الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإستعمار *
كلمة "الاستعمار" إحدى الكلمات المظلومة باستعمالها في ضدّ معناها الوضعي، مع خُلُوِّها من النكتة التي يلمحها العرب في مثل هذا النوع من الاستعمال، حين سموا البيداء المهلكة مفازة، واللديغ سليمًا، والغادية قافلة، والنكتة الغالبة في تسمية الشيء باسم ضده هي التفاؤل أو التفريج أو حسن الأدب في الخطاب أو عدم صكّ الأسماع بسوء القول.
وكلمة "الاستعمار" آتية من "عمر" ضدّ "خرب" مع أن التفسير العملي لهذه الكلمة هو الخراب والتخريب، وليس فيها شيء من معنى الإعمار والتعمير، ولا أدري أي صارف صرف الجيل الذي مضى قبلنا من الكتّاب والمترجمين عن ترجمة هذه الكلمة من لغاتها الأصلية بمعناها الحقيقي وهو التخريب والظلم والتسلط والقهر، إذا لم تكن الغفلة والتقليد للغالب والدهشة من أعماله واستعظامها في النفوس الدليلة، فإذا كان المستعمر هو الذي حملهم على هذا الاستعمال وهذه التسمية- وهوَّنَها عليهم- بالترغيب أو الترهيب أو الاستغفال، فهذا أكبر قادح في موازينهم العقلية والفكرية، فإن الاستهانة بالألفاظ تفضي إلى الاستهانة بالمعاني، والأسماء الجميلة لا تستر المعميات القبيحة إلّا عند الصبيان وأشباه الصبيان من أمثالنا وأمثال الجيل السابق من أسلافنا الذين أقرّوا هذا الاستعمال.
ولسنا نعني من الاستعمار مظاهره المادية التي تقع عليها العين والتي ليس وراءها قلب يقظ، فإن هذه المظاهر التي تراها الأعين قد تشهد بصحّة الاستعمال من غرس الجنات وإجراء المياه إليها وتمهيد الطرق وعقد الجسور، فإنّ العين لو نطقتْ لقالت هذا تعمير، ولكننا نعني الاستعمار بمعناه التام من أسبابه إلى أعقابه، ومن أسراره المطوية إلى آثاره المرئية.
…
* كلمة عن معنى "الاستعمار" وُجدت في أوراق الشيخ.