الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة عشرَة
(الْمَادَّة / 13))
("
لَا عِبْرَة بِالدّلَالَةِ فِي مُقَابلَة التَّصْرِيح
")
(أَولا _ الشَّرْح)
" لَا عِبْرَة بِالدّلَالَةِ فِي مُقَابلَة التَّصْرِيح " لِأَنَّهَا دونه فِي الإفادة وَهُوَ فَوْقهَا.
وَالدّلَالَة بِفَتْح الدَّال فِي المعقولات، وبكسرها فِي المحسوسات. وَهِي: كَون الشَّيْء بِحَال يُفِيد الْغَيْر علما.
وَتَكون لفظية وَغير لفظية، وكل مِنْهُمَا ثَلَاثَة أَقسَام: وضعية، وعقلية، وطبيعية، فاللفظية الوضعية: كدلالة الْأَلْفَاظ على مَا وضعت لَهُ. واللفظية الْعَقْلِيَّة: كدلالة اللَّفْظ على وجود اللافظ. واللفظية الطبيعية: كدلالة (أح) على وجع الصَّدْر و (أَخ) على مُطلق الوجع. وَغير اللفظية الوضعية: كدلالة الدوال الْأَرْبَع على مدلولاتها. وَغير اللفظية الْعَقْلِيَّة: كدلالة المصنوعات على وجود الصَّانِع. وَغير اللفظية الطبيعية: كدلالة الْحمرَة على الخجل والصفرة على الوجل.
وَالظَّاهِر أَن الدّلَالَة الوضعية اللفظية وَالدّلَالَة الْعَقْلِيَّة بقسميها اللَّفْظِيّ وَغَيره غير مرادتين فِي الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة، لِأَن اللفظية الوضعية هِيَ التَّصْرِيح الَّذِي تلغى الدّلَالَة بمقابله، وَلِأَن الْعَقْلِيَّة بقسميها إِذا لم نقل إِنَّهَا فَوق التَّصْرِيح فَلَيْسَتْ دونه.
فَيبقى المُرَاد حِينَئِذٍ بالقاعدة الْمَذْكُورَة دلالات ثَلَاثًا، وَهِي: اللفظية الطبيعية، وَغير اللفظية الوضعية، وَغير اللفظية الطبيعية.
فَالْأولى: كَمَا إِذا قبل التهنئة بعد تَزْوِيج الْفُضُولِيّ لَهُ كَانَ ذَلِك إجَازَة مِنْهُ للْعقد طبعا وَلَكِن إِذا كَانَ وَقع رده قبل ذَلِك صَرِيحًا ارْتَدَّ.
وَالثَّانيَِة: مثل المحاريب والأعلام والأميال والحفر والأغلاق والستور الَّتِي تتَّخذ وتنصب بِإِزَاءِ ملك الْغَيْر من أَرض أَو بُسْتَان أَو حَانُوت لتدل على الْإِذْن بِالدُّخُولِ أَو على عَدمه، فَإِنَّهَا تعْتَبر ويعتمد عَلَيْهَا وَلَكِن إِذا وجد التَّصْرِيح بِخِلَافِهَا تلغى تِلْكَ الدّلَالَة.
وَالثَّالِثَة: مثل دلَالَة ضحك الْبكر بِلَا استهزاء عِنْدَمَا بلغَهَا خبر تَزْوِيج الْوَلِيّ فَإِنَّهُ يعْتَبر إجَازَة لَكِن إِذا وجد قبله أَو مَعَه تَصْرِيح بِالرَّدِّ تلغى تِلْكَ الدّلَالَة.
(ثَانِيًا _ التطبيق)
يتَفَرَّع على تِلْكَ الْقَاعِدَة مسَائِل كَثِيرَة: (أ) مِنْهَا: أَنه يسْتَدلّ على مصارف الْوَقْف بتعامل القوام السَّابِقين، وَلَكِن إِذا وجد كتاب الْوَاقِف الموثوق بِهِ فَلَا عِبْرَة بتعامل القوام على خِلَافه. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، وتنقيح الْفَتَاوَى الحامدية، من كتاب الْوَقْف) .
(ب) وَمِنْهَا: مَا إِذا بَاعَ عقارا بيعا صَحِيحا شَرْعِيًّا، ثمَّ ادّعى أَن البيع كَانَ وَفَاء، وَقَالَ المُشْتَرِي إِنَّه بَات قَطْعِيّ، ينظر: فَإِن كَانَ هُنَاكَ دلَالَة على الْوَفَاء ككون الثّمن دون ثمن الْمثل بِغَبن فَاحش تسمع دَعْوَى الْوَفَاء من البَائِع وَيكون القَوْل قَوْله. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، قبيل الْكفَالَة) .
وَلَكِن إِذا وجد التَّصْرِيح بالبتات فَلَا يعْمل بِتِلْكَ الدّلَالَة، وَلَا تسمع دَعْوَى الْوَفَاء حِينَئِذٍ. (ر: الْمَادَّة / 1658 / من الْمجلة) .
(ج) وَمِنْهَا: مَا إِذا قبض المُشْتَرِي الْمَبِيع قبل نقد الثّمن بمشهد من البَائِع وَلم يَنْهَهُ، صَحَّ الْقَبْض وَسقط حق الْحَبْس بِالثّمن بِدلَالَة السُّكُوت على الْإِذْن، وَلَا يملك
اسْتِرْدَاده بل يُطَالِبهُ بِالثّمن فَقَط. (ر: رد الْمُحْتَار، من فصل مَا يدْخل فِي البيع تبعا، عِنْد قَول الْمَتْن: وَيسلم السّلْعَة) .
أما لَو وجد صَرِيح النَّهْي فَلَا يسْقط حق الْحَبْس، وَله أَن يسْتَردّهُ مِنْهُ ويحبسه بِالثّمن، كَمَا يُسْتَفَاد من الْمحل الْمَذْكُور، وَكَذَلِكَ لَو قبض الْمَوْهُوب لَهُ الْهِبَة بِحَضْرَة الْوَاهِب وَلم يَنْهَهُ صَحَّ قَبضه وتمت الْهِبَة، وَلَا يملك الِاسْتِرْدَاد مِنْهُ بِدُونِ قَضَاء أَو رِضَاء. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْهِبَة) ، وَمَفْهُومه أَنه لَو نَهَاهُ صَرِيحًا لم يَصح قَبضه، فَلهُ اسْتِرْدَاده مِنْهُ. (ر: الْمَادَّة / 57 / من الْمجلة) .
(د) وَمِنْهَا: مَا لَو زوج الْأَب ابْنه الصَّغِير وَضمن عَنهُ الْمهْر ثمَّ دَفعه عَنهُ، أَو كَانَ دَفعه بِلَا ضَمَان، فَإِنَّهُ لَا يرجع على الصَّغِير إِلَّا إِذا أشهد عِنْد الضَّمَان أَو عِنْد الدّفع أَنه يدْفع ليرْجع. (ر: رد الْمُحْتَار، من الْمهْر، عِنْد قَول الْمَتْن: لَا يُطَالب الْأَب بِمهْر ابْنه الصَّغِير
…
الخ.) وعللوه بِأَن عدم الرُّجُوع إِنَّمَا هُوَ لجَرَيَان الْعَادة بِأَن يتَحَمَّل الْأَب مهر ابْنه الصَّغِير بِلَا طمع فِي الرُّجُوع فَيكون مُتَبَرعا دلَالَة، وَلَكِن إِذا شَرط الرُّجُوع صَرِيحًا تَنْتفِي تِلْكَ الدّلَالَة، لِأَن الصَّرِيح يفوقها.
(هـ) وَمِنْهَا: مَا لَو اشْترى إِنْسَان حمارا مثلا ثمَّ جَاءَ ليَرُدهُ بطرِيق الْإِقَالَة فَصرحَ لَهُ البَائِع بِأَنَّهُ لَا يقيله، وَاسْتعْمل البَائِع ذَلِك الْحمار أَيَّامًا فطالبه المُشْتَرِي برد الثّمن فَامْتنعَ عَن رده وَعَن قبُول الْإِقَالَة، كَانَ لَهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ لما رفض الْإِقَالَة صَرِيحًا بَطل كَلَام المُشْتَرِي فَلَا تتمّ الْإِقَالَة بِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، عَن الْفَتَاوَى الْخَانِية، من الْإِقَالَة عِنْد قَول الْمَتْن: ويتوقف على قبُول الآخر فِي الْمجْلس) . فقد لغت دلَالَة اسْتِعْمَال البَائِع للحمار على الْإِقَالَة فِي مُقَابلَة تصريحه برفضها.
(و) وَمِنْهَا: مَا فِي الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، عَن الْقنية، أثْنَاء الْكَلَام على بيع التعاطي: لَو وضع الدَّرَاهِم وَأخذ البطاطيخ وَذهب بهَا وَالْبَائِع يَصِيح: لَا أعطيها بِهَذَا الثّمن، وَكَانَ مَعْلُوما أَن مُرَاده تطييب قلب المُشْتَرِي بذلك لَا عدم الرِّضَا، فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد البيع.