الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَكِن نقل فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي أَوَائِل الْفَصْل الْحَادِي عشر، هَذَا الْإِشْكَال عَن صَاحب الْقنية وَأَنه أجَاب عَنهُ بِأَن فِي رد مثل هَذِه الْبَينَات حرجاً فَتقبل دفعا للْحَرج. انْتهى موضحاً.
وَقد نقل فِي معِين الْحُكَّام، فِي الْبَاب الثَّامِن عشر مِنْهُ فِي الْقَضَاء بِغَلَبَة الظَّن، عَن الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي مَا لَفظه:" اعْلَم أَن قَول الْعلمَاء إِن الشَّهَادَة لَا تجوز إِلَّا بِالْعلمِ لَيْسَ على ظَاهره، فَإِن ظَاهره يَقْتَضِي أَنه لَا يجوز أَن يُؤَدِّي الشَّاهِد إِلَّا مَا هُوَ قَاطع بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل حَالَة الْأَدَاء دَائِما عِنْد الشَّاهِد الظَّن الضَّعِيف فِي كثير من الصُّور، بل المُرَاد بذلك أَن يكون أصل الْمدْرك علما فَقَط، فَلَو شهد بِقَبض الدّين جَازَ أَن يكون الَّذِي عَلَيْهِ الدّين قد دَفعه فَتجوز الشَّهَادَة عَلَيْهِ بالاستصحاب الَّذِي لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن الضَّعِيف، وَكَذَلِكَ الثّمن فِي البيع يشْهد بِهِ مَعَ احْتِمَال دَفعه، وَيشْهد فِي الْملك الْمَوْرُوث لوَارِثه مَعَ جَوَاز بَيْعه بعد أَن وَرثهُ، وَيشْهد بِالْإِجَارَة وَلُزُوم الْأُجْرَة مَعَ جَوَاز الْإِقَالَة بعد ذَلِك بِنَاء على الِاسْتِصْحَاب. والمحقق فِي هَذِه الصُّور كلهَا وَشبههَا إِنَّمَا هُوَ الظَّن الضَّعِيف، وَلَا يكَاد يُوجد مَا يبْقى فِيهِ الْعلم إِلَّا الْقَلِيل من الصُّور، مِنْهَا: النّسَب وَالْوَلَاء فَإِنَّهُ لَا يقبل النَّقْل فَيبقى الْعلم على حَاله، وَمِنْهَا: الْوَقْف إِذا حكم بِهِ حَاكم، أما إِذا لم يحكم بِهِ حَاكم فَإِن الشَّهَادَة إِنَّمَا فِيهَا الظَّن فَقَط، فَإِذا شهد بِأَن هَذِه الدَّار وقف احْتمل أَن يكون حَاكم حَنَفِيّ حكم بنقضه ". انْتهى.
وَهُوَ كَلَام وجيه جدا مؤيد لجواب صَاحب الْقنية.
(تَنْبِيه:)
الشَّهَادَة بِالْيَدِ المنقضية لَا تقبل، وعَلى الْملك المنقضي تقبل، فَلَو ادّعى أحد على آخر بِأَن الْعين الَّتِي فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ كَانَت فِي يَد الْمُدَّعِي حَتَّى أَخذهَا ذَلِك مِنْهُ بِلَا حق فيطلب إِعَادَتهَا إِلَيْهِ، وَأقَام بَيِّنَة شهِدت بِأَنَّهَا كَانَت فِي يَده، لَا تقبل حَتَّى يشهدَا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أَخذهَا مِنْهُ بِلَا حق فَحِينَئِذٍ يقْضى بإعادتها إِلَيْهِ فَقَط، لَا بِالْملكِ، وَهَذَا يُسمى: قَضَاء ترك.
وَإِنَّمَا لم تقبل الشَّهَادَة بِالْيَدِ المنقضية كَمَا قبلت على الْملك المنقضي لِأَنَّهَا
شَهَادَة بِمَجْهُول، وَالشَّهَادَة بِالْمَجْهُولِ لَا تقبل، وَذَلِكَ لِأَن أَنْوَاع وضع الْيَد كَثِيرَة، فقد تكون الْيَد يَد ملك أَو وَدِيعَة أَو إِجَارَة، وَيحْتَمل أَيْضا أَن الْعين كَانَت للْمُدَّعِي فاشتراها الْمُدعى عَلَيْهِ مِنْهُ، بِخِلَاف الْملك فَإِنَّهُ غير متنوع فَلذَلِك كَانَ الأَصْل أَن الشَّهَادَة بِالْملكِ المنقضي مَقْبُولَة لَا بِالْيَدِ المنقضية، حَتَّى لَو ثبتَتْ بِالْيَدِ المنقضية بِإِقْرَار الْخصم أَنَّهَا كَانَت فِي يَد الْمُدَّعِي أَو بِالْبَيِّنَةِ على الْإِقْرَار فَإِنَّهَا تعْتَبر وَيُؤمر الْمُدعى عَلَيْهِ بدفعها للْمُدَّعِي على الْوَجْه الْمُتَقَدّم، لِأَن الْإِقْرَار لَا تضره الْجَهَالَة. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، قبيل بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة، والمادة / 1579 / من الْمجلة) .
هَذَا كُله فِيمَا إِذا كَانَت الشَّهَادَة بِالْيَدِ المنقضية لشخص حَيّ، أما إِذا شَهدا بيد شخص ميت فَإِنَّهَا تقبل مُطلقًا وَإِن كَانَت غير منقضية، لِأَنَّهَا إِن كَانَت فِي الْوَاقِع يَد ملك فَالْأَمْر ظَاهر، وَإِن كَانَت يَد غير ملك فبموت من هِيَ فِي يَده مجهلاً، أَي من غير أَن يبين أَنَّهَا لَيست لَهُ، يملكهَا وَتَكون مَضْمُونَة لصَاحِبهَا فِي التَّرِكَة. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من الْمحل الْمَذْكُور) .