الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهالتها) وَإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ إِنَّمَا تقبل عِنْد الْعَامَّة لأجل الْحَبْس فَقَط، وَمَعْنَاهُ أَن يحْبسهُ حَتَّى يحضرهُ ليقيم الْبَيِّنَة على عينه. فَلَو قَالَ: لَا أقدر عَلَيْهِ حبس قدر مَا لَو قدر عَلَيْهِ لأحضره ثمَّ يقْضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه. انْتهى.
ثمَّ نقل بعده فِي صفحة / 296 عَن الْخَانِية، أَن مُدَّة الْحَبْس مقدرَة بشهرين. ثمَّ أَفَادَ أَيْضا أَن الْجَبْر على الْبَيَان فِيمَا إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ أَو اسْتحْلف فنكل، أما إِذا أثبت الْمُدَّعِي الْعين المجهولة فِي هَذِه الصُّور بِالْبَيِّنَةِ فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ يحبس إِلَى أَن يَأْتِي بهَا
…
. إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَنهُ أَعْلَاهُ.
وَنقل فِي رد الْمُحْتَار عِنْد الْكَلَام على دَعْوَى الْمَنْقُول، أَوَائِل الدَّعْوَى، عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو ادّعى أَن الْمَنْقُول فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ، فَأنْكر كَونه فِي يَده فَأَقَامَ بَيِّنَة شهِدت أَنه كَانَ فِي يَده قبل سنة من هَذَا التَّارِيخ، هَل يقبل وَيجْبر على إِحْضَاره؟ قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: يَنْبَغِي أَن تقبل، إِذْ لم يثبت خُرُوجه من يَده، فَتبقى وَلَا تَزُول بشك. وَأقرهُ فِي الْبَحْر، وَجزم بِهِ الْقُهسْتَانِيّ. ثمَّ قَالَ: ورده فِي نور الْعين بِأَن هَذَا اسْتِصْحَاب، وَهُوَ حجَّة فِي الدّفع لَا فِي الْإِثْبَات انْتهى. أَقُول: وَمَا بَحثه فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَجزم بِهِ الْقُهسْتَانِيّ وَأقرهُ فِي الْبَحْر هُوَ الصَّوَاب، وَذَلِكَ لِأَن الشَّهَادَة بِالْملكِ المنقضي مَقْبُولَة كَمَا قدمْنَاهُ تَحت الْمَادَّة / 10 / وَالْقَضَاء بهَا هُوَ عين الِاسْتِحْقَاق بالاستصحاب، وَقدمنَا هُنَاكَ عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ عَن صَاحب الْقنية أَنه اسْتشْكل هَذَا، ثمَّ أجَاب عَنهُ بِأَن فِي رد مثل هَذِه الْبَينَات حرجاً، فقلبت دفعا للْحَرج. انْتهى، وَهَذَا من هَذَا الْقَبِيل.
ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم أَن قَوْلهم: إِن الشَّهَادَة بِالْيَدِ المنقضية لَا تقبل، كَمَا قدمْنَاهُ هُنَاكَ، يرد مَا بَحثه فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، لِأَن ذَلِك فِيمَا إِذا أَرَادَ مدعي الْيَد المنقضية نَزعه من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِحجَّة أَنه كَانَ فِي يَده، فَإِنَّهَا لَا تقبل حَتَّى يشْهدُوا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أَخذه مِنْهُ بِغَيْر حق، كَمَا قدمْنَاهُ هُنَاكَ. أما هُنَا فإننا لم نوجب على الْمُدعى عَلَيْهِ نَزعه من يَده بل إِحْضَاره ليشار إِلَيْهِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة.
(تَنْبِيه:)
إِن صَلَاحِية الْمُدَّعِي للخصومة تخْتَلف وتتغاير، فَتَارَة يكون لَهُ صَلَاحِية
إِقَامَة الْبَيِّنَة لإِثْبَات مدعاه وَعند عَجزه عَن إِقَامَتهَا يكون لَهُ صَلَاحِية استحلاف الْخصم، وَهَذَا هُوَ الْغَالِب فِي الدَّعَاوَى والخصومات، وَهُوَ غَنِي عَن التَّمْثِيل لَهُ.
وَتارَة يكون للْمُدَّعِي صَلَاحِية إِقَامَة الْبَيِّنَة لإِثْبَات مدعاه، وَإِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة فَلَيْسَ لَهُ صَلَاحِية استحلاف خَصمه: من ذَلِك مَا لَو ادّعى الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَن الشَّاهِد أقرّ أَن الْمَشْهُود بِهِ ملكي، فَإِن برهن على إِقْرَاره بذلك تقبل بَينته وَترد شَهَادَة الشَّاهِد، وَإِن عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة فَلَيْسَ لَهُ أَن يطْلب تَحْلِيف الشَّاهِد (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع عشر) .
وَمن ذَلِك مَا لَو ادّعى على الْوَصِيّ دينا فِي تَرِكَة الْمُوصي، فَأنْكر الْوِصَايَة، فَإِن أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة على الْوِصَايَة فبها، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ استحلافه.
وَمِنْه مَا لَو اشْترى بِالْوكَالَةِ عَن آخر، ثمَّ جَاءَ ليرد الْمَبِيع بِعَيْب على البَائِع، فَادّعى البَائِع أَن مُوكله رَضِي بِالْعَيْبِ فَأنْكر المُشْتَرِي، فَإِن أَقَامَ البَائِع بَينته على مَا ادَّعَاهُ فبها، وَإِلَّا فَلَو طلب يَمِين الْوَكِيل على أَنه لَا يعلم أَن الْمُوكل رَضِي بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يحلف.
وَمِنْه مَا لَو اشْترى عقار الصَّغِير تَحت ولَايَته فَادَّعَاهُ آخر بِالشُّفْعَة، وَاخْتلف الشَّفِيع مَعَ ولي الصَّغِير فِي الثّمن، فَادّعى الشَّفِيع مبلغا، وَادّعى الْوَلِيّ أَكثر مِنْهُ، وَعجز الشَّفِيع عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة وَطلب يَمِين الْوَصِيّ أَو الْوَلِيّ، فَإِنَّهُ لَا يحلف.
وَمِنْه: مَا لَو ادّعى الْوَاهِب على الْمَوْهُوب لَهُ أَنه اشْترط عَلَيْهِ عوضا، وَأنكر الْمَوْهُوب لَهُ، فَإِذا عجز الْوَاهِب عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة وَأَرَادَ تَحْلِيف الْمَوْهُوب لَهُ، فَإِنَّهُ لَا يحلف
…
إِلَى غير ذَلِك من مسَائِل كَثِيرَة تعلم من مُرَاجعَة الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته قبيل كتاب الْبيُوع.
وَتارَة يكون للْمُدَّعِي صَلَاحِية اسْتِحْقَاق الْخصم وَلَيْسَ لَهُ صَلَاحِية إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ: من ذَلِك: مَا لَو ادّعى على آخر مَالا إِرْثا عَن أَبِيه مثلا، فَأقر لَهُ الْمُدعى
عَلَيْهِ بِمَوْت أَبِيه وَبِأَنَّهُ ابْنه ووارثه أَو اسْتحْلف على الْعلم بذلك فنكل، ثمَّ أنكر المَال، فَإِن للْمُدَّعِي أَن يحلفهُ على المَال (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ صفحة / 28، الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين) . وَوجه ذَلِك، فِيمَا يظْهر لي، أَن أصل كَونه خصما قد ثَبت بِإِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ أَو بِمَا هُوَ فِي حكم الْإِقْرَار (وَهُوَ نُكُوله عَن الْيَمين) على أبي الْمُدَّعِي بِالْمَوْتِ. وَبِأَن الْمُدَّعِي ابْنه ووارثه، وَالْإِقْرَار حجَّة قَاصِرَة، فَيملك الْمُدعى بِهِ من صَلَاحِية الْخُصُومَة مَا يوصله إِلَى مَا فِي حكم الْإِقْرَار، وَهُوَ النّكُول المرجو من الِاسْتِحْلَاف، فَإِن الشَّيْء يستتبع مَا هُوَ مثله، وَلَا يملك إِقَامَة الْبَيِّنَة لِأَنَّهَا حجَّة متعدية، وخصومته قد ملكهَا بِحجَّة قَاصِرَة، وَهُوَ الْإِقْرَار، فَلَا يملك بهَا مَا فَوْقهَا، إِذْ الشَّيْء لَا يستتبع مَا هُوَ فَوْقه. حَتَّى لَو كَانَ أثبت بِالْبَيِّنَةِ موت أَبِيه وَأَنه وَارثه فَلَا شكّ أَن لَهُ حِينَئِذٍ صَلَاحِية إِقَامَة الْبَيِّنَة على المَال، كَمَا هُوَ ظَاهر وَمُسلم.
وَيظْهر لي أَن مثل الدَّعْوَى بِالْإِرْثِ على الْوَجْه المسطور فِي " الْفُصُولَيْنِ " الدَّعْوَى بِحكم الْوكَالَة أَو بِحكم الْوِصَايَة، كَمَا لَو ادّعى على آخر أَنه وَكيل فلَان بِقَبض دينه مِنْهُ أَو أَنه وَصِيّ فلَان وَأَنه يُطَالِبهُ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ فَأقر الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْوكَالَةِ أَو الْوِصَايَة وَأنكر المَال، أَو أنكر الْوكَالَة أَو الْمَوْت والوصاية، فاستحلف (بِنَاء على الصَّحِيح من أَنه يحلف) كَمَا فِي الدّرّ الْمُخْتَار من بَاب دَعْوَى النّسَب، فنكل ثمَّ أنكر المَال، فَإِن الْمُدَّعِي، وَالْحَالة هَذِه، يكون خصما فِي تَحْلِيفه على المَال لَا فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة لما ذكرنَا، وَالله سبحانه وتعالى أعلم.
ثمَّ رَأَيْت فِي رد الْمُحْتَار (أَوَاخِر بَاب الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْض عِنْد قَول الشَّارِح: " الْوكَالَة الْمُجَرَّدَة لَا تدخل تَحت الحكم، وَبَيَانه فِي الدُّرَر ") مَا لَفظه: " قَوْله: وَبَيَانه فِي الدُّرَر " قَالَ فِيهَا: قَالَ فِي الصُّغْرَى: الْوَكِيل يقبض الدّين إِذا أحضر خصما فَأقر بِالتَّوْكِيلِ وَأنكر الدّين لَا تثبت الْوكَالَة، حَتَّى لَو أَرَادَ الْوَكِيل إِقَامَة الْبَيِّنَة على الدّين لَا تقبل. انْتهى. وَالظَّاهِر أَن مُرَاد الْفَتَاوَى بقوله: لَا تثبت الْوكَالَة، أَي فِي حق الْمُوكل أما فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ الْمقر بهَا فَإِنَّهَا تثبت وَيملك تَحْلِيفه على الدّين، لَا إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ.
- وَتارَة يكون للْمُدَّعِي صَلَاحِية إِقَامَة الْبَيِّنَة على مَا يَدعِيهِ من عين فِي يَد
الْخصم، وَإِذا عجز عَن إِقَامَتهَا يكون لَهُ الْحق فِي تَحْلِيف الْخصم ليَأْخُذ مِنْهُ بدلهَا، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفه ليَأْخُذ مِنْهُ الْعين الْمُدعى بهَا إِن نكل عَن الْيَمين مَعَ أَنَّهَا قَائِمَة فِي يَده. فقد قَالَ فِي معِين الْحُكَّام (فِي الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ فِي الْقَضَاء بِدَعْوَى الْوَقْف وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ) : ادّعى دَارا، فَقَالَ ذُو الْيَد: إِنَّه وقف على الْفُقَرَاء وَأَنا متول عَلَيْهِ صَحَّ إِقْرَاره، وَيكون وَقفا. فَلَو ادّعى الْمُدَّعِي تَحْلِيفه ليَأْخُذ الدَّار لَو نكل لَا يحلف وفَاقا. وَلَو أَرَادَ تَحْلِيفه ليَأْخُذ الْقيمَة فعلى قِيَاس قَول مُحَمَّد: يحلفهُ وَإِن نكل يَأْخُذ مِنْهُ الْقيمَة. ويفتى بقول مُحَمَّد. وعَلى هَذَا لَو أقرّ بِالدَّار لِابْنِهِ الصَّغِير (أَي إِنَّه يسْتَحْلف لأخذ قيمتهَا مِنْهُ) . وَكَذَلِكَ لَو ادّعى على الْوَرَثَة عينا كَانَ وَقفهَا مُورثهم فِي صِحَّته فأقروا لَهُ ضمنُوا قيمَة الْعين من التَّرِكَة وَلَا يبطل الْوَقْف بإقرارهم. وَلَو أَنْكَرُوا فَلهُ تحليفهم لأخذ الْقيمَة، أما لَو أَرَادَ تحليفهم لأخذ الْوَقْف فَلَا يَمِين لَهُ عَلَيْهِم. انْتهى مُلَخصا.
- وَتارَة يكون للْمُدَّعِي صَلَاحِية حلف الْيَمين وَالْبَيِّنَة فَيكون القَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ، وَالْبَيِّنَة بَينته، وَلَا يقبل من خَصمه يَمِين وَلَا بَيِّنَة. وَذَلِكَ كَمَا لَو ولدت الْمَرْأَة فَادّعى زَوجهَا أَن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّهَا ولدت لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت النِّكَاح، وَقَالَت: ولدت لسِتَّة أشهر، فَالْقَوْل قَوْلهَا وَالْبَيِّنَة بينتها، كَمَا تقدم ذَلِك فِي مستثنيات الْقَاعِدَة / 11 " الأَصْل إِضَافَة الْحَادِث لأَقْرَب أوقاته " نقلا عَن الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته وَغَيره، من بَاب ثُبُوت النّسَب، وكما هُوَ الْحَال فِي الْأُمَنَاء، فَإِن القَوْل فِي كل أَمَانَة للأمين مَعَ يَمِينه وَالْبَيِّنَة بَينته (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، أَوَاخِر الْفَصْل الْخَامِس عشر، صفحة / 205) .
وكما لَو ادّعى الرَّاهِن أَن الرَّهْن هلك فِي يَد الْمُرْتَهن، وَادّعى الْمُرْتَهن أَن الرَّاهِن قَبضه مِنْهُ بعد الرَّهْن وَهلك فِي يَده، فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن بِيَمِينِهِ، لِأَن الْمُرْتَهن يَدعِي بَرَاءَة نَفسه من الضَّمَان بَعْدَمَا دخل فِي ضَمَانه، والراهن يُنكر.
وَلَو أَقَامَا الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الرَّاهِن أَيْضا لِأَنَّهَا تثبت بَقَاء الدّين فِي ذمَّة الْمُرْتَهن، وَبَيِّنَة الْمُرْتَهن تنفيه (ر: معِين الْحُكَّام، الْبَاب الْعَاشِر، فِي الْقَضَاء بالتحليف) .
وكما لَو شَرط على الظِّئْر الْإِرْضَاع بلبنها. ثمَّ اخْتلفَا، فَقَالَت: أَرْضَعَتْه بلبني، وَقَالَ: بِلَبن شَاة، فَالْقَوْل قَوْلهَا. وَلَو أَقَامَا بَيِّنَة فبينتها أولى (ر: معِين الْحُكَّام، الْبَاب التَّاسِع عشر فِي الْقَضَاء بِشَهَادَة النَّفْي) .