المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الرابع والعشرونكيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ط ابن الجوزي

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الدكتور خالد الحايك

- ‌تقديم تحقيق "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث

- ‌ أهمية الكتاب العلمية:

- ‌نسبة الكتاب لابن كثير:

- ‌ حَوْلَ تَسْمِيَةِ الكِتَابِ:

- ‌ الباعث على تحقيق "الباعث" تحقيقا جديدا:

- ‌ المنهج المتبع في تحقيق الكتاب والتعليق عليه:

- ‌أولا ما يخص العمل في "متن اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير:

- ‌ثانيا ما يخص شرح الشيخ العلامة أحمد شاكر:

- ‌ وصف المخطوطات

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌شكر خاص

- ‌مقدمات الكتاب

- ‌تقديم الكتاببقلم الأستاذ الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة

- ‌نسبه وميلاده وشيوخه ونشأته:

- ‌مؤلفاته من كتب مطولة ورسائل مختصرة

- ‌وفاته

- ‌ذِكْرُ تَعْدَادِ أَنْوَاعِ الحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ: الْمُسْنَدُ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ: الْمُتَّصِلُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ: الْمَرْفُوعُ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ: الْمَوْقُوفُ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ: الْمَقْطُوعُ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ: الْمُرْسَلُ

- ‌النَّوعُ العَاشِرُ: المُنقَطِعُ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ: الْمُعْضَلُ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِيَ عَشَرَ: [الْمُدَلِّسُ]

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: الشَّاذُّ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: الْمُنْكَرُ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَفِي الِاعْتِبَارَاتِ وَالْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ:فِي الْأَفْرَادِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ:الْمُضْطَرِبُ

- ‌النَّوْعُ الْعِشْرُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُدْرَجِ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ:مَعْرِفَةُ الْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقِ الْمَصْنُوعِ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: الْمَقْلُوبُ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَكَيْفِيَّةُ سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَتَحَمُّلِهِ وَضَبْطِهِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَكِتَابَةُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ وَتَقْيِيدُهُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَفي صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَفي آدَابُ طَالِبِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَمَعْرِفَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ

- ‌النَّوْعُ الثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمَشْهُور

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْغَرِيبِ والْعَزِيزِ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ غَرِيبِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمُسَلْسَلِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ نَاسِخِ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخِهِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ ضَبْطِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مَتْنًا وَإِسْنَادًاوَالِاحْتِرَازُ مِنْ التَّصْحِيفِ فِيهَما

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمَزِيدِ فِي الْأَسَانِيدِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْخَفِيِّ مِنَ الْمَرَاسِيلِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي أَرْبَعِينَمَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْمُدَبَّجِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الرُّوَاةِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الْآبَاءِ عَنْ الْأَبْنَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَرِوَايَةُ الْأَبْنَاءِ عَنْ الْآبَاءِ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ رِوَايَةِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ مِنْ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ وَغَيْرِهِمْ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ مَنْ لَهُ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُفْرَدَةِ وَالْكُنَى الَّتِي لَا يَكُونُ مِنْهَا فِي كُلِّ حَرْفٍ سِوَاهُ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي خَمْسِينَ:مَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ مَنْ اُشْتُهِرَ بِالِاسْمِ دُونَ الْكُنْيَةِ

- ‌النَّوعُ الثَّانِي وَالخَمسُونَ:مَعرِفَةُ الأَلقَابِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ في الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ:نَوْعٌ يَتَرَكَّبُ مِنْ النَّوْعَيْنِ قَبْلَهُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ:فِي صِنْفٍ آخَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَمَعْرِفَةُ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمْ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَفِي النِّسَبِ الَّتِي عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَفِي مَعْرِفَةِ الْمُبْهَمَاتِ مِنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي السِّتِّينَمَعْرِفَةُ وَفَيَاتِ الرُّوَاةِ وَمَوَالِيدِهِمْ وَمِقْدَارِ أَعْمَارِهِمْ

- ‌النَّوعُ الحَادِي وَالسِّتُّونَفي مَعرِفَةُ الثِّقَات وَالضُّعَفَاءِ مِن الرُّوَاةِ وَغَيرِهِم

- ‌النَّوعُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَفي مَعرِفَةُ مَن اِختَلَطَ فِي آخِرِ عُمرِهِ

- ‌النَّوعُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَمَعرِفَةُ الطَّبَقَاتِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَفي مَعْرِفَةُ الْمَوَالِي مِنْ الرُّوَاةِ وَالْعُلَمَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ:مَعْرِفَةُ أَوْطَانِ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانِهِمْ

الفصل: ‌النوع الرابع والعشرونكيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه

‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ

كَيْفِيَّةُ سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَتَحَمُّلِهِ وَضَبْطِهِ

(1)

يَصِحُّ تَحَمُّلُ الصِّغَارِ الشَّهَادَةَ وَالْأَخْبَارَ، وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ إِذَا أَدَّوْا مَا حَمَلُوهُ فِي حَالِ كَمَالِهِمْ، وَهُوَ الِاحْتِلَامُ وَالْإِسْلَامُ (2).

وَيَنْبَغِي الْمُبَادرَةُ إِلَى إِسْمَاعِ الْوِلْدَانِ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ وَالْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِي أَهْلِ هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَمَا قَبْلَهَا بِمُدَدٍ مُتَطَاوِلَةٍ أَنَّ الصَّغِيرَ يُكْتَبُ لَهُ حُضُور (3) إِلَى تَمَامِ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ عُمْرِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَمَّى سَمَاعًا، وَاسْتَأْنَسُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ "أَنَّهُ عَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ مِنْ دَلْوٍ فِي دَارِهِمْ وَهُوَ اِبْنُ خَمْسِ سِنِينَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (4) فَجَعَلُوهُ فَرْقًا بَيْنَ السَّمَاعِ وَالْحُضُورِ، وَفِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اِبْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ (5).

(1) المقدمة ص 312، والنكت للزركشي 2/ 459، والتقييد والإيضاح ص 163، والشذا الفياح 1/ 274، وفتح المغيث 2/ 302، وتدريب الراوي 1/ 413.

(2)

انظر المقدمة ص 312.

(3)

في "ح": حضور سماع.

(4)

أخرجه البخاري رقم (77)، باب متى يصح سماع الصغير، ومسلم رقم (657).

(5)

انظر المقدمة (ص 314، 315).

[قلنا] قال ابن حجر في الفتح (1/ 172): " ذكر القاضي عياض في الإلماع =

ص: 238

وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْحِمَارِ (1)، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَنْبَغِي السَّمَاعُ إِلَّا بَعْدَ الْعِشْرِينَ سَنَةً، وَقَالَ بَعْضُ عَشْرٌ، وَقَالَ آخَرُونَ ثَلَاثُونَ (2)، وَالْمَدَارُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى التَّمْيِيزِ، فمتى كان الصبي يعقل كتب له سماع (3).

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو (4): وَبَلَغَنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ صَبِيًّا «1» اِبْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ قَدْ حُمِلَ إِلَى الْمَأْمُونِ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] اختلفوا في السن التي يصح فيه الصبي للرواية: فنقل القاضي عياض: أن أهل الحديث حددوا أن أول زمن يصح فيه السماع للصغير بخمس =

= وغيره أن في بعض الروايات أنه كان ابن أربع ولم أقف على هذا صريحا في شيء من الروايات بعد التتبع التام إلا إن كان ذلك مأخوذا من قول صاحب الإستيعاب إنه عقل المجة وهو بن أربع سنين أو خمس ".أهـ

[قلنا] انظره في "الاستيعاب" 3/ 1378 ترجمة محمود بن الربيع.

(1)

"أخرجه الخطيب في الكفاية (1/ 229) منسوبا إلى موسى بن هارون بلفظ: "إذا فرق بين الدابة والبقرة"، وبلفظ آخر "بين البقرة والحمار".

(2)

يشير إلى مذهب أهل الكوفة، وأهل البصرة وأهل الشام بذلك.

فقد أخرج الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص 187، والخطيب في الكفاية 1/ 200، والقاضي عياض في "الإلماع" ص 65 باب متى يستحب سماع الصغير من طريق الرامهرمزي، عن موسى ابن هارون قال:"أهل البصرة يكتبون لعشر سنين، وأهل الكوفة لعشرين، وأهل الشام لثلاثين".

(3)

قال ابن الصلاح (المقدمة ص 315): "والذي ينبغي في ذلك: أن تعتبر في كل صغير حاله على الخصوص فإن وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه وإن كان دون خمس. وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمسٍ بل ابن خمسين".

(4)

المقدمة ص 315

ص: 239

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

سنين. قال ابن الصلاح: [1]"وعلى هذا استقر العمل بين أهل الحديث"، واحتجوا بما رواه البخاري عن محمود بن الربيع قال:"عقلت من النبي صلي الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين. "

قال النووي وابن الصلاح [2]"والصواب اعتبار التمييز، فإن فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزاً صحيح السماع، وإن لم يبلغ خمساً، وإلا فلا". وهذا ظاهر. ولا حجة فيما احتجوا به من رواية محمود بن الربيع، لأن الناس يختلفون في قوة الذاكرة،

ولعل غير محمود بن الربيع لا يذكر ما حصل له وهو ابن عشر سنين، وأيضا فان ذكره مجة وهو ابن خمس سنين لا يدل علي أنه يذكر كُلَّ ما رأي أو سمع، والحق أن العبرة في هذا بأن يميز الصبي ما يراه ويسمعه، وأن يفهم الخطاب ويرد الجواب. وعلى هذا يحمل ما روي عن موسى بن هارون الحمّال، فإنه سئل:"متى يسمع الصبي الحديث؟ " فقال "إذا فرّق بين البقرة والحمار". وكذلك ما روي عن أحمد بن حنبل فإنه سئل عن ذلك؟ فقال "إذا عقل وضبط"، فذُكر له عن رجل أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنه؟ فأنكر قوله هذا وقال: بئس القول! فكيف يصنع بسفيان ووكيع ونحوهما [3]؟ ! "

هذا في السماع والرواية. وأما كتابة الحديث وضبطه، فإنه لا اختصاص لهما بزمن معين، بل العبرة فيهما باستعداده وتأهُّله لذلك، وذهب السيوطي إلى أن تقديم الإشتغال بالفقه على كتابة الحديث أسدّ وأحسن، وهو كما قال في تعلم مبادئ الفقه، لا في التوسع فيه فإن الإشتغال بالحديث والتوسع فيه - بعد تعلم مبادئ الفقه - يقوي ملكة التفقه في الكتاب والسنة في طالب العلم ويضعه على الجادة المستقيمة في استنباط الأحكام منهما، وينزع من قلبه التعصب للأراء والأهواء. وعندي أنه ينبغي لطالب العلم المشتغل بالحديث أن يكثر من درس الأدب واللغة، حتى يحسن فقه الحديث وهو كلام أفصح العرب وأقومهم لسانا - صلي الله عليه وسلم. [شاكر]

[1] المقدمة ص 143

[2]

المقدمة ص 315، والتقريب (1/ 416 - التدريب).

[3]

انظر مسائل عبد الله بن أحمد عن أبيه (ص 446)، وطبقات الحنابلة 1/ 182.

ص: 240

وَنَظَرَ فِي الرَّأْيِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا جَاعَ يَبْكِي (1).

وَأَنْوَاعُ تَحَمُّلِ الْحَدِيثِ ثَمَانِيَةٌ (2):

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: السَّمَاعُ

وتارة (3) يكون من لفظ المسمع حفظاً، أو من كتاب. قال القاضي عياض (4): فلا خلاف حينئذ أن يقول (5) السامع: "حدثنا" أو "أخبرنا"، و "أنبأنا": و "سمعت"(6)، و "قال لنا"(7)، و "ذكر لنا فلان".

وقال الخطيب (8): أرفع العبارات "سمعت" ثم "حدثنا"، و "حدثني"، قال: وقد كان جماعة من أهل العلم لا يكادون يخبرون عما سمعوه من الشيخ إلا بقولهم "أخبرنا"، ومنهم حماد بن سلمة، وابن المبارك، وهشيم بن بشير، ويزيد بن هارون، وعبد الرزاق، ويحيى بن يحيى التميمي، وإسحاق بن راهويه، وآخرون كثيرون (9).

قال ابن الصلاح (10): وينبغي أن يكون "حدثنا" و "أخبرنا" أعلى من

(1) أخرجه الخطيب في الكفاية (1/ 227).

(2)

انظر المقدمة (ص 316 - 361).

(3)

في الأصل "وبأن" والمثبت من باقي المخطوطات و "غراس".

(4)

الإلماع ص 78.

(5)

في "ط": يعقل.

(6)

في المطبوع "وسمعت فلانا يقول"

(7)

في المطبوع: "وقال لنا فلان".

(8)

الكفاية 2/ 214 بتصرف.

(9)

الكفاية [2/ 216 - 217].

(10)

انظر المقدمة ص 317 بتصرف، لكن عبارة ابن الصلاح أوضح من هذا، حيث قال "حدثنا"، و "أخبرنا" أرفع من "سمعت" من جهة أخرى، وهي أنه ليس في "سمعت" دلالة على أن الشيخ روَّاه الحديث وخاطبه به، وفي حدثنا، =

ص: 241

"سمعت"، لأنه قد لا يقصده بالإسماع، بخلاف ذلك. والله أعلم (1).

"حاشية" قلت: بل الذي ينبغي أن يكون أعلى العبارات على هذا أن يقول: "حدثني"، فإنه إذا قال "حدثنا" أو "أخبرنا"، قد لا يكون قصده الشيخ بذلك أيضاً، لاحتمال أن يكون في جمع كثير. والله أعلم.) (2)

الثاني:

القراءة على الشيخ حفظاً أو من كتاب (3): هو "العرض" عند الجمهور. والرواية بها سائغة عند العلماء، إلا عند شُذاذ (4) لا يعتد بخلافهم «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] قال في التدريب [1]: "إن ثبت عنه، وهو أبو عاصم النبيل، رواه الرامهرمزي [ص 420 - المحدث الفاصل] عنه". وروى الخطيب عن وكيع قال: ما أخذت حديثا قط عرضاً [2].

وعن محمد بن سلام: أنه أدرك مالكا والناس يقرؤون عليه، فلم يسمع منه لذلك [3]. وكذلك عبد الرحمن بن سلام الجمحي، لم يكتف بذلك، فقال مالك: =

= وأخبرنا دلالة على أنه خاطبه به.

(1)

لم يذكر ابن كثير رحمه الله الكلام على "أنبأنا"، "ونبأنا"، وقد أشار إليها ابن الصلاح ص 317

(2)

ساقط من "ط".

(3)

انظر المقدمة ص 318

(4)

في "ط"، "ع"، "غراس": شذوذ.

_________

[1]

[1/ 425]

[2]

أخرجه الخطيب في الكفاية 2/ 190 باب ذكر الرواية عمن كان يختار السماع من لفظ المحدث.

[3]

أخرجه الخطيب في الكفاية 2/ 191

ص: 242

ومستند العلماء حديث ضمام بن ثعلبة، وهو في الصحيح (1). وهي دون السماع من لفظ الشيخ.

وعن مالك وأبي حنيفة وابن أبي ذئب (2): أنها أقوى.

وقيل: هما سواء، ويُعزى ذلك إلى أهل الحجاز والكوفة، وإلى مالك أيضاً وأشياخه من أهل المدينة، وإلى اختيار البخاري (3).

والصحيح الأول، وعليه علماء المشرق «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= أخرجوه عني. (ص 131)[1][شاكر]

«1» [شاكر] القراءة على الشيخ تسمى عندهم "عرضا"، وهي جائزة في الرواية، سواء في ذلك أكان الراوي يقرأ من حفظه، أم من كتابه، أم سمع غيره يقرأ كذلك على الشيخ بشرط أن يكون الشيخ حافظًا لما يقرأ عليه، أو يقابل علي أصله =

(1) صحيح البخاري [1/ 22 - 63] باب القراءة والعرض على المحدث ورأَى الحسن، والثوري، ومالك:«القراءة جائزة» واحتج بعضهم في القراءة على العالم "بحديث ضمام بن ثعلبة".

(2)

زاد في محاسن الاصطلاح (ص 320 - المقدمة)"والحسن بن عمارة وابن جريج".

(3)

انظر المقدمة ص 320، وزاد في محاسن الاصطلاح "ص 320، 321 - المقدمة": وممن سوى بينهما علي بن أبي طالب فقال: "القراءة على العالم بمنزلة السماع منه، وابن عباس قال: اقرءوا علي فإن قراءتكم علي كقراءتي عليكم".اهـ

وانظر هذه الآثار في "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" ص 428، 429 باب في القراءة على المحدث.

_________

[1]

انظر ((المحدث الفاصل)) ص 421، و ((الكفاية)) (2/ 192، 193).

ص: 243

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= الصحيح، أو يكون الأصل بيد القارئ، أو بيد أحد المستمعين الثقات.

قال الحافظ العراقي [1]: "وكذا إن كان ثقة من السامعين يحفظ ما قُرئ وهو مستمع غير غافل، فذلك كاف أيضًا". نقله السيوطي في التدريب [2] وأقره. وهو عندي غير متجه، لأنه إذا كان الشيخ غير حافظ لروايته ولا يقابل هو أو غيره على أصله الصحيح، وكان المرجع إلى الثقة بحفظ أحد السامعين: كانت الرواية في الحقيقة عن هذا السامع الحافظ. وليست عن الشيخ المسموع منه. وهذا واضح لا يحتاج إلى برهان.

وقال الحافظ ابن حجر [3] في باقي الصور: "ينبغي ترجيح الإمساك - أي إمساك الأصل- في الصور كلها على الحفظ، لأنه خوَّان".

والرواية عن الشيخ قراءة عليه: "رواية صحيحة بلا خلاف في جميع ذلك، إلا ما حُكي عن بعض من لا يعتد به" كما قال النووي [التقريب مع التدريب 1/ 425].

وممن خالف في ذلك وكيع، قال:"ما أخذت حديثا عرضا قطُّ".

وحكى في التدريب [4](ص 131) القول بصحتها عن كثير من الصحابة والتابعين ثم قال: "ومن الأئمة -يعني القائلين بالصحة- ابن جُرَيْج، والثوري، وابن أبي ذئب، وشُعْبة، والأئمة الأربعة، وابن مهدي، وشَرِيك، والليث، وأبو عُبيد، والبخاري، في خلق لا يُحْصَوْنَ كثرةً. وروى الخطيب [5] عن إبراهيم بن سعد أنه قال: لا تَدَعُونَ تَنَطُّعكم يا أهل العراق، العرض مثل السماع! ،

واستدل الحُمَيْدِي ثم البخاري على ذلك بحديث ضمام بن ثعلبة، لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إني سائلك فمشدِّد عليك، ثم قال: أسألك بربك ورب مَنْ قبلك، آلله أرسلك؟ الحديث [6]، في سؤاله عن شرائع الدين، فلما فرغ قال: آمنت =

[1]((شرح ألفية العراقي)) للعراقي ص 185، وقال العراقي بعدها:"ولم يذكر ابن الصلاح هذه المسألة الأخيرة"

[2]

التدريب (1/ 424)

[3]

نقله السيوطي في التدريب 1/ 424

[4]

التدريب (1/ 425)

[5]

الخطيب (الكفاية 2/ 178)

[6]

(البخاري رقم: 63)

ص: 244

فإذا حدث بها يقول "قرأت" أو "قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به" أو "حدثنا" أو "أخبرنا قراءة عليه"(1).

وهذا واضح، فإن أطلق ذلك جاز عند مالك، والبخاري، ويحيى بن سعيد القطان، والزهري، وسفيان بن عيينة، ومعظم الحجازيين والكوفيين) (2)، حتى إن منهم من سوغ "سمعت" أيضاً، ومنع من ذلك أحمد، والنسائي، وابن المبارك، ويحيى بن يحيى التميمي.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= بما جئتَ به، وأنا رسول من ورائي، فلما رجع إلى قومه اجتمعوا إليه، فأبلغهم، فأجازوه، أي قَبلوه منه وأسلموا. وأسند البيهقي في المَدْخَل [1] عن البخاري قال: قال أبو سعيد الحدَّاد [2]: عندي خبرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة على العالم، فقيل له، قال: قصة ضمام: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم"

وقد عقد البخاري لذلك باباً في صحيحه في كتاب العلم، وهو "باب القراءة والعرض على المحدث".

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح [3] (ج 1 ص 137 - 138 طبعة بولاق": وقد انقرض الخلاف في كون القراءة على الشيخ لا تجزئ، وإنما كان يقوله بعض المتشددين من أهل العراق". [شاكر]

(1) في "ح": "أخبرنا" أو "حدثنا قراءة عليه".

(2)

مطموس في "ب"

_________

[1]

لم أجده في المدخل، وإنما هو في "معرفة السنن" 1/ 168 ط. قلعجي

[2]

وقع في نسخ تدريب الراوي (طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف، وطبعة الفريابي)"أبو سعيد الحذاء" -بالمعجمة- ولم يعلق عليها أحد منهم، ووقعت في طبعة الشيخ طارق "الحداد" - بالمهملة- على الصواب.

[3]

1/ 150 - السلفية الأولى

ص: 245

والثالث «1» : أن يجوز "أخبرنا" ولا يجوز "حدثنا" وبه قال الشافعي، ومسلم، والنسائي أيضاً، وجمهور المشارقة، بل نقل ذلك عن أكثر المحدثين (1). وقد قيل: إن أول من فرق بينهما ابن وهب.

قال الشيخ أبو عمرو (2): وقد سبقه إلى ذلك ابن جريج؛ والأوزاعي، قال: وهو الشائع الغالب على أهل الحديث «2» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] يعني القول الثالث في الرواية بالقراءة على الشيخ، وبماذا يعبر الراوي عنها عند الرواية. [شاكر]

«2» [شاكر] الراوي إذا قرأ على شيخه وأراد أن يروي عنه، فلا يجوز له أبدًا على الصحيح المختار- أن يقول "سمعت" لأنه لم يسمع من شيخه، فيكون غير صادق في قوله هذا وإنما الأحسن أن يقول:"قرأت على فلان وهو يسمع". إن كان قرأ بنفسه، أو:"قرئ على فلان وهو يسمع وأنا أسمع" إن كان القارئ غيره، أو نحو هذا مما يؤدي هذا المعنى. وله أيضًا أن يقول:"حدثنا فلان بقراءتي عليه"، أو "قراءة عليه" و "أخبرنا" كذلك. واختلف في جواز الرواية في هذا بقوله "حدثنا" أو "أخبرنا" بالإطلاق - من غير أن يصرح بالقراءة على المروي عنه - فمنعه بعضهم، وأجازه آخرون، بل حكاه القاضي عياض عن الأكثرين.

والصحيح المختار عند المتأخرين من الحفاظ إجازة قوله: "أخبرنا"، ومنع قوله:"حدثنا" وممن كان يقول به النسائي، وهو مروي عن أبي جريج والأوزاعي، وأول من فعله بمصر عبد الله بن وهب.

قال ابن الصلاح [1](ص 143 - 144): "الفرق بينهما صار هو الشائع الغالب =

(1) انظر الإلماع ص 80، والمقدمة ص 321، 322.

(2)

انظر: المقدمة ص 322، وانظر المحدث الفاصل ص 436، والكفاية 2/ 250، 251

_________

[1]

المقدمة (ص 323)

ص: 246

"فرع": إذا قرأ على الشيخ من نسخة وهو يحفظ ذلك، فجيد قوي، وإن لم يحفظ والنسخة بيد موثوق به، فكذلك؛ على الصحيح المختار الراجح، ومنع من ذلك مانعون (1)، وهو عسر. فإن لم تكن

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= على أهل الحديث، والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف. وخير ما يقال فيه: إنه اصطلاح منهم، أرادوا به التمييز بين النوعين، ثم خُصص النوع الأول بقول:"حدثنا" لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة. والله أعلم.

ومن أحسن ما يحكى عمن يذهب هذا المذهب: ما حكاه الحافظ أبو بكر البر قاني عن أبي حاتم محمد بن يعقوب الهروي - أحد رؤساء أهل الحديث بخراسان- أنه قرأ على بعض الشيوخ عن الفِرَبري صحيح البخاري. وكان يقول له في كل حديث: "حدثكم الفربري" فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر أنه سمع الكتاب من الفربري قراءة عليه. فأعاد أبو حاتم قراءة الكتاب كله، وقال له في جميعه "أخبركم الفربري"[1]. والله أعلم. وهذا تكلف شديد من أبي حاتم الهروي رحمه الله [شاكر].

(1) نقل السخاوي في فتح المغيث [2/ 355] بعض الذين منعوا ذلك فقال "فبعض نظار الأصول وهو إمام الحرمين وكذلك المازري في شرح البرهان يبطله أي السماع وحكى عياض أن القاضي أبا بكر الباقلاني تردد فيه قال وأكثر ميله إلى المنع بل نقله الحاكم عن مالك وأبي حنيفة لأنهما لا حجة عندهم إلا بما رواه الراوي من حفظه".

[قلنا]: هذا الذي حكاه السخاوي عن إمام الحرمين قاله في البرهان (1/ 641 - 644 ط. الديب) وحكى أيضا فيه قول القاضي أبو بكر الباقلاني. وكلام مالك أخرجه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 27 دار إحياء التراث) والخطيب في الكفاية (2/ 83) ولفظه: "قال أشهب وسئل مالك أيؤخذ ممن =

_________

[1]

ذكره الخطيب في "الكفاية" 2/ 253 عن شيخه أبي بكر البرقاني

ص: 247

نسخة إلا التي بيد القارئ وهو موثوق به فصحيح أيضاً (1).

"فرع": ولا يشترط أن يقر (2) الشيخ بما قُرئ عليه نطقاً، بل يكفي سكوته وإقراره عليه، عند الجمهور. وقال آخرون من الظاهرية وغيرهم: لا بد من استنطاقه بذلك (3)، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق "الشيرازي"(4)، وابن الصباغ، وسُليم الرازي «1» .

قال ابن الصباغ (5): إن لم يتلفظ لم تجز الرواية، ويجوز العمل بما سمع عليه (6).

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] وهم من الفقهاء الشافعين كما ذكره ابن الصلاح [1][شاكر].

= لا يحفظ وهو ثقة صحيح أيؤخذ عنه الأحاديث فقال لا يؤخذ منه أخاف أن يزاد في كتبه بالليل".

(1)

انظر: المقدمة ص 324 - 325

(2)

في "ب": يقرأ.

(3)

انظر هذه المسالة في: الكفاية 2/ 208 - 211 باب ما جاء في إقرار المحدث بما قرئ عليه وسكوته وإنكاره، والإلماع ص 84، والمقدمة ص 324

(4)

ساقط من "ط"، "ع""ب".

(5)

عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، أبو نصر، ابن الصباغ: فقيه شافعي 400 - 477 هـ من أهل بغداد، ولادة ووفاة، له "الشامل - مخطوط" في الفقه، و "تذكرة العالم"، و "العدة" في أصول الفقه. "الأعلام للزركلي"

(6)

انظر المقدمة ص 325، وقال الخطيب في الكفاية (2/ 208): "والذي نذهب إليه أنه متى نصب نفسه للقراءة عليه وأنصت إليها مختارا لذلك غير مكره وكان متيقظا غير غافل جازت الرواية عنه لما قرئ عليه ويكون إنصاته =

_________

[1]

مقدمة ص 325

ص: 248

"فرع": قال ابن وهب والحاكم: يقول «1» فيما قرأ على الشيخ

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] يعني أن الحاكم أبا عبد الله صاحب المستدرك على الصحيحين يذهب إلى الفرق بين "حدثني" و "حدثنا" وكذلك بين "أخبرني" و "أخبرنا"، وسبقه إلى ذلك عبد الله بن وهب المصري صاحب مالك رحمه الله.

فما توهِمهُ عبارة المؤلف من أن ابن وهب نقل عن الحاكم، ليست على ظاهرها. بل قوله: و "الحاكم" معطوف على ابن وهب، وجملة "يقول فيما قرئ على الشيخ" إلخ. هي مقول "قال" ومفعوله، كما هي موضحة في المقدمة لابن الصلاح [ص 325]. قاله الشيخ عبد الرزاق حمزة.

أقول: وعبارة ابن الصلاح عن الحاكم نصها (ص 145 - 146): قال - يعني الحاكم: الذي أختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري -: أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظاً وليس معه أحد: "حدثني فلان": وما يأخذه من المحدث لفظاً ومعه غيره: "حدثنا فلان"، وما قرأ على المحدث بنفسه:"أخبرني فلان وما قرئ على المحدث وهو حاضر: "أخبرنا فلان". ثم قال: وقد روينا نحو ما ذكره عن عبد الله بن وهب صاحب مالك رضي الله عنهما. وهو حسن رائق. فإن شك في شيء عنده أنه من قبيل "حدثنا أو أخبرنا" أو من قبيل "حدثني أو أخبرني". لتردده أنه كان عند التحمل والسماع وحده أو مع غيره: فيحتمل أن نقول: ليقال) (حدثني أو أخبرني" لأن عدم غيره هو الأصل. ولكن ذكر علي بن عبد الله المديني الإمام، عن شيخه يحيى بن سعيد القطان الإمام، فيما إذا شك أن الشيخ قال "حدثني فلان" أو قال:"حدثنا فلان": أنه يقول: "حدثنا". وهذا يقتضي فيما إذا شك في سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول: "حدثنا" وهو عندي يتوجه بأن "حدثني" أكمل مرتبة، و "حدثنا" أنقص مرتبة فليقتصر إذا شك على الناقص، لأن عدم الزائد هو الأصل. وهذا لطيف

ثم إن هذا التفصيل من أصله مستحب، وليس بواجب، حكاه الخطيب عن أهل العلم كافة. فجائز إذا سمع وحده أن يقول "حدثنا" =

= واستماعه قائما مقام إقراره فلو قال له القارئ عند الفراغ كما قرأت عليك فأقر به كان أحب إلينا".

ص: 249

وهو وحده (1): "حدثني"، فإن كان معه غيره:"حدثنا"، وفيما قرأه على الشيخ وحده:"أخبرني"، فإن قرأه غيره:"أخبرنا"(2).

قال ابن الصلاح (3): وهذا حسن فائق.

فإن شك أتى بالمحقق (4)، وهو الوحدة:"حدثني" أو "أخبرني"، عند ابن الصلاح والبيهقي، وعن يحيى بن سعيد القطان: يأتي بالأدنى، وهو "حدثنا" أو "أخبرنا"(5).

قال الخطيب البغدادي (6): وهذا الذي قاله ابن وهب مستحب، لا مستحق، عند أهل العلم كافة «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= أو نحوه لجواز ذلك للواحد في كلام العرب. وجائز إذا سمع في جماعة أن يقول "حدثني"، لأن المحدث حدثه وحدث غيره [شاكر].

«1» [شاكر] كتب المتقدمين لا يصح لمن يرويها أن يغير فيها ما يجده من ألفاظ المؤلف أو شيوخه في قولهم "حدثنا"، أو "أخبرنا"، أو نحو ذلك-: بغيره، وإن كان الراوي يرى التسوية بين هذه الألفاظ، لاحتمال أن يكون المؤلف أو شيوخه ممن يرون التفرقة بينهما، ولأن التغيير في ذاته ينافي الأمانة في النقل.

وأما إذا روى الراوي حديثًا عن أحد الشيوخ - وهذا في غير الكتب المؤلفة- =

(1) في "ط"، "ع": فيما قراءة عليه الشيخ وهو وحده. وفي "ب": فيما قراءه هو علي الشيخ وحده.

(2)

كلام ابن وهب ذكره القاضي عياض في الإلماع ص 126، والتقييد والإيضاح ص 172، وكلام الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث"، النوع الثاني والخمسون ص 260

(3)

المقدمة ص 325

(4)

في "غراس": "بالمتحقق"

(5)

قارن بما في المقدمة ص 325، 326.

(6)

الكفاية 2/ 235.

ص: 250

"فرع": اختلفوا في صحة سماع من ينسخ «1» أو إسماعِه (1): فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي (2) وأبو إسحاق (3) الأسفرائيني. وقال (4) أبو بكر أحمد بن إسحاق الصِّبْغي (5) يقول "حضرت"، ولا يقول "حدثنا" ولا "أخبرنا"(6). وجوزه موسى بن هارون الحافظ (7).

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= فإن كان الشيخ ممن يرى التفرقة بين الإخبار والتحديث، فإنه لا يجوز للراوي إبدال أحدهما من الآخر، وإن كان الشيخ ممن يرى التسوية بينهما. جاز للراوي ذلك، لأنه يكون من باب الرواية بالمعنى. هكذا قال بعضهم.

وقال آخرون بمنعه مطلقا. وهو الحق، لأن هذا العمل ينافي الدقة في الرواية. ولذلك قال أحمد بن حنبل [1]- فيما نقله عن ابن الصلاح [2] (ص 146):"اتبع لفظ الشيخ في قوله حدثنا وحدثني وسمعت وأخبرنا، ولا تعده"[3][شاكر].

«1» [شاكر] قوله "ينسخ"، يعني وقت القراءة، كما قيده بذلك ابن الصلاح، وأبو إسحاق الإسفراييني: هو الفقيه الأصولي الشافعي، وأبو بكر الصبغي: أحد أئمة الشافعيين بخراسان، وهو بكسر الصاد المهملة وسكون الباء الموحدة وبالغين المعجمة، ثم ياء النسبة في آخره [شاكر].

(1) المقدمة ص 327

(2)

انظر الكفاية للخطيب 1/ 232، 233

(3)

في "ط": إسحاق

(4)

في "ح"، "ب": كان. وهي الأنسب لسياق الكلام.

(5)

في "ط"، "ع": الضبعي.

(6)

أخرجه الخطيب في الكفاية 1/ 233.

(7)

أخرج الخطيب في الكفاية 1/ 236 روايتين عن موسى بن هارون؛ =

_________

[1]

الخطيب في الكفاية 2/ 232

[2]

المقدمة (ص 326)

[3]

هذه المسألة ذكرها ابن الصلاح في المقدمة ص 326 ولم يذكرها ابن كثير، ولعل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله أوردها استدراكا على ابن كثير

ص: 251

وكان ابن المبارك ينسخ وهو يُقرأ عليه (1).

وقال أبو حاتم «1» : كتبت (2) عند عارم (3) وعمرو بن مرزوق (4).

وحضر الدارقطني وهو شاب، مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي، والدارقطني ينسخ جزءاً، فقال: له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ! فقال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك، فقال له: كم أملى الشيخ حديثاً إلى الآن؟ فقال الدارقطني: ثمانية عشر حديثاً، ثم سردها كلها عن ظهر قلب، بأسانيدها ومتونها، فتعجب الناس منه «2» (5)، والله أعلم.

[قلت](6): وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المِزّي «3» ، تغمده الله

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] أبو حاتم: هو ابن حبان البستي، صاحب الصحيح [1][شاكر].

«2» [شاكر] بياض بالأصل ليس عن سقط في الكلام، ولكن الكاتب يتركه عند آخر كلام وبدء كلام جديد. وسيتكرر هذا. فنكتفي بما نبهنا عليه هنا [شاكر].

«3» [شاكر] بكسر الميم وتشديد الزاي المكسورة، نسبة إلى "المزة"، وهي =

= الأولى لما سأل عن ذلك قال "لا بأس"، والثانية قال:"جائز"

(1)

أخرج الرواية بطولها الخطيب في الكفاية 1/ 234

(2)

في "ط"، "ع": كنت.

(3)

في "ط"، "ع"، "ب": عازم.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"[1/ 367]، والخطيب في "الكفاية"(1/ 235).

(5)

أخرجه الخطيب في التاريخ (13/ 487) ط بشار، وابن عساكر في التاريخ 43/ 98 ط دار الفكر.

(6)

مثبت من "ط"، "ع". وفي "ح": مكانها فراغ.

_________

[1]

الصواب أن أبا حاتم هو: أبو حاتم الرازي وانظر هذه الرواية في [الجرح والتعديل 1/ 367] لابن أبي حاتم وهذا كافي، والله أعلم. [قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا، والصواب «وهذا كافٍ» )]

ص: 252

برحمته، يكتب في مجلس السماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً جيداً بيناً واضحاً، بحيث يتعجب القارئ من نفسه، أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ، والشيخ ناعس وهو أنبه منه! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

قال ابن الصلاح (1): وكذلك التحدث في مجلس السماع، وما إذا كان القارئ سريع القراءة، أو (2) كان السامع بعيداً من القارئ. ثم اختار أنه يغتفر اليسير من ذلك، وأنه إذا كان يفهم ما يقرأ مع النسخ فالسماع صحيح. وينبغي أن يُجبر (3) ذلك بالإجازة بعد ذلك كله (4).

(قلت)(5): هذا هو الواقع في زماننا اليوم: أن يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم، (والبعيد من القارئ، والناعس،

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= قرية كبيرة من ضواحي دمشق. والحافظ المزي هو صاحب "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" الذي اختصره الحافظ الذهبي، في كتاب سماه "تهذيب التهذيب"، طبعت خلاصته للخزرجى، وكذلك اختصره الحافظ ابن حجر العسقلاني

في نحو ثلث الأصل، وسماه "تهذيب التهذيب" طبع بحيدر آباد الدكن بالهند، ومختصره "تقريب التهذيب" في مجلد وسط، طبع كذلك خمس مرات بالهند. وللحافظ ابن كثير، مؤلف هذا المختصر، كتاب "التكميل في أسماء الثقات والضعفاء والمجاهيل" جمع فيه بين كتابي شيخيه المزي والذهبي، وهما:"التهذيب وميزان الاعتدال"، وزاد عليهما جرحاً وتعديلاً. والحافظ ابن كثير، كان زوجاً لبنت الحافظ المزي، رحمهم الله جميعاً [شاكر].

(1) انظر المقدمة ص 328

(2)

في "ط": و.

(3)

في "ب": يجيز.

(4)

انظر المقدمة ص 328

(5)

ساقط من "ح".

ص: 253

والمتحدث، والصبيان الذين لا ينضبط) (1) أمرهم بل يلعبون غالباً، ولا يشتغلون بمجرد السماع. وكل هؤلاء قد كان يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي رحمه الله.

وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي (2): أنه زُجر في مجلسه الصبيان عن اللعب، فقال: لا تزجروهم، فإنَّا سمعنا مثلهم.

وقد روي عن الإمام العَلم عبدالرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه (3).وكذا قال غير واحد من الحفاظ (4).

وقد كانت المجالس تعقد ببغداد. وبغيرها من البلاد، فيجتمع الفئام من الناس، بل الألوف المؤلفة، ويصعد المُستملي. على الأماكن المرتفعة، ويبلغون عن المشايخ ما يملون، فيحدث الناس عنهم بذلك، مع ما يقع في مثل هذه المجامع من اللغط والكلام.

وحكى الأعمش: أنهم كانوا في حلقة إبراهيم إذا لم يسمع

(1) ساقط من "ط"، "ع".

(2)

سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي. ثم الصالحي. قاضي القضاة، تقي الدين أبو الفضل: ولد في منتصف رجب، سنة ثمان وعشرين وستمائة. [ذيل طبقات الحنابلة 4/ 398]

(3)

أخرجه ابن عدي في "الكامل" بسنده إلى ابن مهدي 1/ 201 بلفظ "يكفي صاحب الحديث من الحديث شمه". وتوجيه القول كما نقل ابن الصلاح في المقدمة (ص 330) عن حمزة بن محمد الحافظ، قال "يعني إذا سئل عن أول شيء عرفه وليس يعني التسهل في السماع".

(4)

لعله يقصد ابن منده؛ فقد ذكر ابن الصلاح عنه ذلك في المقدمة ص 330.

ص: 254

أحدهم الكلمة جيداً استفهمها من جاره (1).

قلت: وقد وقع هذا في بعض الأحاديث عن عقبة بن عامر (2)،

وجابر بن سَمُرة (3) وغيرهما، وهذا هو الأصلح للناس. وإن كان قد تورع آخرون وشددوا في ذلك، وهو القياس «1» . والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] كان بعض الشيوخ الكبار من المحدثين، يقصدهم الطالبون ويحرصون على الرواية عنهم. فيعظم الجمع في مجالسهم جدًّا، حتى يصعب على الشيخ إسماع كل الحاضرين. فكان لكل واحد من هؤلاء شخص- أو أكثر- يُسمع باقي المجلس، ويسمى هذا "مستمليا".

فإذا كان الراوي لم يسمع لفظ الشيخ، وسمعه من المستملي، وكان الشيخ يسمع ما يمليه مستمليه- فلا خلاف في جواز الرواية عن الشيخ، لأنه يكون من باب الرواية بالقراءة على الشيخ. وأما إن كان الشيخ لا يسمع ما يقوله المستملي، =

(1) انظر الكفاية 1/ 248

(2)

يشير إلى حديث عقبة بن عامر قال: "كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يحدث الناس فأدركت من قوله ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة" قال فقلت ما أجود هذه فإذا قائل بين يدي يقول التي قبلها أجود فنظرت فإذا عمر قال إني قد رأيتك جئت آنفا قال ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.

أخرجه مسلم باب الذكر المستحب عقب الوضوء (234).

(3)

يشير إلى حديث جابر بن سمرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلهم من قريش "أخرجه مسلم" باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش (1821).

ص: 255

فرع (1): ويجوز السماع من وراء حجاب، كما كان السلف يروون عن أمهات المؤمنين، واحتج بعضهم بحديث "حتى ينادي ابن أم مكتوم"(2).

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= فقد اُختلف في ذلك: فذهب جماعة من المتقدمين وغيرهم إلى أنه يجوز للراوي أن يرويه عن الشيخ وقال غيرهم: لا يجوز ذلك، بل على الراوي أن يبين أنه سمعه من المستملي. وهذا القول رجحه ابن الصلاح [ص 330].

وقال النووي [1]: إنه الصواب الذي عليه المحققون.

والقول الأول - بالجواز- هو الراجح عندي.

ونقل في التدريب [2] أنه هو الذي عليه العمل؛ لأن المستملي يُسمع الحاضرين لفظ الشيخ الذي يقوله، فيبعد جدًّا أن يحكي عن شيخه - وهو حاضر في جمع كبير- غير ما حدث به الشيخ، ولئن فعل ليردن عليه كثيرون ممن قرب مجلسهم من شيخهم، وسمعوه وسمعوا المستملي يحكي غير ما قاله. وهذا واضح جدًّا.

وهذا الخلاف أيضًا فيما إذا لم يسمع الراوي بعض الكلمات من شيخه فسأل عنها بعض الحاضرين، قال الأعمش:"كنا نجلس إلى إبراهيم، فتتسع الحلقة، فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه، فيسأل بعضهم بعضا عما قال، ثم يروونه وما سمعوه منه"[3]. وعن حماد بن زيد: "أنه سأله رجل في مثل ذلك، فقال: يا أبا إسماعيل، كيف قلت؟ فقال: استفهم ممن يليك"[4][شاكر].

(1) ساقط من "ح"، انظر المقدمة ص 330، وانظر فتح المغيث 2/ 383 - 385، والتدريب 1/ 446

(2)

أخرجه البخاري في عدة مواضع منها رقم (617)، ومسلم رقم (1092) =

_________

[1]

قال النووي في التقريب (1/ 443 - التدريب): "ولو عظم مجلس المملي فبلغ عنه المستملي فذهب جماعة من المتقدمين وغيرهم إلى أنه يجوز لمن سمع المستملي أن يروي ذلك عن المملي، والصواب الذي قاله المحققون: أنه لا يجوز ذلك".

[2]

1/ 443، وانظر التبصرة والتذكرة ص 198، والكفاية 1/ 243

[3]

أخرجها الخطيب في الكفاية 1/ 248

[4]

أخرجها الخطيب في الكفاية 1/ 246

ص: 256

وقال بعضهم عن شعبة: إذا حدثك من لا ترى شخصه فلا ترو عنه، فلعله شيطان قد تصور في صورته، يقول "حدثنا"، "أخبرنا"(1). وهذا عجيب وغريب جداً!

فرع (2): إذا حدثه بحديث ثم قال: "لا تروه عني"، أو "رجعت عن إسماعك"، ونحو ذلك، ولم يبد مستنداً سوى المنع اليابس، أو أسمع قوماً فخص بعضهم، وقال: "لا أجيز لفلان أن يروي عني [شيئا](3) فإنه لا يمنع من صحة الرواية عنه، ولا التفات إلى قوله.

وقد حدث النسائي عن الحارث بن مسكين (4) والحالة هذه؛ وأفتى الشيخ أبو إسحاق الأسفرائيني (5) بذلك «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] كل من سمع عن شيخ رواية فله أن يرويها عنه سواء أقصده الشيخ بالتسميع أم لم يقصده، وكذلك إذا منعه من الرواية عنه، كأن قال له:"لا تروه عني"، أو "لا آذن لك في الرواية عني"، أو نحو ذلك، وكذلك إذا رجع الشيخ =

= ولفظه "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم"

(1)

أخرجه ابن عدي في الكامل 1/ 117، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص 599، والإلماع ص 137.

(2)

ساقط من "ح"، انظر المحدث الفاصل ص 450، الكفاية 2/ 349، 350، المقدمة ص 331، وفتح المغيث للسخاوي 2/ 386 - 388، والتدريب 1/ 447.

(3)

ساقط من الأصل، والمثبت من باقي المخطوطات.

(4)

انظر القصة مسندة بالوجادة في "التقييد لمعرفة رواة الأسانيد" للحافظ أبي بكر البغدادي "ابن النقطة الحنبلي" 1/ 143 ط دار الكتب العلمية، وانظر جامع الأصول لابن الأثير 1/ 196 ط دار الفكر.

(5)

أخرجها الخطيب في الكفاية 1/ 248.

ص: 257

القسم الثالث (1)«1» : الإجازة (2):

والرواية بها جائزة عند الجمهور، وادعى القاضي أبو الوليد الباجي الإجماع على ذلك (3). ونقضه ابن الصلاح (4) بما رواه الربيع عن

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= عن حديثه، بأن قال له:"رجعت عن إخبارك"، أو "رجعت عن اعتمادي إياك فلا تروه عني" لأن العبرة في الرواية بصدق الراوي في حكاية ما سمعه من الشيخ وصحة نقله عنه، فلا يؤثر في ذلك تخصيص الشيخ بعض الرواة دون بعض، أو نهيه عن روايته عنه، لأنه لا يملك أن يرفع الواقع، من أنه حدث الراوي وأن الراوي سمع منه. وظاهر أن رجوع الشيخ لا يمنع من الرواية إذا كان مع إقراره بصحة روايته، وأما إذا كان هذا على معنى شكه فيما حدث، وعلى معنى ظهور أنه أخطأ فيما روى: فهذا يؤثر في روايته، ويجب على الراوي أن يمتنع من رواية ما رجع عنه شيخه، أو يذكر الرواية ورجوع الشيخ عنها، ليظهر للناظر ما فيها من العلة القادحة [شاكر].

«1» [شاكر] سقط من الأصل. وزدناه تصحيحا وإكمالا [شاكر].

(1) ساقط من: "ح"، وفي "ط"، "ع": الثالث

(2)

انظر الكفاية 2/ 267، والإلماع ص 88 - 107، والمقدمة ص 331 - 345، وشرح علل الترمذي 1/ 270 "المسألة الرابعة: الرواية بالإجازة"، وفتح المغيث 2/ 389، والتدريب 1/ 447 - 460

قال الخطيب في الكفاية 2/ 267: "اختلف الناس في الإجازة للأحاديث فذهب بعضهم إلى صحتها، ودَفَعَ ذلك بعضهم، والذين قبلوها أكثر، ثم اختلف من قَبِلها في وجوب العمل بما تضمنت الأحاديث من الأحكام، فقال أهل الظاهر وبعض المتأخرين ممن تابعهم لا يجب العمل بها لأنها جارية مجرى المراسيل والرواية عن المجاهيل وقال الدهماء من العلماء أنه يجب العمل بها"

(3)

انظر الإلماع ص 89

(4)

المقدمة ص 332

ص: 258

الشافعي: أنه منع من الرواية بها (1).

وبذلك قطع الماوردي. وعزاه إلى مذهب الشافعي (2)، وكذلك قطع بالمنع القاضي حسين بن محمد المَرورّوذِيِّ صاحب "التعليقة"(3)، وقالا جميعاً: لو جازت الرواية بالإجازة لبطلت الرحلة، وكذا روي عن شعبة بن الحجاج وغيره من أئمة الحديث وحفاظه (4).

وممن أبطلها إبراهيم الحربي (5)، وأبو الشيخ محمد بن عبد الله

(1) أخرجه ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي ومناقبه" ص 73، والخطيب الرواية بسنده إلى الربيع بنصها في الكفاية 2/ 279 "باب الكلام في الإجازة ...... " ثم علق عليها. وهاك نص الرواية وتعليقه عليها:"عن الربيع بن سليمان قال فاتني من البيوع من كتاب الشافعي ثلاث ورقات فقلت له أجزها لي فقال لي ما قرئ علي كما قرئ علي ورددها غير مرة حتى أذن الله في جلوسه فجلس فقرئ عليه وهذا الفعل من الشافعي محمول على الكراهة للاتكال على الإجازة بدلا من السماع لأنه قد حفظ عنه الإجازة لبعض أصحابه ما لم يسمعه من كتبه".

ثم ساق رحمه الله بسنده (2/ 294) إلى الحسين بن علي الكرابيسي الرواية التي تثبت قبول الشافعي الإجازة، وهذا نص الرواية "عن داود بن علي قال قال لي حسين بن علي - يعني الكرابيسي- لما كانت قدمة الشافعي الثانية أتيته فقلت له تأذن لي أن اقرأ عليك الكتب فأبى وقال خذ كتب الزعفراني فانسخها فقد أجزتها لك فأخذتها إجازة". ثم رد رحمه الله قول من لم يقبل الإجازة بحجة أنها تجري مجرى المراسيل والرواية عن المجاهيل بقوله "فأما اعتلال من لم يقبل أحاديث الإجازة بأنها تجري مجرى المراسيل والرواية عن المجاهيل فغير صحيح لأنه يعرف المجيز بعينه وأمانته وعدالته فكيف يكون بمنزلة من لا يعرفه وهذا واضح لا شبهة فيه"[الكفاية 2/ 282]

(2)

انظر "الحاوي" 16/ 90

(3)

انظر المقدمة ص 332

(4)

انظر الكفاية 2/ 277

(5)

أخرجها الخطيب في الكفاية 2/ 277

ص: 259

الأصبهاني، وأبو نصر الوايلي السِجْزي، وحكى ذلك عن جماعة ممن لقيهم (1).

ثم هي أقسام:

أحدها: إجازة من معين لمعين في معين، بأن يقول:"أجزتك أن تروي عني هذا الكتاب" أو "هذه الكتب". وهي المناولة (2)، فهذه جائزة عند الجماهير، حتى الظاهرية، لكن (خالفوا في العمل بها، لأنها في معنى المرسل عندهم، إذا لم يتصل السماع (3).

(1) انظر المقدمة ص 333.

وحكى أبو طاهر السِّلفي في "الوجيز في ذكر المجاز والمجيز ص 62" قال: "وفي المتقدمين من كان يتوقف في الإجازة، وكذلك في المتأخرين؛ ومن جملتهم: أبو نصر السجزي ثم قال أخيرا بصحتها" اهـ. قلت: ففرق بين التوقف والمنع. والله أعلم

(2)

قارن بما في "مقدمة ابن الصلاح ص 331" فقد قال: "فهذا أعلى أنواع الإجازة المجردة عن المناولة". اهـ

(3)

هذا الذي ينسب للظاهرية صرح به ابن حزم في كتابه الإحكام فصل "صفة الرواية"(2/ 147)، حيث قال:"وأما الإجازة التي يستعملها الناس فباطل ولا يجوز لأحد أن يجيز الكذب ومن قال لآخر ارو عني جميع روايتي دون أن يخبره بها ديوانا ديوانا وإسنادا إسنادا فقد أباح له الكذب، لأنه إذا قال حدثني فلان أو عن فلان فهو كاذب أو مدلس بلا شك لأنه لم يخبره بشيء ..... وأما الإجازة فما جاءت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ولا عن أحد منهم ولا عن أحد من التابعين ولا عن أحد من تابعي التابعين فحسبك بدعة بما هذه صفته".

وانظر تعليق الزركشي "النكت 3/ 512" على كلام ابن حزم السابق فهو مهم. وقال ابن الصلاح في "المقدمة" ص 333: "ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم: القول بتجويز الإجازة وإباحة =

ص: 260

الثاني: إجازة لمعين في غير معين، مثل) (1) أن يقول:"أجزت لك أن تروي عني ما أرويه"، أو "ما صح عندك، من مسموعاتي ومصنفاتي". وهذا مما يجوزه الجمهور أيضاً، رواية وعملاً (2).

الثالث (3): الإجازة لغير معين، مثل أن يقول:"أجزت للمسلمين"، أو "الموجودين"، أو "لمن قال لا إله إلا الله"، وتسمى "الإجازة العامة". وقد اعتبرها طائفة من الحفاظ والعلماء، فممن جوزها الخطيب

= الرواية بها وفي الاحتجاج لذلك غموض. ويتجه أن يقول: إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته وقد أخبره بها جملة فهو كما لو أخبره تفصيلا وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة والله أعلم".

ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها خلافا لمن قال من أهل الظاهر ومن تابعهم: إنه لا يجب العمل به وإنه جار مجرى المرسل. وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به والله أعلم.

(1)

ما بين القوسين مطموس في: "ب".

(2)

انظر "المقدمة" ص 335، وقال القاضي عياض في "الإلماع" ص 91 "فهذا الوجه هو الذي وقع فيه الخلاف تحقيقا والصحيح جوازه وصحت الرواية والعمل به بعد تصحيح شيئين: تعيين روايات الشيخ ومسموعاته وتحقيقها، وصحة مطابقة كتب الراوي لها وهو قول الأكثرين والجمهور من الأئمة والسلف ومن جاء بعدهم من مشايخ المحدثين والفقهاء والنظار وهو مذهب الزهري ومنصور بن المعتمر وأيوب وشعبة وربيعة وعبد العزيز بن الماجشون والأوزاعي والثوري ومالك وابن عيينة وجملة المالكيين وعامة أصحاب الحديث وهو الذي استمر عليه عمل الشيوخ وقووه وصححه أبو المعالي واختاره هو وغيره من أئمة النظار المحققين".

(3)

ساقط من "ح" والمثبت من "ط"، "ع".

ص: 261

البغدادي، ونقلها عن شيخه القاضي أبي الطيب الطبري (1)، ونقلها أبو بكر الحازمي عن شيخه أبي العلاء الهمداني الحافظ، وغيرهم من محدثي المغاربة رحمهم الله تعالي (2).

وأما الإجازة للمجهول [أو] بالمجهول، ففاسدة. وليس منها ما يقع من الاستدعاء لجماعة مسمين لا يعرفهم المجيز أو لا يتصفح أنسابهم ولا عدتهم، فإن هذا سائغ شائع، كما لا يستحضر المسمع أنساب من يحضر مجلسه ولا عدتهم. والله أعلم (3).

ولو قال: "أجزت رواية هذا الكتاب لمن أحب روايته عني"؛ فقد كتبه أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي، وسوغه غيره، وقواه ابن الصلاح.

وكذلك لو قال: "أجزتك ولولدك ونسلك وعقبك رواية هذا الكتاب" أو "ما يجوز لي روايته" فقد جوزها جماعة، منهم أبو بكر ابن أبي داود، قال لرجل:"أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة"«1» (4).

وأما لو قال: "أجزت لمن يوجد من بني فلان"، فقد حكى الخطيب (5) جوازها عن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، وأبي

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] قوله: "ولحبل الحبلة": يعني أولاد الأولاد [شاكر].

(1) انظر الكفاية 2/ 295، 296

(2)

انظر المقدمة ص 336

(3)

انظر المقدمة ص 337، 338، والإلماع ص 101، 102.

(4)

أخرجه الخطيب في الكفاية 2/ 295، والقاضي عياض في الإلماع ص 105

(5)

القاضي عياض في "الإلماع" ص 104.

ص: 262

الفضل ابن عمروس المالكي، وحكاه ابن الصباغ عن طائفة، ثم ضعف ذلك، وقال: هذا يبنى على أن الإجازة إذن أو محادثة (1)، وكذلك ضعفها ابن الصلاح، وأورد الإجازة للطفل الصغير الذي لا يخاطب مثله (2)، وذكر الخطيب أنه قال للقاضي أبي الطيب: إن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة إلا لمن يصح سماعه؟ فقال: قد يجيز الغائب عنه، ولا يصح سماعه (منه)(3)(4).

ثم رجح الخطيب صحة الإجازة للصغير، قال: وهو الذي رأينا كافة شيوخنا يفعلونه، يجيزون للأطفال، من غير أن يسألوا عن أعمارهم، ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن موجوداً في الحال. والله أعلم (5).

ولو قال: "أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك مما سمعته وما سأسمعه"، فالأول جيد، والثاني فاسد (6). وقد حاول ابن الصلاح تخريجه على أن الإجازة إذن كالوكالة. وفيما لو قال:"وكلتك في بيع ما سأملكه" خلاف (7).

وأما الإجازة بما يرويه إجازة، فالذي عليه الجمهور الرواية بالإجازة على الإجازة وإن تعددت (8). وممن نص على ذلك الدارقطني،

(1) انظر المقدمة ص 340

(2)

انظر المقدمة ص 340، 341

(3)

ساقط من "ع".

(4)

أخرجه الخطيب في الكفاية 2/ 295، 296

(5)

الكفاية 2/ 296

(6)

المقدمة ص 340

(7)

انظر المقدمة ص 340

(8)

انظر المقدمة ص 342، 343

ص: 263

وشيخه أبو العباس ابن عقدة، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني، والخطيب، وغير واحد من العلماء (1).

قال ابن الصلاح (2): ومنع من ذلك بعض من لا يعتد به (3) من المتأخرين (4)، والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وشبهوا ذلك بتوكيل الوكيل «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] الإجازة: أن يأذن الشيخ لغيره بأن يروي عنه مروياته أو مؤلفاته، وكأنها تتضمن إخباره بما أذن له بروايته عنه.

وقد اختلفوا في جواز الرواية والعمل بها:

فأبطلها كثير من العلماء المتقدمين، قال بعضهم:"من قال لغيره: أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع- فكأنه قال: أجزت لك أن تكذب علي [1]! لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع".

وهذا يصح لو أذن له في رواية ما لم يسمع مع تصريح الراوي بالسماع، لأنه يكون كذبا حقيقة، أما إذا كان يرويه عنه على سبيل الإجازة - وهو محل البحث -: فلا. =

(1) انظر الكفاية 2/ 352، والمقدمة ص 343

(2)

المقدمة ص 343

(3)

قال الزركشي في: "النكت"(3/ 526): "وأشار به إلى عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي أحد شيوخ ابن الجوزي فكان لا يجوزها وجمع في ذلك جزءا وكان من خيار أهل الحديث". وانظر أيضا "فتح المغيث" للسخاوي (2/ 444، 445) فإنه نقل كلام الزركشي هذا ونقل كلام غيره من العلماء الذين نفوا أن يكون ابن الصلاح قصد الأنماطي

(4)

في "ط"، "ع": الناصرين.

_________

[1]

هذا القول ينسب إلى أبي طاهر الدباس أحد أئمة الحنفية. (انظر المقدمة ص 333)

ص: 264

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= وقال ابن حزم: "إنها بدعة غير جائزة"[1].

ومنع الظاهرية من العمل بها، وجعلوها كالحديث المرسل.

وهذا القول - يعني إبطالها- ضعّفه العلماء وردوه.

وتغالى بعضهم فزعم أنها أصح من السماع. وجعلها بعضهم مثله.

والذي رجحه العلماء أنها جائزة، يروى بها ويعمل، وأن السماع أقوى منها.

قال ابن الصلاح [2] ص (152): "إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم: القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواية بها. وفي الاحتجاج لذلك غموض [3]، ويتجه أن نقول: إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته وقد أخبره بها جملة: فهو كما لو أخبره تفصيلا، وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقاً، كما في القراءة على الشيخ كما سبق، وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم. وذلك يحصل بالإجازة المفهمة. والله أعلم".

وقال السيوطي في التدريب [4]: "قال الخطيب في الكفاية [5]: احتج بعض أهل العلم لجوازها بحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب سورة براءة في صحيفة، ودفعها لأبي بكر، ثم بعث علي بن أبي طالب فأخذها منه، ولم يقرأها عليه، ولا هو أيضًا، حتى وصل إلى مكة ففتحها وقرأها على الناس"[6].

أقول: وفي نفسي من قبول الرواية بالإجازة شيء، وقد كانت سبباً لتقاصر الهمم عن سماع الكتب سماعاً صحيحاً بالإسناد المتصل بالقراءة إلى مؤلفيها، حتى صارت في الأعصر الأخيرة رسم يرسم، لا علماً يتلقى ويؤخذ. ولو قلنا بصحة الإجازة إذا كانت بشيء معين من الكتب لشخص معين أو أشخاص معينين -: لكان =

[1] انظر الإحكام (2/ 264)

[2]

مقدمة (ص 330)

[3]

قال السخاوي في فتح المغيث 2/ 401: " وقد يغمض الاحتجاج لصحتها ويقال الغرض من القراءة الإفهام والفهم حاصل بالإجازة المفهمة وهذا مأخوذ من كلام ابن الصلاح فإنه قال وفي الاحتجاج لذلك غموض أي من جهة التحديث والإخبار بالتفاصيل"

[4]

التدريب [1/ 450]

[5]

الخطيب في الكفاية [2/ 269 - 270]

[6]

أخرجه النسائي (2993)، و (3970 - الكبرى)، وانظر شرح مشكل الآثار 9/ 216 - 222

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= هذا أقرب إلى القبول. ويمكن التوسع في الإجازة لشخص أو أشخاص معينين مع إبهام الشيء المجاز، كأن يقول له:"أجزت لك رواية مسموعاتي"، أو "أجزت رواية ما صح وما يصح عندك أني أرويه"، وأما الإجازات العامة، كأن يقول:"أجزت لأهل عصري"، أو "أجزت لمن شاء" أو "لمن شاء فلان" أو للمعدوم أو نحو ذلك- فإني لا أشك في عدم جوازها.

وإذا صحت الرواية بالإجازة، فإنه يصح للراوي بها أن يجيز غيره، ويجوز لهذا الغير أن يروي بها، وخالف في ذلك أبو البركات الأنماطي، فذهب إلى أن الرواية بها لا تجوز لأن الإجازة ضعيفة، فيقوى الضعف باجتماع إجازتين [1].

قال النووي في التقريب [2] ص 141: "الصحيح الذي عليه العمل جوازه، وبه قطع الحفاظ: الدارقطني وابن عقدة وأبو نعيم وأبو الفتح نصر المقدسي، وكان أبو الفتح يروي بالإجازة، وربما والى بين ثلاث [3].

ولفظ الإجازة وضح مما قلناه. والأصل: أن يقوله الشيخ لافظاً به، فإن كتبه من غير نطق فقد رجح السيوطي إبطال الإجازة [4]. =

[1] انظر النكت للزركشي 3/ 526، وفتح المغيث للسخاوي 2/ 444، 445

[2]

(1/ 463 - تدريب)

[3]

وانظر الكفاية 2/ 352، والمقدمة ص 343

[4]

قلت: هذا الذي نسبه العلامة أحمد شاكر إلى السيوطي فيه نظر؛ فإن هذا لا يُفهم من كلامه في التدريب، وهذا نص كلامه في التدريب (1/ 466):" وينبغي للمجيز كتابة أي بالكتابة (أن يتلفظ بها) أي بإجازة أيضا (فإن اقتصر على الكتابة) ولم يتلفظ (مع قصد الإجازة صحت) لأن الكتابة كناية وتكون حينئذ دون الملفوظ بها في الرتبة وإن لم يقصد الإجازة قال العراقي فالظاهر عدم الصحة قال ابن الصلاح وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية التي جعلت فيه القراءة على الشيخ مع أنه لم يتلفظ بما قرئ عليه إخبارا منه بذلك"

* ثم وجدت الشيخ الإتيوبي في شرحه على ألفية السيوطي قد نبه على هذه المسألة وانتقد كلام الشيخ أحمد شاكر في نسبة هذا إلى السيوطي وذلك من خلال البيت الذي تحدث فيه السيوطي على هذه المسألة وهو: "

ولفظها أجزتُه أجزت له

فَأَن يَخُطَّ ناويا فيُهمِله"

قال الشيخ الإتيوبي في شرحه على الألفية 1/ 486: والحاصل: أن كيفية الإجازة أربعة: =

ص: 266

القسم الرابع:

المناولة (1):

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= وهو غير راجح، بل الكتابة والنطق سواء.

قال ابن الصلاح [1] ص (160): "ينبغي للمجيز إذا كتب إجازته أن يتلفظ بها، فإن اقتصر على الكتابة، كان ذلك إجازة إذا اقترن بقصد الإجازة، غير أنها أنقص مرتبة من الإجازة الملفوظ بها. وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد الكتابة في باب الرواية التي جعلت فيها القراءة على الشيخ - مع أنه لم يلفظ بما قرئ عليه -: إخبارًا منه بما قرئ عليه".

وهذا هو الحق، وبهذا الدليل نرجح أن الكتابة فيها كالتلفظ سواء.

واستحسن العلماء الإجازة من العالم لمن كان أهلا للرواية ومشتغلاً بالعلم، لا للجهال ونحوهم.

وذهب بعضهم إلى أن هذا شرط في صحتها. قال ابن عبد البر [2]: "إنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة في شيء معين لا يشكل إسناده". وهذا قول قد يكون أقرب إلي الصواب من كل الأقوال [شاكر].

(1) انظر صحيح البخاري كتاب العلم باب "ما يذكر في المناولة"، والكفاية 2/ 297، والإلماع ص 79، والمقدمة ص 345، وشرح علل الترمذي 1/ 261 (المسألة الثالثة) الرواية بالمناولة، والنكت للزركشي =

_________

= الكتابة مع اللفظ، وهو الأعلى، ثم اللفظ بدون الكتابة، ثم الكتابة مع النية، ثم الكتابة مع إهمال النية" ثم ذكر كلام العراقي وابن الصلاح المتقدم، إلى أن قال: "قلت: هذا هو المناسب لحل ألفاظ البيت، وهو الموافق لما في شروح الألفية العراقية، والتدريب، وأما ما قاله العلامة ابن شاكر من الناظم رجح هنا إبطال الإجازة بالكتابة فلا وجه له، ولعله جعله "إن" شرطية جوابها "فيهمله" ولا يلتئم الكلام عليه، فتدبر، وكذا حل الشارح غير ملائم، فتأمل".انتهى ولله الحمد على ما ألهم وعلم.

[1]

مقدمة (ص 345)

[2]

جامع بيان العلم وفضله 2/ 344 ط الريان

ص: 267

فإن كان معها إجازة (1)، مثل أن يناول الشيخ الطالب كتاباً من سماعه، ويقول له:" أرو هذا عني "، أو يُمَلِّكه إياه، أو يعيره لينسخه «1» (2) ثم يعيده إليه، أو يأتيه الطالب بكتاب من سماعه فيتأمله، ثم يقول:"ارو عني"، ويسمى هذا "عرض المناولة"، وقد قال الحاكم (3): إن هذا سماع (4) عند كثير من المتقدمين، وحكوه عن مالك نفسه) (5)، والزهري، وربيعة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، من أهل المدينة، ومجاهد، وأبي الزبير، وسفيان بن عيينة، من المكيين، وعلقمة، وإبراهيم، والشعبي، من الكوفة، وقتادة، وأبي العالية، وأبي المتوكل الناجي (6) من البصرة، وابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، من أهل مصر، وغيرهم من أهل الشام والعراق، ونقله عن جماعة من مشايخه.

قال ابن الصلاح (7): وقد خلط في كلامه "عرض المناولة"، بـ "عرض القراءة".

ثم قال (الحاكم)(8)(9): والذي عليه جمهور فقهاء الإسلام، الذين

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] في الأصل: "لناسخه" وهو غير جيد [شاكر].

= 3/ 502، والتقييد والإيضاح ص 191، وفتح المغيث 2/ 463، والتدريب 1/ 467

(1)

انظر المقدمة ص 345

(2)

كذا في المخطوطات

(3)

معرفة علوم الحديث ص 257، وانظر المقدمة ص 346

(4)

في "ح": إسماع.

(5)

مطموس من "ب"

(6)

في "ب": الباجي.

(7)

المقدمة ص 348.

(8)

ساقط من "ط".

(9)

معرفة علوم الحديث ص 259.

ص: 268

أفتوا في الحرام والحلال: أنهم لم يروه سماعاً، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، والثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، ويحيى بن يحيى، والبويطي والمزني، وعليه عَهِدنا أئمتنا، وإليه ذهبوا، وإليه ذهب. «1» والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] قال السيوطي في التدريب [1] ص (143): "والأصل فيها ما علقه البخاري [2] في العلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتاباً، وقال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس، وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم". وصله البيهقي والطبراني بسند حسن.

قال السهيلي [3]: احتج به البخاري على صحة المناولة، فكذلك العالم إذا ناول تلميذه كتاباً، جاز له أن يروي عنه ما فيه، قال: وهو فقه صحيح.

قال البلقيني [4]: وأحسن ما يستدل به عليها ما استدل به الحاكم [5] من حديث ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عله وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى) [6].

وقد نقل ابن الأثير في جامع الأصول [7]: "أن بعض أصحاب الحديث جعلها - أي هذه المناولة- أرفع من السماع، لأن الثقة بكتاب الشيخ مع إذنه، فوق الثقة بالسماع منه وأثبت، لما يدخل من الوهم على السامع والمستمع". وهذه مبالغة، =

[1] تدريب (1/ 467)

[2]

صحيح البخاري 1/ 23 كتاب العلم، باب ما يذكر في المناولة، فتح الباري 1/ 154، وانظر تغليق التعليق 2/ 71 ط المكتب الإسلامي

[3]

في كتابه "الروض الأنف في شرح غريب السير" 3/ 42 بتصرف.

والسهيلي هو: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي المتوفي سنة (581) هـ، (كشف الظنون 1/ 917).

[4]

محاسن الاصطلاح مع المقدمة ص 346، 347

[5]

انظر معرفة علوم الحديث ص 258.

[6]

أخرجه البخاري في عدة مواضع (64)، (2939)، (4424)، (7264).

[7]

جامع الأصول [1/ 85 - 86]

ص: 269

وأما إذا لم يُمَلِّكه الشيخ الكتاب، ولم يُعره إياه، فإنه منحط عما قبله، حتى إن منهم من يقول: هذا مما لا فائدة فيه، ويبقى مجرد إجازة.

"قلت": أما إذا كان الكتاب مشهوراً، كالبخاري ومسلم، أو شيء من الكتب المشهورة: فهو كما لو ملَّكه أو أعاره إياه. والله أعلم.

ولو تجردت المناولة عن الإذن في الرواية (1): فالمشهور أنه لا تجوز الرواية بها (2).

وحكى الخطيب عن بعضهم جوازها (3).

قال ابن الصلاح (4): ومن الناس من جوز الرواية بمجرد إعلام الشيخ للطالب أن هذا سماعه. والله أعلم.

ويقول الراوي بالإجازة: "أنبأنا"، فإن قال "إجازة" فهو أحسن، ويجوز "أنبأنا" و "حدثنا" عند جماعة من المتقدمين.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= قال النووي [1]: "والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة"[شاكر].

(1) انظر المقدمة ص 350

(2)

انظر المقدمة ص 350

(3)

الكفاية 2/ 312، إذ أنه أخرج بسنده: اجتمع ابن وهب وابن القاسم وأشهب بن عبد العزيز: أني إذا أخذت الكتاب من المحدث أن أقول فيه أخبرني. وأخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل 1/ 441 ومن طريقه رواه الخطيب في الكفاية

(4)

المقدمة ص 355.

_________

[1]

[1/ 471 - التدريب]

ص: 270

وقد تقدم (1) النقل عن جماعة أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة بمنزلة السماع، فهؤلاء يقولون:"حدثنا " و " أخبرنا "، بلا إشكال (2).

والذي عليه جمهور المحدثين قديماً وحديثاً: أنه لا يجوز إطلاق "حدثنا" ولا "أخبرنا" بل مقيداً (3).

وكان الأوزاعي يخصص الإجازة بقوله "خبَّرنا" بالتشديد (4).

القسم الخامس:

المكاتبة (5): بأن يكتب إليه بشيء من حديثه.

فإن أذن له في روايته عنه، فهو كالمناولة المقرونة بالإجازة. وإن لم تكن معها إجازة، فقد جوز الرواية بها أيوب، ومنصور، والليث، وغير واحد من الفقهاء الشافعية والأصوليين (6)، وهو المشهور، وجعلوا ذلك أقوى من الإجازة المجردة، وقطع الماوردي بمنع ذلك (7). والله أعلم.

(1) في الأصل: "سلف"

(2)

انظر المقدمة ص 351

(3)

نظر المقدمة ص 352

(4)

ذكره الرامهرمزي مسندا عن الأوزاعي في [المحدث الفاصل] 1/ 432، والخطيب في الكفاية 2/ 251.

(5)

انظر المحدث الفاصل 1/ 450، الكفاية 2/ 317.

(6)

انظر الكفاية 2/ 336 - 338، والمقدمة ص 354

(7)

صرح بذلك الماوردي في كتابه "الحاوي" 16/ 90 قال: "

وَأَمَّا الْحَالُ الرَّابِعَةُ: فِي مُكَاتَبَةِ الْمُحَدِّثِ بِالْحَدِيثِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا التَّحَمُّلُ"

ص: 271

وجوز الليث ومنصور في المكاتبة أن يقول: "أخبرنا" و "حدثنا" مطلقاً (1) والأحسن الأليق تقييده (بالمكاتبة)(2)«1» .

القسم السادس:

إعلام الشيخ (3) أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في روايته عنه، فقد سوغ الرواية بمجرد ذلك طوائف من المحدثين والفقهاء،

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] المكاتبة: أن يكتب الشيخ بعض حديثه لمن حضر عنده، أو لمن غاب عنه، ويرسله إليه، وسواء كتبه بنفسه أم أمر غيره أن يكتبه. ويكفي أن يعرف المكتوب له خط الشيخ أو خط الكاتب عن الشيخ، ويشترط في هذا أن يعلم أن الكاتب ثقة.

وشرط بعضهم في الرواية عن الكتابة أن تثبت بالبينة، وهذا قول غير صحيح، بل الثقة بالكتابة كافية، ولعلها أقوى من الشهود.

ولا يشترط في الكتابة أن تكون مقرونة بالإجازة، بل الصحيح الراجح المشهور عند أهل الحديث من المتقدمين والمتأخرين وكثيرا ما يوجد في مسانيدهم ومصنفاتهم قولهم:"كتب إلي فلان: قال حدثنا فلان" والمكاتبة مع الإجازة أرجح من المناولة مع الإجازة، بل أرى أنها أرجح من السماع وأوثق، وأن المكاتبة بدون إجازة أرجح من المناولة بالإجازة، أو بدونها.

والراوي بالمكاتبة يقول: "حدثني"، أو "أخبرني"، ولكن يقيدهما بالمكاتبة، لأن إطلاقهما يوهِم السماع، فيكون غير صادق في روايته، وإذا شاء قال:"كتب إليّ فلان"، أو نحوه مما يؤدي معناه [شاكر].

(1) ساق الخطيب ذلك عنهما بسنده في الكفاية 2/ 336 - 338

(2)

ساقط من "ط"، "ع".

(3)

انظر الإلماع ص 107، وفتح المغيث 2/ 511، والتدريب 1/ 484

ص: 272

منهم ابن جريج (1)، وقطع به ابن الصباغ (2)، واختاره غير واحد من المتأخرين، حتى قال بعض الظاهرية (3): لو أعلمه بذلك ونهاه عن روايته عنه فله روايته، كما لو نهاه عن رواية ما سمعه منه «1»

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] ذهب كثير من المحدثين والفقهاء والأصوليين إلى جواز الرواية بالإعلام من غير إجازة، بل أجازوا الرواية به، وإن منع الشيخ الرواية بذلك، فلو قال الشيخ للراوي:"هذه روايتي ولكن لا تروها عني" أو "لا أجيزها لك" جاز له مع ذلك روايتها عنه. قال القاضي عياض [1]: "وهذا صحيح، لا يقتضي النظر سواه، لأن منعه أن لا يحدث بما حدثه لا لعلة ولا لريبة-: لا يؤثر، لأنه قد حدثه، فهو شيء لا يرجع فيه".

استدل المانعون من الرواية بذلك بقياسه على "الشهادة على الشهادة"، فإنها لا تصح إلا إذا أذن الشاهد الأول للثاني بأن يشهد على شهادته.

وأجاب القاضي [2] بأن: "هذا القياس غير صحيح، لأن الشهادة لا تصح إلا مع الإذن في كل حال، والحديث عن السماع والقراءة لا يحتاج فيه إلى إذن باتفاق. وأيضًا: فالشهادة تفترق عن الرواية في أكثر الوجوه"

والذي اختاره القاضي عياض هو الراجح الموافق للنظر الصحيح. بل إن الرواية على هذه الصفة أقوى وأرجح عندي من الرواية بالإجازة المجردة عن المناولة، لأن في هذه شبه مناولة، وفيها تعيين للمروي بالإشارة إليه، ولفظ الإجازة لن يكون - وحده- أقوى منها ولا مثلها، كما هو واضح [شاكر].

(1) انظر الإلماع ص 111، والمقدمة ص 355

(2)

انظر المقدمة ص 355، وفتح المغيث 2/ 514

(3)

انظر المحدث الفاصل ص 451، 452. وانظر "الإحكام" 2/ 262

_________

[1]

الإلماع ص 107، 108

[2]

الإلماع ص 108، 109

ص: 273

القسم السابع:

الوصية (1): بأن "يوصى" بكتاب كان يرويه لشخص. فقد ترخص بعض السلف (2) في رواية الموصى «1» له بذلك الكتاب عن الموصي، وشبهوا ذلك بالمناولة (وبالإعلام بالرواية)(3).

قال ابن الصلاح: وهذا بعيد، وهو إما زلة عالم أو متأول، إلا أن يكون أراد بذلك روايته [عنه](4) بالوجادة «2» . والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] مطموس من الأصل نحو كلمتين، كتبناهما بين قوسين بمعاونة السياق وفحوى الكلام وما تفيده عبارة ابن الصلاح والتدريب [شاكر].

«2» [شاكر] قال ابن الصلاح [ص 357، 358]: "وقد احتج بعضهم لذلك، فشبه بقسم الإعلام وقسم المناولة ولا يصح ذلك، فإن لقول من جوز الرواية بمجرد الإعلام والمناولة مستندًا ذكرناه، لا يتقرر مثله ولا قريب منه هنا".

وهو يشير بذلك إلى احتجاج القاضي عياض [1] لصحتها: بأن في إعطاء الوصية للموصى له نوعا من الإذن وشبها من العرض والمناولة. وأنه قريب من الإعلام. =

(1) انظر المحدث الفاصل ص 459، والكفاية 2/ 357، والإلماع ص 115، والمقدمة ص 357، ، وفتح المغيث 2/ 517، والتدريب 1/ 486

(2)

لعله يعني محمد بن سيرين، وأبو قلابة؛ فقد ورد عنهم الترخيص في ذلك كما في المحدث الفاصل ص 459، 460، وقارن بما في الكفاية 2/ 357، 358 فهو مهم.

(3)

كل ما بين القوسين: مطموس في "ح"

(4)

زياة من: "غراس"

_________

[1]

انظر الإلماع ص 111.

ص: 274

القسم الثامن:

الوجادة (1): وصورتها: أن يجد حديثاً أو كتاباً بخط شخص بإسناده.

فله أن يرويه عنه على سبيل الحكاية، فيقول:"وجدت بخط فلان: حدثنا فلان" ويسنده. ويقع هذا كثيرا (2) في مسند الإمام أحمد، يقول ابنه عبد الله:"وجدت بخط أبي: حدثنا فلان"، ويسوق الحديث.

وله أن يقول: "قال فلان" إذا لم يكن فيه تدليس يوهم اللقى.

قال ابن الصلاح (3): وجازف بعضهم (4) فأطلق فيه "حدثنا" أو "أخبرنا" وانْتُقِد ذلك على فاعله.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= وهذا النوع من الرواية نادر الوقوع، ولكنا نرى أنه إن وقع صحت الرواية به، لأنه نوع من الإجازة، إن لم يكن أقوى من الإجازة المجردة، لأنه إجازة من الموصي للموصى له برواية شيء معين مع إعطائه إياه، ولا نرى وجها للتفرقة بينه وبين الإجازة، وهو في معناها، أو داخل تحت تعريفها، كما يظهر ذلك بأدنى تأمل [1][شاكر].

(1) انظر الكفاية 2/ 361، والإلماع ص 117، وفتح المغيث 2/ 520، التدريب 1/ 487

(2)

ساقط من "ب".

(3)

انظر المقدمة ص 358، 359

(4)

لعله يقصد الحسن البصري، كما في الكفاية 2/ 363

_________

[1]

قال الخطيب في الكفاية 2/ 358: " ولا فرق بين أن يوصى العالم لرجل بكتبه وبين أن يشتريها ذلك الرجل بعد موته في انه لا يجوز له الرواية منها إلا على سبيل الوجادة وعلى ذلك أدركنا كافة أهل العلم اللهم إلا أن يكون تقدمت من العالم إجازة لهذا الذي صارت الكتب له بأن يروي عنه ما يصح عنده من سماعاته فيجوز أن يقول فيما يرويه من الكتب أخبرنا أو حدثنا على مذهب من أجاز أن يقال ذلك في أحاديث الإجازة ".

ص: 275

وله أن يقول فيما وجد من تصنيفه بغير خطه: "ذكر فلان"، و "قال فلان" أيضاً، ويقول:"بلغني عن فلان"، فيما لم يتحقق أنه من تصنيفه أو مقابلة كتابه. والله أعلم.

"قلت": والوجادة ليست من باب الرواية، وإنما هي حكاية عما وجده في الكتاب (1).

وأما العمل بها: فمنع منه طائفة كثيرة من الفقهاء والمحدثين، أو أكثرهم، (فيما حكاه بعضهم)(2).

ونقل الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بها (3).

قال ابن الصلاح (4): وقطع بعض المحققين من أصحابه (5) في الأصول بوجوب) العمل بها عند حصول الثقة به.

(1) قال السيوطي في "التدريب" 1/ 488: "وقع في صحيح مسلم أحاديث مروية بالوجادة وانتقدت بأنها من باب المقطوع كقوله في الفضائل حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول أين أنا اليوم" الحديث، وروي أيضا بهذا السند حديث قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأعلم إذا كنت عني راضية" وحديث تزوجني لست سنين وأجاب الرشيد العطار بأنه روى الأحاديث الثلاثة من طرق أخرى موصوله إلى هشام وإلى أبي أسامة. قلت:"وجواب آخر وهو أن الوجادة المنقطعة أن يجد في كتاب شيخه لا في كتابه عن شيخه فتأمل"

(2)

انظر الإلماع ص 114، والمقدمة ص 360 حيث نسبوا هذا المذهب إلى معظم المحدثين والفقهاء من المالكية.

(3)

المواضع السابقة.

(4)

المقدمة ص 360

(5)

يعني من أصحاب الشافعي، وصرح به القاضي عياض في الإلماع ص 120 أنه الجويني، وانظر البرهان للجويني 1/ 416

ص: 276

قال ابن الصلاح (1): وهذا هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة لتعذر شروط الرواية في هذا الزمان، يعني: فلم يبق إلا مجرد وجادات «1» .

"قلت": وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ قالوا: الملائكة، قال وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ وذكروا الأنبياء، فقال: وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ قالوا: فنحن، قال: وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: قوم يأتون من بعدكم، يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها"(2)، وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه في شرح البخاري، ولله الحمد. فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها «2» . والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] في كل أنواع الرواية في الحديث - من السماع إلى الإجازة- يجب على الراوي العمل بما صح إسناده عنده من روايته من غير خلاف، وإن خالف في ذلك المقلدون المتأخرون، وخلافهم لا عبرة به، لأنهم يقرون على أنفسهم بالتقليد، وبأنهم تركوا النظر والاستدلال، وتبعوا غيرهم! .

وقد اختلف العلماء في الأنواع الأخيرة من الرواية وهي: الإعلام، والوصية، والوجادة: هل يجب العمل بما صح إسناده من الحديث المروي بها؟ والصحيح أنه واجب، كوجوبه في سائر الأنواع.

أما الإعلام والوصية فقد قدمنا أنهما لا يقلان في القوة والثبوت عن الإجازة، وأما الوجادة فسيأتي القول فيها [شاكر].

«2» [شاكر] الوجادة - بكسر الواو- مصدر "وجد يجد"، وهو مصدر مولد غير =

(1) المقدمة ص 360

(2)

أخرجه البزار في مسنده (7294).

ص: 277

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= مسموع من العرب. قال ابن الصلاح [1] ص (167): "روينا عن المعافي بن زكريا النهرواني: أن المولدين فرعوا قولهم (وجادة) فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة: من تفريق العرب بين مصادر: (وَجَد) للتمييز بين المعاني المختلفة. يعني قولهم، "وجد ضالته وجداناً" ومطلوبه "وجوداً" وفي الغضب "موجدةً" وفي الغنى: "وُجْداً" وفي الحب: "وَجْدًا".

والوجادة هي: أن يجد الشخص أحاديث بخط راويها - سواء لقيه أو سمع منه، أم لم يلقه ولم يسمع منه- أو أن يجد أحاديث في كتب لمؤلفين معروفين-: ففي هذه الأنواع كلها لا يجوز له أن يرويها عن أصحابها، بل يقول:"وجدت بخط فلان" إذا عرف الخط ووثق منه، أو يقول:"قال فلان" أو نحو ذلك.

وفي مسند أحمد أحاديث كثيرة نقلها ابنه عبد الله، يقول فيها:"وجدت بخط أبي في كتابه" ثم يسوق الحديث، ولم يَسْتَجِزْ أن يرويها عن أبيه، وهو راويةُ كتبه وابنه وتلميذه، وخط أبيه معروف له، وكتبه محفوظة عنده في خزائنه.

وقد تساهل بعض الرواة، فروى ما وجده بخط من يعاصره، أو بخط شيخه، بقوله:"عن فلان". قال ابن الصلاح [2] ص (168): "وذلك تدليس قبيح، إذا كان بحيث يوهم سماعه منه".

وقد جازف بعضهم فنقل بمثل هذه الوجادة بقوله: "حدثنا فلان" أو "أخبرنا فلان"! وأنكر ذلك العلماء، ولم يجزه أحدٌ يعتمد عليه، بل هو من الكذب الصريح، والراوي به يسقط عندنا عن درجة المقبولين، وترد روايته.

وقد اجترأ كثير من الكتاب في عصرنا، في مؤلفاتهم وفي الصحف والمجلات: فذهبوا ينقلون من كتب السابقين من المؤرخين وغيرهم بلفظ التحديث، فيقول أحدهم:"حدثنا ابن خلدون"، "حدثنا ابن قتيبة"، "حدثنا الطبري"! وهو أقبح ما رأينا من أنواع النقل فإن التحديث والإخبار ونحوهما من اصطلاحات المحدثين الرواة بالسماع، وهي المطابقة للمعنى اللغوي في السماع، فنقلها إلى معنى آخر - هو =

[1] مقدمة (ص 358)

[2]

مقدمة (ص 358 - 359)

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= النقل من الكتب- إفساد لمصطلحات العلوم وإيهام لمن لا يعلم، بألفاظ ضخمة، ليس هؤلاء الكتاب من أهلها! ! . ويخشى على من تجرأ على مثل هذه العبارات أن ينتقل منها إلى الكذب البحت! والزور المجرد. عافانا الله.

وبعد: فإن الوجادة ليست نوعا من أنواع الرواية كما ترى: وإنما ذكرها العلماء في هذا الباب - إلحاقا به- لبيان حكمها، وما يتخذه الناقل في سبيلها.

وأما العمل بها: فقد اختُلِف فيه قديماً: فنقل عن معظم المحدثين والفقهاء المالكيين وغيرهم: أنه لا يجوز. وحكي عن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جوازه [1].

وقطع بعض المحققين من الشافعية وغيرهم بوجوب العمل بها عند حصول الثقة بما يجده القارئ أي يثق بأن هذا الخبر أو الحديث بخط الشيخ الذي يعرفه، أو يثق بأن الكتاب الذي ينقل منه ثابت النسبة إلى مؤلفه. ومن البديهي بعد ذلك اشتراط أن يكون المؤلف ثقة مأمونا، وأن يكون إسناد الخبر صحيحا- حتى يجب العمل به.

وجزم ابن الصلاح [2] ص (169): بأن القول بوجوب العمل بالوجادة "هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة، فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول، لتعذر شرط الرواية فيها".

قال السيوطي في التدريب [3] ص (149 - 150) قال البُلقيني [4]: واحتج بعضهم للعمل بالوجادة بحديث: "أي الخلق أعجب إيماناً؟ قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ قالوا: الأنبياء، قال: وكيف لا يؤمنون وهم يأتيهم الوحي؟ قالوا: نحن، فقال: وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها". قال البُلقيني: وهذا استنباط حسن. =

[1] تقدم الحديث عن ذلك ونسبة هذه الأقوال

[2]

مقدمة (ص 360)

[3]

تدريب (1/ 491)

[4]

محاسن الاصطلاح (ص 360 - مع المقدمة)

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= قلت: المحتج بذلك هو الحافظ عماد الدين بن كثير ذكر ذلك في أوائل تفسيره [1/ 167]، والحديث رواه الحسن بن عرفة في جزئه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وله طرق كثيرة أوردتها في الأمالي. وفي بعض ألفاظه:"بل قوم من بعدكم، يأتيهم كتاب بين لوحين، يؤمنون به، ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجرًا".

أخرجه أحمد والدارمي (2744) والحاكم من حديث أبي جمعة الأنصاري [1] وفي لفظ للحاكم (6993) من حديث عمر: "يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه. فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً"[2].

وهذا الاستدلال الذي ذهب إليه ابن كثير هنا وفي تفسيره (ج 1 ص 74 - 75 طبعة المنار)، وارتضاء البلقيني والسيوطي [3]-: فيه نظر.

ووجوب العمل بالوجادة لا يتوقف عليه، لأن مناط وجوبه إنما هو البلاغ، وثقه المكلف بأن ما وصل إلى علمه صحت نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والوجادة الجيدة التي يطمئن إليها قلب الناظر، لا تقل في الثقة عن الإجازة بأنواعها لأن الإجازة - على حقيقتها- إنما هي وجادة معها إذن من الشيخ بالرواية. ولن تجد في هذه الأزمان من يروي شيئاً من الكتب بالسماع، إنما هي إجازات كلها، إلا فيما ندر.

والكتب الأصول الأمهات في السنة وغيرها-: تواترت روايتها إلى مؤلفيها بالوجادة ومختلف الأصول العتيقة الخطية الموثوق بها، ولا يتشكك في هذا إلا غافل عن دقة المعنى في الرواية والوجادة، أو متعنت لا تقنعه حجة.

ثم إن السيوطي في ألفية المصطلح [4] أشار إلى اعتراض بعض العلماء على =

[1] قال الشيخ الألباني: " حديثه في المسند 4/ 106 وليس بهذا اللفظ، وليس فيه ذكر الكتاب، وراجع المشكاة 3/ 293، والضعيفة 647 - 649".

[2]

أخرجه أبو يعلى في مسنده (160)، والبزار في مسنده (289)، والحاكم في مستدركه (6993).

[3]

محاسن الإصطلاح (ص: 360 - مع المقدمة)، والسيوطي في التدريب (1/ 491)

[4]

البيت رقم 430، حيث قال: " فإن يقل: فمسلم فيه ترى وجادة، فقل أتى من آخرا.

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= مسلم بن الحجاج، صاحب الصحيح، فقد انتقدوا عليه بعض أحاديث مروية بالوجادة، والوجادة - كما تقدم حكمها- منقطعة، لأنها ليست من الرواية [1].

والذي ذكره هو في التدريب [2]، ورأيناه في صحيح مسلم، ثلاثة أحاديث، هي: حديث عائشة: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين"، "صحيح مسلم ج 1 ص 401 طبعة بولاق"[3]، وحديثها أيضاً:"قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم إذا كنت عني راضية"[4]، (ج 2 ص 244). وحديثها أيضاً:"إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدًا؟ "[5] ج 2 ص 245)، وكلها بهذا الإسناد:"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: وجدت في كتابي: عن هشام عن أبيه عن عائشة".

وقد أجاب في الألفية عن هذا النقد - تبعا للرشيد العطار- بأن مسلما روى الأحاديث الثلاثة من طرق أخرى موصولة إلى هشام وإلى أبي أسامة.

وهذا الجواب صحيح في ذاته، لأن مسلماً رواها كذلك.

وأجاب في التدريب [6](ص 149) بجواب آخر، وهو:"أن الوجادة المنقطعة: أن يجد في كتاب شيخه، لا في كتابه عن شيخه، فتأمل".

وهذا الجواب هو الصحيح المتعين هنا، لأن الراوي إذا وجد في كتاب نفسه حديثاً عن شيخه كان على ثقة من أنه أخذه عنه، وقد تخونه ذاكرته، فينسى أنه سمعه منه، فيحتاط - تورعاً- ويذكر أنه وجده في كتابه، كما فعل أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله [7][شاكر].

[1] انظر التدريب 1/ 488

[2]

تدريب (1/ 488)

[3]

رقم (1422). ووصله في الرواية التي بعده مباشرة

[4]

رقم (2439) ووصله في الرواية التي بعده مباشرة

[5]

رقم (2443)، ووصله في الرواية التي بعده مباشرة

[6]

تدريب (1/ 489)

[7]

قال الشيخ الألباني: " هذا وهم، فإن الاعتراض على مسلم لأنه روى عن أبي بكر بن أبي شيبة عن هشام وجادة، وأن أبا بكر لم يسمع من هشام وإنما يروي عنه بالواسطة، كأبي أسامة وابن علية، وغيرهما.

وعليه؛ فهو-أعني هشاما- ليس شيخا لأبي بكر، خلافا لما يوهمه كلام الشارح رحمه الله.

ص: 281