الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَن الْبَحْر، أَوَائِل بَاب الصّرْف - فَإِن الْحَط يَصح عِنْد مُحَمَّد، وَلَا يلْتَحق بِالْعقدِ بل يَجْعَل كَهِبَة مُبتَدأَة، وَالزِّيَادَة تبطل عِنْده (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، أَوَائِل بَاب الرِّبَا نقلا عَن الذَّخِيرَة) ، تَقْدِيمًا للمانع، وَهُوَ أَن التحاق الْحَط وَتَصْحِيح الزِّيَادَة يُؤَدِّي إِلَى فَسَاد العقد لعدم التَّسَاوِي فِي الْبَدَلَيْنِ، على الْمُقْتَضِي، وَهُوَ كَون الْمُتَصَرف بالحط وَالزِّيَادَة يتَصَرَّف فِي خَالص ملكه. وَظَاهر كَلَام " الذَّخِيرَة " يُفِيد تَرْجِيح قَول مُحَمَّد على قَول غَيره، حَيْثُ علله وَوَجهه وَلم يُوَجه قَول غَيره.
وَإِنَّمَا أبطل مُحَمَّد الزِّيَادَة وَلم يصححها هبة مُبتَدأَة كالحط، لِأَن تَسْمِيَتهَا زِيَادَة تستدعي مزيداً فِيهِ وتستلزمه للالتحاق بِهِ، فتلتحق، بِخِلَاف الْحَط فَإِنَّهُ إِسْقَاط.
(ح) وَمِنْهَا: أَن الْهِبَة لَا تَنْعَقِد بِالْبيعِ بِلَا ثمن، وَلَا الْعَارِية بِالْإِجَارَة بِلَا بدل، تَقْدِيمًا للمانع على الْمُقْتَضِي، وَذَلِكَ لِأَن الْأَمر فيهمَا دائر بَين بيع وَإِجَارَة فاسدين، وَذَلِكَ مَانع، وَبَين هبة وعارية صَحِيحَيْنِ، وَهُوَ مُقْتَض، فَقدم الْمَانِع.
(انْظُر: الفرعين الْمَذْكُورين فِيمَا كتبناه تَحت الْقَاعِدَة الثَّانِيَة) .
(ط) وَيتَفَرَّع على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: مَا لَو شهد اثْنَان أَنه مَاتَ وَهِي امْرَأَته، وآخران أَنه طَلقهَا قبل مَوته، يُفْتِي بأولوية بَيِّنَة الطَّلَاق. وَكَذَا بَيِّنَة الْخلْع أولى من بَيِّنَة النِّكَاح (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، من الْفَصْل الْعَاشِر، ص 142 و 143 و 146 و 147) .
(تَنْبِيه)
الظَّاهِر أَن مَحل تَقْدِيم الْمَانِع على الْمُقْتَضِي إِنَّمَا يكون إِذا وردا على مَحل وَاحِد، كالأمثلة المفرعة الْمَذْكُورَة، أما إِذا لم يردا على مَحل وَاحِد فَإِنَّهُ يعْطى كل مِنْهُمَا حكمه، بِدَلِيل مَا قَالُوا فِيمَا لَو جمع بَين من تحل لَهُ وَمن لَا تحل لَهُ فِي عقد وَاحِد: صَحَّ فِي الْحَلَال وَبَطل فِي الْأُخْرَى.
وكما لَو جمع بَين وقف وَملك وباعهما صَفْقَة وَاحِدَة: صَحَّ فِي الْملك بِحِصَّتِهِ من الثّمن.
وكما لَو جمع بَين مَاله وَمَال غَيره وباعهما صَفْقَة وَاحِدَة، فَإِنَّهُ يَصح فِي مَاله ويتوقف فِي مَال الْغَيْر على إجَازَة الْمَالِك.
يَنْبَغِي التَّعَرُّض لإشكال عساه يرد، وَهُوَ مَا نصوا عَلَيْهِ من أَنه لَو جمع بَين حر وَعبد، أَو مَسْجِد عَامر وَملك فِي عقد وَاحِد، فَإِنَّهُ يفْسد فِي العَبْد وَالْملك. وَيُمكن دَفعه بِأَنَّهُ فِيهِ البيع بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاء.
وَلَو جمع بَين مُدبر وَعبد: صَحَّ فِي العَبْد بِحِصَّتِهِ، لكَون الْمُدبر مَالا فِي الْجُمْلَة لمَكَان الْخلاف فِي جَوَاز بَيْعه، كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، فقد نصوا على أَنه يدْخل فِي البيع ثمَّ يخرج مِنْهُ، فَلَيْسَ فِيهِ البيع بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاء.
وَأما صِحَة النِّكَاح فِي الْحَلَال فلكون المَال فِي النِّكَاح غير مَقْصُود.
وَمثل العَبْد وَالْمُدبر: الْوَقْف وَالْملك، فَإِن الْوَقْف مَال فِي الْجُمْلَة، للْخلاف فِي جَوَاز بيع الْوَقْف.
وكما لَو أوصى لأَجْنَبِيّ ووارث، أَو لأَجْنَبِيّ وَقَاتل فللأجنبي نصفهَا، وَبَطلَت فِي حق الآخر، أَي على تَقْدِير عدم الْإِجَازَة، وَقَوْلهمْ فِي الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة:" إِذا تعَارض " يُشِير إِلَى هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تعَارض عِنْد انفكاكهما، إِذْ يُمكن مُرَاعَاة الْمُقْتَضِي بِدُونِ أَن يلْزم الْمَانِع.
وَلَا يشكل فرع الْوَصِيَّة للْأَجْنَبِيّ وَالْوَارِث مَعَ فرع الْإِقْرَار لَهما السَّابِق، حَيْثُ صحت الْوَصِيَّة بِالنِّسْبَةِ للْأَجْنَبِيّ وَبَطل الْإِقْرَار بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَمَا بَطل فِي حق الْوَارِث، لِأَن الْوَصِيَّة تمْلِيك مُبْتَدأ مُضَاف لما بعد الْمَوْت والشائع يقبله، وَبطلَان التَّمْلِيك لأَحَدهمَا لَا يسْتَلْزم بطلَان التَّمْلِيك للْآخر. أما الْإِقْرَار فَإِنَّهُ إِخْبَار يثبت بِهِ مَا أخبر عَنهُ طبق مَا أخبر بِهِ مُشْتَركا على الشُّيُوع، فَيثبت كَذَلِك فَيكون مَا من جُزْء يَأْخُذهُ الْأَجْنَبِيّ إِلَّا وللوارث حق الْمُشَاركَة فِيهِ، فَيصير كَأَنَّهُ إِقْرَار للْوَارِث فَيبْطل.
(ي) وَيتَفَرَّع على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة أَيْضا: مَا لَو تعَارض جرح الشَّاهِد وتعديله فَإِنَّهُ يقدم الْجرْح على التَّعْدِيل (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الشَّهَادَات، بَاب الْقبُول وَعَدَمه) .
(ثَالِثا _ الِاسْتِثْنَاء)
وَخرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: (أ) مِنْهَا: مَا لَو سكن أحد الشَّرِيكَيْنِ الْعقار الْمُشْتَرك فِي غيبَة شَرِيكه، فَإِنَّهُ يجوز، وللشريك الْغَائِب أَن يسكن بعد عودته نَظِير مَا سكن شَرِيكه (ر: الْمَادَّة / 1083 / من الْمجلة) .
(ب) وَمِنْهَا: تجويزهم للْمُسْتَأْجر على الْعَمَل فِي عين أَن يسْتَأْجر غَيره للْعَمَل فِيهَا ويدفعها لَهُ، وللمستعير أَن يعير لغيره وَيدْفَع الْعين لَهُ فِيمَا لَا يخْتَلف اسْتِعْمَاله، مَعَ أَن الْعين وَدِيعَة فِي أَيْدِيهِمَا وَالْمُودع لَا يودع لغير من فِي عِيَاله أَو من يحفظ بِهِ مَاله. وَهَذَا مَانع وَلم يعْمل عمله هُنَا بل قدم الْمُقْتَضِي، وَهُوَ كَون الْمُسْتَعِير ملك الْمَنَافِع فَملك تمليكها، وَكَون الْمُسْتَأْجر للْعَمَل يعْمل بِنَفسِهِ وبأجيره، وَذَلِكَ لِأَن الإبداع ثَبت ضمنا لَا قصدا كَمَا علل بِهِ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ (ر: آخر الْفَصْل التَّاسِع عشر، آخر ص 250 بِخُصُوص الْأَجِير، نقلا عَن فُصُول الْعِمَادِيّ) .
(ج) وَمِنْهَا: مَا لَو كَانَ كرم مُشْتَرك بَين حَاضر وغائب، أَو بَالغ ويتيم، فَأدْرك ثمره فَبَاعَهُ وَأخذ حِصَّته ووقف حِصَّة الْغَائِب يَسعهُ ذَلِك (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من بحث الِانْتِفَاع بالمشترك) .
(د) وَمِنْهَا: تجويزهم لأحد الشَّرِيكَيْنِ تعمير الْمُشْتَرك، بِدُونِ إِذن الشَّرِيك وَبِدُون إِذن قَاض، ورجوعه بِقِيمَة الْبناء عِنْد ضَرُورَة تعذر قسمته وَامْتِنَاع الْجَبْر على الْعِمَارَة، كحمام ورحى وجدار لَا يقسم (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الشّركَة) فها هُنَا قدم الْمُقْتَضِي على الْمَانِع كَمَا هُوَ ظَاهر.
(هـ) وَمِنْهَا: مَا لَو ادّعى على ذِي الْيَد أَن الْعين الَّتِي فِي يَده كَانَت ملك فلَان الْغَائِب، وَأَنه كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَأَنه ملكهَا بذلك الشِّرَاء، وَبرهن على ذَلِك غب إِنْكَار الْمُدعى عَلَيْهِ، وَقضي لَهُ بذلك كَانَ حكما على الْغَائِب بِالْبيعِ، فَلَو حضر وَأنكر البيع لَا يسمع مِنْهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من فصل
الْحَبْس) . فها هُنَا قدم الْمُقْتَضِي، وَهُوَ دَعْوَى الْمُدَّعِي وبينته الْقَائِمَة وإحياء حَقه، على الْمَانِع، وَهُوَ كَون الْمَالِك الأول الْمقْضِي عَلَيْهِ بِالْبيعِ غَائِبا. وَقد نصوا فِي الْمُتُون أَنه لَا يقْضى على غَائِب وَلَا لَهُ إِلَّا بِحُضُور نَائِب عَنهُ.
(و) وَمن الْمُسْتَثْنى أَيْضا: مَا لَو أَقَامَ بَيِّنَة على آخر أَنه اشْترى هَذِه الدَّار من فلَان الْغَائِب، وَأَنه شفيعها، فقضي لَهُ بذلك، صَار الْمَالِك الأول مقضياً عَلَيْهِ بِالْبيعِ وَإِن كَانَ غَائِبا، وَلَو حضر وَأنكر لَا يعْتَبر إِنْكَاره.
(ز) وَمِنْه: مَا لَو أَقَامَ الْكَفِيل بِالْأَمر بَينته على الْأَصِيل أَنه أوفى الطَّالِب دينه، والطالب غَائِب، يقْضى لَهُ، وَيصير الطَّالِب مقضياً عَلَيْهِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَلَو حضر وَأنكر الْإِيفَاء لَا يسمع مِنْهُ، وَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَة الْبَيِّنَة بمواجهته فِي جَمِيع ذَلِك (للصورتين / و، ز / ر: رد الْمُحْتَار، فصل الْحَبْس) .
" وَالضَّابِط فِي ذَلِك: أَنه إِذا كَانَ مَا يدعى على الْغَائِب سَببا لَا محَالة لما يدعى على الْحَاضِر يصير الْغَائِب مقضياً عَلَيْهِ بِالْقضَاءِ على الْحَاضِر ".
فَفِي الْفُرُوع المستثناة الْمَذْكُورَة مَا يدعى على الْغَائِب، وَهُوَ البيع فِي الأول وَالثَّانِي، وإيفاء الْكَفِيل لَهُ فِي الثَّالِث، سَبَب لَا تحول لَهُ عَن السَّبَبِيَّة لما يدعى على الْحَاضِر، وَهُوَ كَون الْمُدعى عَلَيْهِ يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الْعين الْمُدعى بهَا للْمُدَّعِي، بِحكم كَونه مَالِكًا لَهَا فِي الأول، وَكَونه يجب تَسْلِيمهَا عَلَيْهِ بِحكم الشُّفْعَة فِي الثَّانِي، وَكَونه يحِق للْكَفِيل الرُّجُوع بمبلغ الدّين فِي الثَّالِث.