الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم الكتاب
بقلم الأستاذ الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة
إن علم أصول الحديث وقواعد اصطلاح أهله لا بد منه للمشتغل برواية الحديث إذ بقواعده يتميز صحيح الرواية من سقيمها ويعرف المقبول من الأخبار والمردود وهو للرواية كقواعد النحو لمعرفة صحة التراكيب العربية فلو سمي "منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار" لكان اسماً على مسمى.
هذا وقد كتب العلماء فيه من عصر التدوين إلى يومنا هذا نفائس ما يكتب من ذلك ما نجده في أثناء مباحث "الرسالة" للإمام الشافعي وفي ثنايا "الأم" له وما نقله تلاميذ الإمام أحمد في أسئلتهم له ومحاورته معهم وما كتبه الإمام مسلم بن الحجاج في "مقدمة صحيحه"، ورسالة الإمام أبي داود السجستاني إلى أهل مكة في بيان طريقته في سننه الشهيرة، وما كتبه الحافظ أبو عيسى الترمذي في كتابه "العلل" المفرد في آخر جامعه، وما بثه في الكلام على أحاديث جامعة في طيات الكتاب من تصحيح وتضعيف وتقويه وتعليل.
وللإمام البخاري التواريخ الثلاثة ولغيره من علماء الجرح والتعديل من معاصريه ومن بعدهم بيانات وافية لقواعد هذا الفن تجيء منتشرة في تضاعيف كلامهم حتى جاء من بعدهم فجرد هذه القواعد في
كتب مستقله ومصنفات عده وأشار إلى أشهرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فاتحة شرحه "لنخبة الفكر" فقال فمن أول من صنف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن الذي عاش إلى قريب سنة (360)(1) في كتابه "المحدث الفاصل" لكنه لم يستوعب والحاكم أبو عبد الله النيسابوري محمد بن عبد الله بن البيع صاحب "المستدرك على الصحيحين"، و "الإكليل والمدخل إليه في مصطلح الحديث"، و "تاريخ نيسابور" المتوفى سنة (405) لكنه لم يهذب ولم يرتب.
تلاه أبو نعيم الأصبهاني أحمد بن عبد الله الصوفي صاحب "حلية الأولياء"، و "المستخرج على البخاري" وغيرهما والمتوفى سنة (430) فعمل على كتابه مستخرجا وأبقى أشياء للمتعقب وجاء بعده الخطيب أبو بكر البغدادي أحمد بن على بن ثابت صاحب تاريخ بغداد وغيره المتوفي سنة 463 فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه "الكفاية"، وفي آدابها كتابا "سماه الجامع لآداب الشيخ والسامع" وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا مفردا فكان كما قال الحافظ أبو بكر ابن نقطة محمد بن عبد الغني البغدادي الحنبلي المتوفى سنة (629)"كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه".
ثم جاء بعدهم بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب فجمع القاضي عياض ابن موسى اليحصبي الأندلسي المتوفى سنة (544) كتابا سماه "الإلماع"، وأبو حفض الميانجي جزء سماه "ما
(1) ما وضع بين القوسين فمن زيادتنا توضيحا لكلام الحافظ ابن حجر
لا يسع المحدث جهله" إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان ابن الصلاح عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق المتوفى سنة (643) فجمع لما تولى تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور علوم الحديث بمقدمة ابن الصلاح فهذب فنونه وأملاه شيئا بعد شيء فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة فجمع شتات مقاصدها وضم إليها من غيرها نخب فوائدها فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره فلا يحصى كم ناظم له ومختصر ومستدرك ومقتصر ومعارض له ومنتصر أهـ. كلام الحافظ رحمه الله.
فقد ظهر لك بشهادة الحافظ ابن حجر أن كتاب ابن الصلاح رحمه الله جمع شتات الكتب وعيونها من كتب الخطيب الذي هو عائل علماء الفن بعده وغيرها مما تقدمه وتأخر ومبلغ عناية العلماء بها نظما وشرحا واختصارا.
فممن نظمها الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، المتوفى سنه (806) نظمها في كتابه "ألفية الحديث" وشرحها هو بنفسه، وكذلك شرحها بعده السخاوي، وللحافظ العراقي المذكور شرح على كتاب ابن الصلاح.
وممن اختصرها الإمام النووي الشافعي صاحب "المجموع" و "الروضة في فقه الشافعية" و "شرح صحيح مسلم" وغيرها من الكتب النافعة اختصرها في كتاب سماه "التقريب" وشرحه السيوطي في كتاب سماه "تدريب الراوي".
ثم جاء الإمام ابن كثير الفقيه الحافظ المفسر الذي سنقف على تاريخ حياته فيما بعد فاختصره في رسالة لطيفة سماها "الباعث الحثيث على معرفة علوم الحديث" بعبارة سهلة وفصيحه وجمل مفهومة مليحة واستدرك على ابن الصلاح استدراكات مفيدة يبدأها بقوله "قلت" فسهل على طالب الفن تناوله في رسالة وسط "وخير الأمور أوسطها" لم يختصرها اختصارا مضغوطا مختلا ولا أطالها تطويلا منتشرا مشوشا فكانت خطوة أولى ومرحلة ابتدائية يدرسها الطالب فيرتقي منها إلى دراسة أصلها وما بعدها من كتب الأئمة حتى ينتهي إلى التحقيق فيدلي بدلوه مع الدلاء.
ولقد كان للإمام ابن كثير حياة علمية حافلة بالجهد في التحصيل والتصنيف في عصر مملوء بالأكابر من علماء النقل والعقل كما ستقف على ذلك في تلخيص سيرته من كلام ثقات المؤرخين من أهل عصره ومن بعدهم إن شاء الله تعالى.
محمد عبد الرزاق حمزة