الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(التَّنْبِيه الثَّانِي)
: يذكرُونَ أَن الصُّلْح يعْتَبر بأقرب الْعُقُود إِلَيْهِ، كَمَا ذكرنَا فِي البند 9 من تطبيقات هَذِه الْقَاعِدَة، بِمَعْنى أَنه إِن كَانَ فِيهِ معنى البيع بِأَن وَقع عَن مَال بِمَال يعْتَبر بيعا، وَإِن كَانَ فِيهِ معنى الْإِجَارَة بِأَن وَقع عَن مَال بِمَنْفَعَة يعْتَبر إِجَارَة، وَهَكَذَا. وَأما إِذا لم يكن تطبيقه على عقد من الْعُقُود الْمَعْرُوفَة فَإِنَّهُ يبْقى صلحا مَحْضا لقطع الْمُنَازعَة.
وَلَكِن قد يَقع الصُّلْح على صُورَة تكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى أحد المتصالحين فِي معني البيع مثلا، وبالنسبة إِلَى الآخر صلحا مَحْضا لِأَنَّهَا لَيست مُبَادلَة فِي زَعمه ودعواه، كَمَا لَو تصالحا، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ مُنكر، على أَن يدْفع الْمُدَّعِي إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ مَالا معينا وَيَأْخُذ مِنْهُ الْعين الْمُدعى بهَا فَهَذَا فِي زعم الْمُدَّعِي صلح مَحْض وَلَيْسَ مُبَادلَة، لِأَنَّهُ اسْتردَّ عين مَاله الَّذِي يَدعِيهِ، وَفِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُنكر لدعوى الْمُدَّعِي هُوَ بيع.
فَفِي أَمْثَال هَذِه الْحَالة هَل يعْتَبر عقد الصُّلْح على حسب زعم الْمُدَّعِي، فَإِن كَانَ فِي زَعمه مُبَادلَة مَالِيَّة اعْتبر بيعا وَإِجَارَة وأجريت فِيهِ أَحْكَام البيع وَالْإِجَارَة، وَإِن كَانَ صلحا مَحْضا اعتبرناه صلحا؟ أَو هَل نعتبره على حسب زعم الْمُدعى عَلَيْهِ؟ أَو هَل نعتبر زعم كل وَاحِد على حِدة بِحَيْثُ لَو كَانَ الصُّلْح فِي زعم أحد المتصالحين مُعَاوضَة وَفِي زعم الآخر صلحا مَحْضا أَخذنَا كلا بِزَعْمِهِ واعتبرناه فِي حَقه على خلاف مَا نعتبره فِي حق رَفِيقه؟
هَذَا مَا توقفنا فِيهِ، وَلم نر للفقهاء تَصْرِيحًا شافياً فِيهِ. وَالَّذِي ظهر لنا بعد طول الْبَحْث، استنباطاً من بعض تصريحاتهم وانطبقت عَلَيْهِ الْفُرُوع المنقولة وتوجيهاتها: أَنه فِيمَا بَين المتصالحين أَنفسهمَا يعْتَبر عقد الصُّلْح على الصّفة الَّتِي يقتضيها زعم الْمُدَّعِي دون زعم الْمُدعى عَلَيْهِ، وَأما فِيمَا بَين كل وَاحِد مِنْهُمَا وثالث خَارج، كالشفيع، فيؤاخذ كل وَاحِد من المتصالحين بِزَعْمِهِ على حِدة، سَوَاء أَكَانَ فِي عقد الصُّلْح مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ.
يُوضح ذَلِك مَا جَاءَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل السَّادِس عشر مِنْهُ
نقلا عَن فَتَاوَى رشيد الدّين، مَا نَصه:" لَو صَالح عَن الدَّار المدعاة فَاسْتحقَّ الدَّار فالمدعى عَلَيْهِ يَأْخُذ من الْمُدَّعِي مَا دفع إِلَيْهِ، أما لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا فَظَاهر، لِأَنَّهُ يصير مُشْتَريا فَيرجع إِذا اسْتحق، وَأما لَو كَانَ مُنْكرا فَيرجع أَيْضا، إِذْ الصُّلْح جَوَازه على زعم الْمُدَّعِي، وزعمه بِأَنَّهُ بَاعه، فَإِذا اسْتحق يرجع، وَأما لَو دفع الْمُدَّعِي شَيْئا إِلَى ذِي الْيَد وَأخذ الدَّار مِنْهُ فَاسْتحقَّ الدَّار لَا يرجع الدَّافِع بِمَا دفع، إِذْ الْمُدَّعِي يزْعم: إِنِّي آخذ حَقي وَإِنَّمَا أدفَع المَال لقطع خُصُومَة، فَلَا يصير الْمُدَّعِي مُشْتَريا فَلَا يرجع ". فقد اعْتبر زعم الْمُدَّعِي فَقَط فِيمَا بَينه وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ وأهمل زعم الْمُدعى عَلَيْهِ، مَعَ أَنه فِي صُورَة مَا إِذا كَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدَّعِي، وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا، يكون الصُّلْح بيعا فِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهر وَمَعَ ذَلِك لم يثبتوا للْمُدَّعِي حق الرُّجُوع عَلَيْهِ ومؤاخذته بِزَعْمِهِ.
وَجَاء فِي شرح النقاية للقهستاني، فِي كتاب الصُّلْح مِنْهُ، فِيمَا إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ غير مقرّ وَكَانَ هُوَ دَافع بدل الصُّلْح مَا لَفظه:" فَلَا شُفْعَة للشَّرِيك وَغَيره على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي صلح عَن دَار، لِأَنَّهُ زاعم أَنه على أصل حَقه، وَلَا يلْزم زعم الْمُدَّعِي، لِأَن الْمَرْء لَا يُؤَاخذ إِلَّا بِزَعْمِهِ ". فقد اعْتبر هُنَا زعم الْمُدعى عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الْأَجْنَبِيّ الْخَارِج، وَهُوَ الشَّفِيع، فَلم يثبتوا لَهُ حق الشُّفْعَة، لِأَن هَذَا الصُّلْح فِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ لَيْسَ مُعَاوضَة مَالِيَّة، لِأَنَّهُ لما كَانَ مُنْكرا لدعوى الْمُدَّعِي لم بكن اعْتِبَاره بِدفع الْبَدَل مُشْتَريا، بل قَاطعا للنزاع ومستبقيا لملكه، وَلَو كَانَ زعم الْمُدَّعِي مُعْتَبرا، وَالْحَالة هَذِه، دون زعم الْمُدعى عَلَيْهِ لَوَجَبَتْ الشُّفْعَة للشَّفِيع على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الدَّار الْمصَالح عَنْهَا، لِأَن هَذَا الصُّلْح فِي زعم الْمُدَّعِي الْقَابِض للبدل بيع.
وَقد جَاءَت الْمَادَّة / 1550 / من الْمجلة على نَحْو مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَشرح النقاية للقهستاني، وَشرح التَّنْوِير، منطبقة على مَا ذكرنَا ومؤيدة لَهُ.
وَإِنَّمَا لم يعْتَبر فِيمَا بَين المتصالحين أَنفسهمَا زعم كل وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن زعميهما متنافيان إِيجَابا وسلباً، فَمَا يَقْتَضِيهِ زعم أَحدهمَا يَنْفِيه زعم الآخر، فَوَجَبَ الِاقْتِصَار على أحد الزعيمين فِي مصير عقد الصُّلْح.
وَإِنَّمَا كَانَ الْمُعْتَبر زَعمه هُوَ الْمُدَّعِي، دون الْمُدعى عَلَيْهِ، لِأَن الْمُدعى عَلَيْهِ مُنكر متمسك بِالْأَصْلِ، وَهُوَ عدم مَا يَدعِيهِ الْمُدَّعِي، وَالْمُنكر فِي غنى عَن بَيَان الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة وَغير مُكَلّف بهَا لتأييده إِنْكَاره، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ منشئاً للخصومة وَإِذا ترك لم يتْرك بل فِي موقف الدّفع، وَالْإِنْكَار لَا يتَضَمَّن إِثْبَات حق لأحد وَلذَا يقوم السُّكُوت بِلَا عذر مقَامه ويغني عَن الإفصاح بِهِ، فَكَمَا أَن السُّكُوت لَا يثبت حَقًا لأحد فَكَذَا مَا قَامَ مقَامه، فَإِذا ادّعى بعد ذَلِك خلاف مَا يَقْتَضِيهِ إِنْكَاره لَا يعد متناقضاً شرعا، لِأَن التَّنَاقُض لَا يمْنَع سَماع الدَّعْوَى إِلَّا إِذا كَانَ أول الْكَلَامَيْنِ فِيهِ مثبتاً حَقًا لمُعين. (ر: رد الْمُحْتَار، أول بحث التَّنَاقُض من بَاب الِاسْتِحْقَاق) معنى هَذَا لَا يمْنَع الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يَدعِي بعد الصُّلْح مَا يُخَالف مُقْتَضى إِنْكَاره السَّابِق.
بِخِلَاف الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ هُوَ المنشئ للخصومة والآتي بِأول الْكَلَامَيْنِ، وَلذَا لَو ترك ترك، وَهُوَ فِي موقف التهجم على الْمُدعى عَلَيْهِ والانتزاع من يَده، والنزع لَا بُد فِيهِ من كَون مَا يزعمه من السَّبَب مطابقاً لوجه شَرْعِي يسْتَحق بِهِ النزع، كَمَا يَقُول أَبُو يُوسُف، رَحمَه الله تَعَالَى، فِي كتاب الْخراج:" لَا ينْزع شَيْء من يَد أحد إِلَّا بِحَق ثَابت مَعْرُوف ".
فَإِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا وَكَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدَّعِي لم يكن فِي معنى الْمُضْطَر، لِأَنَّهُ لَو ترك ترك، فَكَانَ ذَلِك العقد فِيمَا زَعمه صلحا مَحْضا لَيْسَ فِيهِ معنى الْمُعَاوضَة، لِأَنَّهُ بِدفع الْبَدَل قد استخلص فِي زَعمه ملكه، فَإِذا اسْتحق من يَده يقْتَصر الِاسْتِحْقَاق عَلَيْهِ وَلَا يُمكن اعْتِبَاره فِي حكم من تلقى الْملك من غَيره، كَمَا هُوَ صَرِيح من كَلَام رشيد الدّين الْمُتَقَدّم، أَلا ترى أَن المُشْتَرِي إِذا أنكر دَعْوَى الْمُسْتَحق الْملك وَادّعى أَن الْمُدعى ملكه وَلم يذكر تلقي الْملك من بَائِعه فَلَا يرجع عَلَيْهِ بِالثّمن. (ر: رد الْمُحْتَار، أَوَائِل الِاسْتِحْقَاق) فَهَذَا أولى.
وَإِذا كَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُنكر كَانَ فِي معنى الْمُضْطَر، لِأَنَّهُ لَو ترك لم يتْرك، فَإِذا اسْتحق الْمُدعى من يَده لم يكن هُنَاكَ مَا يمْنَع من اعْتِبَاره فِي حكم من تلقى الْملك من غَيره فَلَا يمْتَنع رُجُوعه بِالْبَدَلِ، إِذا لم يُوجد مِنْهُ سوى إِنْكَار كَون الْمُدعى بِهِ ملك الْمُدَّعِي، وعَلى تَسْلِيم صدقه فِي إِنْكَاره هَذَا فَإِنَّهُ
لَا يمْنَع من الرُّجُوع على البَائِع عِنْد الِاسْتِحْقَاق (ر: تنوير الْأَبْصَار، كتاب الدَّعْوَى، بَاب الِاسْتِحْقَاق) وَعدم ذكره فِي خُصُومَة الْمُسْتَحق تلقي الْملك من الْمُدَّعِي الأول الْقَابِض لبدل الصُّلْح لَا يمْنَع من اعْتِبَاره مقضياً عَلَيْهِ ورجوعه بِالْبَدَلِ عِنْد الِاسْتِحْقَاق، لِأَن هَذَا التلقي الْمُعْتَبر بيعا إِنَّمَا اعْتبر بيعا فِي ضمن عقد الصُّلْح، وَالشَّيْء إِذا ثَبت فِي ضمن غَيره لَا يجب أَن تتوفر شُرُوطه، بل يَكْتَفِي بتوفر شُرُوط المتضمن لَهُ فَقَط (ر: مَا جَاءَ من ذَلِك فِي الخاتمة الَّتِي كتبناها آخر الْمَادَّة / 52 / فَإِن فِيهَا مقنعا) .
ثمَّ لينْظر مَا لَو أنكر ملك الْمُدعى وَزعم أَن الْمَبِيع ملكه بِأَن قَالَ: لَيْسَ هُوَ ملكه بل هُوَ ملكي، وَيُمكن أَن يُقَال: لَا يمْنَع ذَلِك دَعْوَاهُ الرُّجُوع بِالْبَدَلِ، لِأَن دَعْوَاهُ الْملك أَمر زَائِد على الْجَواب الْكَافِي، وَهُوَ إِنْكَاره، وَلَا دخل لَهُ فِيهِ وَلَا تتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَّته، فَكَانَ وجودهَا كَالْعدمِ فَلَا يتَعَلَّق بهَا حكم، أَلا ترى أَنه لَو وجد فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي أَو فِي شَهَادَة الشُّهُود زِيَادَة لَا تتَوَقَّف عَلَيْهَا صِحَة الدَّعْوَى أَو الشَّهَادَة، كَمَا لَو بَين الْمُدَّعِي ذرعاً من الثَّوْب الْمُدعى أَو لون الدَّابَّة أَو سنّهَا أَو كَونهَا مشقوقة الْأذن، ثمَّ ظهر أَن الْأَمر على خلاف مَا وصف، فقد حكى فِي الْفَصْل السَّادِس من جَامع الْفُصُولَيْنِ خلافًا فِي سَماع الدَّعْوَى وَقبُول الشَّهَادَة، وجنح إِلَى عدم سَماع الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة (ر: مَا جَاءَ فِي التَّنْبِيه تَحت الْمَادَّة / 65 /) مَعَ أَنه ظهر فِي ذَلِك كذب الْمُدَّعِي وشهوده، فَمَا بالك بِمَا كَانَ زَائِدا فِي كَلَام الْمُدعى عَلَيْهِ؟ فَلِأَن لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم بِلَا خلاف بِالْأولَى، خُصُوصا وَقد ارْتَفع زَعمه الْملك بتكذيب الْحَاكِم لَهُ فِيهِ بِالْقضَاءِ بِالْملكِ للْمُسْتَحقّ (ر: الْمَادَّة / 1654 / من الْمجلة) ، هَذَا مَا ظهر لفهمي وَالله أعلم.
هَذَا وَقد اسْتشْكل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ مَا نَقله عَن رشيد الدّين من قَوْله الْمُتَقَدّم: " أما لَو دفع الْمُدَّعِي شَيْئا إِلَى ذِي الْيَد وَأخذ الدَّار مِنْهُ فَاسْتحقَّ
الدَّار لَا يرجع الدَّافِع بِمَا دفع، إِذْ الْمُدَّعِي يزْعم: إِنِّي آخذ حَقي "، وَاسْتظْهر أَن يكون زعم الْمُدعى عَلَيْهِ مُعْتَبرا أَيْضا فَيكون للْمُدَّعِي حق الرُّجُوع عَلَيْهِ فِي هَذِه الصُّورَة.
وَمَا استظهر يُنَافِيهِ الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول: أما الْمَعْقُول: فَلِأَن مَوْضُوع كَلَام رشيد الدّين فِيمَا بَين أحد المتصالحين وَالْآخر، لَا فِيمَا بَينه وَبَين الْأَجْنَبِيّ، فَلَا يُمكن اعْتِبَار زعم كل من المتصالحين، لتنافيهما.
وَأما الْمَنْقُول: فَلِأَن مَا جَاءَ فِي فَتَاوَى رشيد الدّين مُوَافق لما جَاءَ فِي معتبرات كتب الْمَذْهَب، وَقد نقل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ نَفسه، فِي الْفَصْل الْعشْرين، عَن الْهِدَايَة مَا ينطبق على مَا فِي فَتَاوَى رشيد الدّين، وَلَفظه:" ادّعى نِكَاحهَا، وَهِي تنكر فصالحته على مَال ليترك دَعْوَاهُ جَازَ خلعاً فِي جَانِبه، بِنَاء على زَعمه، وبذلاً لِلْمَالِ لدفع الْخُصُومَة فِي جَانبهَا. وَلَو ادَّعَت هِيَ عَلَيْهِ نِكَاحهَا فصالحها على مَال يَدْفَعهُ هُوَ إِلَيْهَا لم يجز ". فقد اعْتبر صَاحب الْهِدَايَة، فِيمَا بَين المتصالحين، زعم الْمُدَّعِي، فحين كَانَ الزَّوْج هُوَ الْمُدَّعِي وَكَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الزَّوْجَة صَحَّ الصُّلْح على أَنه خلع، وَحين كَانَت هِيَ المدعية وَكَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الزَّوْج لم يَصح الصُّلْح اعْتِبَارا لزعمها، لِأَنَّهَا لَيست صَاحِبَة حق النِّكَاح حَتَّى يجوز أَخذهَا الْبَدَل اعتياضاً عَنهُ فِي زعمها، فَإِن الْحل وَالْحُرْمَة فِي النِّكَاح عائدان للزَّوْج شرعا، وَلذَا لَو اعْترفت الزَّوْجَة بِطَلَاق، وَلَو ثَلَاثًا، أَو برضاع لَا يلْتَفت إِلَيْهَا (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الرَّضَاع) وَلم ينظر فِي هَذِه الصُّورَة الْأَخِيرَة إِلَى زعم الزَّوْج الْمُقْتَضِي لتصحيح الصُّلْح، بِاعْتِبَار أَنه دفع الْبَدَل لقطع خُصُومَة المدعية وَرفع النزاع، وَذَلِكَ لِأَن الزَّوْج مدعى عَلَيْهِ وزعمه غير مُعْتَبر، وَهَذَا يشْهد بانطباق مَا فِي فَتَاوَى رشيد الدّين على مَا فِي كتب الْمَذْهَب، فَانْدفع بِهَذَا إِشْكَال صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ الْمُتَقَدّم.
وَقد أجَاب الرَّمْلِيّ، فِي حَاشِيَته على جَامع الْفُصُولَيْنِ، عَن استشكال صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ الْمُتَقَدّم بِجَوَاب منقوض غير صَحِيح، حَيْثُ ذكر أَن الْمُدَّعِي فِي تِلْكَ الصُّورَة إِذا دفع بدل الصُّلْح وَأخذ الدَّار لَا يكون هَذَا الصُّلْح فِي