المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الحادي والعشرون:معرفة الموضوع المختلق المصنوع - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ط ابن الجوزي

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الدكتور خالد الحايك

- ‌تقديم تحقيق "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث

- ‌ أهمية الكتاب العلمية:

- ‌نسبة الكتاب لابن كثير:

- ‌ حَوْلَ تَسْمِيَةِ الكِتَابِ:

- ‌ الباعث على تحقيق "الباعث" تحقيقا جديدا:

- ‌ المنهج المتبع في تحقيق الكتاب والتعليق عليه:

- ‌أولا ما يخص العمل في "متن اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير:

- ‌ثانيا ما يخص شرح الشيخ العلامة أحمد شاكر:

- ‌ وصف المخطوطات

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌شكر خاص

- ‌مقدمات الكتاب

- ‌تقديم الكتاببقلم الأستاذ الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة

- ‌نسبه وميلاده وشيوخه ونشأته:

- ‌مؤلفاته من كتب مطولة ورسائل مختصرة

- ‌وفاته

- ‌ذِكْرُ تَعْدَادِ أَنْوَاعِ الحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ: الْمُسْنَدُ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ: الْمُتَّصِلُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ: الْمَرْفُوعُ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ: الْمَوْقُوفُ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ: الْمَقْطُوعُ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ: الْمُرْسَلُ

- ‌النَّوعُ العَاشِرُ: المُنقَطِعُ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ: الْمُعْضَلُ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِيَ عَشَرَ: [الْمُدَلِّسُ]

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: الشَّاذُّ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: الْمُنْكَرُ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَفِي الِاعْتِبَارَاتِ وَالْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ:فِي الْأَفْرَادِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ:الْمُضْطَرِبُ

- ‌النَّوْعُ الْعِشْرُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُدْرَجِ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ:مَعْرِفَةُ الْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقِ الْمَصْنُوعِ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: الْمَقْلُوبُ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَكَيْفِيَّةُ سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَتَحَمُّلِهِ وَضَبْطِهِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَكِتَابَةُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ وَتَقْيِيدُهُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَفي صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَفي آدَابُ طَالِبِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَمَعْرِفَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ

- ‌النَّوْعُ الثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمَشْهُور

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْغَرِيبِ والْعَزِيزِ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ غَرِيبِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمُسَلْسَلِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ نَاسِخِ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخِهِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ ضَبْطِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مَتْنًا وَإِسْنَادًاوَالِاحْتِرَازُ مِنْ التَّصْحِيفِ فِيهَما

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمَزِيدِ فِي الْأَسَانِيدِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْخَفِيِّ مِنَ الْمَرَاسِيلِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي أَرْبَعِينَمَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْمُدَبَّجِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الرُّوَاةِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الْآبَاءِ عَنْ الْأَبْنَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَرِوَايَةُ الْأَبْنَاءِ عَنْ الْآبَاءِ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ رِوَايَةِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ مِنْ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ وَغَيْرِهِمْ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ مَنْ لَهُ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُفْرَدَةِ وَالْكُنَى الَّتِي لَا يَكُونُ مِنْهَا فِي كُلِّ حَرْفٍ سِوَاهُ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي خَمْسِينَ:مَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ مَنْ اُشْتُهِرَ بِالِاسْمِ دُونَ الْكُنْيَةِ

- ‌النَّوعُ الثَّانِي وَالخَمسُونَ:مَعرِفَةُ الأَلقَابِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ في الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ:نَوْعٌ يَتَرَكَّبُ مِنْ النَّوْعَيْنِ قَبْلَهُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ:فِي صِنْفٍ آخَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَمَعْرِفَةُ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمْ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَفِي النِّسَبِ الَّتِي عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَفِي مَعْرِفَةِ الْمُبْهَمَاتِ مِنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي السِّتِّينَمَعْرِفَةُ وَفَيَاتِ الرُّوَاةِ وَمَوَالِيدِهِمْ وَمِقْدَارِ أَعْمَارِهِمْ

- ‌النَّوعُ الحَادِي وَالسِّتُّونَفي مَعرِفَةُ الثِّقَات وَالضُّعَفَاءِ مِن الرُّوَاةِ وَغَيرِهِم

- ‌النَّوعُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَفي مَعرِفَةُ مَن اِختَلَطَ فِي آخِرِ عُمرِهِ

- ‌النَّوعُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَمَعرِفَةُ الطَّبَقَاتِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَفي مَعْرِفَةُ الْمَوَالِي مِنْ الرُّوَاةِ وَالْعُلَمَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ:مَعْرِفَةُ أَوْطَانِ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانِهِمْ

الفصل: ‌النوع الحادي والعشرون:معرفة الموضوع المختلق المصنوع

‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ:

مَعْرِفَةُ الْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقِ الْمَصْنُوعِ

(1)(2)

وَعَلَى ذَلِكَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا إِقْرَارُ وَاضْعِهِ عَلَى نَفْسِهِ، قَالًا أَوْ حَالًا، وَمِنْ ذَلِكَ رَكَاكَةُ أَلْفَاظِهِ، وَفَسَادُ مَعْنَاهُ، أَوْ مُجَازَفَةٌ فَاحِشَةٌ، أَوْ مُخَالَفَةٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ «1» .

فَلَا تَجُوزُ رِوَايَتُهُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ، لِيَحْذَرَهُ مَنْ يَغْتَرُّ بِهِ مِنَ الْجَهَلَةِ وَالْعَوَامِّ والرِّعَاعِ.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] نقل السيوطي في التدريب عن ابن الجوزي قال: " ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع. قال: ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجا عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة "[شاكر][1].

(1) في "ط"، "ب": معرفة الموضوع المختلق الموضوع! !

(2)

انظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 279، و"النكت" للزركشي 2/ 253، و"التقييد والإيضاح"ص 130، و"الشذا الفياح" 1/ 223، و"النكت لابن حجر" 2/ 838، و"فتح المغيث" 2/ 98، و"تدريب الراوي" 1/ 323، وللشيخ عمر فلاتَه رسالة "الوضع في الحديث" في غاية النفاسة.

_________

[1]

التدريب 1/ 327 وقوله في الموضوعات 1/ 151.ط. أضواء السلف

ص: 190

وَالْوَاضِعُونَ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ:

مِنْهُمْ زَنَادِقَةٌ، وَمِنْهُمْ مُتَعَبِّدُونَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، يَضَعُونَ أَحَادِيثَ فِيهَا تَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ، وَفِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، لِيُعْمَلَ بِهَا.

وهؤلاء طائفة من الكرَّامية وغيرهم، وهم من أشر من «1»

فعل هذا، لما يحصل بضررهم من الغِرَّة على كثير ممن يعتقد صلاحهم، فيظن صدقهم، وهم شر من كل كذاب في هذا الباب «2» .

وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك، وسطروه عليهم في زُبرهم، عاراً على واضعي ذلك في الدنيا، وناراً وشناراً في الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (1). وهذا متواتر عنه (2).

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» في باقي المخطوطات: "ما".

[شاكر] هكذا الأصل، ولعله "مَنْ فَعل هذا" لأن "ما" لما لا يَعقل، أو نزلهم منزلة مالا يَعقل. [شاكر]

[قلنا] الثابت في "ط"، "ب"، "ع":[مَنْ].كما رجحه العلامة أبو الأشبال وهذا ينبأك عن مدى تضلع وتمكن الشيخ رحمه الله وبلّ بالمغفرة ثراه.

«2» [شاكر] الكرَّامية - بتشديد الراء - قوم من المبتدعة، نُسبوا إلى أحد المتكلمين واسمه محمد بن كرَّام السجستاني. وقولهم هذا مخالف لأجماع المسلمين؛ وعصيان صريح للحديث المتواتر عنه صلى الله عليه وسلم:"من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". وقد جزم الشيخ أبو محمد الجويني - والد إمام الحرمين - بتكفير من وضع حديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا إلى ذلك عالما بافترائه. وهو الحق. [شاكر]

(1) صحيح البخاري (110)، (1291) وغيرها، وصحيح مسلم (3)

(2)

انظر "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" للكتاني ص 28

ص: 191

قال بعضُ هَؤلاء الجهلة: نحن ما كَذَبنا عليه، إنما كَذَبنا له! وهذا من كمال جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة فجورهم وافترائِهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره.

وقد صنف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات، غير أنه أدخل فيه ما ليس منه، وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه ولم يهتد إليه. «1»

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] ألَّف الحافظ أبو الفَرج عبد الرحمن بن الجَوْزِي كتابا كبيرا في مجلدين، جمع فيه كثيرا من الأحاديث الموضوعة، أخذ غالبه من كتاب الأباطيل للجوزقاني. ولكن أخطأ في بعض أحاديث انتقدها عليه الحفاظ.

قال الحافظ ابن حجر: "غالب ما في كتاب ابن الجوزي موضوع، والذي ينتقد عليه بالنسبة إلى ما لا ينتقد قليل جدا [1]. وفيه من الضرر أن يظن ما ليس بموضوع موضوعا، عكس الضرر بـ "مستدرك الحاكم "، فإنه يظن ماليس بصحيح صحيحا. ويتعين الاعتناء بانتقاد الكتابين، فإن الكتابين في تساهلهما عُدم الانتفاع بهما إلا بعالم للفن، لأنه ما من حديث إلا ويمكن أن يكون قد وقع فيه التساهل". وقد لخص الحافظ السيوطي كتاب ابن الجوزي وتتبع كلام الحُفاظ في تلك الأحاديث، وخصوصا كلام الحافظ ابن حجر فى تصانيفه وأماليه، ثم أفرد الأحاديث المتعقبة في كتاب خاص، وهما:(اللآلي المصنوعة)، و (ذيل اللآلي المصنوعة). وألف ابن حجر كتاب (القول المسدد في الذب عن المسند) أي مسند الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله، ذكر فيه أربعة وعشرين حديثا من المسند، جاء بها ابن الجوزي في الموضوعات وحكم عليها بذلك. ورد عليه ابن حجر ودفع قوله. ثم ألف السيوطي ذيلا عليه ذكر فيه أربعة عشر حديثا أخرى كتلك من المسند، ثم ألف ذيلا لهذين الكتابين سماه:(القول الحسن في الذب عن السنن) أورد فيه مائة وبضعة وعشرين حديثا - من السنن الأربعة - حكم ابن الجوزي بأنها موضوعة، ورد عليه حكمه. =

[1] انظر النكت الوفية 1/ 548، والتدريب 1/ 329

ص: 192

وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية) (1)، وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلاً، أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية! ! وقد حاول بعضهم الرد عليه، بأنه قد ورد في الحديث أنه عليه السلام قال:" سيكذب عليَّ "، فإن كان هذا الخبر صحيحاً، فسيقع الكذب عليه لا محالة، وإن كان كذباً فقد حصل المقصود. فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن، إذ بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر! ! وهذا القول (2) والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفاظهم (3)، والذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح، ويحفظون أمثالها أو (4) أضعافها من المكذوبات، خشية أن تروج عليهم، أو على أحد من الناس، رحمهم الله ورضي عنهم «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= ومن غرائب تسرع الحافظ ابن الجوزي في الحكم بالوضع أنه زعم وضع حديث في صحيح مسلم، وهو حديث أبي هريرة مرفوعا:"إن طالت بك مدة أوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر" رواه أحمد في المسند (رقم 8059 ج 2 ص 208) وهو في صحيح مسلم (ج 2 ص 355). قال ابن حجر في القول المسدد (ص 31): " ولم أقف في كتاب الموضوعات لابن الجوزي على شيء حكم عليه بالوضع وهو في أحد الصحيحين غير هذا الحديث، وإنها لغفلة شديدة منه! ! "[شاكر]

«1» [شاكر] الخبر الموضوع: هو المختلق المصنوع، وهو الذي نسبه =

(1) ما بين القوسين مطموس في "ب".

(2)

في "ب": القائل.

(3)

في "ط": حفاظ الحديث.

(4)

في "ح": "و".

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= الكذابون المفترون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شر أنواع الرواية ومن علم أن حديثا من الأحاديث موضوعا فلا يحل له أن يرويه منسوبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا مقرونا ببيان وضعه. وهذا الحذر عام في جميع المعاني، سواء الأحكام، والقصص، والترغيب والترهيب، وغيرها. لحديث سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ حدث عَنِّي بحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِيْنِ» رواه مسلم في صحيحه، ورواه أحمد وابن ماجة عن سمرة [1]. وقوله:" يرى" فيه روايتان: بضم الياء وفتحها، أي بالبناء للمجهول وبالبناء للمعلوم، وقوله " الكاذبين فيه روايتان أيضا: بكسر الباء وبفتحها، أي بلفظ الجمع، وبلفظ المثنى. والمعنى على الروايتين في اللفظين صحيح .. فسواء أَعَلِم الشخص أن الحديث الذي يرويه مكذوب، بأن كان من أهل العلم بهذه الصناعة الشريفة، أم لم يعلم، إن كان من غير أهلها، وأخبره العالم الثقة بها - فإنه يحرم عليه أن يحدث بحديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما مع بيان حاله فلا بأس، لأن البيان يزيل من ذهن السامع أو القارئ ما يخشى من اعتقاد نسبته إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.

ويعرف وضع الحديث بأمور كثيرة، يعرفها الجهابذة النقاد من أئمة هذا العلم: منها إقرار واضعه بذلك. كما روى البخاري في التاريخ الأوسط [2] عن عمر بن صبح بن عمران التميمي أنه قال: أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم. وكما أقر ميسرة بن عبد ربه الفارسي [3] أنه وضع أحاديث في فضائل القرآن، وأنه وضع في فضل علي سبعين حديثا. وكما أقر أبو عصمة نوح ابن أبي مريم، الملقب بنوح الجامع [4]، أنه وضع على ابن عباس أحاديث في فضائل القرآن سورة سورة.

ومنها: ماينزل منزلة إقراره. كأن يحدث عن شيخ بحديث لا يعرف إلا عنده، ثم يسأل عن مولده، فيذكر تاريخا معينا، ثم يتبين من مقارنة تاريخ ولادة الراوي =

[1] مقدمة ((صحيح مسلم)) 1/ 8، والمسند (30/ 121، 150، 174)، وابن ماجة (39)

[2]

التاريخ الأوسط 2/ 210.مطبوع خطأ باسم الصغير

[3]

انظر تاريخ بغداد 15/ 297

[4]

انظر الإرشاد 3/ 901

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= بتاريخ وفاة الشيخ المروي عنه أن الراوي ولد بعد وفاة شيخه، أو أن الشيخ توفي والراوي طفل لا يدرك الرواية، أو غير ذلك كما ادعى مأمون ابن أحمد الهروي أنه سمع من هشام بن عمار، فسأله الحافظ ابن حبان: متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين، فقال له: فإن هشاماً الذي تروي عنه مات سنة 245، فقال: هذا هشام ابن عمار آخر! ! [1].

وقد يعرف الوضع أيضا بقرائن في الراوي، أو المروي، أو فيهما معا. فمن أمثلة ذلك: ما أسنده الحاكم [2] عن سيف بن عمر التميمي قال: " كنت عند سعد ابن طريف، فجاء ابنه من الكُتَّاب يبكي فقال: مالك؟ قال: ضربني المعلم، قال: لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المسكين! ! ". وسعد بن طريف هذا قال فيه ابن معين: " لا يحل لأحد أن يروي عنه ". وقال ابن حبان: " كان يضع الحديث ". وراوي القصة عنه، سيف بن عمر، قال فيه الحاكم:" اتهم بالزندقة، وهو في الرواية ساقط ".

وقيل لمأمون بن أحمد الهروي: " ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان؟ ! فقال: حدثنا أحمد بن عبد الله - كذا في لسان الميزان (ج 5 ص 7 - 8) وفي التدريب (ص 100) [3] أحمد بن عبد البر - حدثنا عبد الله ابن معدان الأزدي عن أنس، مرفوعا: يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة، هو سراج أمتي! ! ".

وكما فعل محمد بن عكاشة الكرماني الكذاب [4]: " قال الحاكم: بلغني أنه كان ممن يضع الحديث حسبة. فقيل له: إن قوما يرفعون أيديهم في الركوع وعند الرفع منه؟ فقال: حدثنا المسيب ابن واضح حدثنا عبد الله ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له! فهذا مع كونه كذبا من أنجس الكذب، فإن الرواية عن =

[1] انظر المجروحين 3/ 45

[2]

المدخل إلى كتاب الإكليل ص 56

[3]

تدريب 1/ 328

[4]

المدخل إلى كتاب الإكليل ص 139

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= الزهري بهذا السند بالغة مبلغ القطع بإثبات الرفع عند الركوع وعند الاعتدال، وهي في الموطأ [1] وسائر كتب الحديث " أ. هـ من لسان الميزان (ج 5 ص 288 - 289).

ومن القرائن في المروي: أن يكون ركيكا لا يعقل أن يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضعت أحاديث طويلة، يشهد لوضعها ركاكة لفظها ومعانيها. قال الحافظ ابن حجر [2]:"المدار في الركة على ركة المعنى، فحيثما وجدت دلت على الوضع، وإن لم ينضم إليها ركة اللفظ، لأن هذا الدين كله محاسن. والركة ترجع إلى الرداءة. أما ركاكة اللفظ فقط فلا تدل على ذلك لاحتمال أن يكون رواه بالمعنى فغير ألفاظه بغير فصيح. نعم، إن صرح بأنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكاذب ". وقال الربيع بن خثيم [3]: "إن للحديث ضوءا كضوء النهار، تعرفه، وظلمة كظلمة الليل، تنكره "[4]. وقال ابن الجوزي [5]: " الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم، وينفر منه قلبه في الغالب ". قال البلقيني [6]: "وشاهد هذا: أن إنسانا لو خدم إنسانا سنين، وعرف ما يحب وما يكره، فادعى إنسان أنه كان يكره شيئا يعلم ذلك أنه يحبه، فبمجرد سماعه يبادر إلى تكذيبه ". وقال الحافظ ابن حجر [7]: " ومما يدخل في قرينة حال المروي ما نقل عن الخطيب عن أبي بكر بن الطيب: أن من جملة دلائل الوضع أن يكون مخالفا للعقل بحيث لا يقبل التأويل ويلتحق به ما يدفعه الحِسُ والمشاهدة، أو يكون منافيا لدلالة الكتاب القطعية، أو السنة المتواترة، أوالإجماع القطعي. أما المعارضة مع إمكان الجمع؛ فلا. =

[1] الموطأ رقم (245)

[2]

التدريب 1/ 325 بهذا اللفظ، وانظر النكت لابن حجر 2/ 844 بمعناه

[3]

الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو يَزِيْدَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمِ بنِ عَائِذٍ، كان عبد الله بن مسعود يقول له: يا أبا يزيد لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين توفّي رحمه الله فِي ولَايَة عبيد الله بن زِيَاد. "تذكرة الحفاظ"1/ 57

[4]

أنظر: الكامل 1/ 69، الكفاية 2/ 555

[5]

الموضوعات 1/ 103

[6]

"محاسن الاصطلاح مع المقدمة " ص 283

[7]

أنظر التدريب 1/ 325، وانظر النكت 2/ 844.

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= ومنها ما يصرح بتكذيب رواة جمع المتواتر، أو يكون خبرا عن أمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله بمحضر الجمع، ثم لا ينقله منهم إلا واحد. ومنها الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو الوعد العظيم على الفعل الحقير. وهذا كثير في حديث القصاص، والأخير راجع إلى الركة ". قال السيوطي [1]:" ومن القرائن كون الراوي رافضياً والحديث في فضائل أهل البيت".

ومن المخالف للعقل ما رواه ابن الجوزي [2] من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده مرفوعا: "إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا، وصلت عند المقام ركعتين! " فهذا من سخافات عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقد ثبت عنه من طريق أخرى نقلها في التهذيب (ج 6/ص 179) عن الساجي عن الربيع عن الشافعي قال: "قيل لعبد الرحمن بن زيد حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين! ؟ قال: نعم! ! ". وقد عُرف عبد الرحمن بمثل هذه الغرائب، حتى قال الشافعي فيما نقل في التهذيب [3]-: " ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا، فقال:"اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح! "

وروى ابن الجوزي [4] أيضا من طريق محمد بن شجاع الثلجي - بالثاء المثلثة والجيم-، عن حَبان - بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة - ابن هلال عن حماد بن سلمة عن أبي المُهَزّمِ عن أبي هريرة مرفوعا:"إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت، فخلق نفسه منها! ! " قال السيوطي في التدريب [5]: " هذا لا يضعه مسلم، والمتهم به محمد بن شجاع، كان زائغا في دينه، وفيه أبو المهزم، قال شعبة: رَأيتُه، لو أعطي درهما وضع خمسين حديثا"! !

والأسباب التي دعت الكذابين الوضاعين إلى الافتراء ووضع الحديث كثيرة: =

[1] التدريب 1/ 326

[2]

الموضوعات 1/ 143

[3]

تهذيب الكمال 17/ 118

[4]

الموضوعات 1/ 149

[5]

التدريب 1/ 328

ص: 197

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= فمنهم الزنادقة، الذين أرادوا أن يفسدوا على الناس دينهم، لِما وقر في نفوسهم من الحقد على الإسلام وأهله، يظهرون بين الناس بمظهر المسلمين، وهم المنافقون حقا.

قال حماد بن زيد [1]: " وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث ".

كعبد الكريم بن أبي العوجاء قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة، على الزندقة، بعد سنة 160، في خلافة المهدي. ولما أخذ لتضرب عنقه قال:" لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرم فيها الحلال، وأحلل الحرام"

وكبيان بن سمعان النهدي، من بني تميم، ظهر بالعراق بعد المائة، وادعى - لعنه الله - إلاهية علي - كرم الله وجه - وزعم مزاعم فاسدة. ثم قتله خالد بن عبد الله القسري، وأحرقه بالنار.

وكمحمد بن سعيد بن حسان الأسدي الشامي المصلوب: قال أحمد بن حنبل: " قتله أبو جعفر المنصور في الزندقة، حديثه حديث موضوع "[2]. وقال أحمد بن صالح المصري [3]: " زنديق، ضربت عنقه، ، وضع أربعة آلاف حديث عند هؤلاء الحمقى، فاحذروها ". وقال الحاكم أبو أحمد [4]: " كان يضع الحديث، صلب على الزندقة ". وحكى عنه الحاكم أبو عبد الله [5]: أنه روى عن حميد عن أنس مرفوعاً: أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي، إلا أن يشاء الله ". وقال:" وضع هذا الاستثناء لما كان يدعوا إليه من الالحاد والزندقة والدعوة إلى التنبي ". ومنهم أصحاب الأهواء والآراء التي لا دليل لها من الكتاب والسنة، وضعوا أحاديث نُصرة لأهوائهم، كالخطابية [6]، والرافضة وغيرهم. قال عبد الله بن يزيد المقرئ: " إن رجلا من أهل =

[1] الموضوعات 1/ 19، وانظر الكفاية 2/ 554 وفيه أثنى عشر ألفا

[2]

العلل ومعرفة الرجال (2697)

[3]

تهذيب التهذيب 9/ 164

[4]

المرجع السابق

[5]

المدخل إلى كتاب الإكليل ص 128

[6]

هم أتباع أبي الخطاب الأسدي وهم خمس فرق، يقولون أن الإمامة كانت في أولاد علي إلى أن انتهت إلى محمد بن جعفر الصادق ويقولون إن الأئمة كانوا آلهة وكان أبو الخطاب =

ص: 198

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه! فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا! ".

وقال حماد بن سلمة: " أخبرني شيخ من الرافضة أنهم كانوا يجتمعون على وضع الأحاديث ".

وقال أبو العباس القرطبي [1] صاحب كتاب المفهم شرح صحيح مسلم: " استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دل عليه القياس الجلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبة قولية، فيقولون في ذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا! ! ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة، لأنها تشبه فتاوى الفقهاء، ولأنهم لا يقيمون لها سندا ".نقله السخاوي في شرح ألفية العراقي (ص 111)[2]، والمتبولي في مقدمة شرحه على الجامع الصغير.

ومنهم القصاص: يضعون الأحاديث في قصصهم، قصدا للتكسب والارتزاق، وتقربا للعامة بغرائب الروايات. ولهم في هذا غرائب وعجائب، وصفاقة وجه لا توصف. كما حكى أبو حاتم البستي [3]: أنه دخل مسجدا، فقام بعد الصلاة شاب فقال:" حدثنا أبو خليفة: حدثنا أبو الوليد عن شعبة عن قتادة عن أنس " وذكر حديثا، قال أبو حاتم:" فلما فرغ دعوته، قلت: رأيت أبا خليفة؟ قال: لا، قلت: كيف تروي عنه ولم تراه؟ فقال: إن المناقشة معنا من قلة المروءة! ! أنا أحفظ هذا الإسناد، فكلما سمعت حديثا ضممته إلى هذا الإسناد! ! ".

وأغرب منه ما روى ابن الجوزي [4] بإسناده إلى أبي جعفر بن محمد الطيالسي =

= يقول في أيامه أن أولاد الحسن والحسين كانوا أبناء الله وأحباؤه، وكان يقول إن جعفرا إله فلما بلغ ذلك جعفرا لعنه وطرده وكان أبو الخطاب يدعي بعد ذلك الإلهية. " التبصير في الدين"(126) لطاهر بن محمد الإسفراييني طبعة عالم الكتب - بيروت.

[1]

أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم، الأنصاري القرطبي 578 - 656 هـ[الوافي بالوفيات 7/ 173]

[2]

فتح المغيث 2/ 120

[3]

مقدمة المجروحين

[4]

الموضوعات 1/ 33

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= قال: " صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين أيديهم قاص، فقال: حدثنا أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين، قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله خلق الله كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان " وأخذ في قصة نحواً من عشرين ورقة فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين وجعل يحيى بن معين ينظر إلى أحمد، فقال له: حدثته بهذا، فيقول: والله ما سمعت هذا إلا الساعة، فلما فرغ من قصصه وأخذ العطيات ثم قعد ينتظر بقيتها قال له يحيى بن معين بيده تعال فجاء متوهما النوال، فقال له يحيى من حدثك بهذا الحديث، فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال أنا يحيى بن معين وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، ما تحققت هذا إلا الساعة! كأنَّ ليس فيها يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما! وقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين! ! فوضع أحمد كُمَّه على وجههِ، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما "! ! .

وأكثر هؤلاء القصاص جهال تشبهوا بأهل العلم، واندسوا بينهم، فأفسدوا كثيرا من عقول العامة. ويشبههم بعض علماء السوء، الذين اشتروا الدنيا بالآخرة، وتقربوا إلى الملوك والأمراء والخلفاء، بالفتاوى الكاذبة والأقوال المخترعة، التي نسبوها إلى الشريعة البريئة، واجترءوا على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إرضاءا للأهواء الشخصية، ونصرا للأغراض السياسية، فاستحبوا العمى على الهدى. كما فعل غياث بن إبراهيم النخعي الكوفي الكذاب الخبيث، كما وصفه إمام أهل الجرح والتعديل، يحيى بن معين -: فإنه دخل على أمير المؤمنين المهدي، وكان المهدي يحب الحمام ويلعب به، فإذا قدامه حمام، فقيل له: حدث أمير المؤمنين فقال: حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح، فأمر له المهدي بِبَدْرَةٍ، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم! ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام، ورفض ما كان فيه [1]. =

[1] المدخل للإكليل ص 55

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= وفعل نحوا من ذلك مع أمير المؤمنين الرشيد، فوضع له حديثا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطير الحمام. فلما عرضه على الرشيد قال: اخرج عني، فطرده عن بابه [1].

وكما فعل مقاتل بن سليمان البلخي [2]، من كبار العلماء بالتفسير، فإنه كان يتقرب إلى الخلفاء بنحو ذلك. حكى أبو عبيد الله وزير المهدي قال:" قال لي المهدي: ألا ترى إلى ما يقول لي هذا - يعني مقاتلاً -؟ قال: إذا شئت وضعت لك أحاديث في العباس؟ ! قلت: لا حاجة لي فيها "[3].

وشر أصناف الوضاعين وأعظمهم ضررا قوم يَنسِبون أنفسهم إلى الزهد والتصوف، لم يتحرجوا عن وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، احتسابا للأجر عند الله، ورغبة في حض الناس على عمل الخير واجتناب المعاصي، فيما زعموا، وهم بهذا العمل يفسدون ولا يصلحون. وقد اغتر بهم كثير من العامة وأشباههم، فصدقوهم، ووثقوا بهم، لما نسبوا إليه من الزهد والصلاح، وليسوا موضعا للصدق، ولا أهلا للثقة.

وبعضهم دخلت عليه الأكاذيب جهلا بالسنة، لحسن ظنهم وسلامة صدروهم، فيحملون ما سمعوه على الصدق، ولا يهتدون لتمييز الخطأ من الصواب، وهؤلاء أخف حالا وأقل إثما من أولئك. ولكن الوضاعون منهم أشد خطرا، لخفاء حالهم على كثير من الناس. ولولا رجال صدقوا في الإخلاص لله، ونصبوا أنفسهم للدفاع عن دينهم، وتفرغوا للذب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفنوا أعمارهم في التمييز بين الحديث الثابت وبين الحديث المكذوب، وهم أئمة السنة وأعلام الهدى -: لولا =

[1] الموضوعات 3/ 12

[2]

أَبُو الحَسَنِ مُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا أَحْسَنَ تَفْسِيْرَهُ لَوْ كَانَ ثِقَةً، وقَالَ وَكِيْعٌ: كَانَ كَذَّاباً، وقَالَ البُخَارِيُّ: مُقَاتِلٌ لا شَيْءَ البَتَّةَ. مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ."السير" 7/ 202

[3]

أنظر المدخل للإكليل ص 137، وكذلك "تاريخ بغداد"(13/ 167)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق "(60/ 126)

ص: 201

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= هؤلاء لاختلط الأمر على العلماء والدهماء؛ ولسقطت الثقة بالأحاديث: رسموا قواعد للنقد، ووضعوا علم الجرح والتعديل، فكان من عملهم علم مصطلح الحديث، وهو أدق الطرق التي ظهرت في العلم للتحقيق التاريخي، ومعرفة النقل الصحيح من الباطل. فجزاهم الله عن الأمة والدين أحسن الجزاء، ورفع درجاتهم في الدنيا والأخرة، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين.

وقد قيل لعبد الله ابن المبارك الإمام الكبير: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة (إنا نحن نزلنا الذكر وإن له لحافظون)[1].

ومن الأحاديث الموضوعة المعروفة: الحديث المروي عن أبي بن كعب مرفوعا في فضائل القرآن سورة سورة. وقد ذكره بعض المفسرين في تفاسيرهم، كالثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي وقد أخطأوا في ذلك خطأ شديدا. قال الحافظ العراقي [2]:" لكن من أبرز إسناده منهم كالأولين - يعني الثعلبي والواحدي - فهو أبسط لعذره، إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده وإن كان لا يجوز له السكوت عليه وأما من لم يبرز سنده وأورده بصيغة الجزم - فخطؤه أفحش ". وأكثر الأحاديث الموضوعة كلام اختلقه الواضع من عند نفسه. وبعضهم جاء لكلام بعض الحكماء، أو لبعض الأمثال العربية، فركب لها إسنادا مكذوبا؛ ونسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من قوله. وقد يأتي الوضع من الراوي غير مقصود له، وليس هذا من باب الموضوع بل هو من باب المدرج، كما حدث لثابت بن موسى الزاهد في حديث:"من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ". وقد سبق تفصيلا في باب المدرج. [شاكر]

[1] الكامل 1/ 103

[2]

شرح التبصرة ص 125.

ص: 202