الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالتِّسْعُونَ
(الْمَادَّة / 99))
("
من استعجل الشَّيْء قبل أَوَانه عُوقِبَ بحرمانه
")
(أَولا _ الشَّرْح)
" من استعجل الشَّيْء " الَّذِي وضع لَهُ سَبَب عَام مطرد، وَطلب الْحُصُول عَلَيْهِ " قبل أَوَانه " أَي قبل وَقت حُلُول سَببه الْعَام، وَلم يستسلم إِلَى ذَلِك السَّبَب الْمَوْضُوع، بل عدل عَنهُ وَقصد تَحْصِيل ذَلِك الشَّيْء بِغَيْر ذَلِك السَّبَب قبل ذَلِك الأوان " عُوقِبَ بحرمانه " لِأَنَّهُ افتأت وَتجَاوز، فَيكون باستعجاله هَذَا أقدم على تَحْصِيله بِسَبَب مَحْظُور فيعاقب بحرمانه ثَمَرَة عمله الَّتِي قصد تَحْصِيلهَا بذلك السَّبَب الْخَاص الْمَحْظُور.
(ثَانِيًا _ التطبيق)
يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل: مِنْهَا: مَا لَو جَاءَت الْفرْقَة من قبل الزَّوْجَة بِسَبَب ردتها، فَلَيْسَ لَهَا أَن تتَزَوَّج بعد توبتها بِغَيْر زَوجهَا، وَبِه يفنى (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب الْمُرْتَد) وتجبر على تَجْدِيد العقد على زَوجهَا بِمهْر يسير، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب نِكَاح غير الْمُسلمين) وَذَلِكَ لرد عَملهَا عَلَيْهَا، فَإِن السَّبَب الْمَوْضُوع لحل عقدَة النِّكَاح بِالْوَجْهِ الْعَام مَنُوط بِالزَّوْجِ الَّذِي هُوَ قوام عَلَيْهَا، وَالَّذِي هُوَ أَحْرَى أَن يكون مَظَنَّة اسْتِعْمَال الروية وَالْحكمَة وتوخي الصَّوَاب فِيهِ، فَلَمَّا استحصلت على حل هَذِه الْعقْدَة بِهَذَا السَّبَب الْخَاص الْمَحْظُور، وَهُوَ المروق من
الدّين، عوقبت برد عَملهَا هَذَا عَلَيْهَا بحرمانها ثَمَرَته الخبيثة بِمَا ذكرنَا، حَتَّى إِن الدبوسي والصفار ومشايخ بَلخ وَبَعض مَشَايِخ سَمَرْقَنْد قَالُوا بِعَدَمِ وُقُوع الْفرْقَة أصلا بردتها زجرا لَهَا، قَالَ فِي النَّهر: وَهُوَ أولى. ثمَّ لَو مَاتَت فِي الرِّدَّة فعلى القَوْل الأول بِوُقُوع الْفرْقَة يَرِثهَا الزَّوْج إِذا كَانَت ردتها فِي الْمَرَض وَمَاتَتْ وَهِي فِي الْعدة لكَونهَا فارة، فَإِن الْفِرَار يتَحَقَّق من الزَّوْجَة كَمَا يتَحَقَّق من الزَّوْج (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من طَلَاق الْمَرِيض) . وعَلى قَول الدبوسي وَمن ذكر بعده يَرِثهَا مُطلقًا بِلَا قيد.
وَمِنْهَا: مَا لَو طلق امْرَأَته فِي مرض مَوته ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي الْعدة فَإِنَّهَا تَرث مِنْهُ ردا لعمله أَيْضا فَإِن السَّبَب الْعَام الَّذِي يمْنَع أحد الزَّوْجَيْنِ لَا على التَّعْيِين من إِرْثه من الآخر هُوَ تقدم مَوته، وَهَذَا يحْتَمل وُقُوعه عَلَيْهِ أَو عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَرَادَ الزَّوْج التنصل عَن هَذَا السَّبَب الْمَوْضُوع بِوَجْه عَام وَالْخُرُوج من دَائِرَة احْتِمَال وُقُوعه عَلَيْهِ دونهَا وَعمل على حصر عدم الْإِرْث فِي جَانبهَا بِهَذَا السَّبَب الْخَاص الْمَحْظُور اسْتِعْمَاله لمثل هَذَا الْمَقْصد السَّيئ عُوقِبَ برد عمله هَذَا عَلَيْهِ وحرمانه ثَمَرَته بتوريثها مِنْهُ.
وَمِنْهَا: مَا لَو بَاشر الْمُكَلف قتل مُوَرِثه أَو من أوصى لَهُ سَوَاء كَانَ قَتله لَهُ عمدا، وَهُوَ أَن يتَعَمَّد بِلَا حق وَلَا تَأْوِيل ضربه بِآلَة مفرقة للأجزاء، أَو شبه عمد، وَهُوَ: أَن يتَعَمَّد ضربه كَذَلِك بِغَيْر آلَة مفرقة للأجزاء وَلَكِن بِمَا يقتل غَالِبا فَيَمُوت من ضربه. فَإِن كلا القتلين يمْنَع الْإِرْث وَيبْطل الْوَصِيَّة. وَلَا يعسر بَعْدَمَا تقدم تَوْجِيه مَسْأَلَتي الْقَتْل الْعمد وَشبهه، على النسق الَّذِي وجهت بِهِ الْمسَائِل الْمُتَقَدّمَة.
وَأما الْقَتْل خطأ، كَأَن يَرْمِي الْمُكَلف صيدا مثلا فَيُصِيب آدَمِيًّا، أَو بِمَا جرى مجْرى الْخَطَأ، كمكلف نَائِم انْقَلب على غَيره فَقتله، فَلَيْسَ من فروع الْقَاعِدَة لعدم ظُهُور الاستعجال فِيهِ، وَإِنَّمَا امْتنع إِرْث الْمُكَلف فِيهِ لوُجُود الْمُبَاشرَة مِنْهُ بقتل مُوَرِثه مَعَه، وَلَا يشْتَرط فِي مُؤَاخذَة الْمُبَاشر أَن يكون مُتَعَمدا (ر: الْمَادَّة / 92) .