الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر: مصنفاته
قال الحافظ ابن حجي رحمه الله: "صَنَّف تصانيف عدة في فنون على صِغَر سنه، وكثرة أشغاله، قُرئت عليه، وانتشرت في حياته وبعد موته"
(1)
.
وعبارة ابن حجي كما هي في "الدرر": "وقد صَنَّف تصانيف كثيرةً جدًا على صِغَر سنه، قُرئت عليه، وانتشرت في حياته وبعد موته"
(2)
.
ويقول ابن حجر رحمه الله: "وانتشرت تصانيفه في حياته، ورُزق فيها السَّعد"
(3)
.
ولم يكن رحمه الله ممن يسلك مسلك الجمع المجرد في التأليف أو الاختصار لكتابٍ سبقه، فيكون عمله مسبوقًا لا جديدًا، بل كان يسلك مسلك الاختراع والابتكار في كل مؤلفاته، ومَنْ قرأ مؤلفاته أدرك ذلك، وهذا لون من التأليف لا يطيقه إلا الجهابذة حقًا، والراسخون صدقًا؛ لأنه يُنبئ عن إحاطة واستقراء، وفهم واستيعاب، ثم استنباط واستنتاج، هذا مع ما تمتع به رحمه الله من أسلوب مُشْرقٍ أخَّاذ، له حلاوة وطلاوة، كسا
(1)
انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 3/ 106.
(2)
انظر: الدرر 2/ 427.
(3)
انظر: الدرر 2/ 426.
به كتبه جمالًا على جمال، فجمال الاختراع والابتكار، مع جمال الصياغة واللفظ المدرار.
هذا مع تمكنه ورسوخه في فنون النقل والعقل، والأثر والنظر، فكانت كتبه بحق تجديدًا، وصاحبها مجدِّدًا، ولولا صِغَر سنه، وقلة أيامه - لكان مجدِّد عصره، وهو بلا شك أحد المجددين؛ إذِ اجتمع له العلم والعمل والمنصب والخطابة، مع النزاهة والقوة في الحق والصَّلابة.
يقول رحمه الله في كتابه "الإبهاج" وهو أول كتاب أصولي ألَّفه: "وأنا مِنْ عادتي في هذا الشرح الإطنابُ فيما لا يُوجد في غيره، ولا يُتَلقَّى إلا منه، من بحثٍ مخترع، أو نقل غريب، والاختصار في المشهور في الكتب؛ إذ لا فائدة في التطويل فيما سَبَقنا مَنْ هم سادتُنا وكبراؤنا إلى جمعه، وهل ذلك إلا مجرد جمعٍ من كتب متفرقة، لا يصدق اسمُ المصنِّف على فاعله! "
(1)
.
ويقول في "الطبقات الكبرى": "وأنا دائمًا أستهجن ممَّن يدَّعِي التحقيق من العلماء إعادةَ ما ذكره الماضون، إذا لم يَضُمَّ إلى الإعادة تنكيتًا عليهم، أو زيادةَ قيدٍ أهملوه، أو تحقيقٍ تركوه، أو نحو ذلك مما هو مَرامُ المحقِّقين. . . إنما الحبر مَنْ يُملي عليه قلبُه ودماغُه، ويُبرز
(2)
التحقيقات التي تشهد الفطر السليمة بأنها في أقصى غايات النظر، مشحونةً باستحضار
(1)
الإبهاج ص: 1361.
(2)
في الأصل المطبوع من الطبقات: "وتُبرز". والظاهر أنه خطأ؛ لأنه لا يناسب العطف على قوله: "مَنْ يُملي عليه. . ."، والمناسب هو "ويُبرز"، فهو يُملي ويُبرز.