الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عصر المماليك، بادئين بالكلام على الحياة الاقتصادية؛ إذ هي أهمُّ ما يَمَسُّ حياة المجتمع بعد الدين والأخلاق.
الحياة الاقتصادية في العصر المملوكي:
غدت مصر والشام في عصر المماليك قَصَبة التجارة العالمية، والمعبر الرئيسي لتجارة الشرق في طريقها إلى الغرب، الأمر الذي يجعلنا نفسِّر في ضوئه تلك الثروة الواسعة التي تمتع بها المماليك، وذلك الثراء المحض وما ارتبط به من مظاهر السَّعَةِ والأُبَّهة الذي اتصف به عصرهم. وما زالت مُخَلَّفات وآثار المماليك مِنْ جوامع شامخة، وقصور فخمة، ومصنوعات فنية دقيقة، فضلًا عما حفلت به مراجع العصر المماليكي من وصف لحياة المماليك، وما فاض به مجتمعهم من ألوان البذخ والغنى العريض. . . ما زال ذلك شاهدًا على أنَّ ثمة موارد مالية إضافية ضخمة تمتع بها الحكام في ذلك العصر، وأصاب المحكومون بعضًا مِنْ فتاتها
(1)
.
لقد عُنِي المماليك بأوجه الاقتصاد المختلفة من زراعة وصناعة بأنواعها المختلفة، وتجارة داخلية وخارجية، حتى غدت مصر والشام في عصرهم أهم مراكز التجارة في العالم أجمع.
ففي الزراعة:
اهتم سلاطين المماليك بالزراعة اهتمامًا كبيرًا، حيث إن الزراعة في تلك العصور كانت الحرفة الأولى لغالبية السكان، والمورد الأول الذي
(1)
العصر المماليكي في مصر والشام، صفحة (د).
عاش عليه معظم الأهالي، والمعروف أن أراضي مصر الزراعية توزعت في ذلك العصر إقطاعات على السلطان والأمراء والأجناد بعد أن قُسِّمت إلى أربعةٍ وعشرين قيراطًا، اختَصَّ السلطانُ نفسَه بأربعة قراريط، والأمراء بعشرة، وما تبقّى كان من نصيب الأجناد
(1)
.
ولقد زاد محصول الأراضي الزراعية في عصر المماليك نتيجةً للعناية بمرافق الزراعة من جسورٍ وتُرَعٍ ومقاييس النيل وغيرها.
والجسور في ذلك العصر نوعان:
الجسور السلطانية: وهي الجسور العامة الجامعة للبلاد الكثيرة، التي تُعمر في كل سنة من الديوان السلطاني.
والجسور البلدية: وهي الخاصة ببلدٍ دون بلد، ويتولى عمارتها الأمراء والأجناد وغيرهم من أموال البلاد الجارية في إقطاعهم.
وقد بلغ من عناية سلاطين المماليك بالجسور أنهم كانوا يرسلون في كل سنة عددًا من الأمراء إلى مختلف الأعمال لعمارة الجسور، ويُعَبَّر عن الأمير منهم باسم "كاشف الجسور"، كما كان للجسور خَوَلة ومهندسون لكل عمل، يقومون في خدمة الكاشف في عمارة الجسور إلى أن تنتهي عمارتها. وعُرف عن بعض سلاطين المماليك أنهم كانوا يَخْرجون بأنفسهم أحيانًا لتفقد أحوال مرافق الزراعة وبخاصة الجسور كالسلطان الناصر محمد.
(1)
العصر المماليكي في مصر والشام ص 283.
أما عن أهم الحاصلات الزراعية في مصر في ذلك العصر فمنها القمح الذي كان محصوله يفيض عن حاجة البلاد أحيانًا، وعندئذٍ كان السلاطين يمدون بلاد الشام والحجاز والنُّوبَة
(1)
بمقادير وفيرةٍ منه. كذلك كان الكتان من أهم مزروعات مصر في عصر المماليك، وكانت تصدَّر كميات كبيرة من المنسوجات الكتانية إلى البلاد المجاورة. واشتهرت مصر في ذلك العصر بزراعة قصب السكر، هذا عدا أنواع الفواكه والخضروات لسد حاجة السوق المحلية، وهذا كله فضلًا عن الزهور والرياحين التي زُرعت في الحدائق والبساتين. وأدت الأراضي الزراعية ضريبة الخراج للدولة، واختلف ذلك باختلاف البلاد.
وبالإضافة إلى الثروة الزراعية عُنِي السلاطين في عصر المماليك بالثروة الحيوانية، فأكثروا من نتاج الأغنام وجَلْب الأنواع الممتازة منها لتربيتها حتى ازداد عدد المواشي وارتفعت سلالتها.
على أن هذه العناية بالزراعة ومرافقها في عصر المماليك لا تعني بأي حال تقدم أحد الفلاحين أو ارتفاع مستوى معيشتهم، فالفلاح المصري عاش في ذلك العصر قِنًّا مربوطًا إلى الأرض التي يَفْلَحها ويُفني حياته في خدمتها، وليس له من خيراتها إلا القليل؛ ذلك أن خيرات البلاد ومحصولات الأراضي الزراعية كانت في الواقع نهبًا موزَّعًا بين السلاطين والأمراء ومماليكهم، في حين لم يبق للفلاحين سوى الكدِّ والعمل ودفع ما
(1)
النوبة، بضم النون، وسكون الواو: بلاد واسعة عريضة في جنوبي مصر بعد أسوان. انظر: معجم البلدان 5/ 309.