة التي تعرب عن نفسها وتسفه كل من يريد تغطيتها هي أن الجزائر وطن بربري قبل الإسلام يضم جماهر القبائل البربرية وأصولها الأولى، ووطن عربي إسلامي منذ دخله الإسلام يصحب ترجمانه الأصيل وهو اللسان العربي، فمنذ ثلاثة عشر قرنًا انتقل هذا الوطن من صبغة إلى صبغة، من صبغة جنسية ليس معها ما يعصمها من الألوان الروحية إلى صبغة جنسية معها ما يحميها من الانحلال والتقلب وهي العروبة المعتصمة بالإسلام، وليس لها في النظر التاريخي الصحيح إلّا هذان الطوران وهاتان الصبغتان، ومن السفه لو ادعى الرومان الذين ملكوها قرونًا أنها صارت بذلك رومانية إلا بضرب من التوسع في التعبير والتساهل في الإطلاق الاصطلاحي، وقد لبثوا فيها قرونًا ثم خرجوا منها مدحورين لأنها ليست رومانية بالطبع، ولو كانت كذلك لما صحّ أن يقال إنهم خرجوا منها إلا إذا صحّ أن الإنسان يخرج من جلده، ومن أسفه السفه دعوى مجانين السياسة من الفرنسيين أنها قطعة من فرنسا. واذا حكم الواقع بأن دعوى الرومان سفيهة ودعوى الفرنسيين مجنونة، حكم بما هو فوق السفه والجنون على فكرة ثالثة خاطئة كاذبة راجت في السنين الأخيرة على ألسنة
* كلمة وُجدت في أوراق الإمام، ولا نعلم إن كانت نشرت أم لم تنشر.
قوم يحاولون أن يغيّروا أوضاع الله وأوضاع خلقه بكلام يقولونه. هذه الفكرة هي أن الجزائر ليست وطنًا موجودًا، وإنما هي وطن يتكوّن (1)
…
كأنهم يفسرون الأوطان القائمة على خصائصها الطبيعية ومدلولاتها العرقية بالمعاني الجيولوجية، فهي تتكون على نحو مما تتكون المعادن في مئات السنين أو في آلافها، ولو صحّ رأيهم هذا لما صحّ أن يوجد وطن على ظهر الأرض، وليت شعري ماذا تكون الجزائر إن لم تكن وطنًا. وماذا تراهم يقدرون من الزمن لتمام تكوينه بعد أن لم تكف لتكوينه ثلاثة عشر قرنا في نظرهم؟
إن هؤلاء القوم دلّوا بكلمتهم هذه على حقيقتهم الكاملة، وهي أنهم يكفرون بالحقائق والسنن وأنهم لو انبسطت أيديهم في الكون لمسخوا محسوساته كما مسخت حقائقه في عقولهم. إن معنى قولهم أن الجزائر وطن يتكون وليس وطنًا سويًا أنه لا وطن في أذهانهم، ولكنهم خافوا الجبه بالتكذيب فنزلوا درجة وأبقوا للوطن شيئًا من معناه تعمية وسترًا على شيء في أذهانِهِم، ومن عاش خمسين سنة آتية وسألهم هل تم التكوين؟ يجيبونه بأنه في طور التكوين ما دام لم ينته إلى معنى الذي يريدونه لكلمة وطن.
1) صاحب هذه الفكرة هو موريس طوريز، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي في الثلاثينيات والأربعينيات، وقد أخذ عنه هذه النظرية الشيوعيون الجزائريون.