الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة عشرَة
(الْمَادَّة / 19))
("
لَا ضَرَر وَلَا ضرار
")
(أَولا _ الشَّرْح)
أَي لَا فعل ضَرَر وَلَا ضرار بِأحد فِي ديننَا، أَي لَا يجوز شرعا لأحد أَن يلْحق بآخر ضَرَرا وَلَا ضِرَارًا، وَقد سيق ذَلِك بأسلوب نفي الْجِنْس ليَكُون أبلغ فِي النَّهْي والزجر.
هَذِه الْقَاعِدَة لفظ حَدِيث شرِيف حسن، رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيرهمَا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس وَعبادَة بن الصَّامِت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم مُسْندًا، وَمَالك فِي الْمُوَطَّأ مُرْسلا.
والضرار (بِكَسْر الصَّاد) من ضره وضاره بِمَعْنى، وَهُوَ خلاف النَّفْع، كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي. فَيكون الثَّانِي على هَذَا تَأْكِيدًا للْأولِ، لَكِن الْمَشْهُور أَن بَينهمَا فرقا فَحمل اللَّفْظ على التأسيس أولى من التَّأْكِيد. وَاخْتلف فِي الْفرق على أَقْوَال ذكرهَا ابْن حجر الهيتمي فِي شرح الْأَرْبَعين النووية، أحْسنهَا: أَن معنى الأول إِلْحَاق مفْسدَة بِالْغَيْر مُطلقًا، وَمعنى الثَّانِي إِلْحَاق مفْسدَة بِالْغَيْر على وَجه الْمُقَابلَة لَهُ، لَكِن من غير تَقْيِيد بِقَيْد الاعتداء بِالْمثلِ والانتصار للحق. وَهَذَا أليق بِلَفْظ الضرار، إِذْ الفعال مصدر قياسي لفاعل الَّذِي يدل على الْمُشَاركَة.
الْقَاعِدَة مُقَيّدَة إِجْمَاعًا بِغَيْر مَا أذن بِهِ الشَّرْع من الضَّرَر، كَالْقصاصِ وَالْحُدُود وَسَائِر الْعُقُوبَات والتعازير، لِأَن دَرْء الْمَفَاسِد مقدم على جلب الْمصَالح، على أَنَّهَا لم تشرع فِي الْحَقِيقَة إِلَّا لدفع الضَّرَر أَيْضا.
ذكرت الْمجلة ثَلَاث قَوَاعِد بشأن الضَّرَر هِيَ أصُول بِالنِّسْبَةِ لغَيْرهَا: (الأولى) للنَّهْي عَن إِيقَاعه وَهِي هَذِه و (الثَّانِيَة) لوُجُوب إِزَالَته إِذا وَقع، وَهِي الْقَاعِدَة الَّتِي تَلِيهَا و (الثَّالِثَة) لبَيَان أَن إِزَالَته إِذا لم تمكن تَمامًا فبقدر مَا يُمكن، وَهِي الْقَاعِدَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ. وَمَا عداهن مِمَّا ذكر بشأن الضَّرَر، كالقاعدة السَّابِعَة، وَالْخَامِسَة وَالْعِشْرين، وَمَا بعْدهَا إِلَى نِهَايَة الثَّلَاثِينَ، فَلَيْسَتْ أصولاً، بل هِيَ مَا بَين تَقْيِيد لغَيْرهَا، كالسابعة فَإِنَّهَا قيد لما قبلهَا وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا، أَو تَكْمِيل لهَذِهِ الثَّلَاثَة الْأُصُول. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا كلهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(ثَانِيًا _ التطبيق)
يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة كثير من أَبْوَاب الْفِقْه مِمَّا كَانَت مشروعيته توقياً من وُقُوع الضَّرَر. فَمن ذَلِك: (أ) اتِّخَاذ السجون، ثمَّ جعلهَا على صُورَة مضجرة لَا يُمكن فِيهَا المسجون من بسط فرَاش وَلَا غطاء، وَلَا من التكسب، وَلَا يُمكن أحد من الدُّخُول عَلَيْهِ للاستئناس، وَهُوَ وَإِن كَانَ أسلم الْعُقُوبَات فَهُوَ من الْعُقُوبَات الْعَظِيمَة ومقرون بِالْعَذَابِ الْأَلِيم فِي قَوْله سبحانه وتعالى فِي سُورَة يُوسُف:{إِلَّا أَن يسجن أَو عَذَاب أَلِيم} . فَإِن من يعلم من الدعار وَأهل الْفساد أَن مثل هَذَا السجْن وَاقِف لَهُ بالمرصاد يرتدع ويكف أَذَاهُ عَن النَّاس.
على أَن مَنْفَعَة السجْن لَيست مَقْصُورَة على ردع الدعار، بل هُنَاكَ أَيْضا مَنْفَعَة أُخْرَى وَهِي وقاية المجرم من إِضْرَار الْحَاكِم بِهِ إِذا عاقبه فِي وَقت غَضَبه من جرمه، فَإِن الْحَاكِم مَمْنُوع شرعا من معاقبة المجرم وَقت غَضَبه مِنْهُ لِئَلَّا يُجَاوز فِي عُقُوبَته الْحَد الْكَافِي لزجره، بل يرفعهُ إِلَى الْحَبْس ريثما يسكن غَضَبه فيعاقبه حِينَئِذٍ بِمَا يسْتَحقّهُ.
(ب) وَمن ذَلِك بعض الخيارات، كَخِيَار الرُّؤْيَة وَخيَار الشَّرْط، فَإِن الأول شرع لدفع الضَّرَر عَن المُشْتَرِي بِدُخُول مَا لَا يلائمه فِي ملكه. وَالثَّانِي شرع للْحَاجة إِلَى التروي لِئَلَّا يَقع فِي ضَرَر الْغبن.
(ج) وَمن ذَلِك أَنْوَاع الْحجر، فَإِنَّهَا شرعت توقياً من وُقُوع الضَّرَر الْعَائِد تَارَة لذات الْمَحْجُور وَتارَة لغيره، فَإِن من وَجب حجره إِذا ترك بِدُونِ حجر قد يضر بِنَفسِهِ وَقد يضر بِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهر.
(د) وَمِنْهَا: الشُّفْعَة، فَإِنَّهَا شرعت توقياً من ضَرَر جَار السوء.
(هـ) وَمِنْهَا: جبر الشَّرِيك على الْعِمَارَة إِذا أَبَاهَا فِي ثَلَاثَة محلات وَهِي: (1) مَا إِذا كَانَ وَصِيّ يَتِيم، (2) أَو مُتَوَلِّي وقف، (3) وَعند ضَرُورَة تعذر الْقِسْمَة. فَإِنَّهُ شرع توقياً من تضرر الصَّغِير وَالْوَقْف وَالشَّرِيك من تداعي الْعقار للخراب.
(و) وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ لآخر مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَغَابَ المُشْتَرِي قبل قَبضه وَقبل نقد الثّمن فَأَبْطَأَ، فَللْبَائِع بَيْعه لغيره توقياً من تضرره بفساده، وَلَا يرجع على المُشْتَرِي بِشَيْء لَو نقص الثّمن الثَّانِي عَن الأول (ر: رد الْمُحْتَار، من كتاب الْبيُوع، متفرقات) .
(ز) وَمِنْهَا: حبس الْمُوسر إِذا امْتنع عَن الْإِنْفَاق على أَوْلَاده أَو قَرِيبه الْمحرم وَجَوَاز ضربه فِي الْحَبْس إِذا أصر على الِامْتِنَاع، توقياً من وُقُوع الضَّرَر بأولاده أَو قَرِيبه الْفُقَرَاء ببقائهم بِلَا نَفَقَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم، بَاب الْقَضَاء) .
(ح) وَمِنْهَا: مَا لَو أعَار أَرضًا للزِّرَاعَة أَو آجرها لَهَا فزرعها الْمُسْتَعِير أَو الْمُسْتَأْجر، ثمَّ رَجَعَ الْمُعير أَو انْتَهَت مُدَّة الْإِجَارَة قبل أَن يستحصد الزَّرْع، فَإِنَّهَا تتْرك فِي يَد الْمُسْتَعِير أَو الْمُسْتَأْجر بِأَجْر الْمثل إِلَى أَن يستحصد الزَّرْع (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْعَارِية) . وَذَلِكَ توقياً من تضرره بقلع الزَّرْع وَهُوَ بقل.
(ط) وَمِنْهَا: مَا لَو حدث للظئر أثْنَاء مُدَّة الْإِجَارَة عذر يسوغ لَهَا فسخ الْإِجَارَة، وَكَانَ الصَّغِير لم يعد يَأْخُذ ثدي غَيرهَا وَلم يسْتَغْن بِالطَّعَامِ، فَإِنَّهَا تمنع من فَسخهَا، توقياً من حُصُول ضَرَر للصَّغِير (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من كتاب الْإِجَارَة، الْإِجَارَة الْفَاسِدَة، عَن الْفَتَاوَى التَّتارْخَانِيَّة) .
(ي) وَمِنْهَا: مَا صرح بِهِ فِي كثير من الْكتب، من أَنه لَو انْتَهَت مُدَّة إِجَارَة الظِّئْر، وَالصَّغِير لَا يَأْخُذ ثدي غَيرهَا وَلم يسْتَغْن بِالطَّعَامِ، فَإِنَّهَا تجبر على إرضاعه بِأَجْر الْمثل توقياً من تضرر الصَّغِير.
(ك) وَمِنْهَا: مَشْرُوعِيَّة الْخِيَار للْبَائِع فِي فسخ البيع إِذا كَانَ يتَضَرَّر فِي غير مَا بَاعه، كَمَا لَو بَاعَ جذعاً مثلا من سقف، أَو بَاعَ حِصَّة شائعة من زرع مَمْلُوك لَهُ غير مستحصد فَإِن لَهُ الْخِيَار فِي فسخ البيع فِي الأولى، لِأَنَّهُ بقلع الْجذع يتَضَرَّر فِي غير مَا بَاعه وَهُوَ بَقِيَّة السّقف، وَكَذَلِكَ لَهُ الْخِيَار فِي الثَّانِيَة إِذا طَالبه المُشْتَرِي بِالْقِسْمَةِ قبل استحصاد الزَّرْع توقياً من تضرره فِيمَا لم يَبِعْهُ وَهُوَ بَقِيَّة الزَّرْع، إِذْ لَا تمكن الْقِسْمَة إِلَّا بعد قلع الْكل (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من أَوَائِل كتاب الشّركَة، وَمن البيع الْفَاسِد) .
(ل) وَمِنْهَا جَوَاز كسر الدَّرَاهِم النبهرجة، أَي المصنوعة من غير الْفضة، إِذا دَفعهَا لأحد عَمَّا عَلَيْهِ أَو دَفعهَا لَهُ لينْظر إِلَيْهَا فَكَسرهَا الْآخِذ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، بل قَالُوا: نعم مَا صنع لِأَن فِي بَقَائِهَا ضَرَرا على الْعَوام، إِذْ قد تقع تِلْكَ الدَّرَاهِم فِي أَيدي من يُدَلس بهَا عَلَيْهِم (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من آخر كتاب الْبيُوع، متفرقات) .
(م) وَمِنْهَا: مَا لَو ثَبت الْحق على الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ وبإقراره وَقضي عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يعْتَبر قَضَاء بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ أقوى لَكِن إِذا كَانَ فِي اعْتِبَاره قَضَاء بِالْبَيِّنَةِ تحرز عَن إِيقَاع ضَرَر بالمدعى عَلَيْهِ، فحينئذٍ يعْتَبر الْقَضَاء مُسْتَندا إِلَى الْبَيِّنَة، وَذَلِكَ كَمَا إِذا اسْتحق الْمَبِيع من يَد المُشْتَرِي بِإِقْرَارِهِ وبالبينة وَقضي عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يعْتَبر الْقَضَاء مُسْتَندا إِلَى الْبَيِّنَة لَا إِلَى الْإِقْرَار، إِذْ فِي اعْتِبَاره قَضَاء عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ إِيقَاع ضَرَر بِهِ وَهُوَ عدم تمكنه من الرُّجُوع على بَائِعه بِالثّمن، لِأَن الْإِقْرَار حجَّة
قَاصِرَة لَا يتَعَدَّى إِلَى البَائِع، بِخِلَاف الْبَيِّنَة فَإِنَّهُ حجَّة متعدية، فَإِذا اعْتبر الْقَضَاء مُسْتَندا إِلَيْهَا يتَمَكَّن المُشْتَرِي من الرُّجُوع على بَائِعه بِالثّمن وَلَا يتَضَرَّر.
وَمثل دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق دَعْوَى الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم إِذا أُقِيمَت على المُشْتَرِي من الْمُشْتَرى مِنْهُ، وَثَبت قدم الْعَيْب بِإِقْرَارِهِ وبالبينة، فَإِنَّهُ يعْتَبر الْقَضَاء عَلَيْهِ وَالْحَالة هَذِه قَضَاء بِالْبَيِّنَةِ، تَحَرُّزًا عَن الْإِضْرَار بِهِ، ليتَمَكَّن من رده على البَائِع الأول (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الدَّعْوَى، من بَاب الِاسْتِحْقَاق) .
(ن) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى شَيْئا فآجره ثمَّ اطلع على عيب قديم فِيهِ فَلهُ نقض الْإِجَارَة ليَرُدهُ بِالْعَيْبِ (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْبيُوع، من خِيَار الْعَيْب عِنْد قَول الْمَتْن: كَمَا لَا يرجع لَو بَاعَ المُشْتَرِي الثَّوْب، وَقَالَ بعده: بِخِلَاف رَهنه من غَيره فَإِنَّهُ يردهُ بعد فكه. انْتهى) . وَكَأن الْفرق بَين الرَّهْن وَالْإِجَارَة هُوَ أَن الْإِجَارَة تفسخ بالأعذار وَهَذَا مِنْهَا، بِخِلَاف الرَّهْن. ثمَّ رَأَيْته فِي الْفَصْل المكمل الثَّلَاثِينَ من جَامع الْفُصُولَيْنِ صفحة / 49 / مُعَللا بِهَذَا.
(س) وَمِنْهَا: مَا لَو أعَار شَيْئا ليرهنه الْمُسْتَعِير فرهنه بدين عَلَيْهِ ثمَّ أَرَادَ الْمُعير اسْتِرْدَاده، فَلهُ أَن يدْفع الدّين للْمُرْتَهن وَيَأْخُذ الْعين الْمَرْهُونَة، وَلَا يعد مُتَبَرعا بل يرجع بِمَا دفع على الرَّاهِن الْمُسْتَعِير. وَكَذَلِكَ مَا لَو رهن الْأَب بدين عَلَيْهِ مَال وَلَده الصَّغِير الَّذِي تَحت ولَايَته، فَبلغ الصَّغِير فَلهُ أَن يقْضِي دين أَبِيه ويفك الرَّهْن، وَلَا يكون مُتَبَرعا بل يرجع على أَبِيه بِجَمِيعِ مَا قَضَاهُ عَنهُ (ر: بَدَائِع الصَّنَائِع للكاساني، أَوَائِل الرَّهْن صفحة / 135 /) .
(ع) وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ الْمُؤَجّر الْمَأْجُور من أَجْنَبِي بِإِذن الْمُسْتَأْجر وَغَابَ البَائِع فَأدى المُشْتَرِي من الثّمن بدل الْإِجَارَة للْمُسْتَأْجر ليسلم لَهُ الْمُسْتَأْجر الْمَبِيع، لَا يكون المُشْتَرِي مُتَبَرعا. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر، برمز الذَّخِيرَة) وَعلله بِأَنَّهُ مُضْطَر للْأَدَاء فِي حَال غيبته لتخليص ملكه، كمصير الرَّهْن، ثمَّ نقل بعده عَن " الْعدة " أَنه يكون مُتَبَرعا لكنه لم يضع الْمَسْأَلَة فِي حَال غيبَة البَائِع بل أطلقها عَن التَّقْيِيد بغيبة أَو حُضُور، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يُخَالف
الْكَلَام " الذَّخِيرَة " إِلَّا أَن يحمل كَلَام " الْعدة " على حَالَة حُضُور البَائِع فيرتفع التخالف.
(ف) وَمِنْهَا: أَن الْمُسْتَأْجر إِذا وجد بالمأجور عَيْبا قَدِيما أَو حدث فِيهِ عيب وَهُوَ فِي يَده، فَإِنَّهُ يسْتَقلّ بِفَسْخ الْإِجَارَة إِذا أَرَادَ، بِلَا حَاجَة إِلَى رضَا الْمُؤَجّر أَو قَضَاء القَاضِي، سَوَاء فِي ذَلِك أَكَانَ قبل الْقَبْض للمأجور أم بعده (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْخَامِس وَالْعِشْرين، صفحة / 339 / بِالْمَعْنَى) وَجه اسْتِقْلَال الْمُسْتَأْجر بِالْفَسْخِ مُطلقًا أَنه لَو كلف انْتِظَار رضَا الْمُؤَجّر أَو قَضَاء القَاضِي لتضرر بجريان الْأُجْرَة عَلَيْهِ أثْنَاء ذَلِك.
(ص) وَمِنْهَا: لَو أَمر غَيره بشرَاء شَيْء مَعْلُوم بِأَلف مثلا، فشراه وَلم يقبضهُ وَلم يدْفع الثّمن إِلَى البَائِع حَتَّى أعْطى الآخر الثّمن للْمَأْمُور ليدفعه إِلَى البَائِع فأتلف الْمَأْمُور الثّمن وَهُوَ مُعسر فَللْبَائِع أَن يحبس الْمَبِيع إِلَى أَن يَأْخُذ الثّمن فَإِذا دفع الْآمِر الثّمن إِلَى البَائِع كَانَ عَلَيْهِ أَن يُسلمهُ الْمَبِيع، وللآمر أَن يرجع على الْمَأْمُور بِالثّمن لِأَنَّهُ مُضْطَر فِي قَضَائِهِ فَهُوَ كمصير الرَّهْن (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، أَوَائِل الْفَصْل السَّابِع عشر، صفحة / 229 / مُلَخصا) .
(ق) وَمِنْهَا مَا لَو اشْترى اثْنَان شَيْئا قيمياً وَغَابَ أَحدهمَا فللحاضر دفع كل ثمنه وَقَبضه وحبسه عَن شَرِيكه إِذا حضر حَتَّى ينْقد لَهُ ثمن حِصَّته، لِأَنَّهُ مُضْطَر، وَيجْبر البَائِع على قبُول كل الثّمن من الْحَاضِر وَدفع كل الْمَبِيع لَهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من كتاب الْبيُوع، متفرقات) فتجويزهم
قَضَاء دين الرَّاهِن وَالْبَائِع بِلَا أمره وإثباتهم حق الرُّجُوع للْمُعِير وَالصَّغِير وَالْمُشْتَرِي فِي هَذِه الصُّور إِنَّمَا كَانَ لدفع ضَرَر حبس ملكه عَنهُ.
(ر) وَمِنْهَا: مَا لَو اسْتقْرض بالمرابحة إِلَى أجل مَعْلُوم ثمَّ حل الدّين بِمَوْت الْمَدْيُون أَو وَفَاة الْمَدْيُون قبل حُلُول الْأَجَل فَلَيْسَ للدائن من الْمُرَابَحَة إِلَّا بِقدر مَا مضى من الْأَيَّام (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْبيُوع، آخر بَاب التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع وَالثمن) .
(ش) وَمِنْهَا: إبِْطَال إِقْرَار ذِي الْيَد لشخص ثَالِث بِالْعينِ الْمُدعى بهَا قبل الحكم بعد أَن أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهدا وَاحِدًا أَو شَاهِدين. وَكَذَا إبطالهم بَيْعه الْعين الْمُدعى بهَا من شخص ثَالِث بعد أَن برهن عَلَيْهِ الْمُدَّعِي قبل أَن يحكم لَهُ (ر: مَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 79 / نقلا عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث) وَذَلِكَ دفعا لضَرَر هَذَا الْإِقْرَار وضرر هَذَا البيع من ذِي الْيَد على الْمُدعى.
(ت) وَمِنْهَا: مَا لَو أحدث الْغَاصِب فِي الْعين الْمَغْصُوبَة مَا يقطع حق الْمَالِك فِي استردادها، كَمَا إِذا كَانَ الْمَغْصُوب كرباساً فَقَطعه وخاطه ثوبا أَو كَانَ حديداً فصنعه سِلَاحا مثلا أَو كَانَ نُحَاسا فصنعه آنِية ثمَّ مَاتَ الْغَاصِب أَو حجر عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ غُرَمَاء فَإِن الْمَالِك يَجْعَل أَحَق بِالْعينِ الْمَغْصُوبَة من سَائِر الْغُرَمَاء حَتَّى يَأْخُذ مِنْهَا حَقه، وَهَذِه الْعين المحبوسة لحق الْمَغْصُوب مِنْهُ إِذا هَلَكت قبل أَن يَسْتَوْفِي مِنْهَا حَقه تكون مَضْمُونَة على الْغَاصِب، وَلَا تكون مَضْمُونَة بِهَذَا الْهَلَاك على الْمَغْصُوب مِنْهُ ضَمَان الرَّهْن، وَإِن كَانَت محبوسة لحقه، كل ذَلِك دفعا للضَّرَر عَن الْمَغْصُوب مِنْهُ. فقد قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ مَا لَفظه: وَفِي كل مَوضِع يَنْقَطِع حق الْمَالِك فالمالك أَحَق بذلك الشَّيْء من الْغُرَمَاء حَتَّى يَأْخُذ حَقه فَلَو ضَاعَ فَهُوَ من مَال غاصبه وَلم يكن كرهن (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 134 / برمز الذَّخِيرَة) .
(ث) وَمِنْهَا: مَا لَو قَالَ لآخر: بَايع فلَانا مَا بِعته فعلي، كَانَ كَفِيلا بِثمن مَا يَبِيعهُ إِيَّاه، وَلَكِن لَهُ أَن يرجع عَن هَذِه الْكفَالَة قبل أَن يبايعه، فَإِذا قَالَ
للمكفول لَهُ: رجعت عَن كفالتي بطلت (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْكفَالَة، عِنْد قَول المُصَنّف: مَا غصبك فلَان فعلي) . وَذَلِكَ دفعا لما عساه يلْحقهُ من الضَّرَر من هَذِه الْكفَالَة، إِذْ الْمَرْء لَا يجْبر على تحمل الضَّرَر وَإِن رَضِي بِهِ، وَلَيْسَ فِي رُجُوعه قبل الْمُبَايعَة ضَرَر على الْمَكْفُول لَهُ.
(خَ) وَمِنْهَا: أَن الْوَكِيل بشرَاء شَيْء معِين لَا يملك أَن يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ من غير أَن يعلم الْمُوكل بِأَنَّهُ يُرِيد أَن يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ، كَمَا ذَكرُوهُ فِي الْوكَالَة، فَمَنعهُمْ لَهُ عَن شِرَائِهِ لنَفسِهِ إِنَّمَا كَانَ دفعا للضَّرَر عَن الْمُوكل، إِذْ عساه أَن يتَضَرَّر من عدم الْحُصُول على مَقْصُوده ليسد حَاجته.
(ذ) وَمِنْهَا: مَنعهم شِرَاء الْحُبُوب وإخراجها من بَلْدَة يضر بِأَهْلِهَا، فقد قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لَو أَن أعراباً قدمُوا الْكُوفَة وَأَرَادُوا أَن يمتاروا مِنْهَا ويضر ذَلِك بِأَهْلِهَا أمنعهم عَنهُ، أَلا يرى أَن أهل الْبَلدة يمْنَعُونَ عَن الشِّرَاء للحكرة؟ فَهَذَا أولى.
(ض) وَمِنْهَا: أَنهم لم يجوزوا شَهَادَة الْعَدو على عدوه إِذا كَانَت الْعَدَاوَة دنيوية (ر: الْمَادَّة / 1702 / من الْمجلة) . وأوجبوا فسخ حكم الْحَاكِم إِذا كَانَ بَين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَالْحَاكِم أَو بَينه وَبَين ابْنه أَو بَينه وَبَين أَبَوَيْهِ عَدَاوَة دنيوية بَيِّنَة، فقد قَالَ فِي معِين الْحُكَّام: الثَّالِث إِن كَانَ قِيَامه لعداوة بَينه وَبَينه أَي بَينه وَبَين القَاضِي، أَو بَينه وَبَين ابْنه أَو بَينه وَبَين الْأَبَوَيْنِ وَجب الْفَسْخ (ر: معِين الْحُكَّام، فصل فِي قيام الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِطَلَب فسخ الحكم) وَقَالَ فِي معِين الْحُكَّام أَيْضا، فِي أَوَائِل الرُّكْن الْخَامِس الْمقْضِي عَلَيْهِ: وَلَا يحكم على عدوه كَمَا لَا تجوز شَهَادَته عَلَيْهِ فِي رِوَايَة.
وَمَا أحسن هَذَا فِي زَمَاننَا، كل ذَلِك لِئَلَّا يصل إِلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو الْمَحْكُوم عَلَيْهِ ضَرَر من هَذِه الْعَدَاوَة، لِأَنَّهَا تحمل الشَّاهِد على المجازفة فِي شَهَادَته عَلَيْهِ، وَتحمل الْحَاكِم على التحامل عَلَيْهِ، إِلَّا من رحم الله؛ وَقَلِيل ماهم. وَقد نقل فِي " لِسَان الْحُكَّام "، فِي نوع فِيمَن تقبل شَهَادَته وَمن لَا تقبل،
عَن شَارِح الْمَنْظُومَة الْوَهْبَانِيَّة أَنه توقف فِي جَوَاز قَضَاء القَاضِي على عدوه، وَقَالَ: لم أَقف على هَذَا فِي كتب أَصْحَابنَا، ثمَّ بحث أَنه إِذا كَانَ قضى عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا ينفذ، وَإِن بِشَهَادَة الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فَيَنْبَغِي أَن يجوز. انْتهى. وَالْمَنْقُول فِي الْمَذْهَب عدم الْجَوَاز بِلَا تَفْصِيل، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَلَا عِبْرَة بالبحث إِذا خَالف الْمَنْقُول.
(ظ) وَمِنْهَا: أَن المعروفين بالدعارة وَالْفساد يستدام حَبسهم حَتَّى تظهر تَوْبَتهمْ (ر: أحد فُصُول الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي الْقَضَاء بالسياسة الشَّرْعِيَّة من " معِين الْحُكَّام "، صفحة / 215 و 218 / نقلا عَن الْخُلَاصَة) . فقد جوزوا إدامة حَبسهم إِلَى أَن تظهر عَلَيْهِم عَلامَة التَّوْبَة، من غير أَن يثبت عَلَيْهِم بِالْقضَاءِ بطريقه الشَّرْعِيّ مَا يُوجب ذَلِك بعد أَن كَانَت دعارتهم مستفيضة مَعْرُوفَة، دفعا لضررهم عَن الْعباد، وَلَو أنيط ذَلِك بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِم بطريقه الشَّرْعِيّ لملؤوا الدُّنْيَا فَسَادًا لندرة ثُبُوته عَلَيْهِم بِالْبَيِّنَةِ أَو بإقرارهم.
(غ) وَمِنْهَا: أَن الْمُدَّعِي إِذا انْكَشَفَ للْحَاكِم أَنه مُبْطل فِي دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يؤدبه، وَأَقل ذَلِك الْحَبْس، ليندفع بذلك أهل الْبَاطِل واللدد (ر: الْفَصْل الثَّانِي من الْقسم الثَّالِث من " معِين الْحُكَّام " الْمَذْكُور) . وَالظَّاهِر أَن مُرَادهم بالمبطل فِي دَعْوَاهُ: من تعمد البطل فِيهَا، لَا كل من ظهر أَن الْحق فِي جَانب خَصمه.
(غ / أ) وَمِنْهَا: عدم تصحيحهم عزل الْوَكِيل بِبيع الرَّهْن فِيمَا لَو وَكله بِبيعِهِ وإيفاء الدّين من ثمنه إِذا لم يؤد الدّين عِنْد حُلُول الْأَجَل، وَعدم تصحيحهم عزل وَكيل الْخُصُومَة إِذا كَانَ تَوْكِيله بِطَلَب الْمُدَّعِي عِنْد إِرَادَة الْمُدعى عَلَيْهِ السّفر، لِأَن عزل الْوَكِيل فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ يضر بِحَق الْمُرْتَهن فِي الأولى وبحق الْمُدَّعِي فِي الثَّانِيَة، كَمَا نصوا عَلَيْهِ فِي الرَّهْن وَالْوكَالَة.
وَمثل هَاتين الصُّورَتَيْنِ: مَا لَو اشْترى شَيْئا بِخِيَار للْمُشْتَرِي وَأخذ وَكيلا من البَائِع ليرد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِحكم الْخِيَار إِذا غَابَ البَائِع، فَإِنَّهُ يظْهر من كَلَامهم فِي بَاب خِيَار الشَّرْط أَنه لَا يملك الْمُوكل عَزله فِي هَذِه الْحَالة، لِأَن عَزله يضر بالمشتري.