الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْه من لَهُ حق الشُّفْعَة أَو خِيَار الشَّرْط أَو الْعَيْب أَو حق الْقصاص إِذا أسْقطه سقط.
وَمَتى سقط شَيْء من جَمِيع ذَلِك لَا يعود.
وَمِنْه فرع الشِّرَاء بِالدّينِ الْمُؤَجل الْآتِي فِي مستثنيات الْمَادَّة التالية لهَذِهِ.
(تَنْبِيه:)
لم أر من ذكر ضابطاً جَامعا لما يسْقط من الْحُقُوق بِإِسْقَاط صَاحبه لَهُ وَمَا لَا يسْقط. وَبعد إِعْمَال الْفِكر وإجالة النّظر فِي الْفُرُوع السَّابِقَة ظهر لي من خلالها ضَابِط يغلب على الظَّن صدقه وَصِحَّته وَهُوَ: " أَن كل مَا كَانَ حَقًا صَاحبه عَامل فِيهِ لنَفسِهِ، وَكَانَ قَائِما حِين الْإِسْقَاط خَالِصا للمسقط أَو غَالِبا، وَلم يَتَرَتَّب على إِسْقَاطه تَغْيِير وضع شَرْعِي، وَلَيْسَ مُتَعَلقا بتملك عين على وَجه متأكد، يسْقط بالإسقاط. وَمَا لَا فَلَا ".
فقولنا: " حَقًا " خرج بِهِ ملك الْعين، فَإِنَّهُ لَا يسْقط. وَلذَا لَو أسقط الْوَارِث حَقه من الْإِرْث، أَو أسقط الْمُسْتَحق فِي الْوَقْت حَقه من بعد حُصُول الْغلَّة فِي يَد الْمُتَوَلِي لَا يسْقط.
وَقَوْلنَا: " صَاحبه عَامل فِيهِ " خرج بِهِ نَحْو حق النّظر على الْوَقْف، والوظيفة فِيهِ، وَتصرف الْوَكِيل فِيمَا وكل بِهِ، وَتصرف الْمَأْذُون. فَإِن أَصْحَاب هَذِه الْحُقُوق عاملون لغَيرهم فِيهَا، فَلَا تسْقط بالإسقاط.
وَمِمَّا لَا يسْقط بالإسقاط حق الرّجْعَة. (ر: الدُّرَر، قبيل بَاب تَفْوِيض الطَّلَاق، عِنْد قَول الْمَتْن طَلقهَا رَجْعِيًا فَجعله قبل الرّجْعَة بَائِنا) . وَمثله يُقَال فِي الإدخال والإخراج فِي الْوَقْف لمن شَرط لَهُ.
وَقَوْلنَا: " قَائِما حِين الْإِسْقَاط " خرج بِهِ خِيَار الرُّؤْيَة فَإِنَّهُ لَا يسْقط بالإسقاط لِأَنَّهُ غير قَائِم للْحَال، لِأَنَّهُ يثبت بعد الرُّؤْيَة لَا قبلهَا، فَإِذا أسْقطه قبلهَا لَا يسْقط بالْقَوْل بل بِالْفِعْلِ عِنْد أبي يُوسُف كَمَا تقدم.
وَكَذَا حق الشُّفْعَة قبل البيع، فَلَو أسْقطه الشَّفِيع قبله لَا يسْقط، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يثبت بعد البيع.
وَخرج بِهِ الِاسْتِحْقَاق فِي الْوَقْف قبل بَدو الْغلَّة فَإِنَّهُ لَا يسْقط، لِأَنَّهُ لَيْسَ قَائِما للْحَال لِأَن حق الْمُسْتَحق يتَعَلَّق بالغلة عِنْد ظُهُورهَا لَا قبله.
وَخرج بِهِ حق انْتِفَاع الْمُسْتَعِير بالعارية فَإِنَّهُ لَا يسْقط، لِأَن الْمَنْفَعَة لَيست قَائِمَة بل تحدث شَيْئا فَشَيْئًا على ملك الْمُسْتَعِير كَمَا فِي الْإِجَارَة. وَمثله حق الزَّوْجَة فِي الْقسم، وَحقّ الحاضنة فِي الْحَضَانَة، فَإِنَّهُمَا لَا يسقطان، لِأَنَّهُمَا يتحددان آناً فآناً.
وَقَوْلنَا: " خَالِصا للمسقط أَو غَالِبا " خرج بِهِ مَا كَانَ حَقًا لغير الْمسْقط، خَالِصا فِيهِ أَو غَالِبا أَو مُسَاوِيا. فَالْأول: كحق تَحْلِيف الْخصم الْيَمين لِأَن التَّحْلِيف حق الْحَاكِم. وَالثَّانِي: حق الْقَذْف، فَإِن حق الله تَعَالَى غَالب فِيهِ. وَالثَّالِث: كحق الْمضَارب فِي بيع مَال الْمُضَاربَة بَعْدَمَا صَار عرُوضا، فَإِن حَقه لَيْسَ بغالب بل يُسَاوِيه فِيهِ حق رب المَال أَو يغلب، إِذْ رَأس المَال عَائِد إِلَيْهِ وَله شركَة فِي الرِّبْح، وَالْمُضَارب إِنَّمَا اسْتَفَادَ التَّصَرُّف من جِهَته.
وَخرج بِهِ أَيْضا حق الْفَسْخ فِي الْعُقُود الْفَاسِدَة، فَإِنَّهُ حق خَالص لَهُ سُبْحَانَهُ أَو غَالب، حَتَّى لَو أصر عَلَيْهِ المتعاقدان وَعلم بِهِ القَاضِي فَسخه، قَالَ الكاساني: " إِن حق الْفَسْخ فِي البيع الْفَاسِد لَا يبطل بِصَرِيح الْإِبْطَال والإسقاط لِأَن وجوب الْفَسْخ فِيهِ ثَبت حَقًا لله تَعَالَى دفعا للْفَسَاد، وَمَا ثَبت حَقًا لله تَعَالَى خَالِصا لَا يقدر العَبْد على إِسْقَاطه مَقْصُودا كَخِيَار الرُّؤْيَة، لَكِن قد يسْقط بطرِيق الضَّرُورَة بِأَن يتَصَرَّف العَبْد فِي حق نَفسه مَقْصُودا فيتضمن ذَلِك سُقُوط حق الله عز وجل، وَذَلِكَ كَمَا إِذا بَاعَ الْإِنْسَان مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدا أَو وهبه أَو تصدق بِهِ بَطل حق الْفَسْخ. (ر: الْبَدَائِع 5 / 297 و 301) .
وَخرج بِهِ أَيْضا نَحْو حق رب السّلم فِي لُزُوم التَّسْلِيم فِي الْمَكَان الْمعِين فِي عقد السّلم، وَحقّ الْمُسلم إِلَيْهِ فِي قبض الثّمن فِي مجْلِس السّلم، فَإِنَّهُمَا لَا يسقطان، لِأَنَّهُمَا حق الشَّرْع إِذْ بدونهما يفْسد العقد.
وَخرج بِهِ أَيْضا حق خِيَار الرُّؤْيَة بعد الرُّؤْيَة فَإِنَّهُ لَا يسْقط بقوله أسقطت خياري لِأَنَّهُ حق الشَّرْع، إِلَّا إِذا قَالَ: أجزت العقد، أَو رضيت. (ر: الْبَدَائِع 5 / 297) .
وَخرج بقولنَا: " وَلم يَتَرَتَّب على إِسْقَاطه تَغْيِير وضع شَرْعِي " مَا سَيَأْتِي تَحت الْمَادَّة المكملة الْمِائَة من أَنه لَو اشْترى الْعين المأجورة أَو الْمَرْهُونَة بِدُونِ إِذن الْمُسْتَأْجر أَو الْمُرْتَهن، وَكَانَ يعلم حِين الشِّرَاء بِالْإِجَارَة أَو بِالرَّهْنِ أَو لَا يعلم، فَإِن لَهُ الْخِيَار فِي أَن يفْسخ البيع أَو ينْتَظر انْتِهَاء مُدَّة الْإِجَارَة أَو فكاك الرَّهْن. وَإِذا أسقط حَقه فِي هَذَا الْخِيَار وَلَو بِصَرِيح الْإِسْقَاط لَا يسْقط. وَذَلِكَ لِأَن تَصْحِيح هَذَا الْإِسْقَاط يَتَرَتَّب عَلَيْهِ تَصْحِيح أَمر مُغَاير للأوضاع الشَّرْعِيَّة، لِأَنَّهُ عبارَة عَن الْتِزَام المُشْتَرِي تَأْجِيل الْمَبِيع إِلَى انْتِهَاء مُدَّة الْإِجَارَة فِي الْمَأْجُور، أَو إِلَى فكاك الرَّهْن فِي الْمَرْهُون، وتأجيل الْأَعْيَان بَاطِل.
وَكَذَا خرج بِهِ حق الْوَكِيل بِالْبيعِ فِي الْمُطَالبَة بِالثّمن، فَإِنَّهُ لَا يسْقط بالإسقاط فِيمَا يظْهر، لِأَن الْمُوكل لَا يملك شرعا هَذِه الْمُطَالبَة، لكَون الشَّرْع جعل حُقُوق العقد عَائِدَة أَصَالَة للعاقد وَإِن لم يكن مَالِكًا.
وَخرج بِهِ أَيْضا حق الزَّوْجَة، فَإِنَّهَا لَو رضيت بِالْخرُوجِ من وطنها الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ وسكنت مَعَه فِي بَلْدَة أُخْرَى ثمَّ امْتنعت وأرادت العودة إِلَى وطنها، فَإِنَّهَا لَا تمنع من الْعود إِلَيْهِ فِيمَا يظْهر، لِأَن رِضَاهَا فِيمَا مضى بِإِسْقَاط حَقّهَا لَا يُوجب سُقُوطه فِيمَا يَأْتِي.
وَخرج بِهِ أَيْضا الدَّرك، وَهُوَ حق رُجُوع المُشْتَرِي بِالثّمن إِذا ظهر الْمَبِيع مُسْتَحقّا. فَفِي " رد الْمُحْتَار ": لَو أَبْرَأ المُشْتَرِي البَائِع عَن كل حق قبله دخلت الْعُيُوب لَا الدَّرك. (ر: رد الْمُحْتَار / 67) .
وَخرج بقولنَا: " وَلَيْسَ مُتَعَلقا بتملك عين
…
الخ " مثل حق الرُّجُوع