الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأكبر من التجارة العالمية بين الشرق والغرب، ولم يدَّخر سلاطين المماليك وسعًا في تقوية تلك الروابط الاقتصادية بين مصر وبلدان الشرق والغرب، عن طريق المعاهدات والاتفاقيات والاتصالات الدبلوماسية مع ملوك وحكام تلك البلدان
(1)
.
التجارة الداخلية:
أما التجارة الداخلية فكانت على درجة واسعة من النشاط على عصر سلاطين المماليك، فاشْتَهَرت المدنُ المصرية - وعلى رأسها القاهرة - بأسواقها العامرة ذات الطابع الخاص المميَّز، وأهم ما في هذه الأسواق أن كل سوقٍ منها اختص بنوعٍ معيَّن من البضائع، فسوق الشمَّاعين اختص ببيع الشمع، وسوق النحَّاسين اختص ببيع النحاس، وهكذا.
ومن محاسن هذا النظام أن التاجر لم يستطع أن يشذ عن جيرانه أو أن يرفع أسعار السلعة التي يتجر فيها؛ لأن منافسيه على مقربةٍ منه، كما أن المشتري إن لم يعجبه نوعُ السلعة أو ثمنها فإنه يستطيع أن ينتقل في سهولة من متجر لآخر دون أن يتحمل أدنى مشقة. أما عيوب هذا النظام فأهمها أن الفرد إذا أراد شراء عدة أصناف متباينة من البضائع فعليه أن يقطع المدينة كلها طولًا وعرضًا حتى يقضي حاجاته؛ لأنه لن يجد في السوق الواحد سوى نوعٍ واحدٍ من البضائع.
أما المواد الغذائية فوجدت لها أسواق قائمة بذاتها، منها بالقاهرة سوق
(1)
انظر: العصر المماليكي في مصر والشام ص 296 - 301، 303.
باب الفتوح، وسوق بين القصرين، وسوق باب الزهومة، وكلها اشْتَهَرت في ذلك العصر بكثرة المعروض فيها من لحوم وخضروات وزيوت وألبان. . . فضلًا عن اكتظاظها بجمهور المشترين.
أما الفواكه فكان لها سوق خاص بها قرب باب زويلة، وعُرف هذا السوق باسم دار التفاح، كانت تحمل إليه ثمار البساتين المحيطة بالقاهرة، حيث يتفنن الباعة في عرضها، ويتأنقون في تنضيدها واحتفافها بالرياحين والأزهار.
وقد حفلت البلاد في ذلك العصر بالمنشآت الخاصة بالتجار الأتراك واليمنيين والهنود والفرس والمغاربة وغيرهم، وجرت العادة أن التجار المسلمين الوافدين من بلدٍ واحدٍ كانوا ينزلون في وكالةٍ معينة حيث يألفون بعضهم ببعض، فوكالة قوصون مثلًا كان ينزلها التجار الوافدين ببضائع بلاد الشام، مثل: الزيت والصابون والفستق واللوز والجوز وغيرها، وفي الوكالة يستطيع التاجر أن يضع أمواله وبضائعه في مأمن من كل سوء، وفي الوقت نفسِه حرص سلاطين المماليك على حراسة الوكالات من عبث العابثين، كما أنهم احتاطوا عليها من خطر الحرائق وغيرها.
ولم يترك سلاطين المماليك حركة البيع والشراء في الأسواق دون رقيبٍ أو حسيب، وإنما عَهِدوا إلى المُحْتَسِبِين بالطواف ليلًا ونهارًا للتفتيش على الباعة، وضبط مَن يحاول التلاعب في الأسعار أو الأوزان أو أصناف البضاعة. وقد رُوعي في المحتسِب دائمًا أن يكون ذا رأيٍ وصرامةٍ وخشونةٍ