الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمات الكتاب
(1)
(1) وهي المقدمات التي عملها كل من الشيخ شاكر والشيخ عبد الرزاق حمزة رحمهما الله للكتاب
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب المبعوث للناس كافة هداية للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
قصة هذا الكتاب "اختصار علوم الحديث" لابن كثير وتقرير دراسته في بعض كليات الأزهر وإعادته طبعه مفصلة في مقدمة الطبعة الأولى وهي مثبتة بنصها في مقدمة هذا الطبعة الثانية حفظا لحق التاريخ في عرض وقائعه على قارئ هذه الطبعة
وقد غيرنا شيئا قليلا من خطتنا التي أشرنا إليه في الطبعة السابقة فرأيت أن أجعل الشرح كله من قلمي وأن أزيد فيه وأعدل بما يجعل الكتاب أقرب إلى الطلاب وأكثر نفعا إن شاء الله.
ثم رأيت أن أصل كتاب ابن كثير عرف باسم "اختصار علوم الحديث" وأن الأخ العلامة الشيخ محمد عبد الرازق حمزة جعل له عنونا آخر في طبعته الأولى بمكة فسماه "اختصار علوم الحديث" أو "الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث"(1) التزاما للسجع الذي أغرم به الكاتبون في القرون الأخيرة.
(1) وجدنا: أن الشيخ صديق حسن خان قد سمى الكتاب "الباعث الحثيث" فقال في أبجد العلوم (ص: 617): "وصحب (أي ابن كثير) شيخ الإسلام =
وأنا أكره التزام السجع وأنفر منه ولكن لا أدري كيف فاتني أن أغير هذا في الطبعة الثانية التي أخرجتها ثم اشتهر الكتاب بين أهل العلم باسم "الباعث الحثيث" وليس هذا اسم كتاب ابن كثير وليس من اليسير أن أعرض عن الاسم الذي اشتهر به أخيرا.
فرأيت من حقي جمعا بين المصلحتين حفظ الأمانة في تسمية المؤلف كتابه والإبقاء على الاسم الذي اشتهر به الكتاب أن أجعل (الباعث الحثيث) علما عل الشرح الذي هو قلمي ومن عملي فيكون اسم الكتاب "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" والأمر في هذا كله قريب.
وبعد فإني أجد من الواجب علي أن أقول كلمة عدل وانصاف تتصل باختياري طبع هذه الطبعة لحساب مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده وقد ساء ظن الناس بها من وجهة التهاون في طبع الكتب وتصحيحها ولعل الانصاف يقضي بأن تكون التبعة في هذا التهاون على العلماء الذين يقومون على تصحيح الكتب وتوضع عليها أسماؤهم لا على المكتبة وأصحابها فإنما هم تجار وناشرون فقط.
وأرجوا أن يجد القراء في هذا الطبعة مصداق هذا القول إن شاء الله وأسأل الله الهدى والتوفيق وان يجعل عملنا في خدمة السنة النبوية خالصا لله وفي سبيل الله.
السبت 20 ذي الحجة سنة 1370 هـ
22 سبتمبر سنة 1951 م
أحمد محمد شاكر
= ابن تيمية ومدحه في كتابه (الباعث الحثيث) أحسن مدح".
ومعلوم أن صديق خان توفي (1307 هـ) أي قبل ولادة الشيخ شاكر (1309 هـ) والله أعلم [الأجهوري]
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد الخلق أجمعين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فقد تفضل استاذنا الإمام العظيم المصلح الحكيم الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر (1)، واختارني عضوا في لجنة المناهج في علوم التفسير، والحديث في للمعاهد الدينية مع أخوان كرام من أعلام الأزهر وأساطينه، ومع رئيس من أفذاذ العلماء الذين أنجبهم الأزهر الشريف وهو شيخي وأستاذي العلامة الكبير الشيخ إبراهيم الجبالي (2)
وقد قامت اللجنة بما ندبت إليه بعون الله وتوفيقه يحوطها رئيسها بعنايته وإرشاده ويعينها بعلمه وحكمته فوضعت المناهج لعلوم التفسير،
(1) توفي الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفي المراغي مساء يوم الثلاثاء 13 رمضان سنة 1364، 12 أغسطس 1945 رحمه الله.
(2)
توفي أستاذنا العلامة الكبير الشيخ إبراهيم الجبالي ليلة الاثنين 17 صفر سنة 1370، 27 نوفمبر سنة 1950 بالقاهرة رحمه الله
والحديث، في بضعة عشر مجلسا في شهري جمادى الأولى وجمادى الثانية سنة (1355).
فكان مما اختارته في علم مصطلح الحديث "اختصار علوم الحديث" تأليف الحافظ ابن كثير (701 - 774 هـ) وقررت دراسته كله في كلية أصول الدين ودراسة بعض أنواعه في كلية الشريعة وهي الأنواع (1 - 28 و 30 و 31 و 32 و 34 - 36 و 39 و 40 و 61 و 62)
وهو كتاب فذٌ في موضوعه ألفه إمام عظيم من الأئمة الثقات المتحققين بهذا الفن، ونسخه نادرة الوجود وكنا نسمع عنه في الكتب فقط، ثم رآه الأخ الأستاذ العلامة الشيخ محمد عبد الرازق حمزه المدرس بالحرم المكي، حينما كنا بالمدينة المنورة في سنة (1346) هـ
وكانت نسخته موجودة بمكتبة شيخ الإسلام أحمد عارف حكمت تحت (رقم 57) مصطلح وهي نسخة قديمة مكتوبة في طرابلس الشام (سنة 764) منقولة عن نسخة أخرى قوبلت على نسخة صحيحه معتمدة قرات على المصنف وعليها خطه كما أثبت ذلك ناسخها رحمه الله.
ثم رآها بعد ذلك الأخ الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع من كبار أعيان مكة المكرمة في سنة 1352 فأشار على صديقه الشيخ مصطفى ميرو الكتبي بنشر الكتاب فوافق على ذلك وكلفا بعض الإخوان من أهل العلم في المدينة المنورة نسخه ومقابلته على الأصل ثم طبع في المطبعة الماجدية بمكة سنة (1353) بتصحيح الأخ العلامة الشيخ محمد عبد الرازق حمزة وكتب له مقدمة نفيسة، وترجمة للمؤلف وعلق عليه بعض تعليقات مفيدة.
ولما وافقت اللجنة على اختيار الكتاب للدراسة ولم يجد الطلاب منه نسخا من طبعة مكة وتعسر الوصول إليها مع تكرار الطلب أشار عليّ بعض الإخوان أن أسعى في إعادة طبعه بمصر، ورغبوا إليّ أن أصححه وأكتب عليه شبه شرح لأبحاثه مع تحقيق بعض المسائل الدقيقة في علم المصطلح، فبادرت إلى النزول عند إرادتهم ووفق لنا الأخ الفاضل محمود افندي توفيق الكُتُبي بمصر، وأجاب إلى طبع الكتاب.
وقد قمت بتصحيحيه والتعليق عليه كما التزمت بعون الله وتوفيقه وحرصت على أكثر الحواشي التي كتبها الأخ الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة ورمزت إليها بحرف (ح)، ورمزت إلى ما كتبت بحرف (ش) أو تركته من غير رمز إليه (1).
وأحب أن أشير هنا إلى فائدة هذا العلم الذي سمي بهذا الاسم المتواضع "مصطلح الحديث" وأثاره في العلوم الشرعية والتاريخية وغيرها من سائر الفنون التي يرجع في إثباتها إلى صحة النقل والثقة به.
فإن المسلمين اشتدت عنايتهم من عهد الصدر الأول بحفظ أسانيد شريعتهم من الكتاب والسنة بما لم يعن به أمة قبلهم فحفظوا القرآن ورووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترا آية آية، وكلمة كلمة، وحرفا حرفا، حفظ في الصدر وإثباتا بالكتابة بالمصاحف حتى رووا أوجه نقطه بلهجات القبائل، ورووا طرق رسمه في المصاحف وألفوا في ذلك كتب مطوله وافيه، وحفظوا أيضا عن نبيهم كل أقواله وأفعاله
(1) رأيت في هذه الطبعة الثانية أن اعدل عن هذا فأجعل الشرح كله من قلمي وأحذف هذين الرمزين كما بينت في مقدمة هذه الطبعة
وأحواله وهو المبلغ عن ربه والمبين لشرعه والمأمور بإقامة دينه وكل أقواله وأحواله بيان للقرآن وهو الرسول المعصوم الأسوة الحسنة يقول الله تعالى في صفته {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]، وبقول {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، ويقول أيضا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يكتب كل شيء يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهته قريش، فذكر ذلك للرسول فقال "أُكتب فو الذي نفسي بيدي ما خرج مني إلا حق"(1)، وأمر المسلمين في حجة الوداع بالتبليغ عنه أمرا عاما فقال "وليبلغ الشَّاهدُ الغائبَ فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه"(2)، وقال "فليبلغ الشَّاهدُ الغائبَ فرب مبلغ أوعى من سامع"(3).
ففهم المسلمون من كل هذا أنه يجب عليهم أن يحفظوا عن رسولهم كل شيء وقد فعلوا وأدوا الأمانة على وجهها ورووا الأحاديث عنه إما متواترة باللفظ والمعنى، وإما متواترة في المعنى فقط، وإما مشهورة وإما بالأسانيد الصحيحة الثابتة مما يسمى عند العلماء "الحديث الصحيح"، و "الحديث الحسن".
واجتهد علماء الحديث في رواية كل ما رواه عنه الرواة وإن لم يكن صحيحا عندهم، ثم اجتهدوا في التوثيق من صحة كل حديث، وكل
(1) رواه أحمد في المسند رقم (6510)(ج 2 ص 162) بإسناد صحيح، ورواه أيضا أبو داود والحاكم وغيرهما بمعناه.
(2)
رواه البخاري وغيره: انظر (فتح الباري ج 1 ص 146)[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ورواه مسلم (1354) كذلك].
(3)
رواه البخاري وغيره أيضا: انظر (الفتح ج 3 ص 459)[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ورواه مسلم (1679) كذلك].
حرف رواه الرواة، ونقدوا أحوالهم ورواياتهم، واحتاطوا أشد الحيطة في النقل، فكانوا يحكمون بضعف الحديث بأقل شبهة في سيرة الناقل الشخصية مما يؤثر في العدالة عند أهل العلم.
أما إذا اشتبهوا في صدقه وعلموا أنه كذب في شيء من كلامه فقد رفضوا روايته وسموا حديثه "موضوعا"، أو "مكذوبا" وإن لم يعرف عنه الكذب في رواية الحديث مع علمهم بأنه قد يصدق الكذوب.
وكذلك توثقوا من حفظ كل راوي وقارنوا رواياته بعضها ببعض، وبروايات غيره فإن وجدوا منه خطأ كثيرا وحفظا غير جيدا ضعفوا روايته وإن كان لا مطعن عليه في شخصه، ولا في صدقة خشية أن تكون روايته ممن خانه في الحفظ.
وقد حرروا القواعد التي وضعوها لقبول الحديث وهي قواعد هذا الفن وحققوها بأقصى ما في الوسع الإنساني احتياطا لدينهم فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها وإن أعرض عنها في هذه العصور المتأخرة كثير من الناس وتحاموها بغير علم منهم ولا بينة.
وقلدهم فيها العلماء في أكثر الفنون النقلية، فقلدهم علماء اللغة، وعلماء الأدب، وعلماء التاريخ وغيرهم، فاجتهدوا في رواية كل نقل في علومهم بإسناده كما تراه في كتب المتقدمين السابقين وطبقوا قواعد هذا العلم عند إرادة التوثق من صحة النقد في أي شيء يرجع فيه إلى النقل.
فهذا العلم في الحقيقة أساس لكل العلوم النقلية وهو جدير بما وصفه به صديقي وأخي العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة: "من أنه
منطق المنقول، وميزان تصحيح الأخبار". ومع هذا فقد ابتدع بعض المتقدمين بدعة سيئة هي عدم الاحتجاج بالأحاديث، لأنها تسمى في اصطلاحات بعض الفنون -ظنية الثبوت- أي أنها لم تثبت بالتواتر الموجب للقطع في النقل وكان هذا اتباعا لاصطلاح لفظي لا أثر له في القيمة التاريخية لإثبات صحة الرواية، فما كل رواية صادقة يثق بها العالم المطلع المتمكن من علمه بواجب في صحتها والتصديق بها واطمئنان القلب إليها أن تكون ثابتة ثبوت التواتر الموجب للعلم البديهي، وإلا لما صح لنا أن نثق بأكثر النقول في أكثر العلوم والمعارف.
وكانت هذه الفئة التي تذهب هذا المذهب الرديء فئة قليلة محصورة مغمورة لا أثر لقولها في شيء من العلم، ولكن نبغ في عصرنا هذا بعض النوابغ ممن اصطنعتهم أوروبا وادَخَرتْهم لنفسها من المسلمين فتبعوا شيوخهم من المستشرقين، وهم طلائع المبشرين وزعموا كزعمهم أن كل الأحاديث لا صحة لها ولا أصل وأنها لا يجوز الاحتجاج بها في الدين، وبعضهم يتخطى القواعد الدقيقة الصحيحة، ثم يذهب يثبت الأحاديث وينفيها بما يبدوا لعقله وهواه من غير قاعدة معينة ولا حجة ولا بينة.
وهؤلاء لا ينفع فيهم دواء إلا أن يتعلموا العلم ويتأدبوا بأدبه ثم الله يهدي من يشاء.
وأما الطعن في الأحاديث الصحيحة جملة، والشك في صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنما هو إعلان للعداء للمسلمين ممن عمد إليه عن علم ومعرفة أو جهل وقصر نظر ممن قلد فيه غيره ولم يعرف عواقبه
وآثاره، فإن معنى هذا الشك والطعن أنه حكم على جميع الرواة الثقات من السلف الصالح رضي الله عنهم بأنهم كاذبون مخادعون مخدوعون ورمى لهم بالفرية والبهتان أو بالجهل والغفلة وقد أعاذهم الله من ذلك.
وهم يعلمون يقينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"[*]، وقال "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"[**] فالمكذب لهم في روايتهم إنما يحكم عليهم بأنهم يتقحمون في النار تقحما وأنهم لم يكونوا على شيء من الخلق أو الدين، فإن الكذب من أكبر الكبائر، ثم هو من أسوأ الأخلاق وأحطها ولن تفلح أمة يفشوا فيها الكذب، ولو كان في صغائر الأمور، فضلا عن الكذب في الشريعة وعلى سيد الخلق وأشرف المرسلين.
وقد كان أهل الصدر الأول من المسلمين في القرون الثلاثة الأولى أشرف الناس نفسا وأعلاهم خلقا وأشدهم خشية لله وبذلك نصرهم الله وفتح عليهم الممالك وسادوا كل الأمم والحواضر في قليل من السنين بالدين والخلق الجميل قبل أن يكون بالسيف والرمح.
كتبه أحمد محمد شاكر
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عدد من الصحابة منهم أبو هريرة رضي الله عنه، والحديث متواتر.
[**] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وهذا لفظ سلمة بن الأكوع في الصحيح.