الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة التِّسْعُونَ
(الْمَادَّة / 91))
("
الْجَوَاز الشَّرْعِيّ يُنَافِي الضَّمَان
")
(أَولا _ الشَّرْح)
" الْجَوَاز الشَّرْعِيّ " وَهُوَ كَون الْأَمر مُبَاحا، فعلا كَانَ أَو تركا " يُنَافِي الضَّمَان " لما حصل بذلك الْأَمر الْجَائِز من التّلف.
وَلَكِن بِشَرْط: _ أَن لَا يكون ذَلِك الْأَمر الْجَائِز مُقَيّدا بِشَرْط السَّلامَة.
- وَأَن لَا يكون عبارَة عَن إِتْلَاف مَال الْغَيْر لأجل نَفسه، وَذَلِكَ لِأَن الضَّمَان يَسْتَدْعِي سبق التَّعَدِّي، وَالْجَوَاز الشَّرْعِيّ يَأْبَى وجوده، فتنافيا.
(ثَانِيًا _ التطبيق)
أما إِذا كَانَ الْأَمر الْمُبَاح فعلا فَهُوَ مَا أفادته الْمَادَّة بقولِهَا: مثلا لَو حفر إِنْسَان بِئْرا فِي ملكه الْخَاص بِهِ أَو فِي طَرِيق الْعَامَّة وَلَكِن بِإِذن ولي الْأَمر، فَوَقع فِيهَا حَيَوَان رجل، أَو وَقع فِيهَا إِنْسَان فَهَلَك، لَا يضمن حافر الْبِئْر شَيْئا.
وَكَذَا لَو خَالف فِي حفظ الْوَدِيعَة أَو اسْتِعْمَال الْمَأْجُور إِلَى مَا هُوَ مساوٍ كَمَا إِذا قَالَ: احفظها فِي الْبَيْت الْفُلَانِيّ من دَارك فحفظها فِي بَيت آخر مثله فِيهَا. أَو اسْتَأْجر الدَّابَّة ليحملها كراً معينا من حِنْطَة مثلا فحملها كراً من حِنْطَة أُخْرَى.
أَو خَالف إِلَى مَا هُوَ خير، كَمَا إِذا حفظ الْوَدِيعَة فِي بَيت أحصن من الَّذِي
عينه لَهُ الْمُودع، أَو اسْتَأْجر الدَّابَّة ليحملها كرّ حِنْطَة فحملها كرّ شعير أَو سمسم، فَتلفت الْوَدِيعَة أَو الْعين الْمُسْتَأْجرَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك (ر: الْموَاد / 605، 784، 924 من الْمجلة والمرآة) .
وَكَذَا لَو أَخذ الْوَكِيل بِالْبيعِ رهنا بِثمن مَا بَاعه فَهَلَك الرَّهْن لَا يضمن للْمُوكل وَسقط الدّين عَن المُشْتَرِي إِذا كَانَ مثل الثّمن (ر: الْمَادَّة / 1500 وَشَرحهَا من الْمرْآة) .
وَكَذَا لَو حبس الْأَجِير الْعين الَّتِي لعمله فِيهَا أثر لأجل الْأُجْرَة فَهَلَكت فِي يَده لَا يضمن الْعين وَسقط الْأجر لهلاكها قبل التَّسْلِيم للْمُسْتَأْجر.
وَكَذَا لَو فسخت الْإِجَارَة فحبس الْمُسْتَأْجر الْعين المأجورة لقبض مَا كَانَ عجله من الْأُجْرَة فَهَلَكت الْعين فِي يَده لَا يضمن وَلَا يسْقط مَا عجله (ر: التَّنْوِير من الْإِجَارَة) .
وَكَذَا لَو أنْفق الْمُلْتَقط بِأَمْر القَاضِي ليرْجع بِمَا أنْفق على صَاحبهَا، ثمَّ طلبَهَا رَبهَا فَمنعهَا مِنْهُ ليَأْخُذ النَّفَقَة فَهَلَكت بعد مَنعه لَا يضمن وَلَا تسْقط النَّفَقَة على الْمُعْتَمد، وَذَلِكَ لِأَن كل مَا ذكر من الْأَعْمَال جَائِز، وَالْجَوَاز الشَّرْعِيّ يُنَافِي الضَّمَان.
وَأما إِذا كَانَ الْأَمر الْمُبَاح تركا فَكَمَا إِذا امْتنع الْوَكِيل بِالْبيعِ أَو الشِّرَاء عَن فعل مَا وكل بِهِ حَتَّى هلك فِي يَده الْمَبِيع أَو الثّمن. أَو امْتنع الْمضَارب عَن الْعَمَل فِي رَأس مَال الْمُضَاربَة بعد أَن قَبضه حَتَّى هلك فِي يَده، أَو أخر إِنْسَان عِنْده المَال الْمَدْفُوع إِلَيْهِ ليوصله إِلَى آخر، أَو ليقضي بِهِ دين الدَّافِع حَتَّى هلك عِنْده فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِم، لِأَن امْتنَاع من ذكر جَائِز، وَالْجَوَاز يُنَافِي الضَّمَان.
ثمَّ إِنَّمَا شرطنا لعدم الضَّمَان أَن لَا يكون الْفِعْل الْجَائِز مُقَيّدا بِشَرْط السَّلامَة، وَأَن لَا يكون عبارَة عَن إِتْلَاف مَال الْغَيْر لأجل نَفسه، ليخرج مَا لَو تلف بمروره بِالطَّرِيقِ الْعَام شَيْء، أَو أتلفت دَابَّته بِالطَّرِيقِ الْعَام شَيْئا بِيَدِهَا أَو فمها، وَهُوَ راكبها أَو سائقها أَو قائدها، فَيضمن. لِأَن مروره ذَلِك وَإِن كَانَ مُبَاحا لكنه مُقَيّد بِشَرْط السَّلامَة (ر: الْمَادَّة / 926، 923، 933 من الْمجلة) .
وليخرج الْمُضْطَر لأكل طَعَام الْغَيْر فَإِنَّهُ يضمن قِيمَته (ر: مَا تقدم فِي الْمَادَّة / 33) . وليخرج مَا لَو هدم دَار جَاره وَقت الحرق لمنع سريان الْحَرِيق بِغَيْر إِذن ولي الْأَمر وَبِغير إِذن صَاحبهَا، فَإِنَّهُ يجوز لَهُ ذَلِك وَيضمن قيمتهَا معرضة للحريق (ر: الْمَادَّة / 919 من الْمجلة والمرآة) لِأَنَّهُ فعل ذَلِك الْهدم لأجل نَفسه.
ثمَّ إِن مَفْهُوم الْقَاعِدَة أَن عدم الْجَوَاز الشَّرْعِيّ لَا يُنَافِي الضَّمَان وَلَا يأباه، وَلَكِن هَل يستلزمه أَو لَا يستلزمه؟ مَحل نظر. وَقد صرح فِي رد الْمُحْتَار (أَوَائِل اللّقطَة) بِأَن الْإِثْم لَا يسْتَلْزم الضَّمَان، وَقَالَ: وَاسْتدلَّ لَهُ فِي الْبَحْر بِمَا قَالُوا: لَو منع الْمَالِك عَن أَمْوَاله حَتَّى هَلَكت يَأْثَم وَلَا يضمن.
أَقُول: وَيدل لَهُ أَيْضا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْإِكْرَاه من أَنه لَو أكره بملجئ على قتل الْغَيْر أَو قطع عضوه لَا يحل لَهُ الْإِقْدَام. فَلَو فعل فالقصاص على الْمُكْره (بِالْكَسْرِ) وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا لَو دلّ وَارِث الْمُودع السَّارِق على الْوَدِيعَة فسرقها، فَإِنَّهُ لَا يضمن (كَمَا تقدم فِي الْكَلَام على الْمَادَّة السَّابِقَة) .
وكما لَو قصر الْمُتَوَلِي فِي مُطَالبَة الْمُسْتَأْجر بِالْأُجْرَةِ حَتَّى اجْتمع عَلَيْهِ مَال كثير فهرب لَا يضمن (ر: الْفَتَاوَى الانقروية، من الْوَقْف، الْبَاب الثَّامِن) .
وَكَذَا لَو قصر الْمُتَوَلِي فِي رفع الْمُسْتَأْجر للْحَاكِم لإبلاغ الْأُجْرَة إِلَى أجر الْمثل إِذا كَانَ الْمُسْتَأْجر مُمْتَنعا عَن دَفعهَا، مَعَ قدرته على رَفعه، لَا يضمن (ر: الْأَشْبَاه، من الْوَقْف) .
وكما لَو أودع اثْنَان مثلِيا عِنْد آخر لم يجز لَهُ أَن يدْفع لأَحَدهمَا حِصَّة مِنْهُ بغيبة الآخر، وَلَو دفع لَا يضمن اسْتِحْسَانًا، وَرجحه فِي الْبَحْر، وَاخْتَارَ النَّسَفِيّ والمحبوبي الضَّمَان (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الْوَدِيعَة) .
وكما لَو سعى بِبَرِيءٍ إِلَى ظَالِم قد يغرم وَقد لَا يغرم.
فَكل مَا ذكر من هَذِه الْأَعْمَال غير جَائِز شرعا وَلم يوجبوا بِهِ ضمانا.
وكما لَو وجد اللّقطَة، وَقد أَمن من نَفسه تَعْرِيفهَا، وَكَانَت بمعرض الضّيَاع، فَلم يعرفهَا، فَإِنَّهُ يَأْثَم وَلَا يضمن لَو ضَاعَت على الْمُعْتَمد (ر: الدّرّ وحاشيته، من اللّقطَة) .
(ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى)
خرج عَن الْقَاعِدَة مسَائِل: مِنْهَا: أَن الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ لَهُ حبس الْمَبِيع عَن مُوكله، حَتَّى يقبض مِنْهُ الثّمن، وَلَكِن لَو هلك الْمَبِيع فِي يَده، وَالْحَالة هَذِه، يلْزم الْوَكِيل الثّمن. (ر: الْمَادَّة / 1492) .
وَمِنْهَا: مَا لَو استغل أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي الْكَرم أثماره وباعها حِين غيبَة شَرِيكه فَإِن عمله هَذَا جَائِز، وَلَكِن إِذا حضر شَرِيكه فَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يُجِيز البيع وَيَأْخُذ الثّمن وَبَين أَن يضمنهُ حِصَّته (ر: الْمَادَّة / 1086) .
وَمِنْهَا: مَا لَو مَاتَ رَفِيقه فِي السّفر وَلَا قَاضِي، فَلهُ بيع أمتعته وَحفظ ثمنهَا لوَرثَته، وَالْوَرَثَة بِالْخِيَارِ بَين أَن يجيزوا البيع ويأخذوا الثّمن، أَو يَأْخُذُوا مَا وجدوا ويضمنوا مَا لم يَجدوا.
وَمِنْهَا: مَا لَو تصدق الْمُلْتَقط باللقطة بعد تَعْرِيفهَا زَمنا كَافِيا ثمَّ جَاءَ صَاحبهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَن يُجِيز تصدقه أَو يضمنهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من اللّقطَة) .
وَمِنْهَا: مَا جَاءَ فِي الْمَادَّة / 919 من الْمجلة والمرآة، وقدمناه فِي الْكَلَام على الْمَادَّة / 26 من أَنه وَقع حريق فِي محلّة فهدم رجل بَيت جَاره لمنع سريان الْحَرِيق بِلَا إِذن الْجَار أَو ولي الْأَمر، ثمَّ انْقَطع الْحَرِيق ضمن قيمتهَا وَهِي فِي حَالَة الْحَرِيق لَا كَامِلَة، وَلَا يكون آثِما فِي فعله على كل حَال.