الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة الأولى
(الْمَادَّة / 2))
("
الْأُمُور بمقاصدها
")
(أَولا _ الشَّرْح)
الْأُمُور جمع أَمر، وَهُوَ: لفظ عَام للأفعال والأقوال كلهَا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{إِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله} ، {قل إِن الْأَمر كُله لله} ، {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} ، أَي مَا هُوَ عَلَيْهِ من قَول أَو فعل. (ر: مُفْرَدَات الرَّاغِب) .
ثمَّ إِن الْكَلَام على تَقْدِير مُقْتَضى، أَي: أَحْكَام الْأُمُور بمقاصدها، لِأَن علم الْفِقْه إِنَّمَا يبْحَث عَن أَحْكَام الْأَشْيَاء لَا عَن ذواتها، وَلذَا فسرت الْمجلة الْقَاعِدَة بقولِهَا:" يَعْنِي أَن الحكم الَّذِي يَتَرَتَّب على أَمر يكون على مُقْتَضى مَا هُوَ الْمَقْصُود من ذَلِك الْأَمر ".
أصل هَذِه الْقَاعِدَة فِيمَا يظْهر قَوْله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ".
(ثَانِيًا _ التطبيق)
إِن هَذِه الْقَاعِدَة تجْرِي فِي كثير من الْأَبْوَاب الْفِقْهِيَّة مثل: (1) الْمُعَاوَضَات والتمليكات الْمَالِيَّة. (2) وَالْإِبْرَاء. (3) وتجري فِي الوكالات. (4) وإحراز الْمُبَاحَات. (5) والضمانات والأمانات. (6) والعقوبات.
1 -
أما الْمُعَاوَضَات والتمليكات الْمَالِيَّة: فكالبيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَالصُّلْح وَالْهِبَة، فَإِنَّهَا كلهَا عِنْد إِطْلَاقهَا _ أَي إِذا لم يقْتَرن بهَا مَا يقْصد بِهِ إخْرَاجهَا عَن إِفَادَة مَا وضعت لَهُ _ تفِيد حكمهَا، وَهُوَ الْأَثر الْمُتَرَتب عَلَيْهَا من التَّمْلِيك والتملك
لَكِن إِذا اقْترن بهَا مَا يُخرجهَا عَن إِفَادَة هَذَا الحكم، وَذَلِكَ كإرادة النِّكَاح بهَا وكالهزل والاستهزاء والمواضعة والتلجئة، فَإِنَّهُ يسلبها إِفَادَة حكمهَا الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد بهَا النِّكَاح كَانَت نِكَاحا.
وَلَكِن يشْتَرط فِي الْإِجَارَة وَالصُّلْح أَن تكون الْمَرْأَة بَدَلا ليَكُون نِكَاحا، فَلَو كَانَت فِي الْإِجَارَة معقوداً عَلَيْهَا لَا تكون نِكَاحا، وَفِي الصُّلْح لَو كَانَت مصالحاً عَنْهَا بِأَن ادّعى عَلَيْهَا النِّكَاح فأنكرت ثمَّ صالحت الْمُدَّعِي على مَال دَفعته لَهُ ليكف صَحَّ وَكَانَ خلعاً. (ر: الدُّرَر وحاشيته، من كتاب النِّكَاح وَمن كتاب الصُّلْح) .
وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ إِنْسَان أَو شرى وَهُوَ هازل، فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّب على عقده تمْلِيك وَلَا تملك.
2 -
وَأما الْإِبْرَاء: فَكَمَا لَو قَالَ الطَّالِب للْكَفِيل، أَو قَالَ الْمحَال للمحتال عَلَيْهِ: بَرِئت من المَال الَّذِي كفلت بِهِ، أَو المَال الَّذِي أحلّت بِهِ عَلَيْك، أَو قَالَ: بَرِئت إِلَيّ مِنْهُ، وَكَانَ الطّلب أَو الْمحَال حَاضرا، فَإِنَّهُ يرجع إِلَيْهِ فِي الْبَيَان لما قَصده من هَذَا اللَّفْظ، فَإِن كَانَ قصد بَرَاءَة الْقَبْض والاستيفاء مِنْهُ كَانَ للْكَفِيل أَن يرجع على الْمَكْفُول عَنهُ لَو الْكفَالَة بِالْأَمر، وَكَانَ للمحال عَلَيْهِ أَن يرجع على الْمُحِيل لَو لم يكن للْمُحِيل دين عَلَيْهِ. وَإِن كَانَ قصد من ذَلِك بَرَاءَة الْإِسْقَاط فَلَا رُجُوع لوَاحِد مِنْهُمَا.
أما إِذا كَانَ الطَّالِب أَو الْمحَال غير حَاضر فَفِي (بَرِئت إِلَيّ) لَا نزاع فِي أَنه يحمل على بَرَاءَة الِاسْتِيفَاء، وَكَذَلِكَ فِي بَرِئت، عِنْد أبي يُوسُف فَإِنَّهُ جعله كَالْأولِ، وَهُوَ الْمُرَجح، (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْكفَالَة، بحث كَفَالَة المَال) .
3 -
وَأما الوكالات، فَمِنْهَا: مَا لَو وكل إِنْسَان غَيره بشرَاء فرس معِين أَو نَحوه فَاشْترى الْوَكِيل فرسا فَفِيهِ تَفْصِيل: إِن كَانَ نوى شِرَاءَهُ للْمُوكل أَو أضَاف العقد إِلَى دَرَاهِم الْمُوكل يَقع الشِّرَاء للْمُوكل، وَإِن نوى الشِّرَاء لنَفسِهِ أَو أضَاف العقد إِلَى دَرَاهِم نَفسه يَقع الشِّرَاء لنَفسِهِ. وَكَذَا لَو أضَاف العقد إِلَى
دَرَاهِم مُطلقَة فَإِنَّهُ إِذا نوى بهَا دَرَاهِم الْمُوكل يَقع الشِّرَاء للْمُوكل وَإِن نوى بهَا دَرَاهِم نَفسه يَقع لنَفسِهِ، وَإِن تكاذبا فِي النِّيَّة يحكم النَّقْد فَيحكم بالفرس لمن وَقع نقد الثّمن من مَاله، لِأَن فِي النَّقْد من أحد الْمَالَيْنِ دلَالَة ظَاهِرَة على أَنه أُرِيد الشِّرَاء لصَاحبه (وَالْمَسْأَلَة مبسوطة فِي فصل الْوكَالَة بِالشِّرَاءِ من الْهِدَايَة) .
4 -
وَأما الإحرازات، وَهِي: استملاك الْأَشْيَاء الْمُبَاحَة، فَإِن النِّيَّة وَالْقَصْد شَرط فِي إفادتها الْملك، فَلَو وضع إِنْسَان وعَاء فِي مَكَان فَاجْتمع فِيهِ مَاء الْمَطَر ينظر: فَإِن كَانَ وَضعه خصيصاً لجمع المَاء يكون مَا اجْتمع فِيهِ ملكه، وَإِن وَضعه بِغَيْر هَذَا الْقَصْد فَمَا اجْتمع فِيهِ لَا يكون ملكه، وَلغيره حينئذٍ أَن يَتَمَلَّكهُ بِالْأَخْذِ، لِأَن الحكم لَا يُضَاف إِلَى السَّبَب الصَّالح إِلَّا بِالْقَصْدِ. (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْبيُوع، متفرقات، عِنْد قَول الْمَتْن: وَلَو فرخ طير أَو باض _ نقلا عَن الْبَحْر) .
وَكَذَلِكَ الصَّيْد، فَلَو وَقع الصَّيْد فِي شبكة إِنْسَان أَو حُفْرَة من أرضه ينظر: فَإِن كَانَ نشر الشبكة أَو حفر الحفرة لأجل الِاصْطِيَاد بهما فَإِن الصَّيْد ملكه وَلَيْسَ لأحد أَن يَأْخُذهُ، وَإِن كَانَ نشر الشبكة لتجفيفها مثلا أَو حفر الحفرة لَا لأجل الِاصْطِيَاد فَإِنَّهُ لَا يملكهُ، وَلغيره أَن يستملكه بِالْأَخْذِ. (ر: الْمجلة، مَادَّة / 1303) .
5 -
وَأما الضمانات والأمانات فمسائلها كَثِيرَة: (أ) مِنْهَا اللّقطَة، فَإِن التقطها ملتقط بنية حفظهَا لمَالِكهَا كَانَت أَمَانَة لَا تضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي، وَإِن التقطها بنية أَخذهَا لنَفسِهِ كَانَ فِي حكم الْغَاصِب فَيضمن إِذا تلفت فِي يَده بِأَيّ صُورَة كَانَ تلفهَا، وَالْقَوْل للملتقط بِيَمِينِهِ فِي النِّيَّة لَو اخْتلفَا فِيهَا.
وَكَذَا لَو التقطها ثمَّ ردهَا لمكانها، فَإِن كَانَ التقطها للتعريف لم يضمن بردهَا لمكانها سَوَاء ردهَا قبل أَن يذهب بهَا أَو بعده وَسَوَاء خَافَ بإعادتها هلاكها أَولا، وَإِن كَانَ التقطها لنَفسِهِ لَا يبرأ بإعادتها لمكانها مَا لم يردهَا لمَالِكهَا. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، أَوَائِل كتاب اللّقطَة، نقلا عَن كَافِي الْحَاكِم وَعَن نور الْعين عَن الْخَانِية) .
(ب) وَمِنْهَا الْوَدِيعَة، فَإِن الْمُودع إِذا استعملها ثمَّ تَركهَا بنية الْعود إِلَى اسْتِعْمَالهَا لَا يبرأ عَن ضَمَانهَا لِأَن تعديه باقٍ، وَإِن كَانَ تَركهَا بنية عدم الْعود إِلَى اسْتِعْمَالهَا يبرأ وَلَكِن لَا يصدق فِي ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة، لِأَنَّهُ أقرّ بِمُوجب الضَّمَان ثمَّ ادّعى الْبَرَاءَة. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 144) .
وَهَذَا إِذا كَانَ تعديه عَلَيْهَا بِغَيْر الحجز أَو الْمَنْع عَن الْمَالِك، فَإِن كَانَ بِأحد هذَيْن فَإِنَّهُ لَا يبرأ عَن الضَّمَان إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك وَإِن أَزَال تعديه بالاعتراف بهَا. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، بحث مَا يصدق فِيهِ الْمُودع، صفحة / 145) .
وَكَذَلِكَ كل أَمِين من قبل الْمَالِك إِذا تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي بنيته أَنه لَا يعود إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يبرأ عَن الضَّمَان، فَلَو لم يكن مسلطاً من قبل الْمَالِك أصلا، كَمَا فِي مَسْأَلَة الْمُلْتَقط الْآتِيَة عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ بحثا، أَو كَانَ مسلطاً فِي مُدَّة مُؤَقَّتَة وانتهت ثمَّ تعدى ثمَّ أَزَال تعديه وَعَاد إِلَى الْحِفْظ لَا يبرأ. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو كَانَ مَأْمُورا بِحِفْظ شهر فَمضى شهر ثمَّ اسْتعْمل الْوَدِيعَة ثمَّ ترك الِاسْتِعْمَال وَعَاد إِلَى الْحِفْظ لَا يبرأ، إِذْ عَاد وَأمر الْحِفْظ غير قَائِم. (ر: الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ، بحث ضَمَان الْمُودع بِالدفع، صفحة / 145) . (ج) وَمن قبيل فرع الْوَدِيعَة الْمَذْكُور مَا جَاءَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَكيل بِالْبيعِ لَو خَالف بِأَن اسْتَعْملهُ أَو دفع الثَّوْب إِلَى قصار لقصره حَتَّى صَار ضَامِنا، فَلَو عَاد إِلَى الْوِفَاق يبرأ كمودع، وَالْوكَالَة بَاقِيَة فِي بَيْعه. (ر: الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ، بحث ضَمَان الْمَأْمُور والدلال، صفحة / 142 - 145 /، وَمثله فِي معِين الْحُكَّام، الْبَاب السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ، فصل التَّسَبُّب وَالدّلَالَة) .
واستثنوا من الْأُمَنَاء: (1) الْمُسْتَعِير لأجل الِانْتِفَاع، (2) وَالْمُسْتَأْجر، (3) وَمثلهمَا الْأَجِير، لَو خَالف ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق لَا يبرأ. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، بحث إجَازَة الدَّوَابّ، صفحة / 164) . فَإِنَّهُمَا إِذا تَعَديا على الْعين المستعارة أَو الْمُسْتَأْجرَة ثمَّ تركا التَّعَدِّي بنية عدم الْعود إِلَيْهِ
لَا يبرآن عَن الضَّمَان إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك. (4) وَيُزَاد رَابِع لَهَا (ذكره صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ بحثا فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ _ بعد أَن رمز لفتاوى القَاضِي ظهير وللواقعات _) : أَخذ لقطَة ثمَّ ضَاعَت مِنْهُ فَوَجَدَهَا فِي يَد آخر فَلَا خُصُومَة بَينهمَا، بِخِلَاف الْوَدِيعَة، وَالْفرق بَينهمَا أَن للثَّانِي ولَايَة أَخذ اللّقطَة كَالْأولِ بِخِلَاف الْوَدِيعَة. ثمَّ قَالَ عقبه:" أَقُول: دلّ هَذَا على أَنه لَو تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي ثمَّ هَلَكت يضمن، لِأَن يَده لَيست بيد مَالك لما مر من عدم الْخُصُومَة، فبتعديه ظهر أَنه غَاصِب فَلَا يبرأ إِلَّا بِمَا يبرأ بِهِ الْغَاصِب ".
وَلَكِن لم يظْهر لي مَا بَحثه من أَن الْمُلْتَقط يضمن إِذا هَلَكت بعد أَن تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي، بل ظهر لي خِلَافه وَذَلِكَ أَن الِالْتِقَاط بِقصد الرَّد على الْمَالِك مَنْدُوب إِلَيْهِ عِنْد عدم الْخَوْف على اللّقطَة، وواجب عِنْد الْخَوْف عَلَيْهَا، وَمَا ذَلِك إِلَّا للْإِذْن بِهِ من الْمَالِك دلَالَة، وَالْإِذْن من الْمَالِك دلَالَة، كالإذن الصَّرِيح، يَنْفِي الضَّمَان كَمَا قَالُوا فِيمَا لَو ذبح الرَّاعِي الْبَعِير فِي المرعى بعد أَن مرض مَرضا لَا ترجى مَعَه حَيَاته فَإِنَّهُ لَا يضمن، لِأَن الْإِذْن من الْمَالِك يذبحه وَالْحَالة هَذِه حَاصِل عَادَة.
فَإِذا كَانَ الِالْتِقَاط للْمَالِك كَانَ الْإِذْن للملتقط بِوَضْع يَده حَاصِلا من الْمَالِك دلَالَة، وَلذَا كَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وواجباً شرعا، فَتكون يَده يدا مَأْذُونا فِيهَا، وَإِذا كَانَت مَأْذُونا فِيهَا فَهِيَ يَد نائبة عَن يَد الْمَالِك، فَإِذا تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي لَا يبْقى غَاصبا بل تعود يَد النِّيَابَة عَن الْمَالِك فَإِذا هَلَكت بعد ذَلِك لَا يضمن.
وَمَا نَقله عَن فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين والواقعات من نفس الْخُصُومَة بَين الْمُلْتَقط الأول وَالثَّانِي لَيْسَ مُعَللا بِأَن يَد الأول لَيست يَد الْمَالِك، كَمَا قَالَ، حَتَّى ينْتج الْمَطْلُوب، بل هُوَ مُعَلل كَمَا ترى بِأَن للثَّانِي ولَايَة الْأَخْذ كَالْأولِ إِذْ إِن أَخذ الثَّانِي، كأخذ الأول، مَأْذُون فِيهِ دلَالَة، فَتكون يَده يَد نِيَابَة كَذَلِك فَلَا يتَرَجَّح الأول عَلَيْهِ، على أَنه نقل فِي الدّرّ الْمُخْتَار فِي كتاب اللّقطَة، عَن السراج، أَن الصَّحِيح أَن الْمُلْتَقط الأول لَهُ أَن يُخَاصم الْمُلْتَقط الثَّانِي فِي اللّقطَة ويأخذها مِنْهُ
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن ذَلِك عَام فِي كل أَمِين كَانَت يَده لَيست يَد استحفاظ من الْمَالِك، كوارث الْمُودع وَمن أَلْقَت الرّيح ثوبا فِي دَاره وَنَحْوهمَا.
أما لَو كَانَ الْمُسْتَعِير غير مستعير لينْتَفع بل ليرهن الْعين المعارة، وَهُوَ الْمُسَمّى بالمستعير للرَّهْن، فَإِن حكمه كَسَائِر الْأُمَنَاء، فَإِذا تعدى على الْعين المعارة وَهِي فِي يَده، أَي قبل أَن يرهنها أَو بَعْدَمَا افتكها، ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي يبرأ عَن الضَّمَان.
وَالْفرق بَين الْمُسْتَعِير لعمل نَفسه وَالْمُسْتَأْجر وَبَين الْمُودع وَمن بِمَعْنَاهُ كالمستعير للرَّهْن، أَن الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور أَو الْمُسْتَأْجر عَامل لنَفسِهِ فَكَانَت يَده على الْعين يَد نَفسه لَا يَد مَالِكهَا، فَبعد إِزَالَة التَّعَدِّي وَالْعود إِلَى الْوِفَاق تبقى يَده فَلَا يُمكن أَن يعْتَبر ردا على الْمَالِك لَا حَقِيقَة وَلَا حكما، بِخِلَاف الْمُودع وَمن بِمَعْنَاهُ فَإِن يَده على الْعين كيد مَالِكهَا فبالعود إِلَى الْوِفَاق تظهر يَد الْمَالِك فَيصير راداً عَلَيْهِ حكما فَيبرأ عَن الضَّمَان. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْوَدِيعَة، وَكتاب الرَّهْن بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) .
تَنْبِيه: أطلق فِي بعض الْكتب ضَمَان الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر فِيمَا إِذا تَعَديا ثمَّ أزالا التَّعَدِّي، وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَت انْتَهَت الْإِعَارَة وَالْإِجَارَة أَو لم تكن انْتَهَت، وَنقل فِي الْفَصْل الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من نور الْعين عَن الْهِدَايَة تَرْجِيحه بعلامة الْأَصَح.
وَبَعْضهمْ فصل بَين مَا إِذا كَانَت انْتَهَت الْإِعَارَة وَالْإِجَارَة فَلَا يبرأ إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك، وَبَين مَا إِذا كَانَت لم تَنْتَهِ فَيبرأ بِالْعودِ، وَنقل أَيْضا فِي نور الْعين عَن الْكَافِي تَرْجِيحه بعلامة الْأَصَح.
لكنه نقل فِي الْمحل الْمَذْكُور. قبل ذَلِك بأسطر، أَن القَوْل بضمانها مُطلقًا من غير تَفْصِيل عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَلِكَ حكى فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من جَامع الْفُصُولَيْنِ، من بحث رد الْعَارِية وَمَا يتَعَلَّق بِهِ، أَن الْفَتْوَى على أَنه لَا يبرأ بِالْعودِ إِلَى الْوِفَاق.
6 -
وَأما الْعُقُوبَات: فكالقصاص: فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على أَن يقْصد الْقَاتِل