الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفصيل بعض المسائل تفصيلًا لا تجده عند غيره:
انظر مسألة تكليف الكفار بالفروع
(1)
فقد فصَّلها تفصيلًا حسنًا، ووضَّح إشكالات وأجاب عنها بما لا تجده عند غيره والزركشي رحمه الله على سعة اطلاعه واستقصائه في كتب الأصول كثير الاعتماد على كتب ابن السبكي فينقل ترتيبه في المسألة ويستفيد من تحرراته وتدقيقاته دون عزوٍ إليه، وقد استقرينا ذلك في "البحر المحيط" وأشرنا إلى ذلك مرارًا في بعض المسائل في التحقيق، والقصد بهذا هنا هو أن عدم عزو الزركشي الفائدة إلى ابن السبكي يدل على أنه لم يجدها عند غيره وإلا لصرَّح بذلك كما هي عادته المتضحة بالاستقراء، ولا أشك أن الزركشي رحمه الله على جلالة قدره عالة على التاج في كثير من الفرائد والفوائد التي يسطرها في كتابه، هذا بالاستقراء فقط من خلال "الإبهاج"، ولم نستقرئ من خلال كتابه الآخر "رفع الحاجب"؛ إذ لم يكن متوفرًا لدينا أثناء التحقيق، وبالجملة فالتاج رحمه الله عمدة لمن بعده، استفاد منه الجميع، ونهل من مؤلفاته سائر المحققين من مختلف المذاهب، لا يشك في هذا مَنْ عنده معرفةٌ بكتب الأصول وبكتب التاج رحمه الله.
ذكره لأمور لم يُسبق إليها:
يشير التاج رحمه الله إلى بعض الفوائد التي ينفرد بها ولا يعلم أحدًا سبقه إليها، هذا عدا انفراده ببعض النقول والفوائد التي ينفرد بنقلها
(1)
ينظر: ص 449 - 472.
عن والده، وهي من الدرر والكنوز التي لا يعملها لغيره وإلا لأشاد بذلك، والتقي مشتهرٌ بذلك بين العلماء، كما قال السيوطي رحمه الله عنه.
فمما أشار إليه أنه لم يسبق إليه ولا نعلم أنه استُدرك عليه ادعاؤه - قوله: "ومن الدلائل الواضحة على أن الكافر مكلَّف بالفروع مطلقًا ولم أرَ مَنْ ذكره - قولُه تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}
(1)
إذ لا يمتري الفهم في أن زيادة هذا العذاب إنما هو بالإفساد الذي هو قَدْرٌ زائدٌ على الكفر، إما الصدُّ أو غيره"
(2)
.
وفي مسألة مفهوم الصفة وأن مَنْ قال به اشْتَرَط فيه أن لا يظهر لتعليق الحكم على الصفة فائدة أخرى غير التعليق بها، كأن يكون ذِكْر الصفة خارجًا مخرج الغالب فلا يكون المتكلم ذاكرًا الصفة بقصد التعليق، بل حكايةً للحال، أو أن يكون ذِكْر الصفة بسبب سؤال سائل عن حكم إحدى الصفتين، فَيَرِد الجواب على السؤال فلا يدل ذكر الصفة أن المجيب قَصَد مخالفةَ الحكم عند عدم الصفة.
ثم أورد إشكالًا على اشتراط ألا يخرج مخرج الغالب بقوله: "فإن قلت: هذا لا يتضح بالنسبة إلى كلام الله تعالى؛ لأنه لا يخفى عليه خافية، فهو يعلم ذلك النادر. قال: وإنما يتبيَّن لي دخوله في كلام الآدميين.
(1)
سورة النحل: الآية 88.
(2)
ينظر: ص 468.
وقد أجيب عنه في كتابي "الأشباه والنظائر" بما لو عُرض على ذوي التحقيق لتلقوه بالقبول فقلت: الخلاف جارٍ في كلام الله تعالى لا للمعنى الذي ذكره ابن المرحِّل، بل لأن كلام الله منزَّلٌ على لسان العرب وقانونهم وأسلوبهم، فإذا جاء فيه لفظ عام تحته صورة نادرة، وعادة العرب إذا أطلقت ذلك اللفظ لا تمر تلك الصورة ببالها. نقول: هذه الصورة ليست داخلة في مراد الله تعالى من هذا اللفظ وإن كان عالمًا بها؛ لأن هذا اللفظ يطلق عند العرب ولا يراد هذه الصورة، كما يجيء في القرآن ألفاظ كثيرة يستحيل وقوع معانيها من الله تعالى: كالترجي، والتمني، وألفاظ التشكيك، وكل ذلك منتف في جانبه تعالى، وإنما تجيء لِكَوْن القرآن على أسلوب كلام العرب"
(1)
.
وفي مسألة المفرد المضاف هل يعم قال التاج رحمه الله: "ومما يدل على أن المفرد المضاف يعم ولم نَرَ مَنْ ذكره قولُه تعالى: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ}
(2)
فإن المراد موسى المرسَل إلى فرعون، ومعه هارون، ولوط المرسَل إلى المؤتفكات"
(3)
.
وفي مسألة الاستثناء من النفي هل هو إثبات؟ الجمهور على كونه إثباتًا، وأبو حنيفة رحمه الله على خلاف ذلك، بل يقول بأن الاستثناء من النفي لا يدل إلا على أن المستثنى مخرج من الحكم عليه بالنفي
(1)
ينظر: ص 953.
(2)
سورة الحاقة: الآية 9.
(3)
ينظر: ص 1254.
من غير تعرض لحكم المستثنى بنفي أو إثبات، فمثلًا إذا قلنا: ما قام القوم إلا زيدًا؛ لم يكن استثناء زيدٍ إلا إخراجًا له من الحكم عليه بنفي القيام، وليس في الاستثناء إثبات للقيام ولا نفيه، بل هو مسكوت عنه يمكن أن يكون قائمًا ويمكن أن لا يكون قائمًا، فحكم القيام لزيد مسكوتٌ عنه لم يتعرَّض له، بل المُتّعرَّض له هو إخراج زيدٍ من الحكم عليه بالنفي.
ومع أن الراجح عند التاج هو مذهب الجمهور إلا أنه استدل لمذهب الحنفية بدليل من عنده لم يقولوه والظاهر أنه لم يسبق إليه، يقول رحمه الله: "قلت: وقد وقع لي في بعض المجالس الاستدلال على صحة مذهب أبي حنيفة بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}
(1)
، وجه الحجة: أنه لو كان الاستثناء من النفي إثباتًا لكان المرء مكلفًا بكل ما تسعه نفسه؛ لأن الوُسْع مستثنى في قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا} وقد أضيف بقوله: {وُسْعَهَا} فيقتضي العموم بناءً على أن المفرد المضاف يعم والتقدير: لا يكلف الله نفسًا إلا بكل ما تسعه، فيكون كل ما تسعه مكلفة به، وليس كذلك. وكان البحث بين يدي والدي أيده الله، فاستحسن ذلك"
(2)
.
وفي مسألة العدد الذي يشترط لحصول التواتر في الخبر: ذكر التاج قول من يقول بأن التواتر يحصل بعدد أهل بدر، ثم تعرض لبيان عدد أهل بدر فنقل قولَ مَنْ يقول بأنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، ثم قال: "ولعل الناظر في كتب المحدثين يجد أنهم كانوا ثلاثمائة رجل وخمسة
(1)
سورة البقرة: الآية 286.
(2)
ينظر: ص 1407.
رجال، وهو أيضًا غير مباين؛ وذلك لأن الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر للمقاتلة ثلاثمائة رجل وخمسة رجال، ولم يحضر الغزوة ثمانية من المؤمنين، أدخلهم النبي صلى الله عليه وسلم في حكم عداد الحاضرين وأجرى عليهم حكمهم، فكانت الجملة ثلاثمائة وثلاثة عشر، فاستفد هذا فإن جماعة من المحدثين ذهلوا عنه، حتى حكاه بعضهم خلافًا، فقال: قيل: ثلاثمائة وثلاثة عشر، وقيل: ثلاثمائة وخمسة رجال كالحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره، والجمع بين القولين ما أشرنا إليه"
(1)
.
وظاهر أن الجمع باجتهاده إذ لم يعزه لغيره، هذا هو الظن به، لكن ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن ابن سعد رحمه الله قال به في "الطبقات الكبرى"
(2)
فيكون هذا من موافقة الاجتهادين. والله أعلم
(3)
.
وانظر ما نقله عن والده في الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص، فهو من نفائس البحوث التي لم يتعرَّض لها الأصوليون، وأتى فيها التقي بما لم يسبق إليه
(4)
.
وانظر أيضًا ما نقله عن والده في الفرق بين مسألتي: النهي عن الشيء هل هو أمرٌ بضده أم لا؟ وما هو مطلوب النهي هل هو الكفُّ أو الانتفاء؟
(1)
ينظر: ص 1838 - 1839.
(2)
انظر الطبقات: 2/ 18 - 19.
(3)
انظر: فتح الباري 7/ 292.
(4)
ينظر: ص 1346 - 1347.