الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: مناصبه العلمية
قال الحافظ شهاب الدين ابن حجي: "وانتهت إليه رئاسة القضاء والمناصب بالشام"
(1)
.
قال ابن كثير رحمه الله: "جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يَجْرِ على قاضٍ قبله، وحَصَل له من المناصب والرياسة ما لم يحصل لأحدٍ قبله، وانتهت إليه الرياسة بالشام"
(2)
.
والمناصب التي تولاها التاج رحمه الله وترقَّى فيها هي:
تولِّيه توقيعَ الدَّسْت في سنة 754 هـ
(3)
.
ونيابة والده في القضاء بعد وفاة أخيه القاضي الحسين؛ لأن الحسين كان نائبًا عن والده في الحكم، فلما تُوفي ناب عنه التاج رحمهم الله جميعًا - وذلك في عام 755 هـ.
ثم استقل بالقضاء بسؤال والده في شهر ربيع الأول سنة 756 هـ
(4)
،
(1)
انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 3/ 106.
(2)
انظر: الدرر 2/ 428، طبقات ابن قاضي شهبة 3/ 105.
(3)
انظر: الدرر 2/ 426، الطبقات الكبرى 10/ 192 - 193.
(4)
أي: قبل موت التقي بشهر وأيام، لأن التاج يقول عن والده: "واستمر بدمشق عليلًا إلى أَنْ وَلَيْتُ أنا القضاء، ومكث بعد ذلك نحو شهر، وسافر إلى الديار المصرية، =
ثم عُزل مدة لطيفة، ثم أُعيد، ثم عُزِل بأخيه بهاء الدين، وتوجَّه إلى مصر على وظائف أخيه، ثم عاد إلى القضاء على عادته، ثم عُزل وحصل له محنة شديدة، ثم عاد إلى القضاء. واستمر به إلى أن توفي عام 771 هـ
(1)
.
ولقد كان التقي يُوصِي ابنه التاج - رحمهما الله - أن لا يطلب القضاء ولا يرغب فيه؛ لئلا يُوكل إلى نفسه فيهلك، فإنَّ مَنْ تولى القضاء ذُبح بغير سكين.
يقول التاج رحمه الله: "وكان يقول لي في أيام مرضه قبل أن يحصل لي القضاء: إيّاكَ ثم إيّاكَ أن تطلُبَ القضاء بقلبك، فضلًا عن قالَبِك، فأنا أطلبُه لك؛ لعلمي بالمصلحة في ولايتك لك ولقومك وللناس، وأما أنت فاحذَرْ، لئلا يكِلَكَ اللهُ إليه، على ما قال صلى الله عليه وسلم: "يا عبدَ الرحمنِ
(2)
لا تَسْألِ الإمارة"
(3)
الحديث.
= وكان يذكر أنه لا يموت إلا بها، فاستمر بها عليلًا يُوَيْمات يسيرةً، ثم تُوفي ليلة الاثنين المسفرة عن ثاث جمادى الآخرة. . .". الطبقات 10/ 315 - 316. وعليه فيكون تولى التاج للقضاء في آخر شهر ربيع الأول؛ لأن الحافظ ابن كثير رحمه الله ذكر يوم سفر التقي إلى مصر بأنه كان في السادس والعشرين من ربيع الآخر. انظر: البداية والنهاية 14/ 264.
(1)
انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 3/ 105.
(2)
هو عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمسِ العَبْشَمِيّ، أبو سَعيد، أسلم يوم الفتح، وهو الذي افتتح سجستان وكابل وغيرهما، وشهد غزوة مؤتة. مات بالبصرة سنة خمسين، ويقال إحدى وخمسين. انظر: تهذيب 6/ 190.
(3)
أخرجه مسلم 3/ 1273، كتاب الإيمان، باب نَدْب مَنْ حلف يمينًا، رقم 1652، وتتمة الحديث: "يا عبدَ الرحمن بن سَمُرة لا تَسْأل الإمارة، فإنك إنْ أُعْطِيتَها عن =
وحضرتُه وقد جاء إليه بعضُ الفقراء، فقال: أريد ثلاثًا: ولايةَ ابني هذا مَوْضعي، ورؤيةَ ولدي أحمدَ، وموتي بمصْرَ. أشهدُ بالله لَسَمِعتُ ذلك منه.
فقال له الفقير: سَلِ اللهَ في ذلك إنْ كان مصلحةً.
فقال: قد تحقَّقتُ أنَّ كلَّ واحدٍ من الثلاثة مصلحةٌ.
فقال له: القضاء مصلحةٌ لهذا!
فقال: نعم، تحقَّقتُ أنه مصلحة له في الدنيا والدين جميعًا"
(1)
.
ومن المناصب التي تولاها التاج رحمه الله منصب الخطابة بالجامع الأُموي بدمشق، وذلك بعد وفاة خطيبه جمال الدين أبي الثناء محمود بن جُملة
(2)
رحمه الله في عام 764 هـ.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
= مسألة وكلتَ إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألةٍ أُعِنْتَ عليها، وإذا حَلَفتَ على يمينٍ فرأيتَ غيرها خيرًا منها فكفِّر عن يمينك وائت الذي هو خير" وأخرجه مسلم أيضًا في كتاب الإمارة، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها، 3/ 1456، رقم 1652.
(1)
انظر: الطبقات 10/ 210.
(2)
هو محمود بن محمد بن إبراهيم بن جُمْلة، جمال الدين أبو الثناء المَحَجِّيُّ الأصل، من قرية مَحَجَّة، الصالِحيُّ المولد، مِن صالحية دمشق. ولد سنة 707 هـ. له تعاليق في الفقه والحديث، مات سنة 764 هـ، ودُفن بالصالحية.
انظر: الطبقات الكبرى 10/ 385، البداية والنهاية 14/ 317.
"وفي يوم السبت عاشره
(1)
جُمِع القضاة والأعيان بدار السعادة وكتبوا خطوطهم بالرضى بخطابة قاضي القضاة تاج الدين السبكي بالجامع الأُموي، وكاتِب نائب السلطنة في ذلك. . . . .
وفي يوم الجمعة سابع شهر ذي القَعْدة خَطَب بجامع دمشق قاضي القضاة تاج الدين السبكي. . ."
(2)
.
ومن المناصب التي تولاها التدريس في أغلب مدارس دمشق، وكذا دَرَّس في مدارس مصر.
يقول ابن قاضي شهبة:
"وقد درس بمصر والشام بمدارس كبار: العزيزية
(3)
، والعادلية الكبرى
(4)
،
(1)
أي: عاشر شهر شوال.
(2)
انظر: البداية والنهاية 14/ 318.
(3)
المدرسة العزيزية جوار الكلَّاسة لضيق الجامع الأُمويّ. أول مَنْ أسسها الملك الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبي، ثم أتمها أخوه الملك العزيز عثمان. انظر: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 382.
(4)
أول من أنشأ هذه المدرسة الشافعية نور الدين محمود بن زنكي، شرع في بنائها سنة 568 هـ، وتوفي ولم تتم، فاستمرت كذلك. ثم بَنَى بعضها الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن أيوب بن شادي، أخو صلاح الدين الأيوبي، وشرع في بنائها سنة 612 هـ، وكان قد أزال ما بناه نور الدين، وبناها بناءً متقنًا محكمًا لا نظير له في بنيان المدارس، ثم توفي ولم تتم أيضًا، فتممها ولده الملك المعظم، وأوقف عليها الأوقاف، وكان قد تكامل بناؤها سنة 620 هـ. وقد جمع النعيمي كتابه "الدارس" في هذه المدرسة. انظر: الدارس 1/ 359 - 361.
والغزالية
(1)
، والعذراوية
(2)
، والشاميتين
(3)
، والناصرية
(4)
، والأمينية
(5)
،
(1)
المدرسة الغزالية داخل الجامع الأمويّ، في الزاوية الشمالية الغربية منه. قال النعيمي رحمه الله:"قال ابن شداد في ذكر ما في الجامع من المدارس: المدرسة الغزالية، وتعرف بالشيخ نصر المقدسيّ. وقال في موضع آخر: الزوايا بالجامع: الزاوية الغزالية، منسوبة إلى الشيخ نصر المقدسيّ، وتنسب إلى الغزاليّ رحمهما الله تعالى؛ لكون الغزاليِّ - رحمه الله تعالى - دخل إلى دمشق المحروسة، وقصد الخانقاه (أي: دار الصوفية) السميساطية ليدخل إليها، فمنعه الصوفية من ذلك؛ لعدم معرفتهم به، فعَدَل عنها، وأقام بهذه الزاوية بالجامع إلى أن عُلم مكانه وعرفت منزلته، فحضر الصوفية بأسرهم إليه واعتذروا له، ثم أدخلوه الخانقاه السميساطية فعُرفت الزاوية به، وإنما تُنسب إلى الشيخ نصر المقدسي بعده. انتهى" الدارس في تاريخ المدارس 1/ 413 - 414. وهي من مدارس الشافعية، وأول مَنْ درَّس بها الشيخ نصر المقدسيّ رحمه الله. انظر: الدارس 1/ 415.
(2)
هي مدرسة أنشأتها الست عذراء بنت شاهنشاه بن أيوب بن شادي. وشاهنشاه أخو صلاح الدين الأيوبي فاتح بيت المقدس رحمه الله تعالى. وأنشأت المدرسة سنة 580 هـ، بحارة الغرباء، داخل باب النصر، المسمى بباب دار السعادة. كذا قال النعيمي. وهي وقف على الشافعية والحنفية. توفيت الست عذراء سنة 593 هـ، ودفنت بتربتها في مدرستها. انظر: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 373 - 374.
(3)
سبق الكلام عنهما.
(4)
هي دار الحديث الناصرية، وبها رباط، بمحلة الفواخير بسفح قاسيون. أنشأها الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر عزيز الدين غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي فاتح بيت القدس. وهذه الدار هي الناصرية البرانية، وهي من أغرب الأمكنة في البنيان المحكم. وهناك الناصرية الجوانية وهي من أحسن المدارس، وقد بناها الملك الناصر أيضًا. انظر: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 115 - 117.
(5)
قال النعيمي: "المدرسة الأمينية قِبْلى باب الزيادة، من أبواب الجامع الأمويّ، المسمَّى قديمًا بباب الساعات". الدارس 1/ 177. والباب القبلي: يعرف اليوم =
ومشيخة دار الحديث الأشرفية
(1)
، وتدريس الشافعي بمصر، والشيخونية، والميعاد بالجامع الطولوني، وغير ذلك".
فرحم الله هذا الإمام الرباني الذي جمع العلم والعمل والدعوة إلى دين الله، فهو القاضي بين الناس والحاكم بينهم، وهو المعلِّم والشيخ في مدارسهم، وهو الخطيب والواعظ في مسجدهم.
ولم تكن المناصب غرضًا للتاج، ولا سعى إليها، بل هي التي سَعَت إليه، ولا طلبها بل هي التي طلبته، ولذلك فقد عانى ما عانى من محنٍ وبلايا من جراء حاسديه على تلك المكانة العالية بين الناس، وعلى محبة الخاص والعام له، فكادوه، وافتروا عليه تهمًا؛ ليسقطوا نَجْمه، وليطفئوا قمره، ولكن هيهات، من الذي يُطاول النجم ليسقطه، أو القمر ليطفئه!
= بباب القوافين. كذا ذكر محقِّق "الدارس". قيل: إنها أول مدرسة بُنيت بدمشق للشافعية، بناها أتابك العساكر بدمشق أمين الدين كمشتكين بن عبد الله الطغتكيني. وهو أمير جليل، كثير الحرمة، توفي سنة 541 هـ. انظر: الدارس 1/ 178.
(1)
سبق الكلام عنها.