الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالْأَرْبَعُونَ
(الْمَادَّة / 46))
(إِذا تعَارض الْمَانِع والمقتضي يقدم الْمَانِع)
(أَولا: الشَّرْح)
إِذا تعَارض الْمَانِع والمقتضي يقدم الْمَانِع لِأَن اعتناء الشَّارِع بالمنهيات أَشد من اعتنائه بالمأمورات، لحَدِيث:(مَا نَهَيْتُكُمْ عَنهُ فَاجْتَنبُوهُ، وَمَا أَمرتكُم بِهِ فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) .
وَيَنْبَغِي أَن يُقيد إِطْلَاق قَاعِدَة تَقْدِيم الْمَانِع على الْمُقْتَضى بِمَا إِذا لم يرب الْمُقْتَضِي على الْمَانِع، بِأَن تَسَاويا، كَمَا فِي مَسْأَلَة بيع الرَّاهِن الْعين الْمَرْهُونَة المفرعة على الْمَادَّة تمثيلاً لَهَا، فَإِن الْمَانِع والمقتضي متساويان فِيهَا لتعلقهما بِالْمَالِ الْمَرْهُون على السوَاء، أَو رَبًّا الْمَانِع؛ كَمَا فِي مَسْأَلَة الْخُرُوج على الإِمَام الجائر إِذا كَانَ يَتَرَتَّب على الْخُرُوج عَلَيْهِ مفْسدَة أعظم من جوره، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يقدم الْمَانِع. أما إِذا رَبًّا الْمُقْتَضِي على الْمَانِع فَالظَّاهِر أَنه يقدم الْمُقْتَضِي، بِدَلِيل مَا ذكرُوا فِي الْمُضْطَر إِذا لم يجد مَا يدْفع بِهِ الْهَلَاك عَن نَفسه إِلَّا طَعَام الْغَيْر فَإِنَّهُ يجوز لَهُ تنَاوله جبرا عَلَيْهِ، وَيضمنهُ لَهُ، وتجويزهم التَّنَاوُل جبرا على الْمَالِك فِيهِ تَرْجِيح للمقتضي، وَهُوَ إحْيَاء المهجة، على الْمَانِع وَهُوَ كَون الطَّعَام ملك الْغَيْر، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الْمُقْتَضِي رابياً على الْمَانِع فَإِن حُرْمَة النَّفس أعظم من حُرْمَة المَال.
(ثَانِيًا: التطبيق)
يتَفَرَّع على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل كَثِيرَة، مِنْهَا:
(أ) مَا لَو أقرّ الْمَرِيض مرض الْمَوْت لوَارِثه ولأجنبي بدين أَو عين مُشْتَركا على الشُّيُوع، بَطل فيهمَا.
(ب) وَمِنْهَا: مَا إِذا كَانَ السّفل لوَاحِد والعلو لآخر، فَإِن كلا مِنْهُمَا مَمْنُوع عَن التَّصَرُّف فِي ملكه بِمَا يضر بِملك صَاحبه، تَغْلِيبًا للمانع على الْمُقْتَضِي.
(ج) وَمِنْهَا: مَا لَو ضم مَا لَا يحل بَيْعه كالخنزير إِلَى مَا يحل فِي صَفْقَة وَاحِدَة يفْسد البيع (ر: الدُّرَر، من أَوَاخِر كتاب النِّكَاح) .
(د) وَمِنْهَا: منع الْمُؤَجّر عَن التَّصَرُّف فِي الْعين المأجورة بِمَا يمس حق الْمُسْتَأْجر، تَقْدِيمًا للمانع وَهُوَ حق الْمُسْتَأْجر.
(هـ) وَمِنْهَا: بطلَان كل الْقَضَاء وكل الشَّهَادَة إِذا بَطل بعضهما، كَمَا لَو قضى القَاضِي أَو شهد الشَّاهِد لمن تقبل شَهَادَته لَهُ وَلمن لَا تقبل: بَطل فِي كليهمَا.
(و) وَمِنْهَا: مَا لَو حط البَائِع كل الثّمن عَن المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَصح حطه وَلَكِن لَا يلْتَحق بِأَصْل العقد، بل يعْتَبر بِمَنْزِلَة هبة مُبتَدأَة (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، آخر بَاب التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع وَالثمن) . وَذَلِكَ تَقْدِيمًا للمانع عَن التحاقه بِهِ، وَهُوَ تأديته إِلَى بطلَان العقد، لفقد رُكْنه بخلو العقد حِينَئِذٍ عَن الثّمن، على الْمُقْتَضِي للإلحاق، وَهُوَ المحطوط ثمنا وَهُوَ من متعلقات البيع وناشئ عَنهُ، بل هُوَ ركن فِيهِ.
وعَلى مَا ذكرنَا: لَو بَاعه المُشْتَرِي بعد الْحَط مُرَابحَة، يرابح على كل الثّمن الْمَذْكُور فِي العقد. وَلَو كَانَ الْمَبِيع عقارا فَأخذ بِالشُّفْعَة فالشفيع يَأْخُذهُ بِكُل الثّمن. بِخِلَاف مَا إِذا حط البَائِع بعض الثّمن فَإِنَّهُ يلْتَحق الْحَط بِالْعقدِ، لعدم الْمَانِع حِينَئِذٍ من التحاقه، فيرابح على مَا بَقِي من الثّمن بعد الْحَط، وَيَأْخُذ بِهِ الشَّفِيع أَيْضا.
(ز) وَمِنْه: مَا لَو تصارفا ذَهَبا بِذَهَب أَو فضَّة بِفِضَّة، ثمَّ حط أَحدهمَا عَن الآخر بعض الْبَدَل أَو زَاده فِي الْبَدَل - أَي وَقبل الآخر كَمَا فِي رد الْمُحْتَار نقلا