الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: في المنهج الذي اتبعه التاج في شرح الكتاب
حرص الإمام تاج الدين السبكي أن يكون الشرح آخذا بعناق المتن دون أي خلل، لا يشعر القارئ بوجود أي فجوة بينهما، فكان يحذو في شرحه حذو المصنف البيضاوي في متنه ترتيبًا وتبويبًا وموضوعات، وإن رأى خلاف ذلك ينوه عليه.
ومن الضروري جدًا أن ننبه هنا إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أنّ شرح الشيخ تاج الدين السبكي لمنهج البيضاوي إنما هو تتمة لما بدأ به والده، وقد بدأ من قول المصنِّف:"الرابعة: وجوب الشيء مطلقًا يوجب وجوب ما لا يتم إلا به وكان مقدورًا".
وهذا يعني أن الإمام تاج الدين السبكي شرح معظم الكتاب.
والآن نبدأ في تتبع منهجه ابتداء من المقدمة إلى خاتمة الشرح، مرورًا بجميع الأبواب.
أولًا: مقدمة الشرح:
بدأ الشارح رحمه الله بالبسملة والثناء على الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ المقدمة ببراعة استهلال، بلفظ مسجوع، غاية في الحبكة الأدبية، وانتقاء الألفاظ، ضمنها ما تضمنه
كتاب المنهاج للبيضاوي من أبواب أصول الفقه، بدأ بالأصول المتفق عليها (الكتاب والسنة والإجماع والقياس)، ثم النسخ ثم طوق الاستنباط من عام وخاص وأمر ونهي وظاهر ومؤول ثم الأدلة المختلف فيها كالاستصحاب وشرع من قبلنا إلى نهاية الاجتهاد والتراجيح. ولم ينس أن يعرج عن الأحكام الشرعية التكليفية منها (كالواجب والمندوب، والحرام والمكروه والمباح)، والوضعية كالشرط والمانع، وانتهى بالكلام عن واضع هذا العلم: الشافعي وكل من سار وراءه من الأصوليين. ولتوضيح ذلك نسرد مقدمته واضعين خطًا على كل كلمة تومئ إلى ذلك.
قال التاج رحمه الله: "الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعل لنا من هذا الدّين القيم شرعة ومنهاجا، وأطلع لنا في سماء العلم الشريف من الكتاب والسنة سراجًا وهاجًا، وقدر للفقيه أن يكون على الإجماع محتالًا، وإلى القياس محتاجًا، نحمده على نعمه التى خصَّنا بعمومه، ورجحنا على من سواه بأدلة مفهومها، واستوعب لنا ما وجد منها عند سبرها وتقسيمها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ظاهرة غير مؤولة دائمة، نستصحب منها أحكامًا غير مبدلة نامية الثواب يوم الميعاد، فلا يحتاج إلى بيان أحكامها المجملة، ونشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الذي نسخ شرع من قبله بشرعه المؤيد، وأمر ونهى فأوجب وندب وحرم وأباح، وأطلق وقيد، واجتهد في إبلاغ ما أمر به، فذب العقل عن فعل ما قرره، وشيّد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين فهموا خطاب وضعه، وقاموا بشرائط دينه، وعلموا أدلة
شرعه، واتبعوه فما منهم إلا قال بموجب أصله وفرعه، صلاة، تصل أخبارها إليهم بكرة وعشيًا، وتفد أجناسها المتنوعة بفصولها المتميزة عليهم فتسلك صراطًا سويًا، وتخَلِّصُ قائلها من الأهوال يوم يموت ويوم يبعث حيًّا، دائمة ما افتقر فرع إلى الرجوع إلى أصله، واحتاج المجادل إلى تجويد نصه، كما يحتاج المجالد إلى تجريد نصله، باقية لا ينعكس طردها، ولا يشتبه محكمها بترهات الملحد، وزخرف قوله، ورضي الله عن التابعين لهم يإحسان المقتفين آثارهم الحسان، وخصّ بمزيد الرضوان العلماء الحامين حمى الشريعة أن يضام أو يضاع، الوارثين بالدرجة الرفيعة هدى النبوة الذي لا يرام ولا يراع، الوافدين على حياطته بالهمة الشريفة، لا سيما الإمام المطلبي مستخرج علم أصول الفقه محمد بن إدريس الشافعي الذي ساد المجتهدين. مما أصّل وأنشا، وسار نبأ مجده والبرق وراءه يتحرق عجله وهو إمامه على مهل يتمشى، وساق إلى سواء السبيل بعلومه التي غشاها من تقوى الله ما غشى، وقدَّس أرواح أصحابه، الذين زيّنوا أسماء العلوم من أنفسهم بزينة الكواكب، وهاموا باتباع مذهبه المذهب، وللنّاس فيما يعشقون مذاهب. وذادوا عن بيان ما أجمله وإيضاح ما أشكله، والعلوم عطايا من الله ومواهب، رضا يتكفل بنجاة كل متهم ونجاحه، ويمر بروض الإيمان فيتعطر بأنفاسِه رياحُه، ويفخر عقدُ الجوزاءِ إذا كان درّةً في وشاحِه. أما بعد: "
(1)
.
فلله درّه من أديب فحل، كيف استطاع أن يمتلك زمام البيان،
(1)
ينظر: ص 292 - 295.