الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(غ / ب) وَمِنْهَا: مَا لَو كَانَت الْفُلُوس النافقة ثمنا فِي البيع، أَو كَانَت قرضا، فغلت أَو رخصت بعد عقد البيع أَو بعد دفع مبلغ الْقَرْض، فَعِنْدَ أبي يُوسُف: تجب عَلَيْهِ قيمتهَا يَوْم عقد البيع وَيَوْم دفع مبلغ الْقَرْض (ر: رد الْمُحْتَار، من أَوَائِل كتاب الْبيُوع، عِنْد قَول الْمَتْن: وَصَحَّ بِثمن حَال ومؤجل إِلَى مَعْلُوم، وَبِخِلَاف جنسه) وَنقل هُنَاكَ تَرْجِيحه عَن الكثيرين، فقد أوجبوا قيمَة الْفُلُوس النافقة يَوْم البيع، وَقيمتهَا يَوْم دفع الْقَرْض، فِي صُورَة مَا إِذا غلت، دفعا للضَّرَر عَن المُشْتَرِي والمستقرض، وأوجبوا قيمتهَا كَذَلِك فِي صُورَة مَا إِذا كسدت أَو رخصت، دفعا للضَّرَر عَن البَائِع والمقرض.
هَذَا وَالَّذِي يظْهر أَن الْوَرق النقدي الْمُسَمّى الْآن بالورق السوري الرائج فِي بِلَادنَا الْآن، وَنَظِيره الرائج فِي الْبِلَاد الْأُخْرَى، هُوَ مُعْتَبر من الْفُلُوس النافقة، وَمَا قيل فِيهَا من الْأَحْكَام السَّابِقَة يُقَال فِيهِ، لِأَن الْفُلُوس النافقة هِيَ مَا كَانَ متخذاً من غير النَّقْدَيْنِ _ الذَّهَب وَالْفِضَّة _ وَجرى الِاصْطِلَاح على اسْتِعْمَاله اسْتِعْمَال النَّقْدَيْنِ، وَالْوَرق الْمَذْكُور: من هَذَا الْقَبِيل. وَمن يَدعِي تَخْصِيص الْفُلُوس النافقة بالمتخذ من الْمَعَادِن فَعَلَيهِ الْبَيَان.
(تَنْبِيه)
إِن مَا نَقَلْنَاهُ من أَحْكَام الْفُلُوس النافقة عَن " رد الْمُحْتَار " قد ذكره كَمَا ترى فِي صُورَتي البيع وَالْقَرْض، وَلَا يخفى أَن الثّمن فِي البيع والمبلغ الْمَدْفُوع فِي الْقَرْض يثبتان فِي ذمَّة المُشْتَرِي والمستقرض، وهما من المضمونات، وَالْحكم فِيهَا هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ.
أما لَو كَانَت الْفُلُوس النافقة معقوداً عَلَيْهَا ومدفوعة فِي عقد تعْتَبر فِيهِ أَمَانَة فِي يَد الْقَابِض، كالمضاربة، فَإِن رب المَال إِذا أَرَادَ اسْتِرْدَاد رَأس مَاله من الْمضَارب فَلهُ أَن يسْتَردّ مثله لَا غير، من غير أَن ينظر إِلَى غلاء أَو رخص، وَله أَن يقاسم الْمضَارب مَال الْمُضَاربَة وَيَأْخُذ مِنْهُ بِقِيمَة رَأس مَاله وَتعْتَبر فِيهِ الْقيمَة يَوْم الْقِسْمَة لَا يَوْم الدّفع، فقد نقل فِي كتاب الْمُضَاربَة من " رد الْمُحْتَار " قبيل المتفرقات، عَن الْقنية مَا لَفظه: أعطَاهُ دَنَانِير مُضَارَبَة ثمَّ أَرَادَ الْقِسْمَة، لَهُ أَن يَسْتَوْفِي دَنَانِير وَله أَن يَأْخُذ من المَال بِقِيمَتِهَا وَتعْتَبر بِقِيمَتِهَا يَوْم الْقِسْمَة لَا يَوْم
الدّفع. انْتهى. وَمَا ذكره من الحكم فِي الدَّنَانِير يجْرِي نَظِيره فِي الْفُلُوس النافقة بِالْأولَى، فَلَا تعْتَبر قيمتهَا يَوْم الدّفع إِذا غلت أَو رخصت، وَذَلِكَ لِأَن مَال الْمُضَاربَة أَمَانَة فِي يَد الْمضَارب، وَيَده عَلَيْهِ كيد رب المَال، فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا لَو كَانَ رَأس المَال بَاقِيا بِعَيْنِه تَحت يَده، فَلَا يلْزمه إِلَّا رده بِذَاتِهِ من غير نظر إِلَى غلاء أَو رخص، وَحَيْثُ صَار بِالصرْفِ الْمَأْذُون بِهِ عرُوضا فَلَا يلْزمه إِلَّا رد مثله إِن اخْتَار رب المَال ذَلِك، وَإِن أَرَادَ الْقِسْمَة مَعَ الْمضَارب يَأْخُذ بِقِيمَتِه يَوْم الْقِسْمَة لَا يَوْم الدّفع، إِذْ بِالدفع لَهُ لم يثبت فِي ذمَّته وَلم يدْخل فِي ضَمَانه.
وَقد ذكر السَّرخسِيّ فِي " الْمَبْسُوط " فِي الْجُزْء الثَّانِي وَالْعِشْرين مِنْهُ من بَاب الْمُضَاربَة بالعروض صفحة / 34 / فِيمَا لَو دفع رجل إِلَى آخر فُلُوسًا مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ فَاشْترى الْمضَارب بهَا ثوبا وَدفعهَا وَقبض الثَّوْب ثمَّ كسدت، فالمضاربة جَائِزَة على حَالهَا (وَاحْترز بقوله:" ثمَّ كسدت " عَمَّا إِذا كسدت قبل الشِّرَاء، فقد قدم فِي " الْمَبْسُوط " من الْبَاب الْمَذْكُور أَنَّهَا لَو كسدت قبل الشِّرَاء فَسدتْ الْمُضَاربَة) فَإِذا بَاعَ الثَّوْب بِدَرَاهِم أَو عرض فَهُوَ على الْمُضَاربَة، فَإِن ربح وَأَرَادُوا الْقِسْمَة أَخذ رب المَال قيمَة فلوسه يَوْم كسدت، لِأَنَّهُ لَا بُد من رد رَأس المَال إِلَيْهِ، وَرَأس المَال كَانَ فُلُوسًا رائجة، وَهِي للْحَال كاسدة، فقد تعذر رد مثل رَأس المَال، وَقد تحقق هَذَا التَّعَذُّر يَوْم الكساد فَتعْتَبر قيمتهَا فِي ذَلِك الْوَقْت. انْتهى مُلَخصا، وَقد نَقله فِي متفرقات الْمُضَاربَة فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة بأخصر من هَذَا.
فقد اعْتبر قيمَة الْفُلُوس يَوْم الكساد وَلم يعْتَبر قيمتهَا يَوْم العقد وَلَا يَوْم الدّفع كَمَا فِي البيع وَالْقَرْض. وَقَول الْمَبْسُوط: " فقد تعذر رد مثل رَأس المَال " يُفِيد أَنه لَو أمكن رد مثله بِأَن بقيت الْفُلُوس رائجة يرد مثلهَا فَقَط من غير نظر إِلَى غلاء أَو رخص.
وَقد صَارَت هَذِه الْقَضِيَّة حَادِثَة الْفَتْوَى، وسئلت عَنْهَا فأفتيت فِيهَا بذلك مُسْتَندا إِلَى النقلين الْمَذْكُورين، وَعلمت أَن غَيْرِي مِمَّن سئلوا أفتوا برد قيمتهَا يَوْم العقد فِي الْمُضَاربَة، بِغَيْر تَفْرِقَة بَين المضمونات والأمانات، بَيْنَمَا النَّقْل هُوَ مَا ذكرته، وَالله المرشد للصَّوَاب.