الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحابها الأصليين - فإنهم كانوا لا يُمَرِّنون أحدًا على طرق صناعتهم، إلا أن يكون من أبنائهم، ولا يسمحون لأي شخصٍ في مشاركتهم إلا أن يكون قد أتى ليحل محل أحدهم، وفي هذه الحالة يقبل بشروط خاصة
(1)
.
التجارة الخارجية:
شاءت الأقدار أن يكون قيام دولة المماليك في مصر والشام في منتصف القرن السابع الهجري مصحوبًا بازدهار طريق البحر الأحمر وموانئ مصر، واضمحلال ما عداه من طرق التجارة الرئيسية الأخرى بين الشرق والغرب، ذلك أنه لم يكد يمضي على قيام دولة المماليك سنوات معدودة حتى استولى المغول على بغداد سنة 656 هـ (1258 م)، وامتد نفوذهم إلى الشام وآسيا الصغرى، فضلًا عن بلاد فارس التي اتخذها هولاكو مركزًا لدولته في الشرق الأوسط، وبذلك اضمحل طريق التجارة البري بين الصين من جهةٍ، وآسيا الصغرى وموانئ البحر الأسود من جهةٍ أخرى.
وقد ترتب على غزوات المغول انعدام الأمن في تلك الطرق، واعتداء اللصوص على القوافل والتجارة. وكان ذلك في الوقت الذي قَلَّ فيه إقبال السفن التجارية الآتية من الشرق الأقصى على الخليج الفارسيّ، بسبب ازدياد نشاط القراصنة من سكان جزر البحرين في ذلك الخليج، ومِنْ ثَمَّ تحولت السفن التجارية إلى اليمن وميناء عدن بالذات، مما أدى إلى انتعاش طريق البحر الأحمر - مصر، الأمر الذي أتاح لسلاطين المماليك في مصر
(1)
انظر: العصر المماليكي ص 291 - 296.
فرصةً ذهبيةً للإفادة من القيام بدور الوسيط بين تجار الشرق وتجار الغرب، وذلك بتنشيط التجارة في البحر الأحمر بمختلف الطرق، فقام السلطان قلاوون يتودد إلى القوى الإسلامية الواقعة في حوض البحر الأحمر ويحسِّن علاقته بحكامها، فأرسل يعاهد ملك اليمن على التحالف والمودة وبعث إليه بالهدايا، وكذلك فعل مع شريف مكة.
على أنَّ جعل مصر حلقة الوصل في النشاط التجاري بين الشرق والغرب كان يتطلب أمرين:
أولهما: تأمين طرق التجارة داخل مصر ذاتها حتى تصل البضائع سليمة من موانئ البحر الأحمر إلى موانئ البحر المتوسط.
وثانيهما: إغراء تجار الشرق على جلب بضاعتهم إلى موانئ مصر المطلِّة على البحر الأحمر، ثم إغراء التجار الأوروبيين على التردد على الإسكندرية ودمياط لشراء ما يلزمهم من حاصلات الشرق.
أما عن الأمر الأول فإن السلطان قلاوون ومَنْ خَلْفه مِنْ سلاطين المماليك حرصوا على أن يضربوا بيدٍ من حديدٍ على العابثين والمعتدين على قوافل التجارة بين النيل والبحر الأحمر، وبخاصة قبائل الأعراب الذين سكنوا تلك الجهات والذين اعتادوا حياة السلب والنهب، حتى أن قوافلَ الحجاج نفسَها لم تسلم من عبثهم.
وأما عن الأمر الثاني فإن السلطان قلاوون أرسل إلى نُوابه بالثغور يأمرهم بحسن معاملة التجار وملاطفتهم والتودد إليهم وترغيبهم، ومراعاة
العدالة فيما يَجْبونه منهم من أموال بحيث لا يأخذون منهم سوى الحقوق السلطانية.
وفي الوقت الذي دأب سلاطين المماليك على تشجيع تجار الشرق الأقصى بوجه خاص على الحضور ببضائعهم إلى مصر، حرصوا أيضًا على الترحيب بالتجار الأوروبيين الذين يفدون إلى الإسكندرية ودمياط لشراء حاصلات الشرق، ولا أدل على اتساع أفق سلاطين المماليك ورغبتهم الأكيدة في الاستفادة من موقع مصر التجاري، من أنهم فَرَّقُوا بين الحرب والتجارة، فقدموا كافَّة التسهيلات للتجار الغربيين في الوقت الذي كانوا يحاربون الصليبيين ومِنْ خلفهم الغرب الأوروبي.
وقد ترتب على تشجيع سلاطين المماليك للتجار الأوروبيين على القدوم إلى مصر أن كَثُر عددهم، وقد قدَّر بعض الباحثين الأوروبيين عددَ الأجانب في الإسكندرية وحدها في أوائل القرن الرابع عشر للميلاد (أي: أوائل القرن الثامن الهجري) بحوالي ثلاثة آلاف تاجر أوروبي. وكان لكل جالية من هؤلاء الأجانب قُنصل يشرف على شؤون أفراد الجالية ومصالحِهم، وإذا ما حدث مِنْ طائفةِ أحدِهم ما يشين الإسلام يُطلب منه الكفُّ عن ذلك. واتخذت كلُّ جاليةٍ لنفسِها فُندقًا أو أكثر ينزل فيه أفرادها، ورُتِّبت أمور هذه الفنادق بحيث تكون لكلٍّ منها إدارة مستقلة، على رأسها مدير يدير شؤون الفندق.
وهكذا نجحت مصر في عصر سلاطين المماليك في أن تستأثر بالجزء