الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَاعِدَة التَّاسِعَة وَالتِّسْعُونَ
(الْمَادَّة / 100))
("
من سعى فِي نقض مَا تمّ من جِهَته فسعيه مَرْدُود عَلَيْهِ
")
(أَولا _ الشَّرْح)
" من سعى فِي نقض مَا تمّ " انبرامه " من جِهَته " وَكَانَ لَا يمس بِهِ حق صَغِير أَو حق وقف " فسعيه مَرْدُود عَلَيْهِ " لِأَنَّهُ وَالْحَالة هَذِه يكون متناقضاً فِي سَعْيه بذلك مَعَ مَا كَانَ أتمه وأبرمه، وَالدَّعْوَى المتناقضة لَا تسمع.
(ثَانِيًا _ التطبيق)
يتَفَرَّع على الْمَادَّة: مَا إِذا أقرّ ثمَّ ادّعى الْخَطَأ فِي الْإِقْرَار فَإِنَّهُ لَا يسمع مِنْهُ (ر: شرح الْمَادَّة / 79) .
وَمِنْه: مَا إِذا ضمن الدَّرك لمشتري الدَّار، ثمَّ ادّعى شُفْعَة فِيهَا أَو ملكا لَهَا، فَإِنَّهُ لَا يسمع مِنْهُ، لِأَن ضَمَان الدَّرك للْمُشْتَرِي يتَضَمَّن بِلَا شكّ تَقْرِير سَلامَة الْمَبِيع لَهُ، ودعواه الشُّفْعَة أَو الْملك فِيهَا تنقضه فَلَا تسمع.
وَمِنْه: مَا لَو بَادر إِلَى اقتسام التَّرِكَة مَعَ الْوَرَثَة، ثمَّ ادّعى بعد الْقِسْمَة أَن الْمَقْسُوم مَاله، فَإِنَّهُ لَا تسمع دَعْوَاهُ (ر: الْمَادَّة / 1656) لِأَن إقدامه على الْقِسْمَة فِيهِ اعْتِرَاف مِنْهُ بِأَن الْمَقْسُوم مُشْتَرك.
وَمِنْه: مَا إِذا بَاعَ أَو اشْترى ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ فضولياً، وَأَن الْمَالِك أَو المُشْتَرِي لم يجز العقد لم يسمع ذَلِك مِنْهُ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب الْفُضُولِيّ، من كتاب الْبيُوع وَغَيره) .
وَمِنْه: مَا لَو تراكمت نَفَقَة الزَّوْجَة الْمقْضِي بهَا أَو المتراضى عَلَيْهَا، وَلم تكن مستدانة بِأَمْر القَاضِي، فَطلقهَا بَائِنا لتسقط النَّفَقَة المتراكمة فِي ذمَّته لَا لذنب مِنْهَا فَإِنَّهُ يرد قَصده وَيرد سَعْيه عَلَيْهِ (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من بَاب النَّفَقَات) . فَلْيتَأَمَّل هَذَا الْفَرْع، فَإِنَّهُ فِي صُورَة مَا إِذا كَانَت متراضى عَلَيْهَا فَالْأَمْر ظَاهر. وَأما إِذا كَانَت مقضياً بهَا فَيمكن أَن يُقَال: إِنَّهَا تمت من جِهَته بِعقد النِّكَاح، فَإِن النَّفَقَة تجب بِالْعقدِ إِذا لم تمنع نَفسهَا عَنهُ.
وَمِنْه: مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ (فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر، برمز فَتَاوَى أبي بكر مُحَمَّد بن الْفضل) حَيْثُ قَالَ: (وَاقعَة) كرم بَينهمَا بَاعَ أَحدهمَا حِصَّته من شَرِيكه بيعا جَائِزا (أَي بيعا بِالْوَفَاءِ) ثمَّ بَاعه من آخر باتاً حَتَّى توقف على إجَازَة شَرِيكه المُشْتَرِي وَفَاء، فَأجَاز شَرِيكه، فَهَل لشَرِيكه حق الشُّفْعَة؟ أجَاب جلّ الْمُفْتِينَ ببلدنا أَن لَهُ الشُّفْعَة، وأجبت: لَيْسَ لَهُ ذَلِك. انْتهى مُلَخصا. وَلَا يخفى أَن عدم ثُبُوت الشُّفْعَة لَهُ لكَونه بِدَعْوَى الشُّفْعَة يكون ساعياً فِي نقض ملك المُشْتَرِي الَّذِي تمّ من جِهَته بِالْإِجَازَةِ فَلَا تسمع مِنْهُ.
لَكِن يرد على فَتْوَى أبي بكر بن الْفضل هَذِه مَا جَاءَ فِي أَحْكَام الصغار (فِي الشُّفْعَة) م قَوْله: إِذا اشْترى الْأَب دَارا لِابْنِهِ الصَّغِير وَالْأَب شفيعها كَانَ للْأَب أَن يَأْخُذهَا بِالشُّفْعَة عندنَا. انْتهى. وَهَذِه الْمَسْأَلَة من مستثنيات الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة، وَلَا يخفى أَن إجَازَة مُشْتَرِي الْوَفَاء للْبيع البات لَيست بأقوى من مُبَاشرَة الْأَب الشِّرَاء لِابْنِهِ الصَّغِير لنَفسِهِ.
يظْهر أَن الصَّوَاب مَا أفتى بِهِ ابْن الْفضل من أَن الشَّرِيك الْمُجِيز لَيْسَ لَهُ الشُّفْعَة. وَبَيَان الْفرق حينئذٍ بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة الْأَب أَن المُشْتَرِي بتاتاً فِي مَسْأَلَة الشَّرِيك يتَمَلَّك الْعقار بعد إجَازَة مُشْتَرِي الْوَفَاء بالاستناد إِلَى العقد السَّابِق الْحَاصِل قبل الْإِجَازَة، وبالإجازة يكون قد رَضِي بتملك ذَلِك المُشْتَرِي، وبهذه الْإِجَازَة أسقط حَقه بِالشُّفْعَة.
أما فِي مَسْأَلَة الْأَب فَإِن حق الشُّفْعَة إِنَّمَا يثبت لَهُ مَعَ فَرَاغه من إِجْرَاء عقد الشِّرَاء لِابْنِهِ، فَإِذا طلب الشُّفْعَة مَعَ تَمام العقد بِلَا فاصل لَا يكون قد حصل مِنْهُ
رضَا بِتَسْلِيم الشُّفْعَة بعد ثُبُوتهَا. وَأما رِضَاهُ الْمُسْتَفَاد من إقدامه على الشِّرَاء فَلَا عِبْرَة بِهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ قبل ثُبُوت حق الشُّفْعَة، وَالْحق قبل ثُبُوته لَا يقبل الْإِسْقَاط.
أَو يُقَال بِعِبَارَة أُخْرَى: إِن كلا من إجَازَة الشَّرِيك وإقدام الْأَب على الشِّرَاء لِابْنِهِ يُفِيد الرِّضَا الْمسْقط للشفعة، وَلَكِن إجَازَة الشَّرِيك تفِيد رِضَاهُ بعد ثُبُوت حق الشُّفْعَة لَهُ، لِأَن المُشْتَرِي يملك الْمَبِيع بعد الْإِجَازَة بِالْعقدِ السَّابِق. أما رضَا الْأَب الْمُسْتَفَاد من إقدامه على الشِّرَاء لِابْنِهِ فَإِنَّمَا كَانَ قبل ثُبُوت حق الشُّفْعَة لَهُ، لِأَن الشُّفْعَة تثبت بعد العقد، وَالْحق لَا يقبل الْإِسْقَاط قبل ثُبُوته. وَلذَا اشترطوا أَن يكون طلب الْأَب للشفعة إِثْر الشِّرَاء بِلَا فاصل، فَيَقُول: اشْتريت وَأخذت بِالشُّفْعَة. والأمثلة لهَذَا كَثِيرَة.
ثمَّ لَا فرق فِيمَا تمّ من جِهَة الْمَرْء بَين أَن يكون تمّ من جِهَته حَقِيقَة، كَمَا إِذا فعل مَا تقدم بِنَفسِهِ، أَو يكون تمّ من جِهَته حكما، كَمَا إِذا كَانَ ذَلِك بِوَاسِطَة وَكيله، أَو صدر من مُوَرِثه فِيمَا يَدعِيهِ بِحكم الوراثة، فَإِن السَّعْي فِي نقضه لَا يسمع مِنْهُ، لِأَن الْوَكِيل مَعَ الْمُوكل والمورث مَعَ الْوَارِث بِمَنْزِلَة شخص وَاحِد.
ثمَّ إِنَّمَا قيدنَا بقولنَا: " وَكَانَ لَا يمس بِهِ حق صَغِير أَو حق وقف " لإِخْرَاج مَا إِذا كَانَ الْأَمر التَّام من جِهَته يمس أَحدهمَا، كَمَا إِذا بَاعَ الْأَب أَو الْوَصِيّ أَو الْمُتَوَلِي مَال الصَّغِير أَو الْوَقْف ثمَّ ادّعى أَن بَيْعه كَانَ بِغَبن فَاحش، فَإِن دَعْوَاهُ تسمع (ر: الْأَشْبَاه، من الْقَضَاء) .
وكما إِذا اشْترى أَرضًا ثمَّ ادّعى أَن بَائِعهَا كَانَ جعلهَا مَقْبرَة أَو مَسْجِدا فَإِنَّهُ يقبل.
(ثَالِثا _ الْمُسْتَثْنى)
يسْتَثْنى من الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة: مَا لَو اشْترى الْعين المأجورة أَو الْعين الْمَرْهُونَة بِدُونِ إِذن الْمُسْتَأْجر أَو الْمُرْتَهن عَالما بِأَنَّهَا مأجورة أَو بِأَنَّهَا مَرْهُونَة فَإِنَّهُ يبْقى على خِيَاره، كَمَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي
عَلَيْهِ الْفَتْوَى، إِن شَاءَ فسخ البيع، وَإِن شَاءَ انْتظر انْتِهَاء مُدَّة الْإِجَارَة أَو فكاك الرَّهْن (ر: الدّرّ وحاشيته، فِي بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن) . فَهُوَ فِي صُورَة اخْتِيَاره فسخ البيع ساعٍ كَمَا ترى فِي نقض مَا تمّ من جِهَته وَلم يرد سَعْيه عَلَيْهِ.
وَالظَّاهِر أَن وَجهه أَن الْخِيَار _ وَالْحَالة هَذِه _ لم يجب بِتَمْلِيك البَائِع إِيَّاه لخيار الشَّرْط حَيْثُ يسْقط بمفيد الرِّضَا، بل وَجب بِإِيجَاب الشَّرْع لَهُ كَخِيَار الرُّؤْيَة، وَلذَا لَا يسْقط بالإسقاط الصَّرِيح. انْتهى.