الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علمه اعترفنا، فلا يَظُنَّن الظَّانُّ أنَّا أردنا في هذا الكتاب مطاولتَه، فأين الثريَّا مِنْ يد المتطاول"
(1)
.
ومَنْ أنصف، ونظر في "جمع الجوامع" للتاج، وقارنه بمختصر ابن الحاجب رحمه الله تبيَّن تفوق التاج في جمعه تفوقًا ظاهرًا، فما ظنُّك بكتاب هو زبدة مائة كتابٍ مِنْ كتابٍ جُل ما فيه مأخوذٌ من "الإحكام" للآمدي
(2)
؛ لأن "المختصر" هو اختصار كتاب "منتهى السُّؤْل والأمل في علمي الأصول والجدل"، وهو لابن الحاجب أيضًا اختصره من "الإحكام"، وبالمقارنة بين الأصل والمنتهى يتجلى بوضوح أن ابن الحاجب رحمه الله لم يزد على ما في "الإحكام" إلا قليلًا، بل هو عالةٌ عليه لا شك ولا ريب.
وليس هذا انتقاصًا لابن الحاجب رحمه الله، فقدره في العلم معلوم، ولكن القصد بيان تواضع التاج مع تقدمه وتفوقه، هذا ما نقوله أمانةً لا تعصبًا.
7 - مهابته وحبُّ الناس له:
قال الحافظ ابن حجي رحمه الله: "وكان سيدًا، جوادًا، كريمًا، مهيبًا،
(1)
انظر: منع الموانع ص 126.
(2)
هو علي بن أبي محمد بن سالم الثعلبي، أبو الحسن سيف الدين الآمديُّ، الأصوليُّ المتكلِّم، الحنبليّ الشافعيّ. ولد بعد سنة 550 بيسير. من مصنفاته:"أبكار الأفكار" في أصول الدين، و"الإحكام" في أصول الفقه. توفي رحمه الله بدمشق سنة 631 هـ. انظر: الطبقات الكبرى 8/ 306، سير 22/ 364، شذرات 5/ 144.
تخضع له أرباب المناصب من القضاة وغيرهم"
(1)
.
وكذا قال ابن كثير وابن حجر رحمهما الله
(2)
.
ويقول ابن كثير رحمه الله في وفاة الخطيب جمال الدين ابن جملة: "وقد حضر جنازته بالصالحية على ما ذُكر جَمٌّ غفير، وخلقٌ كثير، ونال قاضيَ القضاة الشافعيَّ مِن بعض الجهلة إساءةُ أدب، فأخذ منهم جماعة وأُدِّبوا، وحضر هو بنفسه صلاة الظهر يومئذ، وكذا باشر الظهر والعصر في بقية الأيام، يأتي للجامع في مَحْفَلٍ من الفقهاء والأعيان وغيرهم، ذهابًا وإيابًا. . ."
(3)
.
ولا شك أنَّ تأديب الجهلة مِنْ حفظ الحرمة والمهابة، والاستخفاف بمقام العالم مصيبة تربو على المصائب؛ لأنها مصيبة الدين، وضياع الملة، وخُلُق الفَسَقة والمرتدين، ونحن في أيام غربة وبلاء، وضيق وضرَّاء، ضُيِّعت فيه المكارم، ووئدت الأخلاق، فأسعد الناس أجهلهم، وأكرمهم أسفلهم، وعِلْم العالم تحت الأقدام، ومال الجاهل على الرؤوس والأعيان، فلا حول ولا قوة إلا بالله الملك الديَّان.
والمهابة لا تعني الكبر والتعالي على الناس، بل هي وقارٌ وجلال بلا تَكَلُّف، وحِلْم ولين بلا تَضَعُّف، وقوةٌ وحزمٌ في الأمور مع التروي
(1)
انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 3/ 106.
(2)
انظر: الدرر 2/ 426، 428.
(3)
البداية والنهاية 14/ 317.
والتلطف.
ولذا كان المهيبُ محلَّ إجلال الناس، والمتكبِّر محل انتقاصهم وازدرائهم، وقليلٌ مِنَ الناس مَنْ يكون مَهِيبًا لا متكبرا، فالمهابة من أوصاف كُمَّل الرجال، وأفذاذ العقلاء، والسَّادة النجباء، لا أهل التصنع والرياء.
وسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد المُهيبين، وهو مَنْ إذا رآه الرائي بديهة هابه، وإذا خالطه معرفةً أحبَّه.
والتاج رحمه الله كان مهيبًا محبوبًا، يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في أحداث سنة ثلاثٍ وستين وسبعمائة:
"ورد البريد بطلبه من آخر نهار الأحد بعد العصر، الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة، فأرسل إليه حاجِب الحجَّاب قماري وهو نائب الغيبة: أن يُسافر مِن يومه. فاستنظرهم إلى الغد فأمهل. وقد ورد الخبر بولاية أخيه الشيخ بهاء الدين بن السبكي بقضاء الشام عِوَضًا عن أخيه تاج الدين. . . وجاء الناس إليه ليودِّعوه ويستوحشون له، وركب مِن بستانه بعد العصر يوم الاثنين ثاني عشر شعبان، متوجِّهًا على البريد إلى الديار المصرية، وبين يديه القضاة والأعيان، حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي، حتى ردَّهم قريبًا من الجسورة، ومنهم مَنْ جاوزها، والله المسؤول في حُسن الخاتمة في الدنيا والآخرة"
(1)
.
(1)
انظر: البداية والنهاية 14/ 309 - 310.