الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة
(الْمَادَّة / 3))
("
الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني، لَا للألفاظ والمباني
")
(أَولا _ الشَّرْح)
[" الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني لَا للألفاظ والمباني "] كَمَا فِي الْبَاب الموفي أَرْبَعِينَ من معِين الْحُكَّام، لَكِن بِلَفْظ فِي التَّصَرُّفَات بدل الْعُقُود، وَهُوَ أَعم من التَّعْبِير بِالْعُقُودِ، فَيشْمَل الدَّعَاوَى كَمَا سَيَأْتِي عَن أصُول الْكَرْخِي:" وَلذَا يجْرِي حكم الرَّهْن فِي بيع الْوَفَاء ".
هَذِه الْقَاعِدَة بِالنِّسْبَةِ للَّتِي قبلهَا كالجزئي من الْكُلِّي، فَتلك عَامَّة وَهَذِه خَاصَّة فتصلح أَن تكون فرعا مِنْهَا.
وَالْمرَاد بالمقاصد والمعاني: مَا يَشْمَل الْمَقَاصِد الَّتِي تعينها الْقَرَائِن اللفظية الَّتِي تُوجد فِي عقد فتكسبه حكم عقد آخر كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا فِي انْعِقَاد الْكفَالَة بِلَفْظ الْحِوَالَة، وانعقاد الْحِوَالَة بِلَفْظ الْكفَالَة، إِذا اشْترط فِيهَا بَرَاءَة الْمَدْيُون عَن الْمُطَالبَة، أَو عدم بَرَاءَته.
وَمَا يَشْمَل الْمَقَاصِد الْعُرْفِيَّة المرادة للنَّاس فِي اصْطِلَاح تخاطبهم، فَإِنَّهَا مُعْتَبرَة فِي تعْيين جِهَة الْعُقُود، فقد صرح الْفُقَهَاء بِأَنَّهُ يحمل كَلَام كل إِنْسَان على لغته وعرفه وَإِن خَالَفت لُغَة الشَّرْع وعرفه:(ر: رد الْمُحْتَار، من الْوَقْف عِنْد الْكَلَام على قَوْلهم: وَشرط الْوَاقِف كنص الشَّارِع) .
وَمن هَذَا الْقسم مَا ذَكرُوهُ من انْعِقَاد بعض الْعُقُود بِأَلْفَاظ غير الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة لَهَا مِمَّا يُفِيد معنى تِلْكَ الْعُقُود فِي الْعرف، كانعقاد البيع وَالشِّرَاء بِلَفْظ
الْأَخْذ والإعطاء. (ر: مَادَّة / 169 و 172 / من الْمجلة) ، وَكَذَا انْعِقَاد شِرَاء الثِّمَار على الْأَشْجَار بِلَفْظ " الضَّمَان " فِي عرفنَا الْحَاضِر.
(ثَانِيًا _ التطبيق)
1 -
إِن جَرَيَان حكم الرَّهْن فِي بيع الْوَفَاء لَيْسَ فِي جَمِيع الْأَحْكَام بل فِي بَعْضهَا، وَبَيَان ذَلِك أَنه اخْتلف فِي بيع الْوَفَاء فَقيل هُوَ بيع صَحِيح، وَقيل بيع فَاسد، وَقيل هُوَ رهن. والمفتى بِهِ هُوَ القَوْل الْجَامِع، وَعَلِيهِ جرت الْمجلة فِي الْمَادَّة / 118 / وَهُوَ أَن بيع الْوَفَاء لَهُ شبه بِالْبيعِ الصَّحِيح، وَشبه بالفاسد، وَشبه بِالرَّهْنِ، وَله من كل شبه بعض أَحْكَام الْمُشبه بِهِ.
وَلَا مَانع من أَن يكون للْعقد الْوَاحِد أَكثر من حكم وَاحِد بِاعْتِبَار الْمَقْصُود مِنْهُ، كَالْهِبَةِ بِشَرْط الْعِوَض كَمَا سَيَأْتِي.
وكقرض القيمي، فَإِنَّهُ قرض من وَجه بِحَيْثُ يملكهُ الْمُسْتَقْرض بِالْقَبْضِ، وعارية من وَجه حَيْثُ إِنَّه يجب رد عينه على الْمقْرض كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على هَذِه الْمَادَّة نقلا عَن رد الْمُحْتَار أول فصل الْقَرْض.
وكالمضاربة، فَإِن المَال عِنْد الْمضَارب أَمَانَة، فَإِذا تصرف فَهُوَ وَكيل، فَإِذا ربح فَهُوَ شريك، فَإِذا فَسدتْ فَهُوَ أجِير إِجَارَة فَاسِدَة، فَإِذا خَالف فَهُوَ غَاصِب. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّلَاثِينَ، صفحة / 61) .
وكالاستصناع، فَإِن لَهُ شبها بِالْبيعِ، وشبهاً بِالْإِجَارَة، فَإِنَّهُ إِذا وَقع على مَا جرى فِيهِ تعامل وَلم يُؤَجل أَو أجل دون أجل السّلم على وَجه الاستعجال كَانَ لَهُ شبهان، شبه بِالْبيعِ بِخِيَار للمتبايعين حَتَّى إِن لكل مِنْهُمَا فَسخه، وَشبه بِالْإِجَارَة حَتَّى إِنَّه يبطل بِمَوْت الصَّانِع.
وَثُبُوت الْخِيَار لَهما قبل الْعَمَل لَا خلاف فِيهِ عندنَا، وَأما بعد الْعَمَل فثبوته لَهما هُوَ الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب، وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف لُزُومه بِلَا خِيَار لأحد الْمُتَعَاقدين. (ر: الْبَدَائِع، كتاب الاستصناع، والدر الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، أَوَاخِر بَاب السّلم) .
وعَلى هَذَا فَمَا جرت عَلَيْهِ الْمجلة فِي الْمَادَّة / 392 / من أَن الاستصناع ينْعَقد لَازِما لَيْسَ مذهبا لأحد من أَئِمَّتنَا، وَمَا ذكرته فِي الْمقَالة الأولى من الْمُقدمَة من أَنَّهَا جرت فِيهَا على قَول أبي يُوسُف لَيْسَ بِصَحِيح، لما سَمِعت من أَنه لَا خلاف لأحد من أَئِمَّتنَا فِي ثُبُوت الْخِيَار لكل مِنْهُمَا قبل الْعَمَل، إِنَّمَا الْخلاف بعد الْعَمَل.
كَمَا إِنَّهَا جرت أَيْضا قبل ذَلِك فِي الْمَادَّة / 389 / على مَا ظَاهره بفيد صِحَة الاستصناع فِيمَا لَا تعامل فِيهِ، وَلم أره قولا لأحد فِي الْمَذْهَب، بل الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْمُتُون أَنه لَا يَصح استصناعاً وَلَكِن إِذا استوفى شَرَائِط السّلم يكون سلما.
فَأَما شبه بيع الْوَفَاء بِالْبيعِ الصَّحِيح: (أ) فَمن جِهَة أَنه لَو كَانَ بِالدّينِ كَفِيل فشرى الطَّالِب بِهِ عقار الْمَدْيُون وَفَاء بطلت الْكفَالَة ثمَّ لَا تعود لَو تفاسخا بيع الْوَفَاء. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر، صفحة / 247) .
(ب) وَمن جِهَة أَن المُشْتَرِي لَهُ أَن ينْتَفع بِالْبيعِ وَفَاء وَيملك من زوائده مَا قَابل مُدَّة بَقَائِهِ فِي يَده بِحكم البيع، وَلَا يضمنهَا بإتلافها، حَتَّى لَو بَاعَ إِنْسَان بستاناً مثلا وَفَاء ثمَّ فسخ البيع بعد مُضِيّ بعض السّنة تقسم الْغلَّة بِالْحِصَّةِ على اثْنَي عشر شهرا، فَيَأْخُذ المُشْتَرِي حِصَّة مَا مضى سَوَاء كَانَت ظَهرت فِيهِ الْغلَّة أَو لَا، وَلَو لم يخرج الثَّمر أصلا فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يَأْخُذ من البَائِع شَيْئا، وَلَو أدْركْت الْغلَّة وَأَخذهَا المُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ نقض البيع وَطلب الثّمن حَتَّى تتمّ السّنة من وَقت البيع، إِلَّا إِذا أَرَادَ أَن يَأْخُذ من الْغلَّة نصيب مَا مضى وَيتْرك عَلَيْهِ نصيب مَا بَقِي فَلهُ ذَلِك. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر) .
(ج) وَمن جِهَة أَنه يجوز إِجَارَته للْبَائِع بعد الْقَبْض وَتلْزَمهُ الْأُجْرَة، أما لَو آجر قبل قَبضه فقد نقل فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ، عَن شيخ الْإِسْلَام برهَان الدّين وَعَن فَوَائِد بعض الْمُتَأَخِّرين وَعَن أبي الْفضل الْكرْمَانِي، أَنه يجوز، وَنقل عَن مُحِيط الديناري أَن الْأَصَح عدم الْجَوَاز وَأَنه بِهِ يُفْتى، وأدلة كل من الْقَوْلَيْنِ مبسوطة هُنَاكَ.
غير أَن الْعرف جارٍ الْيَوْم على إِجَارَته من البَائِع قبل قَبضه، فَلَو أفتى مفتٍ
بِالْجَوَازِ بِنَاء على القَوْل بِهِ كَانَ حسنا، لِأَن هَذَا القَوْل لَيْسَ بضعيف لِأَنَّهُ مُقَابل للأصح فَيكون صَحِيحا، على أَن الْعرف يصلح أَن يكون مُخَصّصا شرعا فِي مثل هَذَا، كَمَا يُسْتَفَاد مِمَّا سَيَأْتِي فِي كلامنا على الْمَادَّة / 36 /.
وَأما شبهه بِالْبيعِ الْفَاسِد: فَمن جِهَة أَن كلا من الْمُتَبَايعين يملك فَسخه واسترداد مَا دَفعه وَإِن لم يرض الآخر.
وَأما شبهه بِالرَّهْنِ: (أ) فَمن جِهَة أَنه لَيْسَ للْبَائِع وَلَا للْمُشْتَرِي بيع مَبِيع الْوَفَاء للْغَيْر إِلَّا بِإِذن الآخر.
(ب) وَأَن الْعقار الْمَبِيع بِالْوَفَاءِ لَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة.
(ج) وَأَنه لَو بيع عقار بجانبه فَالشُّفْعَة فِيهِ للْمَالِك وَهُوَ البَائِع، لَا للْمُشْتَرِي. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر) .
(د) وَأَنه لَو مَاتَ البَائِع وَفَاء فَلَيْسَ لسَائِر الْغُرَمَاء التَّعَرُّض مَا لم يسْتَوْف المُشْتَرِي دينه.
(هـ) وَأَن الْمَبِيع وَفَاء إِذا هلك فِي يَد المُشْتَرِي من غير تعد مِنْهُ ضمنه ضَمَان الرَّهْن، فَإِن كَانَت قِيمَته مُسَاوِيَة للدّين سقط الدّين بمقابلته، وَإِن كَانَت نَاقِصَة عَن الدّين سقط من الدّين بِقدر قِيمَته واسترد المُشْتَرِي الْبَاقِي من البَائِع، وَإِن كَانَت قِيمَته زَائِدَة على الدّين سقط مِنْهَا مِقْدَار الدّين، وَمَا زَاد من قِيمَته عَن مِقْدَار الدّين يعْتَبر أَمَانَة فِي يَد المُشْتَرِي. فَإِن كَانَ هَلَاك الْمَبِيع بتعد من المُشْتَرِي كَانَ مَا زَاد من الْقيمَة مَضْمُونا عَلَيْهِ أَيْضا. (ر: الْموَاد / 118 و 396 و 397 و 399 و 403) .
وَلم أر حكم مَا لَو انْتقض بعض الْبناء أَو يبس بعض الْأَشْجَار فِي بيع الْوَفَاء، لمن يكون النَّقْض أَو الْحَطب، وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا للْمَالِك، لِأَنَّهُ عين الْمَبِيع أَو وصف فِيهِ وَأَنه مَمْلُوك لَهُ بأجزائه وأوصافه وَلَيْسَ مَنْفَعَة من مَنَافِعه، وَيكون
للْمُشْتَرِي حق حَبسه إِلَى اسْتِيفَاء الثّمن، لِأَنَّهُ شَبيه بِالرَّهْنِ من جِهَة حق الْحَبْس عِنْد المُشْتَرِي وَحقّ الِاسْتِرْدَاد للْبَائِع عِنْد أَدَاء الثّمن.
ويفترق بيع الْوَفَاء عَن الرَّهْن فِي أُمُور: (أ) مِنْهَا أَن بيع الْوَفَاء يَصح فِي الْمشَاع وَلَو كَانَ يحْتَمل الْقِسْمَة.
(ب) وَأَن البَائِع وَفَاء إِذا رد للْمُشْتَرِي نصف الثّمن الَّذِي قَبضه يَنْفَسِخ البيع فِي نصف الْمَبِيع فيتمكن حِينَئِذٍ من بيع النّصْف للْغَيْر بِلَا إجَازَة المُشْتَرِي. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، بيع الْوَفَاء) . وَوَضعه الْمَسْأَلَة فِي النّصْف غير احترازي كَمَا هُوَ ظَاهر.
(ج) وَأَن الْمَبِيع وَفَاء تصح إِجَارَته من البَائِع وَمن غَيره كَمَا تقدم، بِخِلَاف الرَّهْن فَإِن إِجَارَته من الرَّاهِن لَا تصح بل تكون إِعَارَة وللمرتهن اسْتِرْدَاده مِنْهُ وحبسه بِالدّينِ، وَأما إِجَارَته من غير الرَّاهِن فَإِذا بَاشَرَهَا أَحدهمَا من رَاهن أَو مُرْتَهن بِإِذن الآخر خرج بهَا عَن الرَّهْن ثمَّ لَا يعود إِلَّا بِعقد رهن جَدِيد:(ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) . وَإِذ خرج عَن الرَّهْن لَا يكون بدل الْإِجَارَة رهنا بدله، لِأَن الْأُجْرَة بدل الْمَنْفَعَة لَا الْعين، بِخِلَاف مَا إِذا بَاعه أَحدهمَا من رَاهن أَو مُرْتَهن بِإِذن الآخر حَيْثُ يخرج من الرَّهْن وَيكون الثّمن رهنا بدله، لِأَنَّهُ بدل الْعين. (ر: الدُّرَر، والدر الْمُخْتَار، بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) .
وَالْفرق بَين إِجَارَة الْمُرْتَهن الرَّهْن للرَّاهِن وَبَين إِجَارَة أَحدهمَا من أَجْنَبِي بِإِذن الآخر _ حَيْثُ تكون الْإِجَارَة فِي الأولى عَارِية أَو وَدِيعَة لَا يخرج بهَا عَن الرَّهْن، بل يستعيده مِنْهُ ويحبسه بِالدّينِ، وَفِي الثَّانِيَة يخرج عَن الرَّهْن ثمَّ لَا يعود إِلَّا بِعقد جَدِيد _ هُوَ أَن الْإِجَارَة من الْعُقُود اللَّازِمَة، والعقود إِنَّمَا ترَاد وتقصد لأحكامها، وَحكم الْإِجَارَة ملك الْمُسْتَأْجر للِانْتِفَاع بالمأجور وَاسْتِحْقَاق الْمَالِك للأجرة، وكل من الْحكمَيْنِ مُتَوَقف على نَزعه من يَد الْمُرْتَهن وتسليمه للْمُسْتَأْجر، إِذْ بِدُونِ ذَلِك لَا يتَمَكَّن من الِانْتِفَاع وَإِذا لم يتَمَكَّن من الِانْتِفَاع لَا تجب الْأُجْرَة عَلَيْهِ.
فَحَيْثُ بَاشر الْمُرْتَهن هَذَا العقد إِلَى ثَالِث بِإِذن الْمَالِك، وَهُوَ الرَّاهِن، أَو أذن بِهِ للرَّاهِن فَفعله اسْتحق الْمُسْتَأْجر عَلَيْهِ نَزعه من يَده وَوضع يَده عَلَيْهِ بِحكم هَذَا العقد اللَّازِم، وَسقط حَقه فِي حَبسه بِالدّينِ، وَإِذا سقط لَا يعود إِلَّا بِعقد رهن جَدِيد، هَكَذَا ظهر لي فِي وَجه الْفرق، ثمَّ رَأَيْته بِهَذَا الْمَعْنى فِي مَبْسُوط السَّرخسِيّ. (ر: الْمَبْسُوط، كتاب الرَّهْن، بَاب رهن الْحَيَوَان، ج / 21 / صفحة / 108 وَغَيرهَا من الْبَاب الْمَذْكُور) .
بِخِلَاف إِجَارَته من الرَّاهِن، فَإِنَّهُم صَرَّحُوا ببطلانها، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون عين الرَّهْن ملكا لَهُ، وَالْإِنْسَان لَا يُمكن أَن يسْتَأْجر مَا هُوَ ملكه، وَإِذا بطلت كَانَ وجودهَا كَالْعدمِ فَلم يبْق إِلَّا مُجَرّد تَسْلِيم الْمُرْتَهن الرَّهْن للرَّاهِن بِوَجْه غير مُسْتَحقّ عَلَيْهِ وَلَا وَاجِب، وَهَذَا لَا يُوجب سُقُوط حَقه فِي حبس الرَّهْن فَلِذَا كَانَ لَهُ اسْتِرْدَاده مِنْهُ وإعادته إِلَى يَده بِحكم الرَّهْن. إِن هَذِه الْقَاعِدَة تجْرِي فِي كثير من الْعُقُود، غير (1) بيع الْوَفَاء، فتجري:(2، 3) بَين الْكفَالَة وَالْحوالَة، (4) وَبَين البيع وَالْهِبَة، (5) وَبَين الْهِبَة وَالْإِجَارَة، [ (6) وَبَين الْهِبَة وَالْإِقَالَة] ، (7) وَبَين الْهِبَة وَالْقِسْمَة، (8) وَبَين الْمُضَاربَة وَالْقَرْض والبضاعة، (9) وَبَين الصُّلْح وَغَيره من الْعُقُود، (10) وَبَين الْوِصَايَة وَالْوكَالَة، (11) وَبَين الْعَارِية وَالْقَرْض، (12) وَبَين الْعَارِية وَالْإِجَارَة، (13) وَبَين الْإِقَالَة وَالْبيع فِي حق غير الْمُتَبَايعين، (14) وَبَين الشُّفْعَة وَالْبيع، (15) وَبَين الْإِقْرَار وَالْبيع، وَكثير غَيرهَا.
2 -
أما الْكفَالَة فَهِيَ ضم ذمَّة إِلَى ذمَّة فِي الْمُطَالبَة، فَإِذا اشْترط فِيهَا بَرَاءَة الْمَدْيُون عَن الْمُطَالبَة تعْتَبر حِوَالَة فَيشْتَرط حِينَئِذٍ فِيهَا مَا يشْتَرط فِي الْحِوَالَة، وَلَا يُطَالب الدَّائِن إِلَّا الْكَفِيل فَقَط، وَلَا يرجع على الْمَكْفُول عَنهُ إِلَّا إِذا توي المَال، أَي هلك، عِنْد الْكَفِيل، وَذَلِكَ بِأَن يجْحَد الْكفَالَة مَعَ عجز الدَّائِن عَن إِثْبَاتهَا وَيحلف عِنْد تَكْلِيف الْحَاكِم لَهُ الْيَمين، أَو يَمُوت الْكَفِيل مُفلسًا، أَو يفلسه الْحَاكِم فَحِينَئِذٍ يرجع الدَّائِن على الْمَدْيُون الْمَكْفُول.
3 -
وَكَذَلِكَ الْحِوَالَة، وَهِي نقل الدّين من ذمَّة الْمُحِيل إِلَى ذمَّة الْمحَال
عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا إِذا اشْترط فِيهَا عدم بَرَاءَة الْمُحِيل عَن الْمُطَالبَة تعْتَبر كَفَالَة، فَيشْتَرط فِيهَا مَا يشْتَرط فِي الْكفَالَة، وَيُطَالب الْمحَال كلا من الْمُحِيل والمحال عَلَيْهِ. (ر: الْمَادَّة / 148 و 149 من الْمجلة) . وَكَذَا لَو ادّعى كَفَالَة وَأقَام شَاهِدين شهد أَحدهمَا بِالْكَفَالَةِ وَشهد الآخر بالحوالة تقبل وَتثبت الْكفَالَة، لِأَنَّهَا أقل، وَهَذَانِ اللفظان جعلا كلفظة وَاحِدَة. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، آخر الْفَصْل الْحَادِي عشر) .
4 -
وَأما الْهِبَة فَإِنَّهَا إِذا شَرط فِيهَا تعويض الْوَاهِب تصح وَتعْتَبر هبة ابْتِدَاء وبيعاً انْتِهَاء، فبالنظر لكَونهَا هبة يشْتَرط لصحتها شُرُوط الْهِبَة، فَلَا تصح من الصَّغِير وَلَو كَانَ الْعِوَض كثيرا. (ر: تأسيس النّظر للدبوسي) ، وَكَذَا لَا تصح من وليه وَلَو بعوض مَا. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْهِبَة) ، وَيجب فِيهَا التَّقَابُض فِي الْعِوَضَيْنِ، وَلَا تصح فِي مشاعٍ يحْتَمل الْقِسْمَة وَلَا فِيمَا هُوَ مُتَّصِل بِغَيْرِهِ اتِّصَال الْأَجْزَاء أَو مَشْغُول بِغَيْرِهِ، كَمَا لَو وهب الزَّرْع دون الأَرْض أَو الأَرْض دون الزَّرْع أَو الثَّمر دون الشّجر أَو الشّجر دون الثَّمر، لِأَن ذَلِك فِي معنى الْمشَاع، إِلَى غير ذَلِك من شَرَائِط الْهِبَة.
وبالنظر لكَونهَا بيعا لَا يَصح الرُّجُوع فِيهَا، وَيجْرِي فِيهَا الرَّد بِالْعَيْبِ وَخيَار الرُّؤْيَة، وَتُؤْخَذ بِالشُّفْعَة. أما اشْتِرَاط كَون الْعِوَض مَعْلُوما فَفِيهِ خلاف، وَظَاهر مِثَال الْمَادَّة / 855 / من الْمجلة اشْتِرَاط علمه.
وَهَذَا التَّفْصِيل فِيمَا إِذا قَالَ الْوَاهِب: وَهبتك بِشَرْط أَن تعوض كَذَا، أما لَو قَالَ: وَهبتك بِكَذَا دَرَاهِم مثلا كَانَت بيعا ابْتِدَاء وانتهاءً. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْهِبَة) .
5 -
وكما تكون هبة الْعين بِشَرْط الْعِوَض بيعا، على الْوَجْه المشروح، تكون هبة الْمَنْفَعَة بِشَرْط الْعِوَض إِجَارَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم، كتاب الْبيُوع) .
6 -
وَقد تعْتَبر الْهِبَة إِقَالَة، كَمَا لَو وهب المُشْتَرِي الْمَبِيع الْمَنْقُول من البَائِع قبل قَبضه مِنْهُ كَانَ إِقَالَة إِذا قبل البَائِع الْهِبَة، وَيسْتَرد المُشْتَرِي مِنْهُ حِينَئِذٍ الثّمن،
لِأَن تصرف المُشْتَرِي فِي الْمَنْقُول قبل قَبضه من البَائِع لَا يجوز، فَلَا يُمكن تَصْحِيح الْهِبَة، بل تعْتَبر مجَازًا عَن الْإِقَالَة. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْبيُوع، أَوَائِل بَاب التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع وَالثمن. وَمن بَاب الْإِقَالَة فِي رد الْمُحْتَار) . وكما لَو وهب رب السّلم الْمُسلم فِيهِ من الْمُسلم إِلَيْهِ وَقبل الْهِبَة كَانَت الْهِبَة إِقَالَة. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب السّلم) لِأَن تصرف رب السّلم فِي الْمُسلم فِيهِ قبل قَبضه لَا يَصح فَكَانَ مجَازًا عَن الْإِقَالَة.
وكما تكون الْهِبَة فِي معنى البيع وَالشِّرَاء قد يكون الشِّرَاء هبة، فقد قَالَ فِي الدّرّ الْمُخْتَار (فِي الْفُرُوع آخر متفرقات الْبيُوع، عَن الْمُلْتَقط) : شرت لطفلها على أَن لَا ترجع عَلَيْهِ بِالثّمن جَازَ، وَهُوَ كَالْهِبَةِ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ فِي حَاشِيَته، نقلا عَن الْخَانِية: تكون الْأُم مشترية لنَفسهَا ثمَّ يصير هبة مِنْهَا لولدها الصَّغِير وصلَة، وَلَيْسَ لَهَا أَن تمنع المشري عَن وَلَدهَا الصَّغِير.
7 -
وَأما جريانها بَين الْقِسْمَة وَالْهِبَة فَكَمَا لَو أَمر أَوْلَاده أَن يقتسموا أرضه الْفُلَانِيَّة بَينهم وَأَرَادَ بِهِ التَّمْلِيك، فاقتسموها وتراضوا على هَذِه الْقِسْمَة تثبت لَهُم الْملك، وَلَا حَاجَة أَن يَقُول لَهُم جملَة: ملكتكم هَذِه الْأَرَاضِي، وَلَا أَن يَقُول لكل وَاحِد مِنْهُم، مَلكتك هَذَا النَّصِيب المفرز. (ر: رد الْمُحْتَار، عَن التَّتارْخَانِيَّة، قبيل الرُّجُوع فِي الْهِبَة، موضحاً) ، وكما لَو اقتسم الْوَرَثَة التَّرِكَة ذُكُورا وإناثاً على السوية صَحَّ بطرِيق الْهِبَة لَا الْإِرْث. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين، صفحة / 39) .
8 -
وَأما الْمُضَاربَة، فَإِنَّهَا إِذا شَرط فِيهَا أَن يكون كل الرِّبْح للْمُضَارب تعْتَبر قرضا، فَإِذا تلف المَال فِي يَد الْمضَارب يكون مَضْمُونا عَلَيْهِ. وَإِذا شَرط فِيهَا أَن يكون كل الرِّبْح لرب المَال تعْتَبر بضَاعَة _ وَهِي: أَن يكون المَال وَربحه لوَاحِد وَالْعَمَل من الآخر _ وَيكون المَال حِينَئِذٍ فِي يَد الْقَابِض أَمَانَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، كتاب الْبيُوع) .
9 -
وَأما الصُّلْح فَإِنَّهُ يعْتَبر بأقرب الْعُقُود إِلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا للْمُدَّعِي بالمدعى بِهِ أَو مُنْكرا
فَفِي حَالَة إِقْرَاره إِن وَقع الصُّلْح عَن مَال بِمَال يَدْفَعهُ الْمُدعى عَلَيْهِ يعْتَبر بيعا، فَيجْرِي فِي الْمُدعى بِهِ الرَّد بِالْعَيْبِ، وَيُؤْخَذ بِالشُّفْعَة إِن كَانَ عقارا. وَإِن وَقع عَن مَال بِمَنْفَعَة يعْتَبر إِجَارَة. وَإِن كَانَ الصُّلْح عَن دَعْوَى النِّكَاح يعْتَبر خلعاً فتجري فِيهِ أَحْكَام الْخلْع.
وَفِي حَالَة إِنْكَار الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا تصالحا على بدل يَدْفَعهُ الْمُدَّعِي يكون ذَلِك فِي حَقه صلحا مَحْضا لقطع الْمُنَازعَة، فَلَا يُمكنهُ بعد عقد الصُّلْح أَن يرد الْمُدعى بِهِ، أَي الْمصَالح عَنهُ، بِالْعَيْبِ، وَلَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة لَو كَانَ عقارا. أما فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُنكر، وَهُوَ الَّذِي قبض بدل الصُّلْح، فَإِن رَجَعَ عَن إِنْكَاره وَصدق الْمُدَّعِي أَو لم يرجع وَلَكِن برهن الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ كَانَ فِي حَقه أَيْضا بيعا فتترتب عَلَيْهِ أَحْكَام البيع من الرَّد بِخِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة لَو كَانَ الْبَدَل عقارا. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّلَاثِينَ، صفحة / 67) . وَهَذَا لَا يظْهر إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ صلحا مَحْضا كَمَا هُوَ ظَاهر. (ر: التَّنْبِيه الأول وَالثَّانِي الْآيَتَيْنِ فِي الْكَلَام على هَذِه الْقَاعِدَة) .
10 -
وَأما الْوِصَايَة وَالْوكَالَة فَكَمَا لَو أوصى الْإِنْسَان غَيره بِبيع شَيْء من مَاله فَإِن ذَلِك يكون وكَالَة، وَلَو وَكله بتنفيذ وَصيته بعد مَوته يكون ذَلِك وصاية. (ر: الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّة) .
11 -
وَكَذَلِكَ الْعَارِية وَالْقَرْض، فَإِن إِعَارَة مَا يجوز قرضه، كالنقود والمثليات، تعْتَبر قرضا. (ر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة) . وَكَذَا قرض مَا لَا يجوز قرضه، كالقيمي، يعْتَبر عَارِية، لَكِن من جِهَة أَنه يجب رد عينه لَا من جَمِيع الْوُجُوه، لِأَنَّهُ فِي هَذِه الصُّورَة يملك بِالْقَبْضِ وَيكون مَضْمُونا كالقرض الْمَحْض. (ر: رد الْمُحْتَار، أول الْقَرْض) . 12 - وَأما جريانها بَين الْعَارِية وَالْإِجَارَة فَكَمَا لَو قَالَ رجل لآخر: أعرتك دَاري هَذِه مثلا شهرا بِكَذَا كَانَ إِجَارَة. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه، أَوَائِل كتاب الْإِجَارَة) .
13 -
وَأما جريانها بَين الْإِقَالَة وَالْبيع فَكَمَا لَو بَاعَ الْمَوْهُوب لَهُ الْعين