الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تَنْبِيه: فِي مَفْهُوم الْقَاعِدَة والمستثنى مِنْهُ)
إِن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة تفِيد بمفهومها أَنه إِذا صَحَّ المتضمن (بِصِيغَة الْفَاعِل) صَحَّ مضمونه، وَهُوَ بمفهومها كمنطوقها غير مطرد، بل قد يتَخَلَّف:
(أ) وَذَلِكَ كَمَا إِذا تقايل الْمُتَبَايعَانِ البيع على أقل من الثّمن الْمُسَمّى فِي عقد البيع، وعَلى أَن يكون الثّمن الَّذِي قَبضه البَائِع من المُشْتَرِي مُؤَجّلا عَلَيْهِ إِلَى وَقت كَذَا، صحت الْإِقَالَة على الثّمن الْمُسَمّى فِي عقد البيع فِي الأولى، وَبَطل التَّأْجِيل فِي الثَّانِيَة وَلزِمَ البَائِع كل الثّمن حَالا (ر: التَّنْوِير وَشَرحه، من الْإِقَالَة) .
(ب) وَكَذَلِكَ مَا لَو خلع زَوجته على بدل مَا هُوَ مَال مُتَقَوّم، فَإِن وُقُوع الْبَيْنُونَة بَينهمَا وَلُزُوم الْبَدَل مُتَوَقف على قبُولهَا، فَإِذا أكرهها على الْقبُول صَحَّ الْقبُول مِنْهَا وَوَقع الْبَائِن، وَلَا يلْزمهَا مَال.
(ج) وَكَذَلِكَ لَو خلعها على مَا لَيْسَ بِمَال أصلا، كَالدَّمِ وَالْميتَة، أَو على مَال غير مُتَقَوّم، كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير، فَقبلت وَلَو طَائِعَة صَحَّ الْقبُول وَوَقع الْبَائِن، وَلَا يلْزم الْمَرْأَة شَيْء مِمَّا سمى (ر: الدُّرَر، من بَاب الْخلْع) .
(د) وَمثل ذَلِك مَا لَو خلع زَوجته القاصرة على مَال، فَقبلت، وَقع الطَّلَاق الْبَائِن لوُجُود الْقبُول الَّذِي هُوَ شَرط، وَلكنهَا لَا يلْزمهَا المَال لكَونهَا لَيست بِأَهْل للالتزام كَمَا هُوَ مرسوم فِي الْمُتُون والشروح من الْخلْع.
(هـ) وَمن ذَلِك أَنه لَو علق طَلَاق امْرَأَته على قَتله فلَانا، فَشهد رجل وَامْرَأَتَانِ عَلَيْهِ أَنه قَتله، يثبت عَلَيْهِ وُقُوع الطَّلَاق وَلَا يثبت الْقصاص عَلَيْهِ، إِذْ لَا مدْخل لشهادة النِّسَاء فِي الْقصاص. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من الشَّهَادَات، موضحاً) .
فقد صَحَّ فِي هَذِه الْمسَائِل كلهَا المتضمن وَلم يَصح الْمَضْمُون.
(تَنْبِيه آخر)
الْبطلَان الْمَفْهُوم من قَول الْقَاعِدَة: " إِذا بَطل الشَّيْء " يجب أَن يُرَاد بِهِ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُقُود الْفساد، فَإِنَّهُم كثيرا مَا يطلقون الْبَاطِل ويريدون بِهِ الْفَاسِد وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ حَقِيقَة الْبطلَان، لِأَن العقد إِذا كَانَ بَاطِلا لَا يبطل مَا تضمنه، لِأَن العقد الْبَاطِل وجوده والعدم سَوَاء لعدم مشروعيته أصلا، فَإِذا كَانَ متضمناً لأمر يكون ذَلِك الْأَمر كَأَنَّهُ وجد مُسْتقِلّا غير مُتَضَمّن فِي آخر فَيعْتَبر ويراعى. بِخِلَاف العقد الْفَاسِد فَإِنَّهُ لمشروعية أَصله ترَتّب عَلَيْهِ الْأَحْكَام، فَلَا يُمكن اعْتِبَاره كَالْعدمِ. فَإِذا تضمن أمرا سرى فَسَاده إِلَى مَا فِي ضمنه (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من بَاب مَا يدْخل فِي البيع تبعا وَمَا لَا يدْخل. وَمثله فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل / 32) .
أما غير الْعُقُود من التَّصَرُّفَات فَلَيْسَ فِيهِ فَسَاد وباطل حَتَّى تقع التَّفْرِقَة وتختلف الْأَحْكَام.
وَمِمَّا ذكرنَا يظْهر الْفرق بَين مَا تخرج على الْقَاعِدَة من الْعُقُود وَبَين مَا خرج عَنْهَا. وَلَا يرد على مَا ذكر من التَّفْرِقَة بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل تخلف الفرعين المخرجين عَن الْقَاعِدَة، وهما: مَا لَو قَالَ لآخر بِعْتُك دمي بِكَذَا، وَفرع شِرَاء الْيَمين من خَصمه بِمَال، فَإِن البيع فيهمَا بَاطِل وَقد بَطل مَا تضمناه من الْإِذْن بِالْقَتْلِ وَإِسْقَاط الْيَمين.
وَذَلِكَ لِأَن مَا تضمنه البيع من الْإِذْن بِالْقَتْلِ لَا يعد شُبْهَة تسْقط الْقصاص، لِأَن الْإِذْن لَا يُفِيد أَكثر من الْبَذْل وَالْإِبَاحَة، وَهِي لَا تصلح شُبْهَة، لِأَن الْفِعْل بعْدهَا مُضَاف إِلَى الْفَاعِل من كل وَجه. بِخِلَاف مَا لَو أمره بقتْله فَقتله فَإِن الْأَمر يعد شُبْهَة، لِأَن فعل الْمَأْمُور بعده يعد وَالْحَالة هَذِه امتثالاً لأَمره ومطاوعة لَهُ فيضاف للْآمِر، وَالْإِذْن خَال عَن ذَلِك، وَحَاصِله أَن وجوب الْقصاص لَا لبُطْلَان الْإِذْن بِبُطْلَان البيع، بل لعدم انتصاب الْإِذْن شُبْهَة تسْقط الْقصاص.
وَلِأَن بيع الْيَمين لَيْسَ متضمناً لإسقاطها من قبل الْمُدَّعِي، بل لتمليكها للْمُشْتَرِي، وَهِي لَا تقبل التَّمْلِيك والتملك بل تسْقط بالإسقاط ضمنا، وَلم يُوجد فِي ضمن البيع إِسْقَاط. بِخِلَاف الصُّلْح عَنْهَا بِبَدَل، فَإِنَّهُ إِسْقَاط لَهَا لِأَنَّهُ بِأخذ
الْبَدَل أسقط خصومته فَتسقط ضمنا (ر: الدّرّ وحاشيته، قبيل التَّحَالُف) فَالْأولى عدم عده فِي مستثنيات الْقَاعِدَة.
وَلَا يرد أَيْضا مَا تقدم فِي مستثنيات هَذِه الْقَاعِدَة (عَن الدّرّ وحاشيته، من البيع الْفَاسِد) من أَنه لَو سلم البَائِع الْعقار الْمَبِيع فَاسِدا لمشتريه، فَبنى أَو غرس فِيهِ، فَإِنَّهُ يَنْقَطِع حق الْمَالِك فِي الْفَسْخ وَلَا يُؤمر بِنَقْض الْبناء وَقلع الْغِرَاس، لِأَنَّهُ مُعَلل بِأَنَّهُ كَانَ بتسليط من البَائِع، كَمَا تقدم، والتسليط إِنَّمَا كَانَ فِي ضمن الْفِعْل وَهُوَ التَّسْلِيم لَا فِي ضمن العقد، لِأَن العقد الْفَاسِد لَا يتَضَمَّن التسليط، بل الَّذِي يتَضَمَّن التسليط هُوَ التَّسْلِيم. فَلَا يُقَال إِن العقد فِيهِ فَاسد لَا بَاطِل وَلم يُؤثر فَسَاده فِي فَسَاد التسليط الَّذِي تضمنه العقد. وَلَا يُقَال أَيْضا إِن التَّسْلِيم والتسليط إِذا لم يَكُونَا متضمنين للْعقد الْفَاسِد فهما مترتبان عَلَيْهِ وَالْعقد الْفَاسِد كَمَا يفْسد مَا تضمنه يفْسد مَا ترَتّب عَلَيْهِ كَمَا تقدم، وَذَلِكَ لِأَن العقد الْفَاسِد لَا يَقْتَضِي التَّسْلِيم بل يَقْتَضِي عَدمه قبل وجوده وإعدامه بعد وجوده بِالْفَسْخِ والتراد، فَلَا يُمكن اعْتِبَاره مترتباً عَلَيْهِ وَهُوَ يأباه.
وَكَذَلِكَ لَا يرد مَا سَيَأْتِي تَحت الْكَلَام على الْمَادَّة / 57 " التَّبَرُّع لَا يتم إِلَّا بِالْقَبْضِ " وَهُوَ مَا لَو وهب مَا فِي بطن غنمه أَو ضرْعهَا، أَو سمناً فِي اللَّبن، أَو حلا فِي سمسم، أَو زيتاً فِي زيتون، أَو دَقِيقًا فِي حِنْطَة، لم يجز الْقَبْض وَإِن سلطه على قَبضه عِنْد الْولادَة أَو عِنْد اسْتِخْرَاج ذَلِك. وَلَا يُقَال: إِن عقد الْهِبَة الْمَذْكُور بَاطِل وَقد بَطل مَا ترَتّب عَلَيْهِ من التسليط على الْقَبْض، وَذَلِكَ لِأَن بطلَان التسليط الْمَذْكُور لَا لبُطْلَان عقد الْهِبَة، بل لعدم صلاحيته أَن يعْتَبر هبة مُسْتَقلَّة مُبتَدأَة، إِذْ الْهِبَة لَا تَنْعَقِد بالتسليط على الْقَبْض مُجَردا كَمَا هُوَ ظَاهر.
وَكَذَلِكَ لَا يرد أَيْضا مَا نقل من أَن التعاطي إِنَّمَا يكون بيعا إِذا لم يكن مَبْنِيا على عقد فَاسد أَو بَاطِل. أما إِذا كَانَ فَلَا (رد الْمُحْتَار فِي بحث بيع التعاطي، نقلا عَن الْبَزَّازِيَّة. وَنَظِيره فِي أَوَاخِر الْفَنّ الثَّالِث من الْأَشْبَاه عَن الْخُلَاصَة) وَذَلِكَ أَن التعاطي لَيْسَ إِلَّا قبضا مَحْضا لَيْسَ مَعَه مَا يشْعر باستئناف البيع،