الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعارف المسلمين مدعاة لقوّتهم وعزّتهم *
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المستمعون الكرام:
أبعث إليكم على أمواج الأثير بواسطة راديو بغداد تحيات الإسلام الطيبات الزكيات، وأعرفكم في جمل قصيرة بمغزى رحلتي، وبشيء من أعمال الجمعية التي أوفدتني، وسأحدثكم بعد الليلة بشيء من أحوال الشمال الأفريقي الذي هو قطع عزيزة من أوطان الإسلام.
الغرض الأساسي من رحلتي هو التعرّف إلى إخواني المسلمين بالوصف الجامع بيننا وهو أخوة الإسلام. ودراسة أحوالهم في مواطنهم، والاتصال بعلمائهم وزعمائهم وقادة الفكر والرأي فيهم، لننظر ونتبادل الرأي في إصلاح الفاسد من أحوالهم، وإكمال الناقص من أعمالهم، والتعاون على تبديل حالتهم بما هو أحسن منها، وإزالة هذا التناكر الذي يسود مجتمعاتهم، وتهيئة الوسائل الممكنة لتعارف الأخ بأخيه.
بدأتُ بباكستان، وأطلت فيها لأن لها من مركزها ونشأتها وأحوالها الداخلية ما يقتضي هذا التطويل، وسأنشر آرائي فيها بواسطة الصحافة إن شاء الله، ليعرف إخواننا البعيدون عنها أشياء من حقائقها.
وأنا الآن في العراق، وسأواصل رحلتي لبقية الأقطار الإسلامية لهذا الغرض الشريف، وهو الدراسة والتعرّف، فإن من النقائص التي لازمت المسلمين قرونًا وفوّتتْ عليهم خيرًا كثيرًا وكانت سببًا في إطالة آلامهم وأمراضهم، هذا التناكر الذي يسود مجتمعاتهم، وقد آن الأوان لأن تتعارف هذه الوجوه المتناكرة، وتتقارب هذه النفوس المتنافرة، ووجب على كل مسلم مخلص لدينه، مالك لوسيلة من وسائل التأليف بين مسلم ومسلم أن يسعى في ذلك
* من حديث في إذاعة بغداد، يونيو 1952.
بإخلاص، وأن يوجه كل مسلم إلى أخيه، وأن يؤذن فيهم بالتعارف الذي هو بريد التعاون، الذي هو بريد القوّة والعزّة، وأن ينذرهم بأن هذا التقاطع بينهم ليس من روح دينهم، وإنما هو من آثار البُعد عن دينهم، وأنهم أضاعوا حقيقتهم يومَ أضاعوا هذه المعاني التي كانت تربط أجزاءهم، وتحفظ عزتهم، وتمكّن لسيادتهم في الأرض، حتى أصبحوا كلهم- بتفرقهم- في حكم العبيد، ولم تُغنِ عنهم كثرتهم العددية شيئًا حينما أضاعوا تلك الكثرة المعنوية.
آن الأوان لأن تتعارف، وآن الأوان لأن تجتمع هذه الأجزاء المتنافرة من الجسم الإسلامي الكبير، ووجب على كل مخلص لدينه أن يسعى في جمع هؤلاء الإخوة المتقاطعين في مصلحة غيرهم.
أيها المستمعون الكرام:
في العالم الإسلامي مؤسسات كثيرة وجمعيات وأحزاب وجرائد ومجلات، وهذه المؤسسات هي التي يجب عليها أن تتعارف بتبادل الزيارات والجرائد والكتب والنشريات، وأن تقف جهودها كلها من نقطة ارتكاز وهي: تعريف المسلم بأخيه المسلم، وتقريب وسائل استفادة المسلم من أخيه المسلم، حتى يكون التعارف مثمرًا ثمرات كاملة.
وإنني أحدّثكم اليوم بمثال من هذا فأعرّفكم بجمعية العلماء الجزائريين وبشيء من أعمالها للإسلام، فإذا عرفتم عنها الكليات، كان ذلك مدعاة لكم إلى البحث عن الجزئيات من أعمالها. وإن هذه المعرفة تفيدكم نشاطًا وتبعث في الجمعية تنشيطًا حينما تعلم أنها بعين من إخوانها أهل الفكر والرأي في العالم الإسلامي.
جمعية العلماء الجزائريين لفظ معناه جماعة من العلماء المصلحين جمع بينهم العلم الواسع بحقائق الإسلام المستمدّة من الكتاب والحديث، والاطّلاع الواسع على التاريخ الإسلامي والحظ الوافر من الاطّلاع على أسرار اللسان العربي الذي هو لسان الإسلام وترجمان حقائقه، وجمع بينهم- زيادة على ذلك- نسق من الأخلاق المحمدية منها الإخلاص في الذود عن حقائق الإسلام وتطهيره من كل ما علق به من ضلال العقائد وبدع العبادات، وزيغ الأخلاق، ومنها الألم لحالة المسلمين الحاضرة مع العلم بأن منشأها الأول آت من هجرهم للقرآن وبُعدهم عن فهمه فبعدوا عن هدايته، ومع اعتقاد أنهم لا يعودون إلى ماضيهم العزيز إلّا إذا عادوا إلى القرآن فأحيوه، وأن هذه الجيوش من الرذائل التي تهاجم الإسلام في إيراد الشبه وفي تزيين الإلحاد، لا تُدفع إلّا بالاعتصام بالعروة الوثقى وهي القرآن.
إن في الجزائر ذلك القطر الذي هو قطعة من وطن العروبة الأكبر، وفلذة من كبد الإسلام، معاني من الدين وكنوزًا من الأخلاق الإسلامية الشرقية لاذت بنفوس عربية،
وتوارثتها الأجيال عن الأجيال، ومرّت بها فترات من الجهل والضلال، ونزعات من الظلم الأجنبي والاعتلال، فلم تفسدها ولم تفض إلى مكامنها حتى ظهرت في هذا العصر وتجلّت، أظهرتها الحركة الإصلاحية القائمة على يد جمعية العلماء الجزائريين.
إن في المغارب الثلاثة تونس والجزائر ومراكش قريبًا من ثلاثين مليونًا من المسلمين العرب الأشداء في إسلامهم وعروبتهم، وطالما انتابتهم الأحداث التي تنسي الإنسان جميع مقوّماته، ولكنهم لم ينسوا عروبتهم ولم يضيعوا إسلامهم، وآخر الأحداث التي حلّت بهم هذا الاستعمار الفرنسي الجاثم على شمال أفريقيا (1).
…
1) لم نعثر على بقية الحديث، ولعله أكمله ارتجالًا.