الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة الثَّالِثَة وَالسَّبْعُونَ
(الْمَادَّة / 74))
("
لَا عِبْرَة للتوهم
")
(أَولا _ الشَّرْح)
" لَا عِبْرَة للتوهم " أَي لَا اكتراث بِهِ وَلَا يبْنى عَلَيْهِ حكم شَرْعِي، بل يعْمل بالثابت قطعا أَو ظَاهرا دونه.
فَلَو أثبت الْوَرَثَة إرثهم بِشُهُود قَالُوا: لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيرهم يقْضى لَهُم، وَلَا عِبْرَة بِاحْتِمَال ظُهُور وَارِث آخر يزحمهم، لِأَنَّهُ موهوم.
وَكَذَلِكَ لَو أثبت الْغُرَمَاء دُيُونهم بِشُهُود قَالُوا: لَا نعلم لَهُ غريماً غَيرهم فَإِنَّهُ يقْضى لَهُم فِي الْحَال، وَلَا عِبْرَة لما عساه يظْهر من الدُّيُون، لِأَنَّهُ وهم مُجَرّد.
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ للدَّار الْمَبِيعَة شفيعان، غَائِب وحاضر، وَطلب الْحَاضِر الشُّفْعَة، فَإِنَّهُ يقْضى لَهُ بهَا عِنْد تحقيقها، وَلَا يتَأَخَّر حَقه لما عساه يحدث من طلب الشَّفِيع الآخر عِنْد حُضُوره، لِأَنَّهُ موهوم.
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لزيد جِدَار ملاصق لدار جَاره فَأَرَادَ أَن يفتح فِيهِ كوَّة فَوق قامة الرجل فَلهُ ذَلِك، وَلَيْسَ لجاره مَنعه عَن فتحهَا بِحجَّة أَنه يطلّ على مقرّ نِسَائِهِ إِذا استعلى على شَيْء، لِأَنَّهُ موهوم.
وَكَذَلِكَ لم يجوزوا الرَّهْن بالدرك (كَمَا فِي رهن " الدُّرَر " وَغَيرهَا) لِأَن اسْتِحْقَاق الْمَبِيع أَمر موهوم. بِخِلَاف الرَّهْن بِالدّينِ الْمَوْعُود فَإِنَّهُ صَحِيح وَيضمن ضَمَان الرَّهْن (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وَغَيره، كتاب الرَّهْن) لِأَن الدّين الْمَوْعُود لَيْسَ
موهوماً بل متوقع الْحُصُول، فَكَذَلِك المُشْتَرِي بِخِيَار لَو أعْطى بِالثّمن رهنا جَازَ (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الْخَامِس وَالْعِشْرين، صفحة / 333) . وَذَلِكَ لِأَن الْإِجَازَة متوقعة الْحُصُول لَا متوهمة.
وَكَذَلِكَ إِذا قَامَت الْبَيِّنَة المعدلة على أحد بِحَق وَجب الحكم بهَا فَوْرًا لذِي الْحق ويفسق الْحَاكِم بِتَأْخِيرِهِ (كَمَا فِي أَوَائِل كتاب الشَّهَادَات من الدّرّ وَغَيره) وَإِن كَانَ من الْمُحْتَمل كذب الشُّهُود والمعدلين. لَان هَذَا خَال احْتِمَال مُجَرّد توهم لَا دَلِيل عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ يكْتَفى فِي تَعْرِيف الشُّهُود عَلَيْهِ إِن كَانَ غَائِبا عَن مجْلِس الحكم بِذكر اسْمه وَاسم أَبِيه وجده، وَاحْتِمَال مُشَاركَة سواهُ لَهُ فِي اسْمه وَاسم أَبِيه وجده مُجَرّد توهم لَا عِبْرَة لَهُ.
التَّوَهُّم: هُوَ إِدْرَاك الطّرف الْمَرْجُوح من طرفِي أَمر مُتَرَدّد فِيهِ. وَالْأَمر الموهوم يكون نَادِر الْوُقُوع وَلذَلِك لَا يعْمل فِي تَأْخِير حق صَاحب الْحق، لِأَن الثَّابِت قطعا أَو ظَاهرا لَا يُؤَخر لأمر موهوم، بِخِلَاف المتوقع فَإِنَّهُ كثير الْوُقُوع، فَيعْمل بِتَأْخِير الحكم، كَمَا جوزوا للْحَاكِم تَأْخِير الحكم للْمُدَّعِي بعد استكمال أَسبَابه لرجاء الصُّلْح بَين الْأَقَارِب، وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَنَّهُ متوقع بِخِلَاف غَيرهم.
وكما إِذا ادّعى دينا على ميت بمواجهة أحد الْوَرَثَة فَأقر الْوَارِث، أَو ادّعى دينا بوكالة أَو وصاية، فَأقر الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْوكَالَةِ أَو الْوِصَايَة. أَو ادّعى الْمُسْتَحق على المُشْتَرِي الْعين الْمَبِيعَة أَنَّهَا ملكه، فَأقر المُشْتَرِي لَهُ بِالْملكِ جَازَ تَأْخِير الحكم إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة، دفعا للضَّرَر المتوقع بإنكار الْمُوكل الْوكَالَة أَو الْوَارِث الْوِصَايَة، وَلأَجل التَّعَدِّي على الْمُدعى عَلَيْهِ من المدينين، وَلأَجل التَّعَدِّي لبَقيَّة الْوَرَثَة فِي دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت، وللتعدي للْبَائِع وَتمكن المُشْتَرِي من الرُّجُوع عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق، لِأَن الْإِنْكَار متوقع.
لَا تكْرَار فِيمَا يظْهر بِوَضْع هَذِه الْمَادَّة بعد الْمَادَّة / 72 / فَإِن (الظَّن) هُوَ إِدْرَاك الطّرف الرَّاجِح، و (الْوَهم) إِدْرَاك الْمَرْجُوح، وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال: إِن
حكم هَذِه يفهم من تِلْكَ بِالْأولَى. وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَادَّة / 72 / مَوْضُوعَة فِيمَا إِذا تبين خطأ الظَّن فَجزم بعكسه فَلَا يُفِيد حكم هَذِه بِالْأولَى.
(ثَانِيًا _ التطبيق)
يتَفَرَّع على هَذِه الْمَادَّة: (أ) مَا لَو دفع مَاله مُضَارَبَة لرجل جَاهِل جَازَ أَخذ ربحه مَا لم يعلم أَنه اكْتسب الْحَرَام. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، آخر متفرقات كتاب الْبيُوع) .
(ب) وَكَذَلِكَ لَو ادّعى ثمنين أَو ثَلَاثَة أَثمَان بِسَبَب بيع هَذَا الشَّيْء مِنْهُ لَا يجب إِلَّا ثمن وَاحِد وَإِن احْتمل أَنه بَاعَ ثمَّ اشْترى ثمَّ بَاعَ، فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر هَذَا الِاحْتِمَال (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الموفي عشْرين ج / 1 صفحة 230) .
(ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى)
خرج عَن الْقَاعِدَة المسطورة مَا لَو اسْتَأْجر مبانته لإرضاع وَلَده مِنْهَا، ثمَّ تزَوجهَا، لَا تبطل الْإِجَارَة وَإِن كَانَت لم يبْق لَهَا من فَائِدَة متيقنة، وَذَلِكَ لِأَن الحكم (أَي حكم العقد) وَهُوَ هُنَا لُزُوم الْأجر للْمُسْتَأْجر، وَإِن كَانَ لَا يثبت ابْتِدَاء بوهم الْفَائِدَة لكنه يبْقى مَا بَقِي توهم الْفَائِدَة، وتوهم الْفَائِدَة هُنَا ثَابت بِأَن يطلقهَا بعد ذَلِك فتظهر حينئذٍ فائدتها (ر: أَحْكَام الصغار، آخر مسَائِل الْإِجَارَة) .
وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا لَو انْهَدم بِنَاء الدَّار المأجورة كُله فَإِن الْإِجَارَة لَا تبطل وَإِن سَقَطت الْأُجْرَة، لِأَن توهم الْفَائِدَة بِإِعَادَة الْبناء ثَابت. حَتَّى لَو بناها الْمُؤَجّر والمدة بَاقِيَة لم تنقض بعد ظُهُور فائدتها ولزمت الْمُسْتَأْجر الْأُجْرَة لما بَقِي من الْمدَّة (ر: الْبَدَائِع، كتاب الْإِجَارَة، وَغَيره) .
وَيتَفَرَّع عَلَيْهَا: مَا لَو آجر مشَاعا فَإِنَّهُ لَا يَصح سَوَاء كَانَ يقبل الْقِسْمَة أَو لَا. وَلَكِن لَو طَرَأَ الشُّيُوع بعد العقد بِأَن آجر عقارا بِتَمَامِهِ ثمَّ اسْتحق جُزْء مِنْهُ شَائِع أَو تفاسخ العاقدان الْإِجَارَة فِي بعض شَائِع مِنْهُ تبقى الْإِجَارَة فِي الْبَاقِي وَإِن كَانَ شَائِعا.
وَخرج عَنْهَا أَيْضا مَا فِي حَاشِيَة الرَّمْلِيّ على جَامع الفصوليين (من الْبَاب الرَّابِع وَالْعِشْرين صفحة / 317 نقلا عَن الْمُجْتَبى) من أَن المُشْتَرِي من الْفُضُولِيّ لَو دفع الثّمن لَهُ على رَجَاء إجَازَة الْمَالِك، ثمَّ أَرَادَ اسْتِرْدَاده مِنْهُ لم يملك ذَلِك. اه. أَي لم يملك اسْتِرْدَاده قبل أَن يفْسخ الْمَالِك البيع، فقد منعُوهُ عَن اسْتِرْدَاد الثّمن مَعَ أَن الْإِجَارَة موهومة الْحُصُول.
وَمن هَذَا الْقَبِيل مَنعهم أَن يرجع الباعة بَعضهم على بعض الثّمن (إِذا ظهر الْمَبِيع مُسْتَحقّا) قبل أَن يفْسخ الْمُسْتَحق البيع أَو يقْضِي القَاضِي بِالرُّجُوعِ بِالثّمن، لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظهر أَن عُقُود الباعة كَانَت بالفضول وَأَنَّهَا تقبل الْإِجَارَة. وَفِي عقد الْفُضُولِيّ لَو دفع المُشْتَرِي الثّمن لَهُ لَا يملك الِاسْتِرْدَاد قبل انْفِسَاخ العقد فَمَا لم ينتف احْتِمَال الْإِجَازَة بِفَسْخ الْمُسْتَحق أَو بِقَضَاء القَاضِي بِالرُّجُوعِ لَا يرجع الباعة بِالثّمن. (ر: رد الْمُحْتَار، من الِاسْتِحْقَاق) .
وَخرج عَنْهَا أَيْضا مَا لَو دفع الْمَدْيُون الدّين إِلَى فُضُولِيّ على رَجَاء أَن يُجِيز الْمَالِك فَلَيْسَ لَهُ أَن يسْتَردّهُ مِنْهُ لاحْتِمَال الْإِجَازَة (انْتهى مُلَخصا، ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / 201 برمز فَتَاوَى رشيد الدّين وبرمز الْمُنْتَقى) . ثمَّ رمز للهداية بِأَن لَهُ أَن يسْتَردّهُ مِنْهُ، وَلَا يقوى كَلَام الْهِدَايَة على مُعَارضَة كَلَام الْمُنْتَقى لِأَنَّهُ من كتب ظَاهر الرِّوَايَة، وَالْوَجْه يشْهد لَهُ أَيْضا، فَإِن الْفُضُولِيّ قبض فضولاً عَن الدَّائِن رَجَاء الْإِجَازَة مِنْهُ لقبضه وَلم يقبض بطرِيق الْوكَالَة عَن الْمَدْيُون ليدفع إِلَى الدَّائِن، وَلَو كَانَ قَبضه بطرِيق الْوكَالَة عَنهُ لم يكن فضولياً، فَحَيْثُ كَانَ قَبضه عَن الدَّائِن رَجَاء الْإِجَازَة لم يكن للدافع حق اسْتِرْدَاد مَا دَفعه إِلَيْهِ. هَذَا مَا ظهر لي.