الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالتِّسْعُونَ
(الْمَادَّة / 96))
("
لَا يجوز لأحد أَن يتَصَرَّف فِي ملك الْغَيْر بِلَا إِذْنه
")
(الشَّرْح، مَعَ التطبيق)
" لَا يجوز لأحد " أَي لَا يحل لَهُ وَلَا يَصح مِنْهُ " أَن يتَصَرَّف " تَصرفا فعلياً " فِي ملك الْغَيْر " سَوَاء كَانَ خَاصّا أَو مُشْتَركا " بِلَا إِذْنه " سَابِقًا، أَو إِجَازَته لاحقاً.
وَالتَّصَرُّف نَوْعَانِ: فعلي، وَقَوْلِي: أما التَّصَرُّف الْفعْلِيّ فَإِن كَانَ تقدمه إِذن سَابق يحل وَيصِح، لِأَن الْإِذْن السَّابِق تَوْكِيل (ر: الْمَادَّة / 1452) . وَإِلَّا فَلَا يَخْلُو عَن أَن يكون غصبا بِوَضْع الْيَد فَقَط أَو تَصرفا بإحداث فعل ذِي أثر أَو إتلافاً. فَإِن كَانَ غصبا فَهُوَ مَحْظُور مُوجبه رد الْعين ومضمون بالتلف إِلَّا إِذا لحقته إجَازَة الْمَالِك وَكَانَت الْعين الْمَغْصُوبَة قَائِمَة، فَإِنَّهَا بِالْإِجَازَةِ تنْقَلب أَمَانَة (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل / 33) .
وَإِن كَانَ تَصرفا بإحداث فعل ذِي أثر فِي الْعين، كالحفر فِي ملك الْغَيْر بِلَا إِذْنه فَلَيْسَ للْمَالِك أَن يجْبر الْحَافِر على الطم عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، بل يضمنهُ النُّقْصَان، بِخِلَاف الْحفر فِي سكَّة غير نَافِذَة أَو فِي الطَّرِيق الْعَام، فَإِن الْحَافِر فِيهِ يجْبر على الطم اتِّفَاقًا. ثمَّ إِذا نَشأ عَن حفره هَذَا ضَرَر، كَمَا إِذا وَقع حَيَوَان فِي الحفرة فَتلف يضمنهُ الْحَافِر، لِأَنَّهُ متسبب مُتَعَدٍّ، إِلَّا إِذا كَانَ الْحفر فِي ملك الْغَيْر وَرَضي الْمَالِك بِالْحفرِ قبل وُقُوع الْحَيَوَان فَإِنَّهُ يسْقط الضَّمَان حينئذٍ وَيصير كَأَنَّهُ حفر بِإِذن
الْمَالِك ابْتِدَاء، حَتَّى أَنه لَو أَرَادَ الْحَافِر أَن يطم مَا حفر فَلَيْسَ لَهُ الطم (ر: مَا يُسْتَفَاد من الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من جَامع الْفُصُولَيْنِ وحاشيته للرملي صفحة 126 و 135) .
وَإِن كَانَ إتلافاً فَهُوَ مَضْمُون بِكُل حَال، سَوَاء أجَازه الْمَالِك أَو لَا، لِأَن الْإِجَازَة لَا تلْحق الْإِتْلَاف (ر: الدّرّ وحاشيته، من الْغَصْب) .
وَأما التَّصَرُّف القولي فِي ملك الْغَيْر، كَبيع الْفُضُولِيّ وهبته وإجارته وَغَيرهَا، فَإِن أعقبه التَّسْلِيم كَانَ غَاصبا بِالتَّسْلِيمِ وضامناً وعقده مَوْقُوف، فَإِذا لحقته إجَازَة الْمَالِك بشرطها لزم. وَشَرطهَا: بَقَاء الْمَالِك، وَالْعين الْمُتَصَرف فِيهَا، والمتعاقدين. وَيُزَاد فِي البيع: قيام الثّمن لَو غير نقد (ر: رد الْمُحْتَار، من الْفُضُولِيّ) وَيُزَاد فِي الْإِجَارَة: بَقَاء الْمدَّة (ر: الْخَانِية، قبيل إِجَارَة الْوَقْف وَمَال الْيَتِيم) .
وَإِن كَانَ التَّصَرُّف قولياً مَحْضا لم يعقبه تَسْلِيم فَهُوَ مَوْقُوف على إجَازَة الْمَالِك بشروطها، وَهُوَ سَائِغ صَحِيح مَعَ توقفه، لِأَن الْمَوْقُوف فِي قسم الصَّحِيح إِلَّا بيع الْمُكْره فَإِنَّهُ مَوْقُوف فَاسد (ر: رد الْمُحْتَار، من البيع الْفَاسِد) وَهَذَا الْقسم الْأَخير لَيْسَ من مَوْضُوع الْقَاعِدَة.
هَذَا، وَإِذا تصرف ثمَّ ادّعى أَن تصرفه كَانَ بِالْإِذْنِ وَأنكر الْمَالِك فَالْقَوْل للْمَالِك، إِلَّا فِي الزَّوْج إِذا كَانَ قد تصرف فِي مَال زَوجته حَال حَيَاتهَا ثمَّ اخْتلف مَعَ ورثتها بعد مَوتهَا فَادّعى أَنه كَانَ بِإِذْنِهَا وَأنكر الْوَرَثَة، فَالْقَوْل للزَّوْج (ر: الدّرّ وحاشيته، من الْغَصْب) .
ثمَّ الْإِذْن قد يكون صَرِيحًا، وَذَلِكَ ظَاهر. وَقد يكون دلَالَة، وَذَلِكَ كَمَا لَو مَرضت الشَّاة مَعَ الرَّاعِي الْمُسْتَأْجر فِي المرعى مَرضا لَا ترجى حَيَاتهَا مَعَه فذبحها فَإِنَّهُ لَا يضمنهَا، لِأَن ذَلِك مَأْذُون فِيهِ دلَالَة (ر: دُرَر الْحُكَّام) .