الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زائدًا، ويقول:"سماع التاريخ أعظم من التجارب".
وهكذا عاد الجامع الأزهر في عهد الظاهر بيبرس إلى سابق عهده قَصَبةً لطلاب العلم في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
وكذلك وجد من سلاطين الماليك - كالسلطان الغوري
(1)
- مَنْ حرص على عقد المجالس العلمية والدينية بالقلعة مرةً أو مرتين أو أكثر كل أسبوع، وقد بُحثت في تلك المجالس مختلف المسائل والمشاكل العلمية والدينية التي تناقش فيها الحاضرون من كبار العلماء والفقهاء. كذلك نسمع عن بعض أمراء الماليك وأبنائهم في مصر أنهم اشتغلوا بالتاريخ والفقه والحديث واللغة العربية، بل تصدى بعضهم لإقراء الطلبة والتدريس لهم
(2)
.
المدارس والمكتبات:
ولا أدل على رعاية سلاطين المماليك للنشاط العلمي من حرصهم على إنشاء كثير من المدارس، فضلًا عن المؤسسات الأخرى التي قامت أحيانًا بوظيفة المدارس مثل المساجد.
(1)
هو قانصوه بن عبد الله الظاهري الأشرفي (نسبة إلى الأشرف قايتباي) الغوري أبو النصر، سيف الدين الملقب بالملك الأشرف، جركسي الأصل. بُويع بالسلطنة سنة 905 هـ، وكان عظيم الدهاء قوي التدبير، فثبَّت قدمه في السلطنة ثباتًا عظيمًا، مات قهرًا، وضاعت جثته تحت سنابك الخيل في معركة مرج دابق، وذلك في سنة 922 هـ. انظر: الأعلام 5/ 187، البدر الطالع 2/ 55، العصر المماليكي ص 185.
(2)
انظر: العصر المماليكي في مصر والشام ص 341 - 342.
ومن المدارس العديدة التي أسسها سلاطين المماليك المدرسة الظاهرية نسبةً إلى السلطان الظاهر بيبرس الذي وضع أساسها سنة 1261 م، والمدرسة الناصرية التي شيدها السلطان الناصر محمد 1303 م، ومدرسة السلطان برقوق
(1)
التي أنشأها بين القصرين بالقاهرة سنة 1386 م. ولم تكن جميع المدارس التي شيَّدها سلاطين المماليك في المدن الكبرى، وإنما شُيِّد في القرى والريف مثل مدرسة سَرْياقَوْس
(2)
التي أنشأها السلطان برسباي
(3)
.
ومن جهة أخرى فإن سلاطين المماليك لم يقتصروا في إنشاء المدارس على مصر، وإنما أقاموا كثيرًا منها في مختلف أنحاء دولتهم الواسعة، ومن ذلك ما نسمعه عن أن السلطان قايتباي
(4)
أنشأ مدارس عديدة في مصر
(1)
هو الملك الظاهر برقوق بن أنس بن عبد الله الجركسي. كان اسمه الطنبغا فسماه سيده يلبغا الكبير برقوقًا لنتوءٍ في عينيه. تولى الملك سنة 784 هـ. كان شهمًا شجاعًا ذكيًا خبيرًا بالأمور. توفي سنة 801 هـ. انظر: شذرات 7/ 6، الجوهر الثمين ص 457، العصر المماليكي ص 160.
(2)
سَرْياقَوْس: بُليدة في نواحي القاهرة بمصر. انظر: معجم البلدان 3/ 218.
(3)
هو الملك الأشرف برسباي بن عبد الله أبو النصر الدقماقي الظاهر الجركسي، سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية، الثاني والثلاثون من ملوك الترك، والثامن مِنْ ملوك الجراكسة. بُويع بالسلطنة سنة 825 هـ فساس الملك أحسن سياسة. توفي سنة 841 هـ. انظر: شذرات 7/ 238، الضوء اللامع 3/ 8، الأعلام 2/ 48.
(4)
هو السلطان قايتباي المحمودي الأشرفي ثم الظاهري، أبو النصر سيف الدين الجركسي. ولد سنة 815 هـ، وتسلطن سنة 872 هـ. كان مقبلًا على أفعال الخير، مقرِّبًا للعلماء والصلحاء، محبًا للفقراء. دامت مدة ملكه تسعة وعشرين سنة. توفي سنة 901 هـ. انظر: الضوء اللامع 6/ 201، البدر الطالع 2/ 55، الأعلام 5/ 188، العصر المماليكي ص 182.
والشام والحجاز، كما أنشأ السلطان الغوري مدرسة في مكة.
وجرت العادة عند الفراغ من إنشاء مدرسة في عصر المماليك أن يُحتفل بافتتاحها احتفالًا كبيرًا يحضره السلطان والأمراء والفقهاء والقضاة والأعيان، ويُمَدُّ سِماطٌ فاخر في صحن المدرسة به ألوان الأطعمة والحلوى والفواكه، وبعد أن يخلع السلطان على كل من أسهم في بناء المدرسة من المعلِّمين والبنَّائين والمهندسين، يعيِّن للمدرسة موظَّفيها من المدرسين والفقهاء والمؤذنين والقراء والفَرَّاشين وغيرهم.
وكانت وظيفة التدريس بالمدرسة جليلة القدر، يخلع السلطان على صاحبها
(1)
ويكتب له توقيعًا من ديوان الإنشاء يختلف باختلاف المادة التي يُدَرِّسها المدرِّس تفسيرًا كانت أو حديثًا. وفي هذا التوقيع يقدِّم السلطان النصح للمدرس بأن يظهر مكنون علمه للطلاب، ويقبل على الدرس وهو طَلْق الوجه منشرح الصدر؛ ليستميل إليه طلبته ويربيهم كما يربي الوالد ولده. كذلك يطلب من المدرِّس أن ينظر في طلبته ويحثهم كل وقت على الاشتغال.
وجرت العادة على تعيين معيد أو أكثر لكل مدرِّس؛ ليعيد للطلبة ما ألقاه عليهم المدرِّس ليفهموه ويحسنوه، كما يشرح لهم ما يحتاج إلى الشرح.
أما الطلبة فقد تمتعوا بحرية اختيار المواد التي يدرسونها، بحيث لا يمنع فقيه أو مستفيد من الطلبة ما يختاره من أنواع العلوم الشرعية. وكثيرًا ما
(1)
أي: يُنعم عليه بملابس فاخرة. انظر: صبح الأعشى 4/ 53.