المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقرير مرفوع إلى صاحب الدولةرئيس وزراء الحكومة الباكستانية * - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي - جـ ٤

[البشير الإبراهيمي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌مقدمةمحمد الغزالي

- ‌السياق التاريخي (1952 - 1954)

- ‌في باكستان

- ‌رحلتي إلى الأقطار الإسلامية *

- ‌ 1

- ‌بواعث الرحلة

- ‌بدء الرحلة

- ‌ 2 *

- ‌إلى كراتشي

- ‌ 3 *

- ‌مشكلة اللغة

- ‌بدء الأعمال العامة

- ‌ 4 *

- ‌كلمة حق

- ‌الزيارات

- ‌ 5 *

- ‌بقية أعمالي في كراتشي

- ‌حفلة جمعية علماء باكستان

- ‌رحلتي إلى كشمير والدواخل

- ‌ 6 *

- ‌بقية أعمالي في كراتشي

- ‌أخوة الإسلام *

- ‌الرجوع إلى هدي القرآن والسنّة *

- ‌أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليومهو الإسلام *

- ‌تقرير مرفوع إلى صاحب الدولةرئيس وزراء الحكومة الباكستانية *

- ‌في مؤتمر العالم الإسلامي

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌وحدة الصوم والعيد *

- ‌خماسيات عمر الأميري *

- ‌ديوان «مع الله» *

- ‌جواب على أسئلة ثلاثة *

- ‌في العراق

- ‌لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها *

- ‌تعارف المسلمين مدعاة لقوّتهم وعزّتهم *

- ‌في الموصل *

- ‌بغداد تكرّم المغرب العربي *

- ‌في المملكة العربيةالسعودية

- ‌وظيفة علماء الدين *

- ‌ 1

- ‌ 2 *

- ‌ 3 *

- ‌الشباب المحمّدي *

- ‌الشيخ محمّد نصيف *

- ‌إلى علماء نجد *

- ‌تعليم البنت *

- ‌في مصر

- ‌صوت من نجيب، فهل من مجيب

- ‌في ذكرى المولد النبوي الشريف *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الأستاذ الفضيل الورتلاني *

- ‌الأستاذ سيد قطب *

- ‌اِغتيال الزعيم التونسي فرحات حشّاد *

- ‌تحية الجزائر *

- ‌منزلة الأدب في الحياة *

- ‌مذكرة إيضاحية *

- ‌الشعب الجزائري

- ‌ جمعية العلماء

- ‌نشأة هذه الجمعية:

- ‌تشكيلات الجمعية في الوقت الحاضر:

- ‌العضوية في الجمعية:

- ‌جرائد الجمعية:

- ‌مالية جمعية العلماء:

- ‌أعمال الجمعية لحفظ الإسلام على مسلمي فرنسا:

- ‌مواقف مشهودة لجمعية العلماء:

- ‌موقفها من المبشّرين المسيحيين:

- ‌موقفها من الإلحاد:

- ‌موقفها من الخمر:

- ‌موقفها من تعليم المرأة:

- ‌موقفها من السياسة الجزائرية:

- ‌موقف فرنسا من الجمعية:

- ‌أمهات أعمال جمعية العلماء

- ‌أولًا- مقاومة الأمية:

- ‌ثانيًا- المحاضرات الدينية والاجتماعية:

- ‌ثالثًا- تأسيسها للنوادي العلمية:

- ‌رابعًا- بناء المدارس:

- ‌خامسًا- المعهد الباديسي:

- ‌مشروع جامعة عربية إسلامية في الجزائر

- ‌خلاصة النتائج الإيجابية من أعمال جمعية العلماء وتوجيهاتها

- ‌في المعنويات

- ‌في الماديات

- ‌خاتمة

- ‌تحية غائب كالآيب

- ‌من هو المودودي

- ‌نص البرقية التي أرسلناها إلى حاكم باكستانوإلى رئيس وزرائها في قضية المودودي

- ‌في الكويت وبغدادودمشق وعمّان ومكّة

- ‌حكمة الصوم في الإسلام *

- ‌تصدير لمجلة «الإرشاد» الكويتية *

- ‌الأستاذ كامل كيلاني *

- ‌في نادي القلم ببغداد *

- ‌حركتنا حركات أحياء *

- ‌‌‌حركة جمعية العلماءالجزائريينوواقع العالم الإسلامي *

- ‌حركة جمعية العلماء

- ‌واقع العالم الإسلامي:

- ‌هل لمن أضاع فلسطين عيد

- ‌حالة المسلمين *

- ‌في مجمع اللغة العربية بدمشق *

- ‌دولة القرآن *

- ‌في مصر

- ‌برقيات احتجاج

- ‌كلمة إلى الشعب الليبي *

- ‌تقارب العرب…بشير اتحادهم *

- ‌افتتاح دار الطلبة بقسنطينة *

- ‌نصيحة وتحذير *

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين *

- ‌المشاريع التي أنجزتها هذه الجمعية:

- ‌في صميم القضية الصينية

- ‌المرأة المسلمة في الجزائر *

- ‌إلى الشباب *

- ‌تكريم الأستاذ مسعود الجلّالي *

- ‌القدس وعمّان ودمشقوبغداد ومصر

- ‌رسالة إلى الأستاذ فاضل الجمالي *

- ‌أضعنا فلسطين *

- ‌الصراع بين الإسلام وأعدائه *

- ‌معنى الصوم *

- ‌أعيادنا بين العادة والعبادة *

- ‌متى يبلغ البنيان *

- ‌اتحاد المغرب العربي الكبير *

- ‌رسالة إلى الأستاذ خليل مردم بك *

- ‌حديث رمضان

- ‌داء المسلمين ودواؤهم *

- ‌مساعي جمعية العلماءفي قضية الزعيم الحبيب بورقيبة *

- ‌من عاذري

- ‌رسالة الأستاذ الورتلاني

- ‌المطبعة والمدفع

- ‌النظام ملاك العمل والحزم مساك النظام *

- ‌تعليق على كلمة الأستاذ الكبيرالشيخ محمد عبد اللطيف دراز *

- ‌ 1

- ‌ 2 *

- ‌مذكّرة عن جمعية العلماء إلى الجامعة العربية *

- ‌الشعب الجزائري:

- ‌أشنع أعمال فرنسا في الجزائر:

- ‌لمن يرجع الفضل

- ‌مبدأ جمعية العلماء وغاياتها:

- ‌أعمال جمعية العلماء في التعليم العربي للصغار:

- ‌بادروا لنجدة إخوانكم

- ‌الجزائر تعتزّ بعقيدتها وعروبتها:

- ‌وزير فرنسي ينكر على فرنسا أعمالها البربرية:

- ‌الجزائر محرومة من كل شيء:

- ‌«الزاب» في دائرة المعارف الإسلامية *

- ‌الرق في الإسلام *

- ‌تمهيد:

- ‌دين التحرير:

- ‌الاسترقاق في التاريخ:

- ‌عمل الإسلام في الرق:

- ‌المقاصد العامة في التشريع الإسلامي:

- ‌حكم التسرّي وحكمته في الإسلام:

- ‌الاسترقاق عند المسلمين اليوم:

- ‌كلمة لصحيفة "الأهرام

- ‌كلمة لِـ"مجلة الإذاعة المصرية

- ‌الجزائر وطن *

- ‌الإستعمار *

- ‌إلى الأستاذ عبد العزيز الميمني *

- ‌فلسطين واليهود *

- ‌مداعبات إخوانية

- ‌إلى ولدنا الأستاذ عبد الحميد الهاشمي *

- ‌كليّة" الأعظمي *

- ‌إلى ولدي الأديب عمر بهاء الدين الأميري *

- ‌إلى الدكتور فاضل الجمالي *

- ‌جمعية

- ‌الطائرة

- ‌إنْ أردتَ

- ‌إلى الأستاذ صالح الأشتر

- ‌غار على أحسابه

- ‌عبد العزيز العلي المطوع

الفصل: ‌تقرير مرفوع إلى صاحب الدولةرئيس وزراء الحكومة الباكستانية *

‌تقرير مرفوع إلى صاحب الدولة

رئيس وزراء الحكومة الباكستانية *

يا صاحب الدولة،

أرفع إليكم بيد الإخلاص، وبدافع النصيحة التي أوجبها الله علينا لعامّة المسلمين ولأولياء أمورهم خاصّة، فقابلوه بما يجب له من الاهتمام والتقدير.

إنّي أرى أنّ هذه الناحية التي يشرحها التقرير جديرة بالتقديم على غيرها من مصالح الدولة، لأنّها هي الناحية النفْسيّة التي تقوم عليها الأمّة، والنواحي النفْسيّة الروحية هي قوام الأمم والدول، وإنّي لأعْجَبُ ويعجب معي كلّ مفكّر مسلم يحبّ أن تُبْنَى هذه الدولة الإسلامية الناشئة على أساس صحيح- كيف لم يَكن لهذه الناحية اعتبار أوّلي من أوّل لحظة قامت فيها هذه الدولة.

لا نشكّ أنّه يومَ يوضع الدستور الباكستاني تكون أوّل مادّة فيه هذه الجملة بهذا النصّ: "دين الدولة الرسمي هو الإسلام"، وهذه المادة لا تكون حقيقة واقعة صادقة مؤثّرة إلّا إذا سبقتها تمهيدات، واتخذت لها وسائل عملية تضمن تحقيقها على الوجه الكامل الصحيح.

والحقيقة التي يجب عليّ أن أصارحكم بها هي أنّ الأمّة الباكستانية- وإنْ كانت مسلمة- تلتقي فيها المذاهب الإسلامية المختلفة المتعارضة، التي يحملها علماء لا يخلون من بعض التعصّب للآراء الاعتقادية، ولا يخلون من الجمود على الآراء المذهبية في جزئيات العبادات والأحكام، ويقابل هذا الجمود جهل مطبق بالدين في العامة، وتحلّل فاش في الجيل الجديد من الشبّان، وهذا شيء لَمسْنا حقيقته في هذه الرحلة، ودرسناه بالعقل الممحّص والبحث المدقّق، ووازناه بالمقارنات التاريخية في الماضي والحاضر، فإذا هو أخطر شيء على هذه الأمة وعلى هذه الدولة، ومن واجب الحكومات الحازمة الرشيدة

* تقرير أُرسل إلى رئيس حكومة باكستان السيد خواجة ناظم الدين، ماي 1952.

ص: 70

أن تحتاط لمثل هذا الأمر من بعيد، وتعالجه بالحكمة والتدريج، قبل أن يستفحل فينفجر عن فتن لا قِبَلَ للحكومة بإطفائها، أو يكون عائقًا لها عن التقدّم، أو يكون مشوّشًا للنظام، مخلًّا بالاستقرار.

والتدبير الموصل إلى المقصود هو أن تكوّن في أقرب وقت وزارة تسمّى "وزارة الشؤون الإسلامية"، وتحاط هذه الوزارة بنوع من التحصين يجعلها آمنة من التقلّبات الحزبية والتيارات السياسية، كما تفعل بريطانيا في بعض مصالحها التي لا تقوم إلا على الاستقرار، وهذه الوزارة متعلقة بالدين، والدين لا يتبذل ولا يتغير، ويختار لهذه الوزارة رجل يجمع بين الثقافة الدنيوية الضرورية وبين الثقافة الدينية علمًا وعملًا.

تقوم هذه الوزارة بتحقيق الأمور الآتية على الترتيب:

أوّلًا: ضبط الأوقاف الإسلامية المشتّتة بالتسجيل وكفّ الأيدي العادية عليها، وإعدادها للاستغلال العصري الصحيح الكامل حتّى تثمر وتغل فتصبح موردًا ماليًا قارًّا وعمادًا لنشر العلم والدين الصحيح، وإن ضبط الأوقاف الإسلامية القديمة وحفظها من عدوان العادين، وإرجاعها إلى ما يحقق رغبات الواقفين- كل هذا مما يحيي في المسلمين من جديد نزعة الوقف في سبيل الله وتشجيعهم عليه، فالمسلمون اليوم ما قبضوا أيديهم عن الوقف إلّا لأنّهم رأوْا بأعينهم مصير الأوقاف القديمة وضياعها وعدم صيانتها بالقوانين الصارمة، فضاعت بذلك مقاصد الواقفين، وإن حكومة باكستان إذا قامت بهذا الضبط لا تكون مبتدئة ولا مبتدعة، فهذه حكومة مصر فيها وزارة للأوقاف خصوصية وكأنّها حكومة مستقلّة لكثرة أعمالها، وهذا الأزهر الشريف نفسه قائم على الأوقاف الإسلامية بإدارته العظيمة ومنشآته وعلمائه وتلامذته الذين يعدون بعشرات الآلاف.

ثانيًا: تنظيم التعليم الديني على برنامج قوي محكم حكيم ينطوي على تمتين الأخوة الإسلامية الجامعة، وعلى التقريب بين المذاهب، وإرجاع المسلمين بالتدريج إلى الأصول المتفق عليها، فلا يمرّ عليهم جيل حتى يكون هذا التعليم الموحّد المنظم قد أثر في نفوسهم وجمع بينهم، وأزال ما بينهم من خلاف في الدين، أو أزال على الأقل آثار الخلاف بينهم، ويتضمّن هذا التعليم إعداد تلامذته ليكونوا معلّمين ووعّاظًا وأئمّة وخطباء مساجد، وتخصّص لهم جميع الوظائف الدينية حينما يحصلون على شهاداته العالية، ولذلك فيجب أن توضع لهم الدرجات وتبيّن لهم الوظائف في البرنامج ليرغبوا في هذا التعليم وينشطوا له، وتقوى آمالهم في الحياة ووثوقهم بالمستقبل، وليكن هذا التعليم في المساجد بصورة وقتية حتى

ص: 71

تتمكّن الوزارة من بناء معاهد خاصة به لائقة بجلالته، وليكن الإنفاق عليه من ريع الأوقاف، فإن لم تف فتحت له الاعتمادات من الخزينة العامة، وكل درهم تنفقه الحكومة في هذا السبيل يعود عليها بالربح الجزيل.

ثالثًا: تنظيم الحالة في المساجد القديمة، وإزالة هذه الفوضى الضارلة فيها، ولا يتم ذلك إلّا بوضع نظام شامل للأئمة والخطباء والمؤذنين والقوَمة، وتحسين حالتهم المادية إلى أقصى حدّ، ومراقبتهم برجال أعلى منهم قدرًا في العلم والتديّن ليشعروا أن الرقابة عليهم منهم، وأنها نافذة، فيخضعوا إلى النظام، ولا ينفروا من المنظّم، فإذا تمّ هذا في المساجد القديمة التي هي وقف عام، حمل أصحاب المساجد الخاصة على الدخول في النظام العام الموحّد إن لم يرجعوا من تلقاء أنفسهم، وإن ضعفاء الإيمان والعلم تحتّم عليهم أسباب الحياة أن يجعلوا من بيوت الله وسائل للمعيشة، فتفقد روحانيتها وتصبح متاجر لا معابد، ومفرقة على الهوى لا جامعة على الحق، وفي هذا خطر على تربية الأمة ستظهر آثاره بعد حين، فئتحرص هذه الوزارة على معالجته بالحكمة ومعها القوة، وبالمطاولة ومعها الحزم.

رابعًا: تنظيم أحوال علماء الدين وتقريبهم من هذه الوزارة وجمعهم من حولها، وإفهامهم أنها وزارتهم الطبيعية يتصلون بها اتّصال الجندي بوزارة الحربية، والمعلم بوزارة المعارف، وأنها المرجع الوحيد لمصالحهم، ثم تعمل الوزارة على تكليفهم بوظائف دينية علمية من إمامة وخطابة ووعظ، وتلزمهم بالمحافظة على برنامج عام تضعه الوزارة ويكون لأهل الرأي منهم فيه رأي استشاريّ حتى لا يتشتت الرأي، وتختار الوزارة الأكفاء منهم للعضوية في مجلسها الإداري تدريبًا لهم على الأعمال العامة، ويجب على الوزارة أن تهتمّ بتحسين أحوالهم المادية قبل كل شيء، فإن لهذه الطائفة نفوذًا قويًا على العامة، فإذا تُرِكوا على هذه الحالة من الفوضى والإهمال وعدم ضمان الحياة المعيشية- فربّما يصبحون في وقت من الأوقات مصدر خطر على الدولة، وسببًا في الاضطراب والفتنة، وفارغ البال من الخير يعمره الشيطان بالشر، وهذه سنّة الله في الطباع البشرية، أما إذا كلفوا بالوظائف، وضمِن لهم الرزق، فإنهم يشعرون بالعزة والمسؤولية معًا، ويشعرون بأنهم جزء من الحكومة، وبأن لهم شركة في هيكلها الأساسي، وأن لهم مكانة في الدولة ورأيًا في تسييرها، وأن لهم حظًا في الحياة يجب أن يحافظوا عليه، وأن عليهم واجبات للدولة والأمة يجب أن يقوموا بها. إن أوّل فائدة لهذه الطريقة هي تعويدهم على العمل النافع وعلى النظام في العمل، وعلى تقديس النظام واحترامه، وإخراجهم من الكسل والجمود والفراغ، ويومئذ يعاونون الحكومة بنفوذهم الديني على إقرار النظام، وعلى إنشاء الدستور المنتظر المستمدّ من دين الأمّة ومن دنياها.

أما إذا وفّقت هذه الوزارة إلى وضع "كادر" للدرجات والترقيات للأكفاء من علماء الدين يتسابقون إليها بالأعمال النافعة، فإنها تعجل بالخير لها وللأمة، لأنهم يعلمون حينئذ

ص: 72

أن الدرجات عند الله تقابلها درجات عند الحكومة، وأنه لا تنافي بينهما، وأن خدمة المرء لوطنه هي خدمة لدينه أرفع من كل خدمة.

إن إصلاح هذه الطائفة وتبديل عقليتها أنفع بكثير من تركها على هذه الحالة، وإذا تمّ هذا العمل على هذا الأساس، وسايره التعليم الديني الصحيح، تكون الحكومة قد أمّنت الحاضر بهؤلاء الكبار، وأمّنت المستقبل بذلك الجيل المتعلّم، ووضعت يدها على الفريقين، وسيكون الجيل الجديد المتعلم أفقه لحقائق الدين وبموافقتها التامة للمصالح الدنيوية العامة، فيرتفع هذا التصادم الصوري الماثل في أذهان الجيل القديم، ويرتفع هذا التنافر بين عقلية الآباء وعقلية الأبناء، وما عطّل رقيّ الأمم الإسلامية الحاضرة إلّا هذا التنافر.

خامسًا: تنظيم برنامج للوعظ الديني على أساس صحيح واسع، وطريقة فنية تقتبس من حقائق الدين وحقائق النفس وسنن الله الواقعة في كونه، وتمتزج فيها روحانية الدين بأرواح البشر، فتؤثّر فيها وتقودها إلى الخير، لا على هذه الطريقة الموجودة اليوم في المساجد في أيام الجمع، فإنها ترغيب لا يرغب، وترهيب لا يرهب، وإنما هو كلام معتاد يتركه السامعون في الجامع إذا خرجوا من الجامع، بدليل أن هذه المواعظ لم تبدل حالة العامة ولم يظهر عليهم منها أثر، فهم في كل جمعة يسمعون التحذير من الخمر مثلا والخمر لا تزداد إلّا فشوًّا، ومن الكذب وهو لا يزداد إلّا كثرة، وأكبر الأسباب في فشل الوعظ الديني بصورته الحاضرة أنه لا يصدر عن تأثر من قائله، وإنما تعوّد قائلوه أن يقولوه قولًا من غير حكمة، وتعوّد سامعوه أن يسمعوه حُكمًا من غير حكمة، والوعظ كالطعام يقدّم ألوانًا وبقدر الحاجة، ولا يؤثر في السامعين إلّا إذا كان خطابًا من القلب إلى القلب، ومن الروح إلى الروح، وكان الشيء المأمور به أو المنهي عنه مقرونًا ببيان آثاره وحكمه، فإذا كان تحذيرًا من الخمر قُرن ببيان آثاره من إتلاف المال وإذهاب العقل الذي هو سرّ الكرامة الإنسانية، وقضائه على الصحّة، وجلبه للخصام وتكديره للحياة الزوجية، وانتقال آثاره بالعدوى إلى الذرية، وهوان صاحبه على نفسه وعلى الناس.

والواجب على الوزارة إدخال الوعظ في مناهج التعليم الديني وتمرين الطلّاب عليه من الصغر، حتى تخرج بعد أعوام طبقة عالمة بكيفية الوعظ وشروطه قادرة على تأديته على أكمل صوره.

والواجب أن توزّع الوعّاظ على الأقاليم، وتأمرهم بأن لا يقتصروا على المسائل الدينية فقط، بل يتناولون المسائل الدنيوية التي يعمر بها الوطن وتسعد بها الأمة والحكومة، مثل التحريض على العمل، والتنفير من البطالة والكسل، ومثل تحبيب الفلاحة والتجارة والقراءة، ومثل الأخوة والاتحاد والتعاون على الحق، ومثل إصلاح العائلة التي هي أساس الأمة، ومثل تحسين العلاقة بين الغني والفقير، ومثل الطاعة للحكومة في المعروف.

ص: 73

والواجب أن تدخل هذا النوع إلى الجيش في ساعات معينة من الأسبوع، فإن الجيش هو أحوج الناس إلى التربية الدينية وإلى تقوية الإيمان في نفوس أفراده وإلى تصحيح بصائرهم في الدفاع عن الوطن، فيجب أن يفهم الجيش أن دفاعه عن الوطن إنما هو دفاع عن دين الله الحق، وأن الاعتماد على جيش لا دين له ولا حَميّة كالاعتماد على الأعواد الرخوة التي لا قوة لها، وما انتصرت الجيوش الإسلامية في التاريخ إلا بالإيمان والحميّة الدينية، وما انتصرت الجيوش العثمانية على أوروبا إلّا يوم كانت مسلحة بقوة روحية من الإسلام، فلمّا فقدت هذه الصفة خذلها الله، فالواجب تسليح الجيش الباكستاني بهذه القوّة التي لا يفلُّها طمع ولا يُغريها متاع الدنيا ولا ترهبها قوة العدو.

سادسًا: يدخل في اختصاص هذه الوزارة قبض الزكاة الشرعية من الحبوب والعين والأنعام والتجارة. بعد وضعها لذلك برنامجًا محكمًا مضبوطًا بالاتفاق مع الحكومة، ولها أن تدفع منها قسطًا إلى الخزينة العامة، والزكاة في الإسلام هي العنصر الأساسي لبيت مال المسلمين، ومنه كانت تتغذّى المصالح العامة، ومنها بناء المساجد والمدارس والقناطر والحصون والثكنات، ومنها كانت تشترى الأسلحة وبها كانت تحفظ الثغور، أمّا الأموال الأخرى كالأنفال والمغانم والخراج فتارة تكون وتارة لا تكون، ولكن الزكاة هي الركن الدائم، وإذا خصصناها بوزارة الشؤون الدينية فلكي يطمئن الناس إلى دفعها بجاذبية الدين.

سابعًا: يدخل في اختصاص هذه الوزارة أيضًا ترتيب الحجّ وتنظيمه والوقوف على راحة الحجّاج بتسهيل الإجراءات هنا، وبتعيين رئيس يصحب الحجّاج في كل سنة، ومسألة الحجّ حقيقة بمزيد الاهتمام من الحكومة.

ثامنًا: يدخل في اختصاص هذه الوزارة أيضًا تنظيم الإحسان الديني من التبرعات والصدقات، فعليها أن تصدر قوانين صارمة حازمة وتتكفّل بتنفيذها، لضبط الصدقات والتبرعات على وجوه الخير مثل صيانة اليتامى والفقراء وتعليمهم، فإن هذه المعاني كلّها تدخل في ضمن الدين. وإهمال هذه القضية يؤدّي إلى خطرين عظيمين: الأوّل ضياع أموال الأمة في غير نفع بسبب عدم الضبط، والثاني فتح باب السرقة باسم الإحسان، ويترتب على هذا الأخير فساد أخلاق الشبّان العاطلين، وقد رأينا ورأى الوافدون إلى هذا الوطن العزيز مثالًا من هذا النوع، رأينا في كراتشي وفي غيرها- حتى في القطارات- طوائف من الشبّان يحملون قسائم مطبوعة باسم مدرسة أو جمعية تعلم يتامى المهاجرين، ويعرضون تلك القسائم بإئحاح على كل من يلقونه، وليس فيها ما يدل على ضبط أو نظام، وليس فيها اسم جمعية محترمة ولا رئيس مشهور، ومثل هذه الفوضى تزعزع ثقة المحسنين وتخلط الخبيث بالطيب وتفسد أخلاق هؤلاء الأحداث المباشرين لهذه الأعمال، فلو كانت هناك وزارة دينية لتولّت

ص: 74

بنفسها هذه الأعمال وسدّت الباب على المفسدين، وساعدتها وزارة الداخلية بوضع قانون مضيق للجمعيات ومراقبتها، وبذلك يشتغل بكل شيء أهله.

هذا ما دفعني الإخلاص والحب لهذه الحكومة إلى تقديمه لدولتكم، راجيًا أن تحلوه محل الاهتمام، وإنه ليسرّني كعالم ديني أن أعينَ هذه الحكومة الشابة ولو بكلمة طيبة، كما يسرّ جميع المسلمين أن يروا هذه الدولة الناشئة كل يوم في تقدّم وترق، وأن يروها في كل ساعة تخطو خطوة إلى الأمام.

يا صاحب الدولة، نحن نعلم مشاغلكم السياسية، ونشارككم الألم النفسي الذي تتحمّله حكومتكم من المشاكل المحيطة بها، ونقدّر جهودكم المبذولة في ترقية التعليم والجندية والصناعة والفلاحة، ولكننا نرى أن ما تضمنته هذه اللائحة يجب أن يكون الأهمّ المقدم، لفائدته المحققة التي لا يختلف فيها اثنان، ولئلا يقال إن حكومة باكستان لا تهتم بالشؤون الدينية، ولذلك لم تخصّص لها وزارة كما خصصتها أندونيسيا المسلمة وإسرائيل اليهودية من أوّل يوم لتأسيسهما.

نعتقد جازمين أنكم إن خطوتم هذه الخطوة الجديدة تكونون قد جمعتم قلوب الأمة، وأسْكَتُّم كل معارض، وأرضيتم الله ورسوله والإسلام. ووضعتم في أساس باكستان صخرة من الحق تمسكها وتثبتها.

وتقبّلوا- يا دولة الرئيس- مني كل احترام وكل تقدير.

محمد البشير الإبراهبمي

رئيس جمعية العلماء الجزائريين

(تُرجم هذا التقرير إلى اللغة الأوردية، وقدمته بنفسي إلى رئيس الوزراء "خواجة ناظم الدين" ليعرضه على مجلس الوزراء، ووعد بأنه يخبرني بالنتيجة أينما كنت).

ص: 75