الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ
مَعْرِفَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ
(1)
وَلَمَّا كَانَ الْإِسْنَادَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ يُمْكِنُهَا أَنْ تُسْنِدَ عَنْ نَبِيِّهَا إِسْنَادًا مُتَّصِلًا غَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ «1»
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] خُصَّت الأمة الإسلامية بالأسانيد والمحافظة عليها، حفظًا للوارد من دينها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست هذه الميزة عند أحدٍ من الأمم السابقة.
وقد عقد الإمام الحافظ ابن حزم في "الملل والنحل"(ج 2 ص 81 - 84) فصلا جيدًا في وجوه النقل عند المسلمين، فذكر المتواتر كالقرآن وما عُلم من الدين بالضرورة، ثم ذكر المشهور، نحو كثير من المعجزات ومناسك الحج ومقادير الزكاة وغير ذلك، مما يخفى على العامة، وإنما يعرفه كواف أهل العلم فقط.
ثم قال: "وليس عند اليهود والنصارى من هذا النقل شيء أصلا، لأنه يقطع بهم دونه ما قطع بهم دون النقل الذي ذكرنا قبل - يعني التواتر- من إطباقهم على الكفر الدهور الطوال، وعدم إيصال الكافة إلى عيسى عليه السلام".
ثم قال: "والثالث: ما نقله الثقة عن الثقة كذلك، حتى يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يخبر كل واحد منهم باسم الذي أخبره ونسبه، وكلهم معروف الحال والعين والعدالة والزمان والمكان، على أن أكثر ما جاء هذا المجيء فإنه منقول نقل الكواف: إما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وإما إلى الصاحب، وإِما إلى =
(1) انظر "معرفة علوم الحديث" للحاكم ص 5، و "المقدمة" ص 437، و "الشذا الفياح" 2/ 419، و "التقييد والإيضاح" ص 257، و "فتح المغيث" 3/ 344 و "التدريب" 2/ 604.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= التابع، وإما إلى إمام أخذ عن التابع، يعرف ذلك من كان من أهل المعرفة بهذا الشأن، والحمد لله رب العالمين".
"وهذا نقل خص الله تعالى به المسلمين، دون سائر أهل الملل كلها، وأبقاه عندهم غضا جديداً على قديم الدهور، منذ أربعمائة وخمسين عاما - هذا في عصره، والآن (منذ 1371 سنة) [1]- في المشرق والمغرب، والجنوب والشمال، يرحل في طلبه من لا يحصي عددهم إلا خالقهم إلى الآفاق البعيدة، ويواظب على تقييده من كان الناقد قريبا منه، قد تولى الله تعالى حفظه عليهم، والحمد لله رب العالمين. فلا تفوتهم زلة في كلمة فما فوقها في شيء من النقل، إن وقعت لأحدهم، ولا يمكن فاسقًا أن يقحم فيه كلمة موضوعة، ولله تعالى الحمد. وهذه الأقسام الثلاثة التي نأخذ ديننا منها ولا نتعداها، والحمد لله رب العالمين".
ثم ذكر المرسل والمعضل والمنقطع، وأن المسلمين اختلفوا في الاحتجاج بمثل ذلك، ثم قال: "ومن هذا النوع كثير من نقل اليهود، بل هو أعلى ما عندهم، إلا أنهم لا يقربون فيه من موسى كقربنا فيه من محمد صلى الله عليه وسلم، بل يقفون ولا بد، حيث بينهم وبين موسى عليه السلام أزيد من ثلاثين عصرا، في أزيد من ألف وخمسمائة عام. وإنما يبلغون بالنقل إلى هلال وشمّاني وشمعون ومرعقيبا وأمثالهم. وأظن أن لهم مسألة واحدة فقط يروونها عن حبر من أحبارهم عن نبي من متأخري أنبيائهم، أخذها عنه مشافهة، في نكاح الرجل ابنته إذا مات عنها أخوه.
وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق وحده فقط، على أن مخرجه من كذاب قد ثبت كذبه".
وطلب العلو في الإسناد سنة عن الأئمة السالفين، كما قال الإمام أحمد بن حنبل، ولهذا حرص العلماء على الرحلة إليه واستحبوها. وأخطأ من زعم أن النزول أفضل، ناظرا إلى أن الإسناد كلما زاد عدد رجاله زاد الاجتهاد والبحث فيه، قال ابن الصلاح (ص 316) [2]: "العلو يبعد الإسناد من الخلل، لأن كل رجل من رجاله =
[1] في الحلبي ((في سنة 1371))
[2]
(ص 440)
فَلِهَذَا كَانَ طَلَبُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي مُرَغَّبًا فِيهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْإِسْنَادُ الْعَالِي سُنَّةٌ عَمَّنْ سَلَفَ (1).
وَقِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: "بَيْتٌ خَالِي وَإِسْنَادٌ عَالِي"(2).
وَلِهَذَا تَدَاعَتْ رَغَبَاتُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ النُّقَّادِ وَالْجَهَابِذَةِ الْحُفَّاظِ إِلَى الرِّحْلَةِ إِلَى أَقْطَارِ الْبِلَادِ، طَلَبًا لِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ الرِّحْلَةِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنَ الْعُبَّادِ، فِيمَا حَكَاهُ الرَّامَهُرْمزِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفَاصِلِ (3).
ثُمَّ إِنَّ عُلُوَّ الْإِسْنَادِ أَبَعْدُ مِنَ الْخَطَأِ وَالْعِلَّةِ مِنْ نُزُولِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ كُلَّمَا طَالَ الْإِسْنَادُ كَانَ النَّظَرُ فِي التَّرَاجِمِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أَكْثَرَ فَيَكُونُ الْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ وَهَذَا لَا يُقَابِلُ (4) مَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَشْرَفُ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ مَا كَانَ قَرِيبًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فأما العلو بقربه إلى إمام حافظ، أو مصنف، أو متقدم (5) السماع:
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= يحتمل أن يقع الخلل من جهته، سهواً أو عمدًا، ففي قلتهم قلة جهات الخلل، وفي كثرتهم كثرة جهات الخلل، وهذا جلي واضح". [شاكر]
(1) أخرجه الخطيب في "الجامع" 1/ 123.
(2)
انظر "المقدمة" ص 439.
(3)
في ط: الفاضل. وانظره ص 216 وما بعدها.
(4)
في ط: يعاند.
(5)
في "ح"، "ط"، "ع": بتقدم.
(فتلك أمور)(1) نسبية.
وقد تكلم الشيخ أبو عمرو (2) هاهنا على:
"الموافقة"، وهي: انتهاء الإسناد إلى شيخ مسلم مثلاً.
و"البدل"(3) وهو: إنتهاؤه إلى شيخِ شيخِه أو مِثل شيخه.
و"المساواة" وهو: أن تساوي في إسنادك الحديث لمصنف.
و"المصافحة" وهي: عبارة عن نزولك عنه بدرجة حتى كأنه صافحك به وسمعته منه.
وهذه الفنون توجد كثيراً في كلام الخطيب البغدادي ومن نحا نحوه، قد صنف الحافظ ابن عساكر في ذلك مجلدات. وعندي أنه نوع قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون «1» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] العلو في الإسناد خمسة أقسام:
الأول -وهو أعظمها وأجلها-: القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح نظيف خال من الضعف. بخلاف ما إذا كان مع ضعف فلا التفات إليه، لا سيما إن كان فيه بعض الكذابين المتأخرين. ممن ادعى سماعا من الصحابة.
قال الذهبي: "متى رأيت المحدث يفرح بعوالي هؤلاء فاعلم أنه عامي".
نقله السيوطي في التدريب (ص 184)[1].
(1) في ط: فيكون.
(2)
انظر "المقدمة" ص 444، 445
(3)
في ب: التنزل
_________
[1]
((التدريب)) 2/ 607، بتصرف.
وقال الذهبي في الميزان (4/ 522 - ترجمة أبي الدنيا الأشج): " وما يعنى برواية هذا الضرب ويفرح بعلوها إلا الجهلة ". والله تعالى أعلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= وقد حرص العلماء على هذا النوع من العلو، حتى غالى فيه بعضهم، كما يفهم من كلام الذهبي، وكما رأيناه كثيرا في كتب التراجم وغيرها. وأعلى ما وقع للحافظ ابن حجر - وهو مسند الدنيا في عصره- أن جاء بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أنفس، ولذلك قد اختار من هذا النوع عشرة أحاديث في جزء صغير سماه "العشرة العُشارية" وقال في خطبته:"إن هذا العدد هو أعلى ما يقع لعامة مشايخي الذين حملت عنهم، وقد جمعت ذلك فقارب الألف من مسموعاتي منهم. وأما هذه الأحاديث فإنها وإن كان فيها قصور عن مرتبة الصحاح: فقد تحريت فيها جهدي، وانتقيتها من مجموع ما عندي".
وهذا الجزء نقلته بخطي منذ أربعين سنة تقريبا عن نسخة مكتوبة في سنة 1189 هـ. ثم قابلته على نسخة عتيقة مقروءة على المؤلف وعليها خطه، كتبت في رمضان سنة 852، أي قبل وفاة الحافظ بثلاثة أشهر تقريبا، وقد نقل السيوطي في التدريب (ص 184)[1] الحديث الأول منها من طريق آخر، غير طريق ابن حجر، وقال:"وأعلى ما يقع لنا ولأضرابنا في هذا الزمان -توفي السيوطي سنة 911 - من الأحاديث الصحاح المتصلة بالسماع ما بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه اثنا عشر رجلا". [2]
وذلك صحيح، لأن بين السيوطي وبين ابن حجر شيخا واحدًا، فهما اثنان زيادة على العشرة.
القسم الثاني: أن يكون الإسناد عالياً للقرب من إمام من أئمة الحديث، كالأعمش، وابن جريج، ومالك، وشعبة، وغيرهم، مع صحة الإسناد إليه.
القسم الثالث: علو الإسناد بالنسبة إلى كتاب من الكتب المعتمدة المشهورة =
[1] 2/ 607 ،608 وهو حديث أبي جرول زهير بن صرد الجشمي قال:" لَمَّا أَسَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ؛ يَوْمَ هَوَازِنَ، وَذَهَبَ يُفَرِّقُ السَّبْيَ، أَتَيْتُهُ .............. " الحديث رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 274 طبعة دار الفكر: "وفيه من لم أعرفهم".
[2]
((التدريب)) 2/ 617.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= كالكتب الستة، والموطأ، ونحو ذلك. وصورته: أن تأتي لحديث رواه البخاري مثلا، فترويه بإسنادك إلى شيخ البخاري، أو شيخ شيخه: وهكذا، ويكون رجال إسنادك في الحديث أقل عددًا مما لو رويته من طريق البخاري.
وهذا القسم جعلوه أنواعا أربعة:
الأول: الموافقة. وصورتها: أن يكون "مسلم" -مثلا- روى حديثًا عن يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر، فترويه بإسناد آخر عن يحيى، بعدد أقل مما لو رويته من طريق مسلم عنه.
والثاني: البدل أو الإبدال: وصورته في المثال السابق: أن ترويه بإسناد آخر عن مالك أو عن نافع أو عن ابن عمر بعدد أقل أيضاً وقد يسمي هذا "موافقة" بالنسبة إلي الشيخ الذي يجتمع فيه إسنادك بإسناد مسلم، كمالك أو نافع.
والثالث: المساواة: وهي كما قال ابن حجر في شرح النخبة [117 - نزهة]: " كأن يروي النسائي مثلا حديثا يقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في أحد عشر نفساً، فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقع بيننا فيه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفساً، فنساوي النسائي من حيث العدد مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص "
وقال ابن الصلاح (ص 219)[1]: "أما المساواة فهي في أعصارنا أن يقل العدد في إسنادك لا إلى شيخ مسلم وأمثاله، ولا إلى شيخ شيخه، -بل إلى من هو أبعد من ذلك؛ الصحابي أو من قاربه، وربما كان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يقع بينك وبين الصحابي -مثلاً- من العدد مثل ما وقع من العدد بين مسلم وبين ذلك الصحابي، فتكون بذلك مساوياً لمسلم -مثلاً- في قرب الإسناد وعدد رجاله."
والرابع: المصافحة: قال ابن الصلاح [2]"هي أن تقع هذه المساواة التي وصفناها لشيخك لا لك، فيقع ذلك لك مصافحة، إذ تكون كأنك لقيت مسلماً في ذلك الحديث "وصافحته" به لكونك قد لقيت شيخك المساوي لمسلم. =
[1](ص 444، 445)
[2]
[ص 445]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= فإن كانت المساواة لشيخ شيخك "كانت المصافحة" لشيخك، فتقول: كأن شيخي سمع مسلماً وصافحه" وهكذا.
وهذان النوعان - المساواة والمصافحة - لا يمكنان في زماننا هذا - سنة 1355، حين طبع الكتاب للمرة الأولي، وسنة 1371، حين طبعه للمرة الثانية - ولا فيما قاربه من العصور الماضية، لبعد الإسناد بالنسبة إلينا، وهو واضح.
ثم إن هذين النوعين أيضا - بالنسبة لمن قبلنا من القرن الرابع فمن بعده إلي التاسع: ليسا في الحقيقة من العلو، بل هما علو نسبي بالنسبة لنزول مؤلف الكتاب في إسناده.
قال ابن الصلاح (ص 022)[1]: "أعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول، إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم تعلُ أنت في إسنادك" ثم حكي عن أبي المظَفَّر بن أبي سعد السمعاني أنه روى عن الفراوي حديثاً ادعي فيه أنه كأنه سمعه هو أو شيخه من البخاري، فقال أبو المظفر:"ليس لك بعالٍ، ولكنه للبخاري نازل! ".
قال ابن الصلاح [ص 445]: "وهذا حسن لطيف، يخدش وجه هذا النوع من العلو ".
القسم الرابع من أقسام العلو: تقدم وفاة الشيخ الذي تروي عنه عن وفاة شيخ آخر، وإن تساويا في عدد الإسناد.
قال النووي في التقريب [2]: "فما أرويه عن ثلاثة عن البيهقي عن الحاكم: أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم، لتقدم وفاة البيهقي على ابن خلف".
وقد يكون العلو بتقدم وفاة شيخ الراوي مطلقًا، لا بالنسبة إلى إسناد آخر، ولا إلى شيخ آخر. وهذا القسم جعل بعضهم حد التقدم فيه: مضي خمسين سنة على وفاة الشيخ، وجعله بعضهم ثلاثين سنة. =
[1](ص 445)، والقصة فيه أوضح.
[2]
[2/ 614 - تدريب]
فأما من قال: إن العالي من الإسناد ما صح سنده، وإن كثرت رجاله -: فهذا اصطلاح خاص، وماذا يقول هذا القائل فيما إذا صح الإسنادان، لكن أقرب رجالاً؟ وهذا القول محكي عن الوزير نظام المُلك (1)، وعن الحافظ السِّلفي.
وأما النزول فهو ضد العلو، وهو مفضول بالنسبة إلى العلو. اللهم إلا أن يكون رجال الإسناد النازل أجل من رجال العالي، وإن كان الجميع ثقات.
كما قال وكيع لأصحابه: أيما أحب إليكم: "الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود، أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
القسم الخامس: العلو بتقدم السماع. فمن سمع من الشيخ قديما كان أعلى ممن سمع منه أخيرًا كأن يسمع شخصان من شيخ واحد، أحدهما سمع منه منذ ستين سنة مثلاً، والآخر منذ أربعين، فالأول أعلى من الثاني. قال في التدريب (ص 187) [1]:"ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خرف"، يعني أن سماع من سمع قديما أرجح وأصح من سماع الآخر.
ثم إن النزول يقابل العلو، فكل إسناد عال فالإسناد الآخر المقابل له إسناد نازل، وبذلك يكون النزول خمسة أقسام أيضاً، كما هو ظاهر [شاكر].
(1) نظام الملك الوزير الكبير، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي ابن إسحاق الطوسي، عاقل، سائس، خبير، متدين، عامر المجلس بالقراء والفقهاء توفي سنة خمس وثمانين وأربع مئة. [انظر السير 19/ 94].
_________
[1]
(2/ 615)
ابن مسعود؟ فقالوا: الأول، فقال: الأعمش عن أبي وائل: شيخ عن شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود: فقيه عن فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء أحب إلينا مما يتداوله الشيوخ" «1» (1).
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] قلنا فيما مضى (ص 263) إن الإسناد العالي أفضل من غيره، ولكن هذا ليس على إطلاقه؛ لأنه إن كان في الإسناد النازل فائدة تميزه، فهو أفضل، كما إذا كان رجاله أوثق من رجال العالي، أو أحفظ، أو أفقه، أو كان متصلاً بالسماع وفي العالي إجازة أو تساهل من بعض رواته في الحمل أو نحو ذلك.
قال في التدريب (ص 188)[1]: "قال ابن المبارك: ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال.
وقال السِّلَفي: الأصل الأخذ عن العلماء، فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة، على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق.
قال ابن الصلاح: ليس هذا من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث وإنما هو علو من حيث المعنى.
قال شيخ الإسلام: ولابن حبان تفصيل حسن، وهو: أن النظر إن كان للسند فالشيوخ أولى، وإن كان للمتن فالفقهاء".
وقد تغالى كثير من طلاب الحديث وعلمائه في طلب علو الإسناد. وجعلوه مقصدًا من أهم المقاصد لديهم، حتى كاد ينسيهم الحرص على الأصل المطلوب في الأحاديث: وهو صحة نسبتها إلى رسول الله سلى الله عليه وسلم. وتأمل في كلمتي ابن المبارك والسِّلَفي - اللتين نقلنا آنفاً- واجعلهما دستورًا لك في طلب السنة. والتوفيق من الله سبحانه. [شاكر]
(1) ذكره الحاكم في المعرفة ص 11 مسنداً. =
_________
[1]
(2/ 620)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= قال الدكتور حمزة المليباري (عبقرية مسلم ص 22"): "ذكر الخليلي في كتابه الإرشاد 1/ 177 - 181 كلاماً نفيساً فيما يخص مسألة العلو وها أنا أنقله بحروفه، قال: "واعلموا أن عوالي الأسانيد مما ينبغي أن يحتشد طالب هذا الشأن لتحصيله، ولا يعرفه إلا خواص الناس، والعوام يظنون أنه بقرب الإسناد وببعده وبقلة العدد وكثرتهم، وأن الإسنادين يتساويان في العدد وأحدهما أعلى، بأن يكون رواته علماء وحفاظاً.
روي لنا أن وكيع بن الجراح قال لتلامذته: أيهما أحب إليكم أن أحدثكم عن سليمان الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو أحدثكم عن سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود؟ قالوا: نحب الأعمش، فإنه أقرب إسناداً، قال: ويحكم، الأعمش شيخ عالم وأبو وائل شيخ، ولكن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، فقيه عن فقيه عن فقيه.
وقد يكون الإسناد يعلو على غيره بتقدم موت راويه، وإن كانا متساويين في العدد، مثاله: أن علي بن أحمد بن صالح حدثنا عن محمد بن مسعود الأسدي، عن سهل بن زنجلة، عن وكيع، وحدثنا محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن علي بن حرب، عن وكيع.
فسهل أعلى من علي بن حرب؛ لأنه مات قبل علي بن حرب بعشرين سنة، ومن ذلك أن رجلين يرويان عن أحد الأئمة، ثم يكون أحدهما أعلى، فإن قتيبة بن سعيد يروي عن مالك، ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين، ويروي عن مالك عبد الله بن وهب، ومات سنة ثمان وتسعين ومائة فهما سواء في مالك، لكن ابن وهب لقدم موته وجلالته لا يوازيه قتيبة مع توثيقه وصلاحه" ا. هـ كلام الخليلي.
ففي العلو ما ظاهر جلي، وما هو غامض خفي، وليس بمقدور الجميع إدراكه، وأجمع أهل النقل على طلبهم العلو، وتفضيله على النزول.
ومن الجدير بالذكر أن العلو يختلف باختلاف الرواة، وإنه أمر نسبي وإن كان الحديث الذي رواه شخص عالياً فلا يلزم أن يكون ذلك بالنسبة إلى شخص آخر. =