الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعزة المؤمن ليست من جنس الكبر واحتقار الناس، أو رؤية تميز النفس عن الغير، بل عزته شعوره بأنه عبدٌ لعزيز، قويٌّ قادر قاهر لا يُغلب، وهو يدافع عن أوليائه.
أبي الإسلام لا أبَّ لي سواه
…
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله كلامًا للتقي رحمه الله، يدل على كراهته لسؤال الناس، وعزوف نفسه عن ذلك، لما في السؤال من المذلة والهوان، وشعور المُسْدِي للمعروف غالبًا بالتفضل والمِنَّة على السائل، وأن له يدًا عليه لا بد من مكافأتها، وهذه عبودية لا يرتضيها المؤمن الصادق، فوجهه وقلبه لا يذل إلا لخالقه، والأحرارُ من الرجال الذي يرون المعروفَ والفضلَ لمن سألهم - قليلٌ، وأقل من القليل.
4 - حياؤه:
قال التاج رحمه الله: "وكان كثير الحياء جدًا، لا يُحب أن يُخْجِل أحدًا، وإذا ذكر الطالبُ بين يديه اليسيرَ من الفائدة استعظمها، وأوهمه أنه لم يكن يَعْرِفُها، لقد قال له مرةً بعض الطَّلَبة بحضوري: حكى ابنُ الرِّفعة عن مُجلِّي
(1)
وجهين في الطلاق، في قول القائل بعدَ يمينه: إن شاء الله تعالى، هل هو رافعٌ لليمين، فكأنها لم تُوجَد، أو نقول: إنها انعقدت على شرط؟.
(1)
هو مجَلِّي بن جُمَيْع بن نجا المخزومي، قاضي القضاة، أبو المعالي. كان من أئمة الشافعية، وكبار الفقهاء، وإليه تَرجِع الفتيا بديار مصر. من مصنفاته: الذخائر، إثبات الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، الكلام على مسألة الدَّوْر. توفي سنة 550 هـ. انظر: الطبقات الكبرى 7/ 277، سير 20/ 325، شذرات 4/ 157.
فقلتُ أنا: هذا في الرافعيّ
(1)
، أيُّ حاجةٍ إلى نقله عن ابن الرفعة عن مُجَلِّي
(2)
! .
فقال لي الشيخ الإمام: اسكُت مِنْ أين لك؟ هاتِ النَّقْل وانزعج.
فقمتُ وأحضرتُ الجزءَ من الرافعيّ، وكان ذلك الطالب قد قام، فوالله حين أقبلتُ به قبل أن أتكلم قال: الذي ذكرتَه في أوائل كتاب الإيمان من الرافعيّ، وأنا أعرف هذا، ولكنْ فقيهٌ مسكينٌ طالبُ علمٍ، يريد أن يُظهر لي أنه استحضر مسألةً غريبة، تُريد أنت أن تُخْجِلَه، هذا ما هو مَليح.
وكان يتفق له مثل هذا كثيرًا، يَنقل عنده طالبٌ شيئًا على سبيل الاستغراب، فلا يُبَكِّتُه، بل يستحسنه، وهو يستحضره مِنْ أماكن كثيرة، بحيث يَخْرج الطالبُ وهو يتعجب منه؛ لأنه يظنه أنه لم يكن مستحضرًا له، وما يدري المسكين أنه كان أعرفَ الناس به، ولكنه أراد جَبْره"
(3)
.
(1)
هو أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القَزْويني الرافعي، نسبة إلى رافع بن خَدِيج الأنصاري رضي الله عنه. ولد سنة 555 هـ. كان رحمه الله متضلعًا من علوم الشريعة تفسيرًا وحديثًا وأصولًا، وأما الفقه فهو فيه عمدة المحقِّقين، وأستاذ المصنِّفين. قال النووي:"هو من الصالحين المتمكنين، كانت له كرامات كثيرة ظاهرة". من مصنفاته: "الفتح العزيز في شرح الوجيز" وكفى به شرفًا، شرح مسند الشافعي، المحرَّر. تُوفي سنة 624 هـ قاله ابن الصلاح، وجزم الذهبي أنه توفي سنة 623 هـ. انظر: سير 22/ 252، الطبقات الكبرى 8/ 281، طبقات الإسنوي 1/ 281.
(2)
أي: ما الحاجة إلى نقل المسألة عن ابن الرفعة وهو متأخِّر، وهي موجودة عند الرافعي، وهو متقدِّم، وإنما يُنقل عن المتأخِّر ما لم يذكره المتقدم.
(3)
انظر: الطبقات الكبرى 10/ 219 - 220.