الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذِكْرُ تَعْدَادِ أَنْوَاعِ الحَدِيثِ
"صَحِيحٌ"، "حَسَنٌ"، "ضَعِيفٌ"، "مُسْنَدٌ"، "مُتَّصِلٌ"، "مَرْفُوعٌ"، "مَوْقُوفٌ"، "مَقْطُوعٌ"، "مُرْسَلٌ"، "مُنْقَطِعٌ"، "مُعْضَلٌ"، "مُدَلَّسٌ"، "شَاذٌّ"، "مُنْكَرٌ"، "مَا لَهُ شَاهِدٌ"، "زِيَادَةُ الثِّقَةِ"، "الأفْرَادُ".
"المُعَلَّلُ"، "المُضْطَرِبُ"، "المُدْرَجُ"، "المَوْضُوعُ"، "المَقْلُوبُ".
"مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رِوايَتُه"، "مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ سَمَاعِ الحَدِيثِ وَإِسْمَاعِهِ"، وَ"أنْوَاعُ التَّحَمُّلِ مِنْ إِجَازَةٍ وَغَيْرِهَا".
("مَعْرِفَةُ كِتَابَةِ الحَدِيثِ وَضَبْطِهِ"، "كَيْفِيَّة رِوَايَةِ الحَدِيثِ وَشَرْطُ أَدَائِهِ")(1).
"آدَابُ المُحَدِّثِ"، "آدَابُ الطَّالِبِ"، "مَعْرِفَةُ العَالِي وَالنَّازِلِ".
"المَشْهُورُ"، "الغَرِيبُ"، "العَزِيزُ"، "غَرِيبُ الحَدِيثِ وَلُغَتُهُ"، "المُسَلْسَلُ"، "نَاسِخُ الحَدِيثِ وَمَنْسُوخُهُ".
"المُصَحَّفُ إِسْنَادًا وَمَتْنًا"، "مُخْتَلِفُ الحَدِيثِ"، "المَزِيدُ فِي الأسَانِيدِ".
"خفي (2) المُرْسَلُ"، "مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ"، "مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ"، "مَعْرِفَةُ أَكَابِرِ الرُّوَاةِ عَنْ الأصَاغِرِ".
(1) في "ب"، "ط"، "ع": " كيفية رواية
…
... آدابه "، " معرفة كتابة
…
".
(2)
من الأصل فقط
"المُدَبَّجُ" و "رِوَايَةُ الأقْرَانِ"، "مَعْرِفَةُ الإِخْوَةِ وَالأخَوَاتِ"، "رِوَايَةُ الآبَاءِ عَنْ الأبْنَاءِ"، "عَكْسُهُ".
"مَنْ رَوَى عَنْهُ اثْنَانِ مُتَقَدِّمٌ وَمُتَأَخِّرٌ"، "مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ".
"مَنْ لَهُ أسْمَاءٌ وَنُعُوتٌ مُتَعَدِّدَةٌ"، "المُفْرَدَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ"، "مَعْرِفَةُ الأسْمَاءِ وَالكُنَى"، "مَنْ عُرِفَ (بِاسْمِهِ دُونَ كُنْيَتِهِ") (1).
"مَعْرِفَةُ الألْقَابِ"، "المُؤْتَلِفُ وَالمُخْتَلِفُ"، "المُتَّفِقُ وَالمُفْتَرِقُ"، "نَوْعٌ مُرَكَّبٌ مِنْ الَّذَيْنِ قَبْلَهُ"، "نَوْعٌ آخَرُ مِنْ ذَلِكَ".
"مَنْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِ أبِيهِ"، " (2) الأنْسَابُ الَّتِي يَخْتَلِفُ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا"، "مَعْرِفَةُ المُبْهَمَاتِ"، "تَوَارِيخُ الوَفَيَاتِ".
"مَعْرِفَةُ الثِّقَاتِ وَالضُّعَفَاءِ"، "مَنْ خَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ"، "مَعْرِفَةُ (3) الطَّبَقَاتِ".
"مَعْرِفَةُ المَوَالِي مِنَ العُلَمَاءِ وَالرُّوَاةِ"، "مَعْرِفَةُ بُلْدَانِهِمْ وَأوْطَانِهِمْ".
فَهَذَا تَنْوِيْعُ الشَّيْخِ أبِي عَمْرٍو وَتَرْتِيبُهُ رحمه الله.
قَالَ (4): "وَلَيْسَ بِآخِرِ المُمْكِنِ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ (5) قَابِلٌ لِلتَّنْوِيعِ إِلَى مَا لَا يُحْصَى؛ إذْ لَا تَنْحَصِر «1» أحْوَالُ الرُّوَاةِ وَصِفَاتُهُمْ، وَأحْوَالُ مُتُونِ الحَدِيثِ وَصِفَاتُهَا".
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] نُسخةٍ: "تُحْصَى". [شاكر]
(1) في "ط"، "ع":"باسمٍ دون كنيةٍ"، وفي "ب":"باسمٍ دون اسمٍ".
(2)
زادَ في الحلبيِّ: "معرفة". وليسَتْ في جميعِ النسخِ الخطيَّةِ والمطبوعِ. ولم يُشِرْ لِزِيادَتِها عندَه.
(3)
سقطت من م.
(4)
"المقدمة "(ص 150).
(5)
في "ب"، "ط"، ع:"لأنه ".
قُلتُ: وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ، بَلْ فِي بَسْطِهِ هَذِهِ الأَنْوَاعَ إِلَى هَذَا العَدَدِ نَظَرٌ؛ إِذْ يُمْكِنُ إِدْمَاجُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، وَكَانَ ألْيَقَ مِمَّا ذَكَرَهُ.
ثُمَّ إِنَّهُ قد (1) فَرَّقَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَاتٍ مِنْهَا بَعْضهَا عَنْ بَعْضٍ، وَكَانَ اللَّائِقُ ذِكْرَ كُلِّ نَوْعٍ (2) إِلَى جَانِبِ مَا يُنَاسِبُهُ.
وَنَحْنُ نُرَتِّبُ مَا نَذْكُرُهُ عَلَى مَا هُوَ الأنْسَبُ، وَرُبَّمَا أدْمَجْنَا بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ؛ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ وَالمُنَاسَبَةِ (3).
وَنُنَبِّهُ عَلَى مُنَاقَشَاتٍ لَا بُدَّ مِنْهَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(1) سقطت من م، "ب".
(2)
زاد في "ب"، "ط"، "ع":"منها".
(3)
مشى رحمه الله على نفس ترتيب ابن الصلاح إلا نادرا جدا، فلعل عرض له عارض منعه أن يوفي بشرطه.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: لا يفهم من كلام ابن كثير التزام ترتيب ابن الصلاح].
النوع (1) الأول الصحيح (2)
[تقْسيمُ الحديثِ إلى أنواعِهِ صحَّةً وضعفًا «1»
قال (3): "اعْلَم - علَّمَك الله وإياي - أنَّ الحديثَ عند أهله ينْقَسِم إلى: صحيحٍ، وَحَسَنٍ، وضعيفٍ".
قُلْتُ: هذا التقسيمُ إنْ كان بالنِّسبة إلى ما في نَفْس الأمر، فليس إلَّا صحيحٌ أو ضعيفٌ، وإن كان بالنِّسبة إلى اصْطلاح المحَدِّثين؛ فالحديثُ ينقَسِم عندهم إلى أكثرَ مِن ذلك، كما قد (4) ذَكَرَه آنفًا هو وغيرُه أيضًا.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر]: هذه العناوين التي بين مَعْكوفين [] زيادةٌ على الأصل، زِدْناها تَيْسيرًا للقارئ والباحث. [شاكر]
(1) زيادة من "ط"
(2)
انظر: "معرفة علوم الحديث" للحاكم ص 58، و"مقدمة ابن الصلاح" ص 151، و"النُّكَت"؛ للزَّرْكشي 1/ 91، و"التقييد والإيضاح" ص 18، و"الشذا الفَيَّاح"1/ 66، و"النُّكَت" لابن حجر 1/ 234، و"فتح المغيث" 1/ 32، و"تدريب الراوي" 1/ 59.
(3)
" المقدمة "(ص 151).
(4)
سقطت من "ب"، "ط"، "ع".
[تعريفُ الحديثِ الصَّحيحِ]
قال (1): "أمَّا "الحديثُ الصحيحُ" فهو: "الحديثُ المُسْنَدُ الذي يتَّصِل إسنادُه بنَقْل العدل الضَّابِطِ عن العَدْل الضابط إلى مُنتهاه، ولا يكون شاذًّا ولا مُعلَّلًا".
ثُمَّ أخَذَ يُبَيِّن (فَوائِدَ قُيُودِهِ)(2)، وما احتُرز بها عن "المُرْسَل"، و"المنقَطِع"، و"المُعْضَل"، و"الشاذِّ"، وما فيه عِلَّةٌ قادحةٌ «1» ، وما في رَاوِيهِ نوعُ جرحٍ.
قال (3): فهذا هو الحديثُ الذي يُحْكَمُ له بالصِّحَّة بلا خلافٍ بين أهل الحديث، وقد يَخْتَلِفون في بعض الأحاديث؛ لاخْتِلافِهِمْ في وُجُود هذه الأوصاف، أو في اشْتِراط بعضِها؛ كما في "المُرْسَل".
قُلتُ: فَحَاصِل حدِّ الصَّحيح: أنَّه "المتَّصل سندُه بنَقْل العدل الضابط عن مِثْلِه"، حتى ينتهيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو "إلى مُنْتَهاه"، مِنْ
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر]"المُرْسَل": "ما رواه التابعيُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بدون ذِكْر الصحابي".
و"المُنْقَطِع": "ما سَقَط منه واحدٌ في موضعٍ أو مَوَاضعَ".
و"المُعْضَل": "ما سَقَط منه اثنان فأكثر في موضعٍ أو مواضعَ".
و"الشَّاذُّ": "مُخالَفةُ الثقة لمن هو أوْثَق منه".
و"المُعَلَّل": "ما كان فيه علةٌ"، وسيأتي بيان ذلك مُفَصَّلًا في أنواعه - إن شاء الله. [شاكر]
(1)" المقدمة "(ص 151).
(2)
في م: "فوائده".
(3)
"المقدمة"(ص 152).
صحابيٍّ أو مَنْ دُونَه (1)، "ولا يكون شَاذًّا مَرْدودًا (2)، "ولا مُعلَّلًا بِعلَّةٍ قادحةٍ، وقد يكون مَشْهورًا أو (3) غريبًا (4).
وهو مُتفاوُتٌ في نَظَر الحُفَّاظ في محالَّهِ؛ ولهذا أطْلَق بعضُهم أصحَّ الأسانيد على بعضها (5):
فعن أحمدَ وإسحاق: أصحُّها الزُّهْري عنْ سالمٍ عن أبيه.
(1) قالَ د. خَالد الحَايِكْ -حفظه الله- "قَد يُشْكِلُ هذا عَلى بَعضِ الطَّلبةِ، إلّا
أن ابنَ كثير رحمه الله أرادَ أنْ يزِيدَ فِي الشَرْحِ أنّ الصَّحيحَ الموقوفَ عَلَى الصَحَابِي أَوْ عَلَى التابِعِي أيضًا يجِبُ أن تتوَفَّر فيهِ هذهِ الشروطِ".
(2)
في الأصل: "ولا مَرْدُودًا".
(3)
في "غراس": "مشهورا وغريبا"
(4)
علق الشيخ الألباني (1/ 100 - من طبعة الحلبي) قائلا: "المشهور: ما رواه عن الشيخ اثنان فأكثر والغريب ما تفرد به واحد"
وهو خلاف المشتهر في كتب علماء الفن؛ قال ابن الصلاح في "المقدمة"(ص 456): "روينا عن أبي عبدِالله ابن منده الحافظِ الأصبهاني أنه قال: "الغريبُ من الحديث، كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثهم، إذا انفرد الرجلُ عنهم بالحديثِ يُسمى غريبًا، فإذا روى عنهم رجلانِ وثلاثة واشتركوا في حديثٍ؛ يسمى عزيزًا، فإذا روى الجماعةُ عنهم حديثًا سُمِّي مشهورًا" وانظر:"المنهج المقترح لفهم المصطلح"(ص 229)
(5)
قالَ د. خَالد الحايكْ: قالَ الخطيبُ في الكِفَايةِ (2/ 203): "وَقَد اخْتَلَفَ أئِمَّةُ أهلِ الأثرِ في أصحِّ الأسَانيدِ وأرْضاها وإليهم المَرْجِعُ من ذلكَ، وقَولِهم هُوَ الحُجَّةُ عَلَى مَنْ سِواهُم، فكلٌّ قالَ عَلَى قَدرِ اجتِهَادِهِ وذَكَرَ ما هُو الأوْلَى عِنْدَهُ"، وقال ابنُ حجرَ:"النُّكَت"(1/ 250): "مَعَ أَنَهُ يمكنُ للناظر المُتْقِنِ ترجيحُ بعضَها علَى بعضٍ من حيثُ حفْظِ الإمامِ الذي رجَّحَ وإتقانِهِ وإِنْ لَمْ يَتهَيَّأ ذلكَ علَى الإطلاقِ، فلا يخلُو النَّظر فيهِ مَنْ فَائدةٍ لأنَّ مجمُوعَ مَا نُقِلَ عَنِ الأئمَّةِ مِنْ ذَلكَ يُفِيدُ ترجِيحَ التراجِمِ التي حَكَموا لهَا بالأصَحِّيَّةِ عَلَى ما لَمْ يَقَعْ لَهُ حُكْمٌ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُم".
وقال عليُّ بن المَدِيني والفَلَّاس «1» : أصحُّها مُحمَّد بن سِيرين، عن عَبِيدَة «2» عن عليٍّ (1).
وعن يحيى بنِ مَعينٍ: أصحُّها (2) الأعْمَش (3)
عنْ إبراهيمَ عن عَلْقَمةَ عن ابن مسعودٍ.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] هو: عمرو بن عليٍ. [شاكر]
[قلنا] و "الفلاس": نسبة إلى بيع الفلوس، وكان صيرفيا. "الأنساب للسمعاني" 4/ 414.
ولكن قال "ابن ماكولا" 7/ 69 على لسان عمرو بن علي: "روى عني عفان بن مسلم حديثا فسماني الفلاس، وما كنت فلاسا قط".
«2» [شاكر] هو: عَبِيدَة - بِفَتْح العين، وكَسْر الباء - بن عمرٍو، ويُقال: ابن قيسٍ، السَّلْماني - بفتح السين، وسُكُون اللام. [شاكر]
(1) قال الذهبي في "السير"(4/ 41): "لا تفوق لهذا الإسناد مع قوته على: إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، ولا على: الزهري، عن سالم، عن أبيه. ثم إن هذين الإسنادين روي بهما أحاديث جمة في الصحاح، وليس كذلك الأول، فما في (الصحيحين) لعبيدة عن علي سوى حديث واحد، وعند البخاري حديث آخر، موقوف بهذا الإسناد، وانفرد مسلم بحديث آخر".
(2)
في "المقدمة"(ص 16): "أجودها".
(3)
وما ذُكِر مِن كَوْن الأعمش يُدَلِّس؛ فكيف يكونُ إسنادُه مِنْ أصحِّ الأسانيد إذا عنعن؟ !
فنقول: من ضوابط قبول عنعنة الأعمشُ أن يَرْوي عن شيخٍ له، ومكثر عنه، قال "الذهبي" في "الميزان " (2/ 414):"يُدَلِّس، (أي الأعمش) وربما دَلَّس عن ضعيفٍ، ولا يُدري به، فمتى قال: "حدثنا" فلا كلام، ومتى قال: "عن" تَطَرَّق إليه احتمالُ التدليس، إلَّا في شيوخٍ له أكثَر عنهم؛ كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السَّمَّان؛ فإنَّ رِوايتَه عن هذا الصنف محمولةٌ على الاتِّصال"؛ ا. هـ.
وقال يعقوب بنُ سُفيان في «المعرفة» (2/ 637): "وحديثُ سفيان، وأبي =
وعن البُخاريِّ: مالكٌ عن نافعٍ عن ابن عُمَر.
وزاد بعضُهم «1» : الشافِعي عن مالكٍ؛ إذْ هو أجَلُّ مَن روى عنه «2» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] هو: "أبو منصورٍ عبد القاهِر بن طاهرٍ التَّميمي"، كذا سَمَّاه "ابن الصَّلاح" في "المقدِّمة [1] ".
وذَكَر عن أبي بكر بن أبي شيبةَ [2] قال: أصَحُّ الأسانيد كلها: الزُّهْرِي عن عليِّ بن الحسين عن أبيه عن عليٍّ - يعني: ابنَ أبي طالبٍ. [شاكر]
«2» [شاكر] الذي انتهى إليه التحقيقُ في أصَحِّ الأسانيد: أنه لا يُحْكَم لإسنادٍ بذلك مُطلقًا مِن غير قيدٍ، بل يُقَيَّد بالصحابي أو البلد، وقد نَصُّوا على أسانيدَ جَمَعْتُها [3]، وزدْتُ عليها قليلًا، وهي:
• أصَحُّ الأسانيد عن "أبي بكرٍ": إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ عنْ قيس بن أبي حازمٍ عن أبي بكرٍ.
• وأصَحُّ الأسانيد عن "عُمَر": الزُّهْرِي عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَة عنِ =
= إسحاق، والأعمش ما لم يُعلم أنه مُدَلَّس يقوم مَقام الحُجَّة" ا. هـ.
وقال البيهَقِيُّ في"معرفة السُّنن والآثار"(1/ 151): "قال شُعبة: كَفَيْتكُم تدليسَ ثلاثةٍ: الأعمش، وأبي إسحاق، وقَتَادَة".
فإذا كان الحديث من رواية شعبة عن الأعمش فقد أمِنَّا من شبهة التدليس.
وكذلك إذا كان الحديث معنعنا في أحد الصحيحين. وانظر للأهمية كتاب "ضوابط قبول عنعنة المدلس" لعبد الرزاق الشايجي، و "فتح المغيث" للسخاوي (1/ 233 ط. السنة)
_________
[1]
[ص 154 - 155]
[2]
وقاله أيضًا "، الإمام " النسائي " انظر " مقدمة ابن الصلاح " (ص 154). و" محاسن الاصطلاح " (ص 154 - المقدمة). وينظر " الثقات " لابن حبان 6/ 131
[3]
قال د. الحايك: (هؤلاء الأئمة الحفاظ قد ذكر كل ما أدى إليه اجتهاده في أصح الأسانيد، ولكل صحابي رواه من التابعين، ولهم أتباع، وأكثرهم ثقات فلا يمكن أن يقطع الحكم في أصح الأسانيد لصحابي واحد)، قال الخطيب (2/ 457، 458): (وقد اختلف أئمة أهل الأثر في أصح الأسانيد وأرضاها، وإليهم المرجع في ذلك، وقولهم هو الحجة على من سواهم، وكُلٌّ قال على قدر اجتهاده، وذكر ما هو الأولى عنده).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= ابن عباسٍ عن عُمَر. والزُّهْرِي عن السائب بن يزيد عن عمر.
• ويُزاد عليهما عندي ما سَيَأتي في أصَحِّ الأسانيد عن ابن عُمَر، وهي أربعةُ أسانيد؛ لأنَّه إذا كان الإسناد إلى ابن عمر مِن أصح الأسانيد، ثُمَّ روى عن أبيه؛ كان ما يَرْويه داخِلًا في أصَحِّ الأسانيد أيضًا.
• وأصح الأسانيد عن "عليٍّ": "محمد بن سيرين عن عَبِيدة - بفتح العَيْن - السَّلْماني عن علي"، و"الزُّهْرِي عن علي بن الحُسَين عن أبيه عن علي"، و"جعفر بن محمدٍ بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي"[1].
و"يحيى بن سعيدٍ القَطَّان عنْ سُفيان الثَّوري عن سُليمان - وهو الأعمش- عن إبراهيم التَّيْمي، عن الحارِث بن سُويدٍ عن علي [2].
• وأصح الأسانيد عن "عائشة": "هِشام بن عُرْوة عن أبيه عن عائشة"، و"أفلح بن حميدٍ عن القاسِم عن عائشة"، "وسُفيان الثَّوري عن [منصور] عن إبراهيمَ عن الأسود عن عائشة"[3]. و"عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة"، =
[1] قال السيوطي فى "التدريب "(1/ 86): " هذه عبارة الحاكم ووافقه من نقلها وفيها نظر؛ فإن الضمير فى جده إن عاد إلى جعفر فجده " على " لم يسمع من "على بن أبى طالب " أو إلى "محمد " فهو لم يسمع من الحسين ".
[2]
فى "العلل ومعرفة الرجال"[2/ 180 (1930) - رواية عبد الله]: " سمعت أبى ذكر الحارث بن سويد فعظم شأنه وذكره بخير، وقال ما بالكوفة أجود إسنادا منه، وذكر حديث " إبراهيم التيمى عن الحارث بن سويد عن على "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت " وبتخريج الحديث يعلم أن الإسناد المقصود هو ما ذكره الشارح رحمه الله فى شرحه.
تنبيه: ذكر الحافظ فى "النكت " 1/ 255: " وقال " عبد الله بن أحمد بن حنبل " عن أبيه: " ليس بالكوفة أصح من هذا الإسناد: يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثورى عن سليمان التيمى عن الحارث بن سويد عن على رضى الله عنه ". وقلده كل من جاء بعده، مثل " السيوطى " فى " التدريب " (1/ 88)، والشيخ شاكر رحمه الله -أيضا -فى تعليقه على ألفية السيوطى ص 17. وكذلك وهم فيه الزركشي في النكت 1/ 134.ولا يُعرف لسليمان التيمى رواية عن الحارث بن سويد - أصلا - وهذا من عجيب التتابع على تقليد!
[3]
انظر: " الجامع"(2/ 299) للخطيب. وفيه: قال "أحمد بن سعيد الدارمي ": فأما أنا فأقول: " هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة "، أحب إلي هكذا رأيت أصحابنا يقدمون". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= و"يحيى بن سعيدٍ عن عُبيد الله بن عُمر بن حَفْص بن عاصم بن عُمر بن الخطاب [عن القاسِم] [1] عن عائشة"، و"الزُّهْرِي عن عُروة بن الزُّبَير عن عائشة".
• وأصح الأسانيد عن "سَعد بن أبي وقَّاص": "علي بن الحُسَين بن عليٍّ عن سعيد بن المُسَيب عن سعد بن أبي وقَّاصٍ"[2].
• وأصح الأسانيد عن "ابن مسعودٍ": "الأعمش عن إبراهيم عن عَلْقَمَة عن ابن مسعودٍ"، و"سفيان الثَّوري عن منصورٍ عن إبراهيمَ عن علقَمة عن ابن مسعودٍ"[3].
• وأصح الأسانيد عن "ابن عُمر": "مالكٌ عن نافعٍ عن ابن عُمر"، و"الزُّهْرِي عن سالمٍ عن أبيه ابن عُمر"، و"أيوب عنْ نافعٍ عن ابن عُمر"، و"يحيى بن سعيدٍ القَطَّان عن عُبيد الله بن عُمَر عن نافعٍ عن ابن عُمَر"[4].
• وأصح الأسانيد عن "أبي هُرَيْرة": "يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سَلَمة عن أبي هُريرة"، و"الزُّهْرِي عن سعيد بن المُسَيب عن أبي هريرة"، و"مالك عن أبي الزِّناد عن الأَعْرج عن أبي هريرة"، و"حمَّاد بن زيدٍ عن أيُّوب عنْ محمد بن سيرين عن أبي هُريرة"، و"إسماعيل بن أبي حَكِيمٍ عن عَبِيدة - بفتح العين - بن سُفيان الحَضْرَمي عن أبي هُريرة"[5]، و"مَعْمَر عن همَّامٍ عن أبي هُريرة". =
= تنبيه: قوله: " سفيان الثوري عن إبراهيم عن الأسود. . . . . . . . . " كذا في "م"، و"الحلبي" والصواب: سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم. . . . . . . . . . كما أثبتناه. والله أعلم.
كما فى " الجامع " للخطيب 2/ 122 (1366)؛ وفيه: "سفيان عن منصور عن إبراهيم. . . " وانظر: "النكت 1/ 249.
[1]
سقط من "م"، وفي "الحلبي":" عن القاسم بن محمد ".
[2]
ساقه البزار في " مسنده"، وقال:" أصح إسناد يروى عن سعد ". النكت 1/ 260.
[3]
قال" ابن المبارك "، و" وكيع "، و" العجلي ": أرجح الأسانيد وأحسنها: سُفيانُ الثَّوريُّ عن مَنصورٍ عن إبراهيمَ. . . . . . . . . . ". انظر الجامع للخطيب (2/ 122، 299) " النكت " 1/ 253
[4]
قال " أبو حاتم": " كأنك تسمعها من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم " الجامع للخطيب (2/ 122) ونقلها الذهبي في تاريخ الإسلام (5/ 700، 701) وقال: صدق أبو حاتم
[5]
قال "الحافظ": روى "ابن شاهين" في " الثقات " عن أحمد بن صالح المصري: قال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
• وأصَح الأسانيد عن "أم سَلَمة": "شُعْبَة عن قَتَادة [1] عن سعيدٍ عن عامرٍ أخي أم سَلَمة عنْ أم سَلَمة"[2].
• وأصح الأسانيد عن "عبد الله بن عَمْرو بن العاص": "عَمْرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جدِّه"، (وفي هذا الإسناد خِلافٌ مَعروفٌ، والحقُّ أنَّه مِن أصحِّ الأسانيد)[3]. =
= " مِن أثبت أسانيد أهل المدينة " فذكره. انظر"تاريخ أسماء الثقات"(ص 27)، و" النكت " 1/ 255
[1]
انظر ماسبق تعليقه على الأعمش فهو ينسحب على كل مدلس ثقة.
[2]
في طبعة " دار الكيان"؛ تصحيف عجيب جدا! فقد ساق الإسناد هكذا: " شعبة عن قتادة عن عامراً! في أم سلمة! عن أم سلمة "! .وهي طبعة مليئة بالتصحيفات والتحريفات، على أن للمحقق بعض التعليقات الجيدة والتي استفدنا منها. والله المستعان.
[3]
والخلاف المقصود هو: طَعنُ بعض الناس في حديث "عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده"، وقالوا هي نسخةٌ، وشعيب هو: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وقالوا عن جده الأدنى ((محمد))، فهو مرسل؛ فإنه لم يدرك النبي، وإن عنى جده الأعلى فهو منقطع؛ فإن شعيباً لم يدركه.
فقال ابن عدي: روايته- أي عمرو بن شعيب - عن أبيه عن جده مرسلة لأن جده محمدا لا صحبة له.
وقال ابن حبان: إن أراد جده عبد الله فشعيب لم يلقه فيكون منقطعا وإن أراد محمدا فلا صحبة له فيكون مرسلا.
قال الذهبي وغيره: وهذا قول لا شيء، لأن شعيبا ثبت سماعه من عبد الله وهو الذي رباه لما مات أبوه محمد وهذا القول اختاره الشيخ أبو إسحاق في اللمع إلا أنه احتج بها في المهذب وذهب الدارقطني إلى التفرقة بين أن يفصح بجده أنه عبد الله فيحتج به أو لا فلا وكذا إن قال عن جده قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه مما يدل على أن مراده عبد الله. انظر ((تدريب الراوي)) (2/ 733)
وقال إسحاق بن راهوية: ((إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر)) [تاريخ دمشق 46/ 86]
قال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، قال البخاري: فمن الناسُ بعدهم؟ ! . [سير النبلاء 5/ 167] =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
• وأصح الأسانيد عن "أبي موسى الأشعريِّ": "شُعبة عن عمرو بن مُرَّة عن أبيه مُرَّة عن أبي موسى الأشعريِّ"[1].
• وأصح الأسانيد عن "أنس بن مالكٍ": "مالكٌ عن الزُّهْرِي عن أنسٍ"، و"سفيان بن عُيَيْنَة عن الزُّهْرِي عن أنسٍ"، و"مَعْمَر عن الزُّهْرِي عن أنسٍ" - (وهذانِ الأخيرانِ زِدْتُهما أنا؛ فإنَّ ابنَ عُيَيْنة ومَعْمرًا [2] لَيْسَا بأقلَّ مِن مالكٍ في الضبط والإِتْقان عن الزُّهْرِي) - و"حَمَّاد بن زيدٍ عن ثابتٍ عن أنسٍ"، و"حماد بن سَلَمة عنْ ثابتٍ عن أنَسٍ"، و"شُعْبَة عن قَتادَةَ عن أنسٍ"، و"هشام الدُّسْتُوائي عنْ قَتادة عن أنسٍ".
• وأصح الأسانيد عن "ابن عبَّاسٍ": "الزُّهْرِي عن عُبيد الله بن (عبد الله) [3] بن عُتبة عن ابن عباسٍ"[4]. =
= وقد ذكره " الذهبي "(الموقظة ص 32) - فقال -: "فأعلى مراتب الحسن ..... ، و" عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ". وهذا به أليق.
[1]
الصحيح أن مرة والد عَمرو غير مرة شيخه. فتح الباري 6/ 446
[2]
قال الحافظ (النكت 1/ 259): " وهذا الذي ذكره الحاكم قد ينازع في بعضه، ولا سيما في أسانيد أنس ـ رضي الله تعالى عنه.
فإن قتادة وثابتاً البناني أقعد وأسعد بحديثه من الزهري، ولهما من الرواة جماعة، فأثبت أصحاب ثابت البناني حماد بن زيد، وأثبت أصحاب قتادة شعبة وقيل غيره.
وقال العلامة الألباني 1/ 104 " بل إن معمرا دونهما في الضبط فإنه له بعض الأوهام، وهي معروفة عند المشتغلين بهذا العلم " وكلا من الشيخ شاكر والألباني له وجه: قال " ابن معين ": " معمر ويونس عالمان بالزهري، ومعمر أثبت في الزهري من ابن عيينة "" الجرح والتعديل " 8/ 257. وقال أيضا -: " إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه، لا عن الزهري وابن طاوس؛ فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة فلا، وما عمل في حديث الأعمش شيء ". " التعديل والتجريح" 2/ 818.
فيظهر من ذلك أن كلام العلامة الألباني يرجع إلى " معمر" في غير الزهري. والله أعلم.
[3]
سقط من "الحلبي"
[4]
قال " النسائي ": " أحسن الأسانيد التي تُروى أربعة " وذكر منها هذا الإسناد. "النكت"(1/ 251)، انظر الجامع (2/ 123).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
• وأصَحُّ الأسانيد عن "جابر بن عبد الله": "سُفيان بن عُيَيْنة عن عمرو بن دينارٍ عن جابرٍ".
• وأصَحُّ الأسانيد عن "عُقبة بن عامرٍ": "الليث بن سعدٍ عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن أبي الخير [1] عن عُقبة بن عامرٍ".
• وأصح الأسانيد عن "بُرَيْدة": "الحسين بن واقدٍ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة "[2].
• وأصح الأسانيد عن "أبي ذَرٍّ": "سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخَوْلاني عن أبي ذرٍّ"[3].
هذا ما قالوه في أصَحِّ الأسانيد عن أفرادٍ من الصَّحابة، وما زِدْناه عَلَيْهم.
• وقد ذكروا إِسْنادَيْن عن إمامَيْن من التابعين يَرْوِيان عن الصحابة، فإذا جاءَنا حَدِيثٌ بأحَد هَذَيْن الإِسْنادَيْن، وكان التابعيُّ منهما يَرْويه عنْ صحابيٍّ، كان إسنادُه مِنْ أصَحِّ الأسانيد أيضًا؛ وهما:
- شُعبة عن قَتادة عن سعيد بن المسَيب، عنْ شُيُوخه من الصَّحابة.
- والأَوْزاعي عنْ حَسَّان بن عَطِيَّة عن الصَّحابة [4]؛ والله أعلم. [شاكر]
[1] هو "مرثد بن عبد الله اليزني، أبوالخير المصري ".تهذيب الكمال 27/ 357
[2]
قال أحمد (العلل ومعرفة الرجال 1/ 301): "ما أنكر حديث حسين بن واقد وأبي المنيب عن بريدة " وفي رواية المَرّوذِي: قال: أبو عبد الله: حسين بن واقد له أشياء مناكير؟ وقال في " بحر الدم" 1/ 42 (208): " وفي رواية المروذي - أيضا - قال أحمد: ليس بذاك، وقال في رواية الميموني له أشياء مناكير ".
[3]
أبو إدريس الخولاني هو: عائذ الله بن عبد الله ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر: (النكت على ابن الصلاح (1/ 260).
[4]
قال الشيخ "الحلبى": " ذكره "ابن حبان " فى "ثقاته" 6/ 223 ضمن أتباع التابعين، فكيف تكون الرواية عن الصحابة بل كيف تكون هذه الرواية من أصح الأسانيد؟ ! وانظر: " تهذيب الكمال "6/ 35، و"جامع التحصيل" و"تاريخ البخارى"، " الجرح والتعديل.
لكن وُجد لحسان بن عطية رواية عن أبي أمامة كما عند الترمذي (2027). إلا أن العلائي في جامع التحصيل (ص 162) ذكر قولا =
[أوَّل مَن جَمَع صِحاحَ الحَديثِ]
فائدةٌ: أوَّلُ مَن اعْتَنى بِجَمْع الصحيح: "أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِي"، وتلاه صاحبُه وتِلْميذُه:"أبو الحُسين مسلم بن الحَجَّاج النَّيْسابوري"(1)، فهما أصَحُّ كُتُب الحديث.
و"البُخاريُّ" أرْجَحُ؛ لأنَّهُ اشْتَرَط في إخراجه الحديثَ - في كتابِه هذا - أن يكونَ الرَّاوي قد عاصَرَ شيخَهُ، وثَبَتَ عنده سَماعُه منه (2).
ولم يشترطْ "مُسلمٌ" الثاني، بل اكْتَفَى بمُجَرَّد المُعاصَرة (3).
(1) ألَّفَ مسلمٌ كتابَه الصحيح بِناءً على طلب تلميذِه ورفيقه أحمد بن سلمة؛ انظر: "سير أعلام النبلاء"(12/ 566).
(2)
انظر: "النكت" 1/ 282، و"نزهة النظر" ص 86 - 89.
وقد لَخَّصَ السخاويُّ في شَرْحه على "تقريب النواوي" ما قالَهُ ابنُ حَجَر في عبارة جزلة فقال: "والبخاري - أي: "صحيح البخاري" - مما اتَّصل به دون التعليق والتراجم ونحوهما أصحهما مِن جِهَة الصِّحة؛ لِتَمْييزه بما يقْتَضِي التمَكُّن في الاتصال، ويُشْعِر بمزيد الإتقان في الرِّجال؛ حيثُ اشْتَرَطَ ثبوت اللقاء في السنَد المُعَنْعَنِ ولو مرة، ولم يكتفِ كـ"مُسلمٍ" بإمكانه، وكان المُتكَلَّم فيه مِن رُواته، دون المتكلَّم فيه مِن رواة الآخر، مع كَوْن أكثرهم مِن شُيُوخه، وإن وَجَد لهما في التخريج لهم مخلص، هذا مع اتِّفاق العُلماء كما قال شيخُنا، على أنَّ البخاري أَجَلُّ منه في العلوم، وأَعْرَفُ بصناعة الحديث، وأنَّ مسلمًا تلميذُه وخرِّيجُه، ولم يزلْ يستفيدُ منه، ويتَّبع آثارَه؛ حتى قال الدارقُطني: لولا البخاريُّ ما راح مُسلمٌ ولا جاء "؛ "شرح التقريب والتيسير" ص 44.
(3)
انظر: "مقدمة مسلم" 1/ 88، و"التمهيد" 1/ 12، و"صيانة صحيح مسلم" ص 130، 131، و"السَّنَن الأَبْيَن"؛ لابن رشيد، و"حسم النزاع"؛ للشيخ =
_________
= بصيغة التمريض بعدم السماع منه. والأمر يحتاج لتحرير والله أعلم
ومِن ها هنا ينْفَصِل لك النِّزاعُ في ترجيح تصحيح "البخاري" على "مُسلمٍ"، كما هو قولُ الجمهور، خِلافًا لـ"أبي علي النَّيْسابوري" شيخ "الحاكم"، وطائفةٍ مِن عُلماء المَغْرب (1).
ثُمَّ إن "البخاري" و"مسلمًا" لم يلتَزما بإخراج جميع ما يُحْكَم بصِحَّتِه منَ الأحاديث؛ فإنهما قد صَحَّحا أحاديثَ ليستْ في كتابَيْهِما، كما ينْقُل"التِّرمذي" وغيرُه عن "البُخاري" تصحيحَ أحاديثَ ليستْ عنده، بل في السُّنَن وغيرها (2).
= الفاضِل/ طارق عوض الله، و"مقدمة ابن الصلاح "(ص 220)، و"السير" 12/ 573، و"الموقظه" ص 44 - 46، و"شرح العلل"1/ 395 - 375، و"النكت" 2/ 595، و"نصب الراية" 1/ 141 - 142، ومقدمة "جامع التحصيل" للعلائي.
تنبيه: ذَكَر "ابن كثير " جزءًا مِن هذه المسألة في "نوع المعْضَل - تبعًا لابن الصَّلاح، وقال: "وأما البخاريُّ: فإنَّه لا يشترطُه في أصل الصِّحة، ولكن التزَم ذلك في كتابه الصحيح".
وتعقَّبَهُ "ابنُ حجر" قائلًا: "ادَّعى بعضُهم أنَّ البُخاري إنما الْتَزَم ذلك في "جامعِه"، لا في أصل الصِّحَّة، وأخطأ في هذه الدَّعوَى بل هذا شَرْطٌ في أصل الصِّحَّة عند البخاري؛ فقد أكْثَرَ مِن تعليل الأحاديث في تاريخِه بمُجَرد ذلك"؛ " النكت"(2/ 595).
(1)
قال أبو علي النيسابوري: "ما تحت أديم السَّماء كِتابٌ أَصَحُّ مِن كتاب مُسلم بن الحَجَّاج"؛ "الجامع" للخطيب (2/ 185)، وانظر لزامًا:"النكت"؛ لابن حجر 1/ 284، وكذلك انظر:"صيانة صحيح مسلم"ص 69، و"الشذا الفياح" 1/ 82، و"المقنع" 1/ 58، و"التقييد" للعراقي ص 26، و"تدريب الراوي" 1/ 98.
(2)
كما في حديث "أبي هريرة" في ماء البحر؛ انظر: "علل الترمذي الكبير" ص 42 (33)، والترمذي (69)، وحديث "عبد الله بن عمرو" في مسِّ الذَّكَر، وحديث "عمار":"أقصروا الخطب"؛ انظر: " علل الترمذي الكبير" ص 92.
[عَدَد ما في الصَّحيحَيْنِ مِن الحديثِ]
قال ابنُ الصلاحِ (1): "فجميعُ ما في "البُخاري" بالمُكرَّرِ: سبعةُ آلاف حَديثٍ ومائتان وخمسةٌ وسَبعُون حَديثًا، وبِغَيْر تَكْرارٍ: أربعةُ آلافٍ «1»، وجميعُ ما في "صحيح مُسلمٍ"بلا (2) تَكْرارٍ؛ نحو: أربعة آلافٍ [حديث](3)«2» .
[الزِّيَادَاتُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]
وَقَدْ قَالَ الحَافِظُ "أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الأخْرَمِ"(4)«3» :
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر]: الذي حَرَّرَه الحافظُ "ابن حجر" في مقدمة "فتح الباري": أنَّ عدة ما في البخاري من المُتُون الموصولة بلا تَكْرارٍ: (2602)، ومن المُتُون المُعَلَّقة المرفوعة:(159)، فمَجْموع ذلك:(2761)، وأن عدة أحاديثه بالمُكَرَّر - وبما فيه من التعليقات والمتابَعات واختِلاف الروايات -:(9082)، وهذا غيرُ ما فيه من الموقوف على الصحابة وأقوال التابعين؛ انظر:"المقدمة"(ص 470، 478 طبعة بولاق). [شاكر]
«2» [شاكر] قال العراقيُّ [1]: وهو بالمُكَرَّر يَزيد على عدة كتاب البخاري؛ لِكَثْرة طرُقِه، قال: وقد رأيتُ عن أبي الفَضْل أحمد بن سَلَمة أنَّه اثنا عشر ألف حديثٍ. [شاكر]. اهـ
«3» قال: [شاكر] هُو شَيخُ الحَاكِمِ أَبي عَبدِ اللهِ صَاحِبِ المُستدْرَكِ. ولِلْحاكِمِ =
(1)"المقدمة "(ص 163).
(2)
في "ب"، "ط"، "ع":"بغير".
(3)
زيادة في "ب"، "ط"، "ع".
(4)
في "الأصل": الأخرن، والصواب ما أثبته من باقي المخطوطات.
_________
[1]
(التقييد-ص 27)
"قَلَّ مَا يَفُوتُ "البُخَارِيَّ" وَ"مُسْلِمًا" مِنَ الأحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ".
وَقَدْ نَاقَشَهُ "ابْنُ الصَّلَاحِ" فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ "الحَاكِمَ" قَدْ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمَا أحَادِيثَ كَثِيرَةً، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا مَقَالٌ، إِلَّا أنَّهُ يَصْفُوا لَهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ (1).
قُلْتُ: فِي هَذَا نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ يُلْزِمُهُمَا بِإِخْرَاجِ أحَادِيثَ لَا تَلْزَمُهُمَا؛ لِضَعْفِ رُوَاتِهَا عِنْدَهُمَا، أوْ لِتَعْلِيلِهِمَا ذَلِكَ «1» .
وَاللهُ اعْلَمُ.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
شَيخٌ آخرَ في طَبَقةِ هَذا يُسمَّى - أَيضًا - مُحمدُ بنُ يَعقُوبَ بنِ يُوسُفَ، ويُكَنَّى بِأَبي العَبَّاسِ الأَصَمِّ، وكِلاهُمَا من شُيوخِ نَيْسابَورَ [شاكر].أهـ
«1» [شاكر] قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: "وَوَراءُ ذلكَ كُلِّهِ: أن يُروَيَ إسْنادٌ مُلَفَّقٌ من رِجالِهِما؛ كَسِماكٍ عن عِكْرِمةَ عن ابنِ عَبَّاسٍ. فَسِماكٌ على شَرطِ مُسلِمٍ وَعِكْرِمَةُ انفَردَ به البُخارِيُّ.
والحَقُّ: أنَّ هَذا لَيسَ على شَرطِ وَاحِدٍ مِنهُما وأَدَقُّ من هَذا: أن يَرْوِيا عن [أُنَاسٍ ثِقَاتٍ ضُعِّفُوا فِي][1] أُناسٍ مَخْصُوصِينَ [2] من غَيرِ حَدِيثِ الَّذِينَ ضُعِّفُوا فِيهِمْ فَيَجِيءُ عَنهُمْ حَدِيثٌ من طَرِيقِ مَن ضُعِّفُوا فِيهِ بِرِجالٍ كُلِّهِمْ في الكِتابَينِ أَو أَحَدِهِما؛ فَنِسْبتُهُ أنَّه على شَرطِ مَن خَرَّجَ له غَلَطٌ؛ كَأَنْ يُقالَ: [في] هُشَيمٍ عن الزُّهْرِيِّ؛ كُلٌّ من هُشَيمٍ والزُّهْرِيِّ أَخْرَجا لَه، فَهُوَ على شَرْطِهِما فَيُقالُ: بَلْ لَيسَ على شَرطِ واحِدٍ مِنهُما؛ لأَنَّهُما إِنَما أَخرَجا عن [3] هُشَيمٍ من غَيرِ حَديثِ الزُّهْرِيِّ فَإنَّهُ ضُعِّفَ فِيهِ؛ لأَنَّهُ =
= [قلنا] انظر: " شروط الأئمة السَّتة " لابن منده ص 73؛ حيث قال: "وسمعت" محمد بن يعقوب بن الأخرم "، وذكر كلاما معناه هذا: " قَلَّ ما يفوت .... ".
(1)
"المقدمة "(ص 162 - 164).
_________
[1]
سقطٌ من "م"، و "الحلبى"، والمثبت من" التدريب " 1/ 138 ولا يستقيم السياق بدونها.
[2]
انظر رسالة " الثقات الذين ضعفوا فى بعض شيوخهم " للدكتور صالح الرفاعي. نشر دار الخضيري.
[3]
في التدريب (1/ 139)[لِهشيم]
وَقَدْ خُرِّجَتْ (1) كُتُبٌ كَثِيرَةٌ عَلَى "الصَّحِيحَيْنِ"، يُوَجَدُ فيها (2) زِيَادَاتٌ مُفِيدَةٌ، وَأسَانِيدُ جَيِّدَةٌ، كَـ "صَحِيحِ أبِي عَوَانَةَ"، وَ"أبِي (3) بَكْرٍ: الإِسْمَاعِيلِيِّ وَالبَرْقَانِيِّ"، وَ"أبِي نُعَيْمٍ الأَصْفَهَانِيِّ" وَغَيْرِهِمْ «1» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= كانَ دَخلَ إِليهِ فَأَخذَ عَنْهُ عِشْرِينَ حَدِيثًا فَلَقِيَهُ صَاحِبٌ لَه وهُوَ رَاجِعٌ فَسأَلَهُ رُؤْيَتَهُا وكانَ ثَمَّ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَذهَبَتْ بِالأَوْرَاقِ من يَدِ الرَّجُلِ فَصارَ هُشَيمٌ يُحدِّثُ بِما عَلَقَ مِنْها بِذِهنِهِ ولَمْ يِكُنْ أِتْقَنَ حِفْظَهُا فَوَهِمَ في أَشْياءَ مِنْها، ضُعِّفَ في الزُّهْرِيِّ بِسَبَبِها [1].
وكَذا هَمَّامٌ ضَعِيفٌ في ابنِ جُرَيْجٍ [2] مَع أنَّ كُلًا مِنهُما أَخْرَجا لَه، لَكِنْ لَمْ يُخَرِّجا لَه عن ابنِ جُرَيجٍ شَيئًا فَعَلَى مَن يَعْزُو إلَى شَرطِهِما أَو شَرطِ وَاحِدٍ مِنهُما أن يَسُوقَ ذَلِكَ السَّندَ بِنَسَقِ رِوَايَةِ مَن نُسِبَ إلَى شَرْطِهِ وَلَو في مَوْضِعٍ من كِتابِهِ وكَذا قَالَ ابنُ الصَّلاحِ في شَرْحِ مُسْلِمٍ [3]: "مَن حَكَمَ لِشَخْصٍ بِمُجَرَّدِ رِوايَةِ مُسْلِمٍ عَنْهُ في صَحِيحِهِ بِأَنَّهُ من شَرطِ الصَّحِيحِ فَقَدْ غَفَلَ وأَخْطأَ. بَلْ ذَلِكَ مُتَوقِّفٌ علَى النَّظَرِ في كَيفِيَّةِ رِوايَةِ مُسْلِمٍ عَنْهُ، وعلَى أَيِّ وَجْهٍ أُعْتُمِدَ [عَلَيهِ]. أهـ تدريب (ص 40)[4]. [شاكر]
«1» [شاكر] وموضوعُ "المُسْتخْرَجِ" - كَما قال "العِرَاقِيُّ": أنْ يأْتِيَ المُصَنِّفُ =
(1) قال ابن الصلاح: "أصحاب المستخرجات لم يلتزموا موافقة الشيخين في ألفاظ الحديث بعينها". "النكت" لابن حجر 1/ 292، وانظر "المقدمة" ص 165
(2)
فى الأصل، "م":" يؤخذ "، وزاد فى الحلبى:" قد " و" منها " بدل " فيها".
(3)
في الحلبي: "وأبوي". في "قطوف أدبية ص 462" للشيخ عبد السلام هارون قال: "فالعطف يكون على المضاف لا على المضاف إليه." وانظر الردود للعلامة بكر أبو زيد ص 168 فقد زاد الأمر توضيحا.
_________
[1]
هذه القصه ساقها "الخطيب " فى تاريخ بغداد 14/ 87 والذهبى فى " الميزان " 5/ 432 وقال: " هو لين فى الزهرى ". وقارن بما ورد فى " السير " 7/ 226.
[2]
انظر: " النكت " 2/ 677. ولم نجد لأحد من المتقدمين ولا غيرهم ما يُفهم منه تضعيف همام فى ابن جريج. فلينظر!
[3]
[ص 100]
[4]
تدريب (1/ 139)
وَكُتُبٌ أُخَرُ التَزَمَ أصْحَابُهَا صِحَّتَهَا، كَـ"ابْنِ خُزَيْمَةَ"(1)، وَ"ابْنِ حِبَّانَ البُسْتِيِّ"(2)، وَهُمَا خَيْرٌ مِنَ "المُسْتَدْرَكِ" بِكَثِيرٍ، وَأَنْظَفُ أَسَانِيدَ وَمُتُونًا.
وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي "مُسْنَدِ الإِمَامِ أحْمَدَ" مِنَ الأَسَانِيدِ وَالمُتُونِ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِمَّا يُوَازِي كَثِيرًا مِنْ أحَادِيثِ "مُسْلِمٍ"، بَلْ وَ"البُخَارِيِّ" -أَيْضًا-، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُمَا، وَلَا عِنْدَ أحَدِهِمَا، بَلْ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أصْحَابِ الكُتُبِ الأَرْبَعَةِ؛ وَهُمْ:"أبُو دَاوُدَ"، وَ"التِّرْمِذِيُّ"، وَ"النَّسَائِيُّ"، وَ"ابْنُ مَاجَهْ"«1»
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= إِلَى الكِتابِ فَيُخَرِّجَ أَحادِيثَهُ بِأَسانِيدَ لِنَفْسِهِ، من غَيرِ طَرِيقِ صَاحِبِ الكِتابِ، فَيَجْتَمِعَ مَعَهُ في شَيْخِهِ أو مَن فَوقَهُ قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ - يَعْنِي الحافظ ابنَ حَجَرٍ-: وشَرطُهُ أن لَا يَصِلَ إلَى شَيخٍ أَبعَدَ حَتَّى يَفْقِدَ سَنَدًا يُوَصِّلُهُ إلَى الأَقْرَبِ إلَّا لِعُذْرٍ من عُلُوٍّ أو زِيادَةٍ مُهِمَّةٍ - إلَى أن قَالَ: وَرُبَّما أَسقَطَ المُسْتَخْرِجُ أَحادِيثَ لَمْ يَجِدْ لَه بِها سَنَدًا يَرْتَضِيهِ وَرُبَّما ذَكَرَها من طَرِيقِ صَاحِبِ الكِتابِ. أهـ تدريب (ص 33)[1]. [شاكر]
«1» [شاكر] هَذا كَلامٌ جَيِّدٌ مُحَقَّقٌ؛ فَإنَّ "المُسْندَ" لِلْإمامِ "أَحمدَ بنِ حَنبَلٍ" =
(1) قال ابن حجر (النكت 1/ 291): "وسمى ابن خزيمة كتابه المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرح في النقلة"وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء، لأن ابن حبان تابع لابن خزيمة مغترف من بحره ناسج على منواله".
(2)
قال ابن حبان [1/ 151 - إحسان]: " وأما شرطنا في نقله ما أودعناه كتابنا هذا من السنن: فإنا لم نحتج فيه إلا بحديث اجتمع في كل شيخ من رواته خمسة أشياء" الأول: العدالة في الدين بالستر الجميل. والثاني: الصدق في الحديث بالشهرة فيه. والثالث: العقل بما يحدث من الحديث. والرابع: العلم بما يحيل من معاني ما يروي. والخامس: المتعرى خبره عن التدليس. =
_________
[1]
تدريب (1/ 117 - 118) ط. طيبه
وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي "مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الكَبِيرِ" و"الأَوْسَطِ"، وَ"مَسْنَدِ (1)
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= هُوَ عِندَنا أَعْظَمُ دَوَاوِينِ السُّنَّةِ. وَفِيهِ أحادِيثٌ صِحاحٌ كَثِيرَةٌ لَمْ تُخَرَّجْ في الكُتُبِ السِّتَّةِ، كَما قَالَ الحَافِظُ "ابنُ كَثِيرٍ".
وهُوَ مَطْبُوعٌ بِـ"مِصرَ" في سِتَّةِ مُجَلَّداتٍ كِبارٍ، تَمَّ طَبْعُهُ سَنةَ 1313.
وَقدْ شَرَعتُ في طَبْعِهِ طَبعَةً عِلمِيَّةً مُحَقَّقَةً، مُبَيِّنًا دَرجَةَ كُلِّ حَدِيثٍ من الصِّحَّةِ وغَيرِها، مَع التَّخْرِيجِ بِقدْرِ الاسْتِطاعَةِ، ثُمَّ أُلْحِقُ بِهِ في آخِرِهِ -إنْ شاءَ اللهُ- فَهارِسَ عِلمِيَّةً مُنَظَّمَةً، كَما بَينَّتُ ذَلِكَ في مُقَدِّمَتِهِ. وأَخرَجْتُ من هَذهِ الطَّبْعَةِ تِسعَ مُجَلَّداتٍ إلَى الآنَ. وَسَيكُونُ الكِتابُ في أَكْثَرَ من 30 مُجَلَّدًا، إنْ شَاءَ اللهُ. وجَعَلْتُ في آخِرِ كُلِّ جُزْءٍ فِهرِسًا مُؤَقَّتًا فِيهِ نَوعٌ من التَّفصِيلِ.
وقَدْ أَثْبَتُّ في خِتامِ الأَجْزاءِ إحْصاءًا لِأحادِيثِ كُلِّ جُزءٍ، فِيهِ بَيانُ عَدَدِ الصَّحِيحِ بِما يَدخُلُ فِيهِ الحَسَنُ -أيضًا-، وعَدَدُ الضَّعِيفِ والحَسَنِ قَلِيلٌ نادِرٌ.
وهَذِهِ الأجْزَاءُ التِّسْعَةُ اسْتَوعَبَتْ المُجَلَّدَ الأَوَّلَ وأَقَلَّ من ثُلُثِ المُجَلَّدِ الثانِي من الطَّبْعَةِ القَدِيمَةِ .. وكَانَ مَجْمُوعُ ما فِيها من الأَحادِيثِ بِالإِحْصاءِ الدَّقِيقِ 6511 حَدِيثًا، الصَّحِيحُ مِنها 5733 حَدِيثًا، والضَّعِيفُ 778 حَدِيثًا؛ أَي: أنَّ نِسبَةَ الضَّعِيفِ فِيها إلَى مَجمُوعِ الأَحادِيثِ أَقَلُّ من 12%، وَهِيَ نِسْبَةٌ ضَئِيلَةٌ مُحْتَمَلةٌ. خُصُوصًا إذا لاحَظْنا أنَّ أكْثَرَ ضَعْفِ الضَّعِيفِ مِنْها ضَعْفٌ مُحْتَملٌ غَيرُ بَالِغِ الدَّرَجَةِ القُصْوَى من الضَّعْفِ، إِلا في القَلِيلِ النَّادِرِ الَّذِي لَا يَكادُ يُذْكَرُ.
فَهَذا البُرْهانُ العَمَلِيُّ علَى الطَّرِيقَةِ العِلْمِّيةِ الصَّحِيحَةِ، مِصْداقٌ لِما قَالَ الحَافِظُ "ابنُ كَثيرٍ"، وَقَدْ كَانَ من أَعلَمِ النَّاسِ بِالمُسنَدِ، وأَجوَدِهِمْ لَه إِتقَانًا، رحمه الله. [شاكر][1]
= وقال في المجروحين: " ولا يسعه [يعني المحدث] أن يروي إلا عن شيخ ثقة بحديث صحيح يكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل العدل من العدل موصولا".
(1)
في م: "معجمي"، و"مسندي". سبق التنبيه على هذا فليعلم.
_________
[1]
قال د: خالد الحايك: طَبع مِنْهُ عِدَّة أجزاء ثم تُوُفي رحمه الله، وقامَ بإتمامِهِ بعضُهُم! ! =
أبِي يَعْلَى" وَ"البَزَّارِ"، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَسَانِيدِ وَالمَعَاجِمِ وَالفَوَائِدِ وَالأجْزَاءِ: مَا يَتَمَكَّنُ المُتَبَحِّرُ فِي هَذَا الشَّأْنِ مِنَ الحُكْمِ بِصِحَّةِ كَثِيرٍ مِنْهُ، بَعْدَ النَّظَرِ فِي حَالِ رِجَالِهِ، وَسَلَامَتِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ المُفْسِدِ «1» .
وَيَجُوزُ لَهُ الإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى صِحَّتِهِ حَافِظٌ قَبْلَهُ، مُوَافَقَةً لِلشَّيْخِ "أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى النَّوَوِيِّ"، وَخِلَافًا لِلشَّيْخِ "أبِي عَمْرٍو"«2» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] جَمعَ الحَافِظُ الهَيثَمِيُّ (المُتوَفَّي سَنةَ 807) زَوائِدَ سِتَّةِ كُتُبٍ؛ وَهِيَ: مُسنَدُ أَحمدَ وأَبِي يَعْلَى والبَزَّارُ ومَعاجِمُ الطَّبَرَانِيِّ الثَّلَاثَةُ: الكَبِيرُ والأَوْسَطُ والصَّغِيرُ - علَى الكُتُبِ السِّتَّةِ؛ أيْ ما رَواهُ هَؤلاءِ الأئِمَّةُ الأَربَعةُ في كُتُبِهمْ زَائِدًا علَى ما في الكُتُبِ السِّتَّةِ المَعرُوفَةِ، وهِيَ الصَّحِيحانِ والسُّنَنِ الأَربَعةِ. فكَانَ كِتابًا حافِلًا نافِعًا، سَمَّاهُ (مَجْمَعُ الزَّوَائِدِ)، وقَدْ طُبِعَ بمِصْرَ سَنةَ 1352 في 10 مُجلَّدَاتٍ كِبارٍ. وتَكَلَّمَ فِيهِ علَى إسْنادِ كُلِّ حَدِيثٍ، مَع نِسبَتهُ إلَى مَن رَواهُ مِنهُم. والمُتَتَبِّعُ لَه يَجدُ أنَّ الصَّحِيحَ مِنها كَثِيرٌ، يَزِيدُ علَى النِّصفِ، وأنَّ أكْثَرَ الصَّحِيحِ هُوَ ما رَوَاهُ الإمَامُ أحمدُ في مُسنَدِهِ. [شاكر]
«2» [شاكر] ذَهَبَ "ابنُ الصَّلاحِ" إلَى أنَّه قَد تَعذَّرَ في هَذِهِ الأَعْصارِ الاسْتِقْلالُ بِإدْرَاكِ الصَّحِيحِ بِمُجَرَّدِ اعتِبارِ الأسانِيدِ. ومَنعَ - بِناءًا علَى هَذا- من الجَزْمِ بِصحَّةِ حَدِيثٍ لمَ نَجِدْهُ في أَحَدِ "الصَّحِيحَينِ" ولا مَنصُوصًا علَى صِحَّتِهِ في شَيءٍ من مُصَنَّفاتِ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ المُعتَمَدَةِ المَشْهُورَةِ. وبَنَى علَى قَولِهِ هَذا: أنَّ ما صَحَّحَهُ الحَاكِمُ من الأَحادِيثِ، ولمَ نَجدْ فِيهِ لِغَيرِهِ من المُعْتَمَدِينَ تَصْحِيحًا ولا تَضْعِيفًا: حَكَمْنا بِأَنَّه حَسَنٌ، إلَّا أن يَظهَرَ فِيهِ عِلَّةٌ تُوجِبُ ضَعفَهُ. وقَد رَدَّ "العِرَاقِيُّ" وغَيرُهُ قَولَ "ابنِ الصَّلاحِ" هَذا، وأَجازُوا لِمَن تَمكَّنَ وقَوِيَتْ مَعْرِفَتُهُ أن يَحكُمَ بِالصِّحَّةِ أو بِالضَّعْفِ علَى الحَدِيثِ، بَعدَ الفَحْصِ عن إسْنادِهِ وعِلَلِهِ، وهُوَ الصَّوابُ. =
= وقَدْ طُبِعَ أخيرًا في مؤسسةِ الرسالةِ طبعة محققةٌ في أكثر من خمسينَ مُجَلدَةً بإشرافِ الشيخِ شعيبِ الأرناؤوط.
قلنا: طُبعَ مؤخرًا في دار المنهاجِ -مكنز- طَبعة مُتْقَنَةٌ بإشَرافِ العلَّامةِ أحمد مَعْبد.
وَقَدْ جَمَعَ الحافظ (1)"ضِيَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيُّ" فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ "المُخْتَارَةَ"(2) وَلَمْ يَتِمَّ.
كَانَ بَعْضُ الحُفَّاظِ مِنْ مَشَايِخِنَا «1» يُرَجِّحُهُ عَلَى "مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ" وَاللَّهُ أعْلَمُ.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= والَّذِي أَرَاهُ: أنَّ "ابنَ الصَّلاحِ" ذَهبَ إلَى ما ذَهبَ إلَيهِ؛ بِناءًا علَى القَولِ بِمَنعِ الاجتِهادِ بَعدَ الأَئِمَّةِ، فَكَما حَظَرُوا الاجتِهادَ في الفِقْهِ أَرَادَ "ابنُ الصَّلاحِ" أن يَمنَعَ الاجتِهادَ في الحَدِيثِ. وهَيْهاتَ! فَالقَولُ بِمَنعِ الاجتِهادِ قَولٌ بَاطِلٌ، لا بُرهانَ عَلَيهِ من كِتابٍ ولاسُنَّةٍ، ولا تَجِدُ لَه شِبْهَ دَلِيلٍ. [شاكر][1]
«1» [شاكر] كَأنَّهُ يَعنِي شَيخَهُ الحَافِظَ "ابنَ تَيْمِيَّةَ"[2] رحمه الله. وقَالَ =
(1) في "ح": الشيخ، وساقط من "ع".
(2)
طبع مؤخرا بعناية الشيخ" عبد الملك بن دهيش".وانظر "دقائق التنبيه والتعريف بما في الأحاديث المختارة من الأخطاء والتصحيف "لأبي محمد الألفي السكندري"
_________
[1]
قال الدكتور خالد الحايك -حفظه الله- قد صنف في هذه المسألة بعض المُعَاصرين؛ منهم أستاذنا الدكتور حمزة المليباري في كتيب صغيبر عنوانُه "تصحيحُ الحديثِ عند ابن الصلاحِ" نشر دار ابن حزم، بيروت، ط 1، 1997 م (ذهبَ فيه إلى أن ابن الصلاح قصدَ الأحاديثَ التي يذكرها بعض المصنفينَ المتأخرينَ في كتبهم بأسانيدهم الطويلة
…
ومثَّل على ذلك ببعض الأحاديثِ التي يسوقها الذهبي وغيره).
ورد الدكتور شاكر الخوالدة بحث عنوان "رؤية الدكتور حمزة المليباري لتصحيح الأحاديث وتحسينها عند ابنِ الصلاح" في مجلة الدراساتِ في جامعةَ آل البيت الأردن. وألف الدكتور عبد الرازق الشايجي كتابًا سمّاه "مسألة التصحيح والتحسين في الأعصار المتأخرة - دراسة نظرية تطبيقية" نشر دار ابن حزم، بيروت، ط 1، 1999 م.
[2]
نعم هو يَعني شيخه ابن تيمية وانظر كلامه هذا في [الإخنائية ص 264] فقد قال في حديث (لا تتخذوا بيتي عيدًا
…
).وهذا الحديث مما خرجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي فيما اختاره من الأحاديث الجياد المختارة الزائدة على ما في الصحيحين، وهو أعلى مرتبة من تصحيح الحاكم، وهو قريب من تصحيح الترمذي وأبي =
وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ " ابْنُ الصَّلَاحِ"(1) عَلَى "الحَاكِمِ" فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"؛ فَقَالَ (2): "وَهُوَ وَاسِعُ الخَطْوِ فِي شَرْط (3) الصَّحِيحِ، مُتَسَاهِلٌ بِالقَضَاءِ بِهِ، فَالأَوْلَى أَنْ يُتَوَسَّطَ فِي أمْرِهِ، فَمَا لَمْ نَجِدْ فِيهِ تَصْحِيحًا لِغَيْرِهِ مِن الأَئِمَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، فَهُوَ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ (4)، إِلَّا أَنْ تَظْهَرَ فِيهِ عِلَّةٌ تُوجِبُ ضَعْفَهُ"«1» (5).
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= " السِّيوطِيُّ" في "اللآلِىِء": ذَكرَ "الزَّركَشِيُّ" في "تَخرِيجِ الرَّافِعِيِّ": أن تَصحِيحَهُ أَعلَى مَزيَّةً من تَصحِيحِ "التِّرمِذِيِّ" و"ابنِ حِبَّانَ". [شاكر]
«1» [شاكر] ونَقلَ الحَافِظُ "العِراقِيُّ" عن "بَدرِ الدِّينِ بنِ جَماعَةَ" قَالَ: "يُتَتَبَّعُ ويُحكَمُ عَلَيهِ بِما يَلِيقُ بِحالِهِ، من الحُسْنِ أو الصِّحَّةِ أو الضَّعْفِ". وهَذا هُو الصَّوابُ. [شاكر][1]
(1) في "ح": الشيخ أبُو عَمْرٍو بن الصلاح.
(2)
"المقدمة "(ص 159).
(3)
في م: "شرح"، وهو مخالف لجميع النسخ الخطية، ويأباه السياق.
(4)
قال ابن القيم في الفروسية (214 ط. عالم الفوائد): "
…
وبالجملة فتصحيح الحاكم لا يستفاد منه حُسن الحديث البتة فضلا عن صحته"
(5)
قال ابن القيم في الفروسية (185 - 186): "لا يعبأ الحفاظ أطباء علل الحديث بتصحيح الحاكم شيئا ولا يرفعون به رأسا ألبتة بل لا يعدل تصحيحه ولا يدل على حسن الحديث بل يصحح أشياء موضوعة بلا شك عند أهل العلم =
_________
= حاتم البستي ونحوهما، فإن الغلط في هذا قليل، ليس هو مثل تصحيح الحاكم فإن فيه أحاديث كثيرة يظهر أنها كذب موضوعة، فلهذا انحطت درجته عن درجة غيره
وانظر الفتاوى الكبرى ط. العلمية 3/ 282، ومختصر الفتاوى المصرية 651 تحقيق الفقي دار ابن القيم.
[1]
وانظر: "التقييد والإيضاح"(ص 30)، والنص ليس في المطبوع من كتاب ابن جماعة، واستدركناه من المخطوط.
قُلْتُ: فِي هَذَا الكِتَابِ (1) أنْوَاعٌ مِنَ الحَدِيثِ كَثِيرَةٌ، فِيهِ الصَّحِيحُ المُسْتَدْرَك، وَهُوَ قَلِيلٌ، وَفِيهِ صَحِيحٌ قَدْ خَرَّجَهُ "البُخَارِيُّ" وَ"مُسْلِمٌ" أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَعْلَمْ بِهِ "الحَاكِمُ". وَفِيهِ الحَسَنُ وَالضَّعِيفُ وَالمَوْضُوعُ -أَيْضًا-
وَقَدْ اخْتَصَرَهُ شَيْخُنَا الحَافِظُ "أبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ"، وَبَيَّنَ هَذَا كُلَّهُ، وَجَمَعَ فِيهِ جُزْءًا كَبِيرًا مِمَّا وَقَعَ فِيهِ مِنَ المَوْضُوعَاتِ، وَذَلِكَ يُقَارِبُ مِئَةَ حَدِيثٍ. وَاللَّهُ أعْلَمُ «1» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] اختَلَفُوا في تَصحِيحِ "الحَاكِمِ" الأَحادِيثَ في "المُسْتَدْرَكِ"؛ فَبَالَغَ بَعضُهُم، فَزعَمَ أنَّه لمَ يَرَ فِيهِ حَدِيثًا علَى شَرطِ الشَّيخَينِ؛ وهَذا - كَمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ- إسْرَافٌ وغُلُوٌ. وبَعضُهُم اعتَمَدَ تَصحِيحَهُ مُطْلَقًا؛ وهُو تَساهُلٌ.
والحَقُّ: ما قَالَهُ الحَافِظُ "ابنُ حَجَرٍ"[1]: " إنَّما وقَعَ لِلحاكِمِ التَّساهُلَ؛ لِأنَّهُ سَوَّدَ الكِتابَ لِيُنَقِّحَهُ، فَأَعجَلَتْهُ المَنِيَّةُ. وقَد وجَدتُّ قَرِيبَ نِصْفِ الجُزْءِ الثَّانِي من تَجزِئَةِ سِتَّةٍ من "المُستَدْرَكِ": "إلَى هُنا انْتَهَى إمْلَاءُ الحَاكِمِ" - قَالَ: ومَا عَدَا ذَلِكَ من الكِتابِ لا يُؤخَذُ مِنهُ إلا بِطَرِيقِ الإجَازَةِ. والتَّسَاهُلُ في القَدْرِ المُمْلَى قَلِيلٌ جِدًّا =
= بالحديث، وإن كان من لا علم له بالحديث لا يعرف ذلك فليس بمعيار على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعبأ أهل الحديث به شيئا.
والحاكم نفسه يصحح أحاديث جماعة وقد أخبر في كتاب المدخل له أن لا يحتج بهم وأطلق الكذب على بعضهم هذا مع أن مستند تصحيحه ظاهر سنده وأن رواته ثقات ولهذا قال صحيح الإسناد" [2].
(1)
زاد في "ط"، "ع":"-أي تصنيف الحاكم-".
_________
[1]
انظر "الجواهر والدرر" 2/ 895، 896.
[2]
قال الدكتور خالد الحايك حفظه الله: "لو كان تصحيحُ الحاكمِ معتبرًا لما فَرَّطَ فيه تلميذهُ الحافظ البيهقي! فإنه رحمه الله ينقلُ الأحاديث في كُتبه من كتابِ شيخِهِ الحاكمُ ولكنَّهُ لا يذكر أحكامَهُ على الأحاديثِ ألبتةَ! !
وكأنه كان يرى أن تصحيحات شيخِهِ الحاكم لا يُعْتَدُّ بها! وإلا لماذا لا ينقلها؟ ! ! ".
[مُوَطَّأُ مَالِكٍ]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الإِمَامِ "مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ" رحمه الله: "لَا أَعْلَمُ كِتَابًا فِي العِلْمِ أكْثَرَ صَوَابًا مِنْ كِتَابِ مَالِكٍ"(1).
إِنَّمَا قَالَهُ قَبْلَ "البُخَارِيِّ" وَ"مُسْلِمٍ".
وَقَدْ كَانَتْ كُتُبٌ (2) مُصَنَّفَةٌ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ فِي السُّنَنِ؛
لِـ"ابْنِ جُرَيْجٍ"، وَ"ابْنِ إِسْحَقَ" -غَيْرَ "السِّيرَةِ"- وَلِـ"أَبِي قُرَّةَ مُوسَى بْنِ طَارِقٍ الزَّبِيدِيِّ"، وَ"مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاِقِ بْنِ هَمَّامٍ"، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَكَانَ كِتَابُ "مَالِكٍ"، وَهُوَ "المُوَطَّأُ" أجَلُّهَا وَأعْظَمُهَا نَفْعًا، وَإِنْ كَانَ
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعدَهُ ". وقَد اختَصَرَ الحَافِظُ "الذَّهَبِيُّ" "مُسْتدْرَكَ الحَاكِمِ"، وتَعَقَّبَهُ في حُكْمِهِ علَى الأحَادِيثِ فَوافَقَهُ وخَالَفَهُ، ولَه -أَيضًا- أَغْلَاطٌ [1]. (وقَدْ طُبِعَ الكِتابَانِ في حَيْدَرَ آبادٍ). والمُتَتَبِّعُ لَهُمَا بِإنْصَافٍ وَرَوِيَّهٍ يَجِدُ أنَّ ما قَالَهُ "ابنُ حَجَرٍ" صَحِيحٌ، وأنَّ "الحَاكِمَ" لمَ يُنَقِّحْ كِتابَهُ قَبلَ إخْرَاجِهِ [2]. [شاكر]
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي"(ص: 195 _ 196)، والبيهقي في "مناقب الشافعي" 1/ 507، وابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 77، 79.
(2)
في "ح" زيادة: كَثِيرَةٌ
_________
[1]
قال د. خالدُ الحايك حَفظه اللهُ: دَرَجَ عَلَى ألسنة بعض المشتغلينَ بعلمِ الحديثِ نسبة مُوافقةِ الذهبيّ للحاكم في كتابِهِ إذا نقَلَ الحَاكم ولم يتعَقَّبْهُ بقولِهِ "وَوَافَقَهُ الذَّهَبيُّ" أو "وأقَرَّهُ الذهَبِي".
وبسببِ هذا ظلموا الحافظَ الذهبِي رحمه الله ونسبوهُ للغفلةِ الشَديدةِ إذا لم يتعقبْ حديثًا ما في تلخيصِهِ ويكونُ أوردَ راويهِ من كتابهِ "الميزان" وأنه هالكٌ عندهُ! ! والحقيقَةُ أن الذهبي لم يُرِد تعقب الحَاكمَ من كل أحكامهِ وإنما هو فقط يلخص الكتابَ، فعدم تعقبِهِ لا يدل على موافقتِهِ له، ولذلكَ قال عنهُ في السيَرِ (12/ 577)"وبكل حالٍ فهوَ كتابٌ مفيدٌ قد اختصرتُهُ، ويعوزُ عملًا وتحريرًا".
[2]
وانظر أيضا ((التدريب)) 1/ 113، و ((النكت الوفية)) للبقاعي 1/ 142
بَعْضُهَا أكْبَرَ حَجْمًا مِنْهُ وَأكْثَرَ أحَادِيثَ (1). وَقَدْ طَلَبَ "المَنْصُورُ"(2) مِنَ الإِمَامِ "مَالِكٍ" أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى كِتَابِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ عِلْمِهِ وَاتِّصَافِهِ بِالإِنْصَافِ، وَقَالَ:"إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا وَاطَّلَعُوا عَلَى أشْيَاءَ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهَا"(3).
وَقَدْ اعْتَنَى النَّاسُ بِكِتَابِهِ "المُوَطَّأِ" وَعَلَّقُوا عَلَيْهِ كُتُبًا جَمَّةً، وَمِنْ أَجْوَدِ ذَلِكَ كِتَابَا "التَّمْهِيدِ"، وَ"الِاسْتِذْكَارِ"، لِلشَّيْخِ "أبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ البَرِّ النَّمرِيِّ القُرْطُبِيِّ" رحمه الله هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الأحَادِيثِ المُتَّصِلَةِ الصَّحِيحَةِ وَالمُرْسَلَةِ وَالمُنْقَطِعَةِ، وَالبَلَاغَاتِ (4) الَّتِي لَا تَكَادُ تُوجَدُ مُسْنَدَةً إلَّا عَلَى نُدُورٍ «1» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] قَالَ السِّيُوطِيُّ في "شَرْحِ المُوَطَّأِ"ص 8: "الصَّوَابُ إِطْلَاقُ أنَّ المُوَطَّأَ صَحِيحٌ، لا يُسْتَثْنَى مِنهُ شَئٌ". وهَذا غَيرُ صَوَابٍ. =
(1) من هنا بداية سقْطٌ عند "ط"، إلى قوله:"مستور لم تتحقق أهليته"، في "باب الحسن".
(2)
هو الخليفة، أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي الهاشمي العباسي بويع بالخلافة سنة 136 هـ، مات سنة 157 هـ. السير 7/ 83.
(3)
"الإنتقاء" لابن عبد البر ص 80. ط. أبي غدة
(4)
"البلاغُ": هو ما يرويه المحدث من الأحاديث أو الآثار مؤدياً إياه بصيغة "بلغنا" عن فلان، ثم يذكر قائل ذلك الأثر أو فاعله بلا سند أو يذكر قطعة من سنده قبل ذلك. وقد اشتهر في هذا الباب بلاغات مالك، وهي أحاديثه التي رواها في الموطأ على هذه الكيفية، والظاهر أنه يلتحق بصيغة "بلغنا عنه" في هذا الباب ما كان بمعناها مثل "روينا عنه" ونحو ذلك من الصيغ الصريحة في الانقطاع، فيكون البلاغ والمعلق بمعنى واحد. (لسان المحدثين لمحمد خلف سلامة)
[إِطْلَاقُ اسْمِ "الصَّحِيحِ" عَلَى "التِّرْمِذِيِّ" وَ"النَّسَائِيِّ"]
وَكَانَ الحَاكِمُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ وَالخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ (1) يُسَمِّيَانِ كِتَابَ التِّرْمِذِيِّ "الجَامِعَ الصَّحِيحَ". وَهَذَا تَسَاهُلٌ مِنْهُمَا؛ فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مُنْكَرَةً (2).
وَقَوْلُ الحَافِظِ "أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ"، وَكَذَا "الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ" فِي كِتَابِ "السُّنَنِ" لِلنَّسَائِيِّ:"إِنَّهُ صَحِيحٌ"(3). فِيهِ نَظَرٌ وَ " إنَّ لَهُ شَرْطًا فِي الرِّجَالِ أشَدَّ مِنْ شَرْطِ "مُسْلِمٍ" غَيْرُ مُسَلَّمٍ"(4)؛ فَإِنَّ فِيهِ رِجَالًا مَجْهُولِينَ: إِمَّا عَيْنًا أوْ حَالًا، وَفِيهِمْ المَجْرُوحُ، (وَفِي الأحَادِيثٌ (5)
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= وَالحَقُّ: أنَّ ما في (المُوَطَّأِ) من الأَحادِيثِ المَوصُولَةِ المَرفُوعَةِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صِحاحٌ كُلِّهِا، بَل هِيَ في الصِّحَّةِ كَأحَادِيثِ الصَّحِيحَينِ، وأنَّ ما فِيهِ من المَرَاسِيلِ والبَلَاغاتِ (34) وغَيرِها يُعْتَبرُ فِيهَا ما يُعتَبرُ في أَمْثالِها مِمَّا تَحْوِيهِ الكُتُبُ الأُخرَى. وإنَّما لمَ يُعدْ في الكُتُبِ الصِّحاحِ لِكَثرَتِها وكَثرَةِ الآرَاءِ الفِقهِيَّةِ لمالكٍ وغَيرِهِ، ثم إنَّ (المُوَطَّأَ) رَوَاهُ عن مَالِكٍ كَثِيرٌ من الأَئِمَّةِ وأَكبَرُ رِوَاياتِهِ فِيمَا قَالُوهُ رِوَايَةَ "القَعْنَبِيِّ"[1] والَّذِي في أَيْدِينا مِنهُ رِوَايَةُ "يَحيَى الليثِيِّ" وهِيَ المَشهُورَةُ الآنَ، ورِوايَةُ "مُحمدِ بنِ الحَسنِ" صَاحِبِ "أَبي حَنِيفَةَ"؛ وهِيَ مَطبُوعَةٌ في الهِندِ. [شاكر]
(1) تاريخ بغداد [2/ 42]
(2)
انظر: "المقدمة"(ص 186، 187).
(3)
وكذلك الإمام الذهبي في موقظته ص 67 وصف سنن النسائي بالصحة حيث قال: "قال النسائي في عدة أماكن من صحيحه: وذكر كلمة معناها: كذا وكذا."
(4)
انظر: "شروط الأئمة الستة" ص 104، و"السير" 14/ 131.
(5)
كذا في جميع النسخ وفي "م"، و "الحلبي" و "غراس": وفيه أحاديث.
_________
[1]
قال الحافظ (التقريب ص 275): "كان ابن معين وابن المديني لا يقدمان عليه في الموطأ أحدا".
ضَعِيفَةٌ وَمُعَلَّلَةٌ وَمُنْكَرَةٌ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي "الأَحْكَامِ الكَبِيرِ".
[مُسْنَدُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ]
وَأمَّا قَوْلُ الحَافِظِ "أبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرٍ المَدِينِيِّ" عَنْ "مُسْنَدِ الإِمَامِ أحْمَدَ" إِنَّهُ صَحِيحٌ (1)، فَقَوْلٌ ضَعِيفٌ (2)؛
فَإِنَّ فِيهِ أحَادِيثَ ضَعِيفَةً، بَلْ
(1) انظر خصائص مسند أحمد ص 16.ط" التوبة"
(2)
قال ابن القيم في الفروسية (201 - 203): " .. المقصود أنه ليس كل ما رواه - أي أحمد في مسنده-وسكت عنه يكون صحيحا عنده وحتى لو كان صحيحا عنده وخالفه غيره في تصحيحه لم يكن قوله حجة على نظيره وبهذا يعرف وهم الحافظ أبي موسى المديني في قوله إن ما خرجه الإمام أحمد في مسنده فهو صحيح عنده فإن أحمد لم يقل ذلك قط ولا قال ما يدل عليه بل قال ما يدل على خلاف ذلك كما قال أبو العز بن كادش إن عبد الله بن أحمد قال لأبيه ما تقول في حديث ربعي عن حذيفة قال الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد. قلت يصح قال لا، الأحاديث بخلافه وقد رواه الحفاظ عن ربعي عن رجل لم يسمه قال فقلت له لقد ذكرته في المسند.
فقال: قصدت في المسند الحديث المشهور وتركت الناس تحت ستر الله ولو أردت أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشئ بعد الشئ ولكنك يا بني تعرف طريقتي في المسند لست أخالف ما فيه ضعف إذا لم يكن في الباب شئ يدفعه فهذا تصريح منه رحمه الله بأنه أخرج فيه الصحيح وغيره وقد استشكل أبو موسى المديني هذه الحكاية وظنها كلاما متناقضا فقال ما أظن هذا يصح لأنه كلام متناقض لأنه يقول لست أخالف ما فيه ضعف إذا لم يكن في الباب شئ يدفعه وهو يقول في هذا الحديث الأحاديث بخلافه قال وإن صح فلعله كان أولا ثم أخرج منه ما ضعف لأني طلبته في المسند فلم أجده.
قلت: ليس في هذا تناقض من أحمد رحمه الله بل هذا هو أصله الذي بنى عليه مذهبه وهو لا يقدم على الحديث الصحيح شيئا البتة لا عملا ولا قياسا ولا قول =
ومَوْضُوعَةً، كَأحَادِيثِ "فَضَائِلِ مَرْوَ"(1)، و (2)"عَسْقَلَانَ"(3)، وَ"البَرْثِ الأحْمَرِ عِنْدَ حِمْصَ"(4)«1» ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا قَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الحُفَّاظِ.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] قَالَ "العِراقِيُّ" في "شَرحِهِ كِتابَ ابنِ الصَّلاحِ"(ص 42 - 43)
= صاحب، وإذا لم يكن في المسألة حديث صحيح وكان فيها حديث ضعيف وليس في الباب شيء يرده عمل به فإن عارضه ما هو أقوى منه تركه للمعارض القوي وإذا كان في المسألة حديث ضعيف وقياس قدم الحديث الضعيف على القياس وليس الضعيف في اصطلاحه هو الضعيف في اصطلاح المتأخرين بل هو والمتقدمون يقسمون الحديث إلى صحيح وضعيف والحسن عندهم داخل في الضعيف بحسب مراتبه وأول من عُرف عنه أنه قسمه إلى ثلاثة أقسام أبو عيسى الترمذي ثم الناس تبع له بعد"
(1)
أخرجه أحمد (23018)، ونقل عنه الخلال "المنتخب من العلل" ص 68: قال أبو عبد الله: هذا حديث منكر. وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (494)، وانظر القول المسدد الحديث التاسع.
(2)
زاد في الحلبي: "شهداء".
(3)
أخرجه " أحمد "(13356)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 53)، وانظر القول المسدد الحديث الثامن.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وفيه أبو عقال هلال بن زيد بن يسار وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات. وفي إسماعيل بن عياش خلاف. وقال الطرابلسي في "اللؤلؤ المرصوع" ص 119: "وقال ابن قيم الجوزية: كل حديث في مدح عسقلان وذمها كذب". [وانظر المنار النيف ص 117.]
(4)
أخرجه أحمد (120)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (493) وذكره الذهبى فى الميزان 6/ 172، وقال: منكر جدًّا. وقال الهيثمى 10/ 61: رواه أحمد، وفيه أبو بكر بن عبد الله بن أبى مريم، وهو ضعيف.
وانظر: "المقدمة"(ص 187).
ثُمَّ إِنَّ الإِمَامَ أحْمَدَ قَدْ فَاتَهُ فِي كِتَابِهِ هَذَا -مَعَ أنَّهُ لَا يُوَازِيهِ كِتَابٌ مُسْنَدٌ فِي كَثْرَتِهِ وَحُسْنِ سِيَاقَاتِهِ- أحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا «1» ، بَلْ قَدْ قِيلَ:"إِنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" قَرِيبًا مِنْ
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= وأَمَّا وُجُودُ الضَّعِيفِ فِيهِ - يَعنِي مُسنَدَ أحمدَ - فَهُوَ مُحقَّقٌ، بل فِيهِ أَحادِيثٌ مَوضُوعَةٌ.
وقَد جَمَعتُها في جُزءٍ. وقَد ضَعَّفَ الإمَامُ أحمدُ نَفسُهُ أحادِيثَ فِيهِ - إلَى أن قَالَ: وحَدِيثُ أَنسٍ "عَسقَلانُ أَحَدُ العَرُوسَينِ، يُبعَثُ مِنهَا يَومَ القِيامَةِ سَبعُونَ أَلفًا لا حِسابَ عَلَيهِم".
قَالَ: ومِمَّا فِيهِ -أَيضًا- من المَناكِيرِ حَدِيثُ بُرَيدَةَ: "كُونُوا في بَعْثِ خُرَاسَانَ ثُمَّ انزِلُوا مَدِينَةَ مَرْوٍ، فَإنَّهُ بَنَاهَا ذُوْ القَرْنَينِ". إلخ.
ولِلحافِظِ "ابنِ حَجَرٍ" رِسَالَةٌ سَمَّاهَا "القَوْلُ المُسَدَّدُ، في الذَّبِّ عن مُسنَدِ الإمَامِ أحمدَ"؛ رَدَّ فِيهَا قَولَ مَن قَالَ: "في المُسنَدِ مَوضُوعاتٌ".
ولِلشَيخِ ابنِ تَيمِيَّةَ كَلامٌ حَسَنٌ في ذَلِكَ، ذَكَرَه في "التَّوَسُّلِ والوَسِيلَةِ"، مُحَصِّلُهُ: إن كَانَ المُرادُ بِالمَوضُوعِ مَا في سَنَدِهِ كَذَّابٌ فَلَيسَ في المُسنَدِ من ذَلِكَ شَيءٌ، وإن كَانَ المُرَادُ ما لَم يَقلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، لِغَلَطِ رَاوِيهِ و [1] سُوءِ حِفظِهِ، فَفِي المُسنَدِ والسُّنَنِ من ذَلِكَ كَثِيرٌ [2].
وقَالَ "ابنُ الأَثِيرِ" في "النِّهايَةِ"[3] في مَادَّةِ "بَرَثَ" وفِيهِ: " (يَبْعَثُ اللهُ مِنهَا سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيهِمْ ولَا عَذَابَ، فِيمَا بَينَ البَرْثِ الأَحْمَرِ وَبَينَ كَذَا) ".
"البَرْثُ": الأَرْضُ اللَّيِّنَةُ، وجَمعُها بِراثٌ، يرِيدَ بِها أَرضًا قَرِيبَةً من حِمصَ قُتِلَ بِها جَماعَةٌ من الشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ. [شاكر]
«1» [شاكر] مِثالُهُ: حَدِيثُ عائِشَةَ في قِصَّةِ أُمِّ زَرْعٍ، قَد ذَكرَ الحَافِظُ العِراقِيُّ (ص 42): أنَّه في الصَّحِيحِ ولَيسَ في مُسنَدِ أَحمد. [شاكر]
[1] في الحلبي [أو]
[2]
وانظر ص 173 من ((التوسل والوسيلة)) ط. د/ربيع
[3]
[1/ 112] ط. الطناحي
مِائَتَيْنِ" «1» .
[الْكُتُبُ الْخَمْسَةُ وَغَيْرُهَا]
وَهَكَذَا قَوْلُ الحَافِظِ "أبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ"«2» فِي الأُصُولِ الخَمْسَةِ؛ يَعْنِي "البُخَارِيَّ" وَ"مُسْلِمًا" وَ"سُنَنَ أبِي دَاوُدَ" وَ"التِّرْمِذِيِّ" وَ"النَّسَائِيِّ": إِنَّهُ اتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهَا عُلَمَاءُ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ تَسَاهُلٌ مِنْهُ وَقَدْ أنْكَرَهُ "ابْنُ الصَّلَاحِ" وَغَيْرُهُ «3» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] في هَذا غُلُوٌّ شَدِيدٌ. بَل نَرَى أنَّ الَّذِي فَاتَ المُسنَدَ من الأَحادِيثِ شَيءٌ قَلِيلٌ. وأَكثَرُ ما يَفُوتُه من حَدِيثِ صَحابِيٍّ مُعَيَّنٍ يَكُونُ مَروِيًّا عِندَهُ مّعناهُ من حِدِيثِ صَحابِيٍّ آخَرَ. فَلَو أنَّ قائِلًا قَالَ: إنَّ المُسنَدَ قَد جَمعَ السُّنَّةَ وأَوفَى - بِهَذا المَعنَى -؛ لَم يَبعُدْ عن الصَّوابِ والوَاقِعِ.
والإمَامُ أحمدُ هُو الَّذِي يَقُولُ لابنِهِ عَبدِ اللهِ -رَاوِي المُسنَدَ عَنهُ-:
" احتَفِظْ بِهَذا المُسنَدِ فَإنَّهُ سَيَكُونُ لِلنَّاسِ إمَامًا". وهُوَ الَّذِي يَقُولُ -أَيضًا-: " هَذَا الكِتابُ جَمَعتُهُ وانتَقَيتُهُ من أَكثَرِ من سَبعِمِائةِ أَلفِ حَدِيثٍ وخَمسِينَ أَلفًا، فَما اختَلَفَ فِيهِ المُسلِمونَ من حَديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فارجِعُوا إلَيهِ فإن وجَدتُّمُوه فِيهِ، وإلَّا فَلَيسَ بِحُجَّةٍ". قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "هَذا القَولُ مِنه علَى غَالِبِ الأَمرِ، وإلَّا فَلَنا أَحادِيثٌ قَوِيَّةٌ في "الصَّحِيحَينِ" و"السُّنَنِ" و"الأَجْزَاءِ"، ما هِيَ في "المُسنَدِ".
انظُرْ ما كَتَبناهُ فِيمَا مَضَى (ص 23 - في الهامشة رقم «1»). وانظُرْ مُقَدِّماتِ "المُسنَدِ" بِشَرحِنا 1/ 21 - 22، 30 - 32، 56 - 57. [شاكر]
«2» [شاكر]" السِّلَفِيُّ " -بِكَسرِ السِّينِ المُهمَلَةِ وفَتحِ اللَّامِ-، نِسبَةٌ إلَى " سِلْفَةٍ " لَقبٌ لِأَحدِ أَجدَادِهِ. وهُو أَبو طَاهِرٍ أحمدُ بنُ محمدٍ بنِ أحمدَ، أَحدُ الحُفَّاظِ الكِبارِ، قَصَدَهُ النَّاسُ من البِلادِ البَعِيدَةِ؛ لِيَأخُذُوا عَنهُ، مَاتَ 576، وقَد جَاوَزَ المِائةَ بِنَحوِ سِتِّ سِنِينَ. لَهُ تَرجَمَةُ جَيِّدَةٌ في "تَذكِرَةِ الحُفَّاظِ"(4/ 90 - 95)[41][شاكر]
«3» [شاكر] أَجابَ "العِراقِيُّ": بِأنَّ السِّلَفِيَّ إنَّما قَالَ بِصِحَّةِ أُصُولِها، كَما =
قَالَ "ابْنُ الصَّلَاحِ"(1): "وَهِيَ معَ ذَلِكَ أعْلَى رُتْبَةً مِنْ كُتُبِ المَسَانِيدِ كَـ "مُسْنَدِ": "عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ"، وَ"الدَّارِمِيِّ"، وَ"أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ"، وَ"أبِي يَعْلَى"، وَ"البَزَّارِ"، وَ"أبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ"، وَ"الحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ"، وَ"إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ"، وَ"عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى"، وَغَيْرِهِمْ؛ لِأنَّهُمْ يَذْكُرُونَ عَنْ كُلِّ صَحَابِيٍّ مَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ حَدِيثِهِ.
[التَّعْلِيقَاتُ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ]
وَتَكَلَّمَ الشَّيْخُ "أبُو عَمْرٍو"(2) عَلَى التَّعْلِيقَاتِ الوَاقِعَةِ فِي "صَحِيحِ البُخَارِيِّ"، وَفِي "مُسْلِمٍ"-أيْضًا-، لَكِنَّهَا قَلِيلَةٌ «1» ، قِيلَ: إِنَّهَا أرْبَعَةُ عَشَرَ.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
ذَكَرَهُ في "مُقَدِّمةِ الخَطَّابِيِّ [1] "؛ إذْ قَالَ: "وكِتابُ أَبِي دَاودَ فَهُوَ أَحَدُ الكُتُبِ الخَمسَةِ الَّتِي اعتَمَدَ أَهلُ الحَلِّ والعَقدِ من الفُقَهاءِ وحُفَّاظِ الحَدِيثِ الأَعلَامِ النُّبَهاءِ علَى قَبُولِها والحُكمِ بِصِحَّةِ أُصُولِها أهـ.
قَالَ "العِراقِيُّ" ولَا يَلزَمُ من كَونِ الشَّئِ لَه أَصلٌ صَحِيحٌ أن يَكُونَ هُو صَحِيحًا. انظر: "شَرحَ العِراقِيِّ"(ص 47).
[شاكر]
«1» [شاكر] يَعنِي الَّتِي في مُسلِمٍ بِخِلافِ الَّتِي في البُخارِيِّ فَهِيَ كَثِيرَةٌ حتَّى كَتبَ الحَافِظُ "ابنُ حَجَرٍ" في تَخرِيجِها كِتابًا سَمَّاهُ (تَغْلِيقَ التَّعْلِيقِ)[2] ولَخَّصَهُ في
(1) انظر " المقدمة "(ص 183، 184).
(2)
"المقدمة" ص: 167
_________
[1]
معالم السنن 4/ 357، وانظر جامع الأصول 1/ 193 فقد أطلق أيضا عليها الأصول الخمسة.
[2]
قال "السخاوي" في "الجواهر والدرر"2/ 665: مجلد ضخم، وربما كتب في مجلدين، يشتمل على وصل التعاليق المرفوعة والآثار الموقوفة والمقطوعة الواقعة في (صحيح البخاري) .. أهـ وانظر التغليق (2/ 5)
مَوْضِعًا (1)
وَحَاصِلُ الأَمْرِ: أنَّ مَا عَلَّقَهُ البُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الجَزْمِ فَصَحِيحٌ إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ عَنْهُ، ثُمَّ النَّظَرُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمَا كَانَ مِنْهَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ «1» فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا صِحَّةٌ وَلَا تُنَافِيهَا
-أيْضًا-؛ لأنَّهُ قَد وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَرُبَّمَا رَوَاهُ "مُسْلِمٌ".
وَمَا كَانَ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ صَحِيحًا فَلَيْسَ مِنْ نَمَطِ الصَّحِيحِ المُسْنَدِ فِيهِ؛ لِأنَّهُ قَدْ وَسَمَ كِتَابَهُ بـ "الجَامِعِ المُسْنَدِ الصَّحِيحِ المُخْتَصَرِ فِي أُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَنِهِ وَأيَّامِهِ".
فَأمَّا إِذَا قَالَ "البُخَارِيُّ": "قَالَ لَنَا" أوْ "قَالَ لِي فُلَانٌ كَذَا"، أوْ "زَادَنِي" وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهُوَ مُتَّصِلٌ عِنْدَ الأكْثَرِ.
وَحَكَى "ابْنُ الصَّلَاحِ" عَنْ بَعْضِ المَغَارِبَةِ أنَّهُ تَعْلِيقٌ -أيْضًا-، يَذْكُرُهُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِمَادِ، وَيَكُونُ قَدْ سَمِعَهُ فِي المُذَاكَرَةِ (2).
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
مُقَدِّمَةِ "فَتحِ البَارِي" في 56 صَفحَةٍ كَبِيرَةٍ. انظُرْ: المُقدِّمَةَ (ص 14 - 71 - طبعة بولاق). وأمَّا مُعَلَّقاتُ مُسلِمٍ فَقَد سَرَدَها الحَافِظُ العِراقِيُّ في "شَرحِهِ لِكِتابِ ابنِ الصَّلاحِ"(ص 20 - 21 - طبعة حلب، سنة 1350)؛ فَراجِعْها إن شِئتَ [1]. [شاكر]
«1» [شاكر]"صِيغَةُ الجَزْمِ": "قَالَ"، و"رَوَى"، و"جَاءَ"، و"عَنْ". و"صِيغَةُ التَّمرِيضِ" نَحوُ:"قِيلَ"، و"رُوِيَ عَنْ"، و"يُرْوَى"، و"يُذْكَرُ"، ونَحوُها. [شاكر]
(1) القائل هو " أبو علي الغساني". انظر: "صيانة صحيح مسلم " ص 76، و"النكت " 1/ 233
(2)
وأورد ابن الصلاح هذه المسألة في النوع الحادي عشر: "معرفة المعضل" من "مقدمته"(ص 227).
_________
[1]
انظر التقييد والأيضاح (ص 32 - 33) وقد أفرد هذا النوع-معلقات مسلم-وزاد عليه تحقيقا وتحريرا العلامة ابن رُشيد في "غرر الفوائد المجموعه " فانظره.
وَقَدْ رَدَّهُ "ابْنُ الصَّلَاحِ"، فَإِنَّ (1) الحَافِظَ "أَبَا جَعْفَرٍ بْنَ حَمْدَانَ" قَالَ: إذَا قَالَ "البُخَارِيُّ: "وَقَالَ لِي فُلَانٌ" فَهُوَ مِمَّا سَمِعَهُ عَرَضًا وَمُنَاوَلَةً.
وَأَنْكَرَ "ابْنُ الصَّلَاحِ" عَلَى "ابْنٍ حَزْمٍ" رَدَّهُ "حَدِيثَ المَلَاهِي"«1»
حَيْثُ قَالَ فِيهِ "البُخَارِيُّ": "وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ" وَقَالَ: أَخْطَأَ "ابْنُ حَزْمٍ" مِنْ وُجُوهٍ؛ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ (2).
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ "أحْمَدُ" فِي "مُسْنَدِهِ"، وَ"أبُو دَاوُدَ" فِي "سُنَنِهِ" وَخَرَّجَهُ "البَرْقَانِيُّ" فِي "صَحِيحِهِ"، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، مُسْنَدًا مُتَّصِلًا إِلَى "هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ" وَشَيْخِهِ -أيْضًا-؛ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي كِتَابِ "الأَحْكَامِ"(3)، وَلِلَّهِ الحَمْدُ.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر]"حَدِيثُ المَلاهِي": هُو حَدِيثُ "عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ غَنْمٍ الأَشعَرِيِّ" عن "أَبِي عَامِرٍ" أو "أَبِي مَالِكٍ الأَشعَرِيِّ" - مَرْفُوعًا-: " لَيَكُونَنَّ من أُمَّتِي قَومٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ والخَمْرَ والمَعازِفَ".
"الحِرَ" -بِكَسرِ الحاءِ المُهمَلَةِ وتَخفِيفِ الرَّاءِ-: هُو الفَرْجُ. والمُرادُ استِحْلالُ الزِّنا. وهَذِه الرِّوايَةُ الصَّحِيحَةُ في جَمِيعِ نُسَخِ البُخارِيِّ وغَيرِهِ ورَواهُ بَعضُ النَّاقِلِينَ "الخَزَّ" -بِالخاءِ والزَّاي المُعْجَمَتَينِ- وهُو تَصحِيفٌ، كَما قَالَ الحَافِظُ "أَبو بَكْرِ بنِ العَرَبِيِّ". انظر:"فَتحَ البَارِي"(10/ 45 - 49 - طبعة بولاق). وقَد أَطالَ في شَرحِ الحَدِيثِ، وفي الكَلَامِ علَى تَعلِيقِ البُخارِيِّ إيَّاهُ. [شاكر]
(1) في "غراس": "بأن"
(2)
"المقدمة "(ص 226).
(3)
طبع منه قطعة في ثلاث مجلدات في دار النوادر بتحقيق نور الدين طالب
ثُمَّ حَكَى أنَّ الأُمَّةَ تَلَقَّتْ هَذَيْنِ الكِتَابَيْنِ بِالقَبُولِ، سِوَى أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ، انْتَقَدَهَا بَعْضُ الحُفَّاظِ، كَـ"الدَّارَقُطْنِيِّ" وَغَيْرِهِ (1)«1» .
ثُمَّ اسْتَنْبطَ مِنْ ذَلِكَ القَطْعُ بِصِحَّةِ مَا فِيهِمَا مِنَ الأحَادِيثِ ; لِأَنَّ الأُمَّةَ مَعْصُومَةٌ عَنْ الخَطَأِ، فَمَا ظَنَّتْ صِحَّتَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا العَمَلُ بِهِ، لَا بُدَّ وَأنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الأَمْرِ وَهَذَا جَيِّدٌ.
وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ: الشَّيْخُ "مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ"، وَقَالَ:
"لَا يُسْتَفَادُ القَطْعُ بِالصِّحَّةِ مِنْ ذَلِكَ"(2).
قُلْتُ: وَأنَا مَعَ "ابْنِ الصَّلَاحِ" فِيمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ وَأرْشَدَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أعْلَمُ «2» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] الحَقُّ الَّذِي لا مِرْيَةَ فِيهِ عِندَ أَهلِ العِلمِ بِالحَدِيثِ من المُحَقِّقِينَ، ومِمَّن اهتَدَى بِهَديِهِمْ وتَبِعَهُمْ علَى بَصِيرَةٍ من الأَمرِ: أنَّ أَحادِيثَ "الصَّحِيحَينِ" صَحَيحَةٌ كُلَّها، لَيسَ في وَاحِدٍ مِنها مَطْعَنٌ أو ضَعفٌ. وإنَّما انتَقَدَ "الدَّارَقُطْنِيُّ" وغَيرُهُ من الحُفَّاظِ بَعضَ الأَحادِيثِ. علَى مَعنَى أنَّ ما انتَقَدُوه لمَ يَبلُغْ في الصِّحَّةِ الدَّرَجَةَ العُلْيا الَّتِي التَزَمَها كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُما في كِتابِهِ. وأَمَّا صِحَّةُ الحَدِيثِ في نَفسِهِ فَلَم يُخالِفْ أَحَدٌ فِيها. فَلَا يَهُولَنَّكَ إرْجافُ المُرجفِينَ وزَعْمُ الزَّاعِمِينَ أنَّ في "الصَّحِيحَينِ" أحَادِيثٌ غَيرُ صَحِيحَةٍ. وتَتَبَّعِ الأَحادِيثَ الَّتِي تَكَلَّمُوا فِيها، وانقُدْها علَى القَواعِدِ الدَّقِيقَةِ الَّتِي سَارَ عَلَيها أَئِمَّةُ أَهلِ العِلمِ، واحكُمْ عن بَيِّنَةٍ. والله الهادِي إلَى سَواءِ السَّبِيلِ. [شاكر]
«2» [شاكر] اختَلَفُوا في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: هَل يُوجِبُ العِلمَ القَطعِيَّ اليَقِينِيَّ أو الظَّنَّ؟ وهِي مَسألَةٌ دَقِيقَةٌ تَحتاجُ إلَى تَحقِيقٍ: =
(1) انظر: "المقدمة "(ص 172، 173).
(2)
انظر: "تقريب النووي"(ص 57 - شرح السخاوي)، و"تدريب الراوي" 1/ 141، "مجموع الفتاوى" 18/ 16
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= أمَّا الحَدِيثُ المُتَواتِرُ لَفظًا أومَعنَى فَإنَّه قَطعِيُّ الثُّبُوتِ لا خِلافَ في هَذا بَينَ أَهلِ العِلمِ.
وأمَّا غَيرُه من الصَّحِيحِ؛ فَذَهبَ بَعضُهُم إلَى أنَّه لا يُفِيدُ القَطْعَ، بَل هُو ظَنِّيُّ الثُّبُوتِ، وهُو الَّذِي رَجَّحَهُ "النَّوَوِيُّ" في "التَّقرِيبِ". وذَهَبَ غَيرُهُمْ الَى أنَّه يُفِيدُ "العِلمَ اليَقِينِيَّ"
وهُو مَذهَبُ "دَاودَ الظَّاهِرِيِّ"، و"الحُسَينِ بنِ عَليِّ الكَرَابِيسِيِّ"، و"الحارِثِ بنِ أَسَدٍ المُحاسِبِيِّ" وحَكَاهُ "ابنُ خُوَيزِ مَندَادٍ، عن مَالِكٍ" وهُو الَّذِي اختارَهُ وذَهَبَ إلَيهِ
"ابنُ حَزمٍ"، قَالَ في "الإحْكَامِ": "إنَّ خَبرَ الوَاحِدِ العَدلِ عن مِثْلِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم يُوجِبُ العِلمَ والعَمَلَ مَعًا ". ثُمَّ أَطالَ في الإحْتِجاجِ لَه والرَّدِّ علَى مُخالِفِيهِ في بَحثٍ نَفِيسٍ 1 (/ 119 - 137).
واختارَ "ابنُ الصَّلاحِ" أنَّ مَا أَخرَجَهُ الشَّيخانِ -البُخارِيُّ ومُسلِمٌ- في صَحِيحَيهِما أَو رَواهُ أَحَدُهُما: مَقطُوعٌ بِصِحَّتِهِ، والعِلمُ اليَقِينِيُّ النَظَرِيُّ وَاقِعٌ بِهِ. واستَثْنَى من ذَلِكَ أَحادِيثَ قَلِيلَةً تَكَلَّمَ عَلَيها بَعضُ أَهلِ النَّقدِ من الحُفَّاظِ؛ كَـ"الدَّارَقُطْنِيِّ" وغَيرِهِ وهِي مَعرُوفَةٌ عِندَ أَهلِ هَذا الشَّأنِ.
هَكَذا قَالَ في كِتابِهِ "عُلومُ الحدِيثِ". ونَقلَ مِثلَهُ "العِرَاقِيُّ" في "شَرحِهِ علَى ابنِ الصَّلاحِ" عن الحَافِظِ "أَبِي الفَضْلِ محمدِ بنِ طَاهِرٍ المَقدِسِيِّ"، و"أَبِي نَصرٍ عَبدِ الرَّحِيمِ بنِ عَبدِ الخالِقِ بنِ يُوسُفَ"، ونَقَلَهُ "البُلْقِيْنِيُّ" عن "أَبِي إسْحاقَ" و"أَبِي حَامِدٍ" الإسْفِرَائِينِييِّنَ، والقَاضِي "أَبِي الطَّيِّبِ"، والشَّيخِ "أبي إسْحاقَ الشِّيرَازِي" من الشَّافِعِيَّةِ. وعن "السَّرخسيِّ" من الحَنَفِيَّةِ وعن القاضِي "عبدِ الوَهَّابِ" من المَالِكِيَّةِ وعن "أَبِي يَعْلَى" و"أَبِي الخَطَّابِ" و"ابنِ الزَّاغُونِي" من الحَنابِلَةِ وعن أَكثَرِ أَهلِ الكَلَامِ من الأَشْعَرِيَّةِ وعن أَهلِ الحَدِيثِ قَاطِبَةً، وهُو الَّذِي اختارَهُ الحَافِظُ "ابنُ حَجَرٍ"[1] والمُؤَلفُ.
والحَقُّ الَّذِي تُرَجِّحُهُ الأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ: مَا ذَهَبَ إلَيهِ "ابنُ حَزْمٍ" ومَن قَالَ بِقَولِهِ، =
[1]" النكت"(1/ 371)
"حَاشِيَةٌ"(1): ثُمَّ وَقَفْتُ بَعْدَ هَذَا عَلَى كَلَامٍ لِشَيْخِنَا العَلَّامَةِ "ابْنِ تَيْمِيَّةَ"، مَضْمُونُهُ:
أنَّهُ نَقَلَ القَطْعَ بِالحَدِيثِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالقَبُولِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنَ الأئِمَّةِ؛ مِنْهُمْ القَاضِي "عَبْدُ الوَهَّابِ المَالِكِيُّ"، وَالشَّيْخُ "أبُو حَامِدٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ" وَالقَاضِي "أبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ"، وَالشَّيْخُ "أبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ" مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَ"ابْنُ حَامِدٍ"، وَ"أبُو يَعْلَى ابْنُ الفَرَّاءِ"، وَ"أبُو الخَطَّابِ"، وَ"ابْنُ الزَّاغُونِيِّ"، وَأمْثَالُهُمْ مِنَ الحَنَابِلَةِ، وَشَمْسُ الأَئِمَّةِ "السَّرخسِيُّ" مِنَ الحَنَفِيَّةِ.
قَالَ: "وَهُوَ قَوْلُ أكثَرِ أهْلِ الكَلَامِ مِنَ الأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَـ"أَبِي إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِينِيِّ"، وَ"ابْنِ فُورَكٍ".
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= من أنَّ الحَدِيثَ الصَّحِيحَ يُفِيدُ "العِلمَ القَطْعِيَّ"، سَواءٌ أَكَانَ في أَحَدِ "الصَّحِيحَينِ" أَمْ في غَيرِهِمَا.
وهَذا "العِلمُ اليَقِينِيُّ" عِلمٌ نَظَرِيُّ بُرهَانِيُّ، لا يَحصُلُ إلَّا لِلعَالِمِ المُتَبَحِّرِ في الحَدِيثِ العَارِفِ بِأَحوَالِ الرُّوَاةِ والعِلَلِ، وأَكَادُ أُوقِنُ أَنَّهُ هُو مَذهَبُ مَن نَقلَ عَنهُم البُلْقيْنِيُّ مِمَّن سَبَقَ ذِكرُهُم، وأَنَّهُم لمَ يُرِيدُوا بِقَولِهِم مَا أَرَادَ "ابنُ الصَّلاحِ" من تَخصِيصِ أَحادِيثِ "الصَّحِيحَينِ" بِذلِكَ.
وهَذا "العِلمُ اليَقِينِيُّ النَّظَرِيُّ" يَبدُوا ظَاهِرًّا لِكُلِّ مَن تَبَحَّرَ في عَلمٍ من العُلُومِ وتَيَقَّنَتْ نَفسُهُ بِنَظَرِيَّاتِهِ واطمَأَنَّ قَلبُهُ إلَيهَا
ودَعْ عَنكَ تَفرِيقَ المُتَكَلِّمِينَ في اصطِلَاحَاتِهِم بَينَ العِلمِ والظَّنِّ؛ فَإنِّما يُرِيدُونَ بِهِما مَعنًى آخَرَ غَيرَ مَا نُرِيدُ. ومِنهُ زَعْمُ الزَّاعِمِينَ أنَّ الإيمَانَ لا يَزِيدُ ولا يَنقُصُ، إنكَارًا لِمَا يَشعُرُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ من النَّاسِ من اليَقِينِ بِالشَّيءِ ثُمَّ ازدِيَادُ هَذا اليَقِينِ. {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، وإنَّمَا الهُدَى هُدَى الله. [شاكر]
(1) سقط من "ب"، "ع".
قَالَ: "وَهُوَ مَذْهَبُ أهْلِ الحَدِيثِ قَاطِبَةً، وَمَذْهَبُ السَّلَفِ عَامَّةً". [*]
وَهُوَ (1) مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ "ابْنُ الصَّلَاحِ" اسْتِنْبَاطًا، فَوَافَقَ فِيهِ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةَ (2).
(1) في الأصل: "وهي".
(2)
انظر: "الرسالة (ص 466، 599) و" التمهيد" لابن عبد البر (1/ 8) و "إحكام الأحكام" لابن حزم (1/ 119) و"روضة الناظر" (1/ 362) و"البحر المحيط" (4/ 259) و "شرح جمع الجوامع" للزركشي (2/ 960) مختَصَرٌ مِنْ حاشِيَةِ أبي فهر السلفي ط. الكيانِ. وقد استوعَبَ أغلبَ مصادرَ البحَثِ، جزاه الله خيرًا.
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بنحو هذا القول، انظر مجموع الفتاوي (18/ 41).
النَّوْعُ الثَّانِي (1): الْحَسَنُ (2)
وَهُوَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ كَالصَّحِيحِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
وَهَذَا النَّوْعُ لَمَّا كَانَ وَسَطًا بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ فِي نَظَرِ النَّاظِرِ، لَا (3) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، عَسُرَ التَّعْبِيرُ عَنْهُ وَضَبْطُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ وَذَلِكَ; لِأَنَّهُ أمرٌ نِسْبِيٌّ، (4) يَنْقَدِحُ عِنْد الْحَافِظِ (5)، رُبَّمَا تَقْصُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ (6).
(1) ساقط من "ع".
(2)
انظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 174، و"شرح علل الترمذي" 1/ 384، 1/ 389، و"النكت" للزركشي 1/ 304، و"التقييد والإيضاح" ص 34، و"الشذا الفياح" 1/ 106، و"النكت لابن حجر" 1/ 385، و"فتح المغيث" 1/ 116، و"تدريب الراوي" 1/ 166.
(3)
في "ط"، "ع": إلا.
(4)
زاد في "ب": شَيء.
(5)
في "ب": الحفاظ.
(6)
قال الذهبي (الموقظة ص 29): "ثم لا تَطمَع بأنَّ للحسنِ قاعدةً تندرج كلُّ الأحاديث الحِسان فيها، فأنا على إياسٍ من ذلك! فَكم مِن حديثٍ تردَّدَ فيه الحُفَّاظ: هل هو حسَن؟ أو ضعيف؟ أو صحيح؟ بل الحافظُ الواحدُ يتغيَّرُ اجتهادُه في الحديثِ الواحد: فيوماً يَصِفُه بالصحة، ويوماً يَصِفُه بالحُسْن، وَلَرُبَّما استَضْعَفَه! ".وانظر شرح الموقظة للعوني (ص 54) فقد أجاد في شرح كلام الذهبي وفك عباراته جزاه الله خيرا
وَقَدْ تَجَشَّمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ حَدَّهُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ (1): "هُوَ مَا عُرِفَ مَخْرَجُهُ (2) وَاشْتُهِرَ رِجَالُهُ، قَالَ: وَعَلَيْهِ مَدَارُ أَكْثَرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُهُ (3) أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَيَسْتَعْمِلُهُ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ".
(قُلْتُ): فَإِنْ كَانَ الْمُعَرِّفُ هُوَ قَوْلُهُ "مَا عُرِفَ مَخْرَجُهُ وَاشْتُهِرَ رِجَالُهُ"، فَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ كَذَلِكَ، بَلْ وَالضَّعِيفُ وَإِنْ كَانَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، فَلَيْسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُسَلَّمًا لَهُ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَدِيثِ مِنَ قَبِيلِ الْحِسَانِ، وَلَا هُوَ الَّذِي يَقْبَلُهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَيَسْتَعْمِلُهُ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ.] (4)
[تَعْرِيفُ التِّرْمِذِيِّ لِلْحَدِيثِ الْحَسَنِ]
قَالَ اِبْنُ الصَّلَاحِ (5): "وَرُوِّينَا عَنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْحَسَنِ أَنْ لا يَكُونَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ، وَلَا يَكُونَ حَدِيثًا شَاذًّا، وَيُرْوَى (6) مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوُ ذَلِكَ.
(1) معالم السنن 1/ 11.
(2)
قال ابن حجر "النكت" 1/ 405: " فسر القاضي أبو بكر بن العربي مخرج الحديث بأن يكون من رواية راوٍ قد اشتَهر برواية حديثِ أهلِ بلده، كقتادةَ في البصريين، وأبي إسحاق السبيعي في الكوفيين، وعطاء في المكيين وأمثالهم. فإن حديث البصريين مثلا إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مخرجه معروفا، وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذا - والله أعلم -.".وانظر "عارضة الأحوذي" 1/ 14 - 15
وقال الزركشي: "النكت"1/ 304: "احترز بقوله (عُرف مخرجه) عن المنقطع الذي لم يعرف مخرجه ".
(3)
في "ب": نقله.
(4)
ساقط من "ط"، "ع".
(5)
المقدمة 174
(6)
في "غراس": وقد يروى
وَهَذَا إِذَا كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَهُ، فَفِي أي (1) كِتَابٍ لَهُ قَالَهُ؟ وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ عَنْهُ؟ «1»
وَإِنْ كَانَ قَدْ فُهِمَ (2) مِنْ اِصْطِلَاحِهِ فِي كِتَابِهِ
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر]: قوله " ففي أي كتاب قاله
…
إلخ"، رده العراقي في شرحه (ص 31 - 32) فقال: " وهذا الإنكار عجيب! فإنه في آخر العلل التي في آخر الجامع [1]، وهي داخلة في سماعنا وسماع المُنكِر لذلك وسماع الناس
…
"
ثم ذكر اتصالها للناس من طريق عبد الجبار بن محمد الجَرَّاحي عن أبي العباس المحبوبي صاحب الترمذي، وأنها لم تقع لكثير من المغاربة الذين اتصلت إليهم رواية المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، وليست في روايته عن أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد، وليست في روايته، عن أبي علي السِنْجي، وليست في روايته، عن أبي العباس المحبوبي صاحب الترمذي.
قال: " ثم اتصلت [يعني رواية عبد الجبار بن محمد الجراحي التي فيها العلل] عنه بالسماع إلى زماننا، بمصر والشام وغيرهما من البلاد الإسلامية" أقول: وكلام الترمذي ثابت في سننه المطبوعة (ج 2 ص 340 طبعة بولاق) ونصه: "وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حسن: فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا. كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك -: فهو عندنا حديث حسن ".
وقال العراقي [2] بعد نقل عبارة الترمذي: " فَقيّد الترمذي تفسير الحسن بما ذكره في كتابه الجامع، فلذلك قال أبو الفتح اليَعْمُرِي في شرح الترمذي [3]: إنه لو قال قائل: إن هذا إنما اصطلح عليه الترمذي في كتابه هذا، ولم يقله اصطلاحا عاما -: كان له ذلك. فعلى هذا لا يُنقل عن الترمذي حد الحديث الحسن بذلك مطلقا في الاصطلاح العام ". [شاكر]
(1) ساقط من "ط".
(2)
في "غراس": وإن كان فهم
_________
[1]
[5/ 758]
[2]
[ص 45]
[3]
انظر "النفح الشذي"1/ 205.ط. العاصمة
"الْجَامِعِ" فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
[تَعْرِيفَاتٌ أُخْرَى لِلْحَسَنِ]
قَالَ الشَّيْخُ أبو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ (1) رحمه الله: "وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ «1» : الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ ضَعْفٌ قَرِيبٌ مُحْتَمَلٌ، هُوَ الْحَدِيثُ الْحَسَنُ، وَيَصْلُحُ لِلْعَمَلِ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: وَكُلُّ هَذَا مُسْتَبْهِمٌ لَا يَشْفِي الْغَلِيلَ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ مَا يَفْصِلُ الْحَسَنَ عَنْ الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَمْعَنْتُ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ و (2) الْبَحْثَ، فَتَنَقَّحَ لِي وَاتَّضَحَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْحَسَنَ قِسْمَانِ:
(أَحَدُهُمَا): الْحَدِيثُ الَّذِي لَا يَخْلُو رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِنْ مَسْتُورٍ (3) لَمْ
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر]: قال العراقي في شرحه [1]: " أراد المصنف ببعض المتأخرين أبا الفرج بن الجوزي، فإنه قال هكذا في كتابيه: الموضوعات [2] والعلل المتناهية. قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الاقتراح [3]: إن هذا ليس مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره. قال: وإذا اضطرب هذا الوصف لم يحصل التعريف المميز للحقيقة".] [شاكر]
(1) المقدمة ص 175.
[قلنا] انظر "فتح المغيث" 1/ 122.
(2)
ساقط من "ط".
(3)
قال ابن الملقن في المقنع (1/ 85): " في هذا نظر لأن الأصح أن رواية =
_________
[1]
[ص 45]
[2]
[1/ 35]
[3]
[ص: 195]
تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُغَفَّلًا كَثِيرَ الْخَطَأِ، وَلَا هُوَ مُتَّهَمٌ (1) بِالْكَذِبِ، وَيَكُونُ مَتْنُ الْحَدِيثِ قَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (2)، فيَخْرُجُ «1» بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ شَاذًّا أَوْ مُنْكَرًا «2» ثُمَّ قَالَ (3) وَكَلَامُ التِّرْمِذِيِّ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ يُتَنَزَّلُ.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] في الأصل " يخرج " وصححناه من ابن الصلاح. [شاكر]
«2» [شاكر]: أوردوا على القسم الأول: المنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور ويروى مثله أو نحوه من وجه آخر. [1] وأوردوا على الثاني المرسل الذي اشتهر رواته بما ذكره. ويندفع ذلك باشتراط الاتصال مع ما تقدم. أفاده العراقي في شرحه [2].
وأفاد بعض العلماء: أن الحسن أعم من الصحيح لا قسيم له. وهو ما كان من الأحاديث الصالحة للعمل، فيجامع الصحيح، ولا يباينه. وعلى هذا فلا إشكال في قول الترمذي: حسن صحيح، أوصحيح غريب. [شاكر]
= المستور الذي لم تتحقق أهليته مردودة فكيف يُجعل ما يرويه من قسم الحسن ويُنزَّل عليه كلام الترمذي وليس في كلامه ما يدل عليه لكون الاحتجاج لم يقع به وحده ".
وقال الشيخ الشريف حاتم في "خلاصة التأصيل"(ص 12): " من عرفت عدالته الظاهرة دون الباطنة، وهو المستور باصطلاح المتأخرين وحكمه القبول في الرواة الذين تعذرت الخبرة الباطنة بأحوالهم، وخاصة طبقة التابعين وكبارهم بالأخص، وطبقة المتأخرين من رواة النسخ "
(1)
في "غراس": "متهما"
(2)
ساقط من "ط".
(3)
أي ابن الصلاح في المقدمه ص 175
_________
[1]
قال الألباني 1/ 133: هذا الإيراد صحيح ويمكن الانفصال منه بتقييد الوجه الآخر بأن يكون متصلا مسندا.
[2]
[ص 45]
(قُلْتُ) لَا يُمْكِنُ تَنْزِيلُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ. «1» وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (1)(الْقِسْمُ الثَّانِي)(2): أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ رِجَالِ الصَّحِيحِ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، وَلَا يُعَدُّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ مُنْكَرًا، وَلَا يَكُونُ الْمَتْنُ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا يُتَنَزَّلُ كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ.
قَالَ: وَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو (3): "ولَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ الْحَدِيثِ مِنْ طُرُقِ مُتَعَدِّدَةٍ كَحَدِيثِ "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ" «2» أَنْ يَكُونَ حَسَنًا; لِأَنَّ الضَّعْفَ
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= الأحَادِيثِ الصَالِحَة للعَمَل، فَيُجَامِع الصَّحِيح، ولا يباينه. وَعَلى هَذَا فَلا إِشكَال فِي قَولِ التّرمِذِي: حَسَن صَحِيح، أو صَحِيح غَريب. [شاكر]
«1» [شاكر] الذي يبدوا لي في الجواب عن هذا: أن الترمذي لا يريد بقوله في بيان معنى الحسن " ويروى من غير وجه نحو (ذلك) " أن نفس الحديث عن الصحابي يروى من طرق أخرى، لأنه لا يكون حينئذ غريبا، وإنما يريد أن لا يكون معناه غريباً: بأن يُروى المعنى عن صحابي آخر، أو يعتضد بعمومات أحاديث أخر، أو بنحو ذلك مما يخرج به معناه عن أن يكون شاذا غريبا. فتأمل. [شاكر]
«2» [شاكر] ملخص ما قاله العراقي هنا (ص 37)[1]: أن حديث " الأذنان من الرأس" رواه ابن حبان في صحيحه [2]، من حديث شهر بن حوشب عن أبي أُمامة =
(1) أي ابن الصلاح"المقدمه" ص 176
(2)
ساقط من "ع".
(3)
انظر المقدمة ص 178.
_________
[1]
[ص 50]
[2]
قال الحافظ ابن حجر [النكت: 1/ 415]: "وأما حديث: أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - فقد أشار إليه شيخنا وقوله: إن ابن حبان أخرجه في صحيحه من رواية شهر عن أبي =
يَتَفَاوَتُ، فَمِنْهُ (1) مَا لَا يَزُولُ في الْمُتَابَعَاتِ، يَعْنِي لَا يُؤَثِّرُ كَوْنُهُ تَابِعًا أَوْ مَتْبُوعًا، كَرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ وَالْمَتْرُوكِينَ، وَمِنْهُ ضَعْيفٌ يَزُولُ بِالْمُتَابَعَةِ، كَمَا إِذَا كَانَ رَاوِيهِ سَيِّئَ الْحِفْظِ، أَوْ رَوَى الْحَدِيثَ مُرْسَلًا، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ تَنْفَعُ حِينَئِذٍ، وَيُرْفَعُ (2) الْحَدِيثُ عَنْ حَضِيضِ الضَّعْفِ إِلَى أَوْجِ الْحُسْنِ أَوْ الصِّحَّةِ «1» وَاللَّهُ أَعْلَمُ (3).
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= مرفوعا. و" شهر" ضعفه الجمهور. ورواه أبو داود في سننه [رقم 134] موقوفا على أبي أمامة، والترمذي [في سننه رقم 37] وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم. وقد روي من حديث جماعة من الصحابة، جمعهم ابن الجوزي في العلل المتناهية [1]، وضعفها كلها [2]. [شاكر]
«1» [شاكر] وبذلك يتبن خطأ كثير من العلماء المتأخرين، في إطلاقهم أن الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة ضعيفة ارتقى الى درجة الحسن أو الصحيح. فإنه إذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب، ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع: ازداد ضعفا إلى ضعف، لأن تفرد المتهمين بالكذب أو المجروحين في عدالتهم بحيث لا يرويه غيرهم: يرفع الثقة بحديثهم، ويؤيد ضعف روايتهم. وهذا واضح. [شاكر]
(1) ساقط من "ع".
(2)
في "غراس": "وترفع"
(3)
قال الإمام ابن سيد الناس في أجوبته الحديثية لابن أيبك ص 110 - 112: =
_________
= أمامة رضي الله عنه فيه نظر، بل ليس هو في صحيح ابن حبان البتة، لا من طريق أبي أمامة ولا من طريق غيره، بل لم يخرج ابن حبان في صحيحه لشهر شيئا."اهـ
[1]
قال ابن حجر "النكت" 1/ 410: "وقد راجعت "كتاب العلل المتناهية" لابن الجوزي، فلم أره تعرض لهذا الحديث، بل رأيته في كتاب التحقيق له قد احتج به وقواه فينظر في هذا".
[2]
انظر تخريج الحديث في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية"1/ 20 - 22، "نصب الراية"1/ 18
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= " وأما الحديث الضعيف إذا روى من عدة طرق فهل يَقْوى بذلك أم لا؟
والجواب: إما أن يساوي المتابِع الراوي الأول في ضعفه، أو يكون منحطا عنه، فأما الانحطاط فلا يفيد المتابعة شيئا البتة. وأما مع المساواة فقد يُقَوِى لكنها قوة لا تُخرجه عن مرتبة الضعيف، بل الضعف متفاوت، فيكون الضعيف الفرد موضوعا في مرتبة تنحط عن مرتبة الضعيف الموجود من غير طريق، ولا يتوجه الاحتجاج بواحد منهما، وإنما يظهر أثر ذلك في الترجيح.
وأما إن كان المتابِع أقوى من الراوي الأول، أو أفادت متابعته ما رفع شبهة الضعف عن الطريق الأول فلا مانع من القول بأنه يصير حسنا.
ويوضح ذلك
…
قول ابن الصلاح: "الثاني: لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها مع كونها قد رُويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة؛ مثل حديث "الأذنان من الرأس "ونحوه فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؟
وجواب ذلك أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك؛ بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة -إذا توبع بما يرفع الشبهة عن سوء حفظه- فهذا هو الحسن باتفاق، وأما قبل المتابعة فيدخل في قسم الحسن أيضا على رسم الترمذي؛ لأنه عَرَّف الحسن بأنه "الذي لا يُتهم راويه بالكذب "، والفرض أن راوي هذا من أهل الصدق والديانة. وضعف الحفظ نقله-على هذا -من مرتبة الصحيح إلى مرتبة الحسن.
وأما قوله (يقصد ابن الصلاح) في المُضَعَّفِ من حيثُ الإرسال بأن يرسل الخبرَ إمامٌ حافظٌ "قال فإن ذلك الضعف يزول بروايته من وجه آخر"؛ فنقول: لم يشترط في الوجه الآخر، أن يكون عن ثقة ولا أقل منه، في مقاومة إرسال الإمام الحافظ كما ذكرتم، إذا كان كذلك فأرسل الخبر حافظ وأسنده ثقة، فإنه يزعم أن الحكم للإسناد، فإن ادعى ذلك لأن الإسناد زيادة، وقد جاءت عن ثقة فسبيلها أن تقبل فلذلك وجه من النظر، وإن زعم أن هذا مصطلح أهل هذا الشأن فليس كذلك على الإطلاق. =
[التِّرْمِذِيُّ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ الْحَسَنِ]
قَالَ (1): "وَكِتَابُ التِّرْمِذِيِّ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الَّذِي نَوَّهَ بِذِكْرِهِ، وَيُوجَدُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ (2)، كَأَحْمَدَ، وَالْبُخَارِيِّ «1» ، وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ، كَالدَّارَقُطْنِيِّ (3).
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] تعبير المؤلف هنا يوهم أن الترمذي من تلاميذ أحمد بن حنبل. وليس كذلك، فإنه لم يلق أحمد ولم يرو عنه، وإن كان من طبقة تلاميذ أحمد الكبار، كالبخاري، وروى عن شيوخ من طبقة أحمد أيضا. وعبارة ابن الصلاح [المقدمة ص 180] هنا أجود، إذ قال:"ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله، كأحمد والبخاري وغيرهما ". [شاكر]
= وأما خبر لا علة له؛ إلا أن إماما حافظا أرسله، وقد تبين من وجه آخر إسناده، وقد لزمه في الوجه الآخر أن يكون عن ثقة ولا بد، فهذا ينبغي أن يكون صحيحا على مذهبه في أن المسند الثقة مقدم على المرسل ولا علة في هذا إلا الإرسال وقد انتفت".
(1)
يعني ابن الصلاح في المقدمة ص 180.
(2)
في "ط": كمشايخه.
(3)
استعمل كثير من المتقدمين الحسن بمعان مختلفة ومن أجود من حرر هذه المعاني ومرادهم منها فضيلة الشيخ طارق عوض الله في كتابة الماتع "النقد البناء لحديث أسماء" ص 209 - 240، وفضيلة الشيخ ربيع بن هادى في كتابه "تقسيم الحديث "، وكتاب "القول الحسن" للشيخ أحمد أبو العينين، و"الحسن بمجموع الطرق"لعمرو سليم، وكذلك الكتاب الماتع "الحديث الحسن لذاته ولغيره " لخالد الدريس فقد شفى وكفى.
[أَبُو دَاوُدَ مِنْ مَظَانِّ الْحَدِيثِ الْحَسَنِ]
قَالَ (1): "وَمِنْ مَظَانِّهِ سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ، رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "ذَكَرْتُ الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ، وَمَا كَانَ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ، وَمَا لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ، وَبَعْضُهَا أَصَحُّ (مِنْ بَعْضٍ)(2) ".
قَالَ (3): "وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كُلِّ بَابٍ أَصَحَّ مَا عَرَفَهُ فِيهِ".
(قُلْتُ): وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ هُوَ حَسَنٌ.
قَالَ اِبْنُ الصَّلَاحِ (4): "فَمَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِهِ مَذْكُورًا مُطْلَقًا وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ أَحَدٌ، فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ".
(قُلْتُ): الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ بِكِتَابِهِ "السُّنَنِ" كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا مِنَ الْكَلَامِ، بَلْ وَالْأَحَادِيثِ، مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى وَلِأَبِي عُبَيْدٍ الْآجُرِّيِّ عَنْهُ أَسْئِلَةٌ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (5)، وَالتَّصْحِيحِ وَالتَّعْلِيلِ، كِتَابٌ مُفِيدٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَحَادِيثُ وَرِجَالٌ قَدْ ذَكَرَهَا فِي سُنَنِهِ فَقَوْلُهُ "وَمَا سَكَتَ عَلَيْهِ (فَهُوَ حَسَنٌ"، مَا سَكَتَ عَلَيْهِ) (6) فِي سُنَنِهِ فَقَطْ؟ أَوْ مُطْلَقًا؟
(1) المقدمة ص 181.
(2)
ساقط من "ب".
وانظر "رسالة أبي داود لأهل مكة"ص 27 طبعة الصباغ، وتاريخ بغداد 10/ 75، وتهذيب الكمال 11/ 364.
(3)
المقدمة ص 181.
(4)
المقدمة ص 182.
(5)
طبع جزء منه بتحقيق الدكتور عبد العليم البستوي
(6)
ساقط من "ط".
هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالتَّيَقُّظُ لَهُ «1» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] قال العراقي [1](ص 40 - 41): " وهو كلام عجيب! وكيف يحسن هذا الاستفسار بعد قول ابن الصلاح: إن مظان الحسن سنن أبي داود؟ فكيف يحتمل حمل كلامه على الإطلاق في السنن وغيرها؟ وكذلك لفظ أبي داود صريح فيه، فإنه قال: ذكرت في كتابي هذا الصحيح، إلى آخر كلامه. وأما قول ابن كثير: من ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه، إن أراد به أنه ضعفَ أحاديث ورجالاً في سؤالات الآجُري وسكت عليها في السنن، فلا يَلْزَم من ذكره لها في السؤالات بضعفٍ أن يكون الضعف شديداً، فإنه يسكت في سننه على الضعف الذي ليس بشديد، كما ذكره هو.
نعم إن ذكر في السؤالات أحاديث أو رجالاً بضعف شديد وسكت عليها في السنن، فهو وارد عليه، ويحتاج حينئذ إلى جواب. والله أعلم ".
أقول: الظاهر أن الحافظ العراقي لم يفهم كلام ابن كثير عل وجهه الصحيح. فإن ابن الصلاح يحكم بحسن الأحاديث التي سكت عنها أبو داود، ولعله سكت عن أحاديث في السنن وضعفها في شيئ من أقواله الأخرى، كإجابته للآجُري في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل. فلا يصح إذا أن يكون ماسكت عنه في السنن وضعفه في موضع آخر من كلامه -: حسناً، بل يكون عنده ضعيفاً، ومع ذلك فإنه يدخل في عموم كلام ابن الصلاح. واعتراض ابن كثير صحيح واضح
وإنما لجأ ابن الصلاح إلى هذا، اتباعاً لقاعدته التي صار عليها، من أنه لا يجوز للمتأخرين التجاسر على الحكم بصحة حديث لم يوجد في أحد الصحيحين أو لم ينص أحد من أئمة الحديث على صحته. وقد رددنا عليه فيما مضى (في الحاشية رقم 1 ص 40). [شاكر]
[1] في: "التقييد والإيضاح"
[كِتَابُ الْمَصَابِيحٍ لِلْبَغَوِيِّ]
قَالَ (1): "وَمَا يَذْكُرُهُ الْبَغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ "الْمَصَابِيحِ" مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا أَخْرَجَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَأَنَّ الْحَسَنَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَشْبَاهُهُمَا، فَهُوَ اِصْطِلَاحٌ خَاصٌّ، لَا يُعْرَفُ إِلَّا لَهُ.
وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ (2) ذَلِكَ لِمَا فِي بَعْضِهِمَا (3) مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُنْكَرَةِ «1» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] البغوي: هو الحافظ محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود الفرَّاء البغوي، مات سنة 516 عن نحو 80 سنة. وله ترجمة في تذكرة الحفاظ (4: 52 - 53). وكتابه المشار إليه هنا هو (مصابيح السنة). عنى العلماء بشرحه على الرغم مما فيه من الاصطلاح غير الجيد الذي أنكره عليه النووي وغيره. وقال العراقي (ص 41)[1]: " أجاب بعضهم عن هذا الإيراد، بأن البغوي بيَّنَ في كتابه (المصابيح) عند كل حديث كونه صحيحاً أو حسناً أو غريباً. فلا يرد عليه ذلك.
قلت: وما ذكره هذا المجيب عن البغوي، من أنه يذكر عقب كل حديث كونه صحيحاً أو حسناً أو غريباً، ليس كذلك. فإنه لا يبين الصحيح من الحسن فيما أورده من السنن، وإنما يسكت عليها. وإنما يبين الغريب غالباً، وقد يبين الضعيف. وكذلك قال في خطبة كتابه: وما كان فيها من ضعيف غريب أشرت إليه. انتهى.
فالإيراد باق في مزجه صحيح ما في السنن بما فيها من الحسن. وكأنه سكت عن بيان ذلك لاشتراكهما في الاحتجاج به ". [شاكر]
(1) "انظر المقدمة ص 182.
(2)
انظر التقريب مع التدريب 1/ 179.
(3)
في "ب": في بعض السنن.
_________
[1]
في: "التقييد والإيضاح"
[صِحَّةُ الْإِسْنَادِ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا صِحَّةُ الْحَدِيثِ].
قَالَ (1): "وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَوْ (2) الْحُسْنِ عَلَى الْإِسْنَادِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ (3) الْحُكْمُ بِذَلِكَ على الْمَتْنِ (4)، إِذْ قَدْ يَكُونُ شَاذًّا أَوْ مُعَلَّلًا"(5).
[قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ حَسَنٌ صَحِيحٌ](6).
قَالَ (7): "وَأَمَّا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ "هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ" فَمُشْكِلٌ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ كَالْمُتَعَذِّرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ إِسْنَادَيْنِ حَسَنٍ و (8) صَحِيحٍ.
(قُلْتُ): وَهَذَا يَرُدُّهُ أَنَّهُ يَقُولُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ"(9).
(1) انظرالمقدمة ص 184.
(2)
في "ب": و.
(3)
ساقط من "ب".
(4)
في "ب": اليمين!
(5)
قال ابن القيم في الفروسية (186 ط. عالم الفوائد): "صحة الإسناد شرط من شروط صحة الحديث وليست موجبة لصحته فإن الحديث إنما يصح بمجموع أمور منها صحة سنده وانتفاء علته وعدم شذوذه ونكارته وأن لا يكون روايه قد خالف الثقات أو شذ عنهم"
(6)
انظر شرح علل الترمذي (1/ 385 - 394)، وهو من أفضل من شرح كلام الترمذي ونوه على مقاصده.
(7)
انظر المقدمة ص 185.
(8)
في "ط": أو
(9)
انظر "سنن الترمذي" حديث رقم (1957)، (3196)، (3240)، (3578)، (3724).
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ حَسَنٌ بِاعْتِبَارِ الْمَتْنِ، صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الْإِسْنَادِ (وَفِي هَذَا نَظَرٌ أَيْضًا)(1)، فَإِنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ (2) مَرْوِيَّةٍ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ، وَفِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي «1» أَنَّهُ يُشَرِّبُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ عَلَى (الْحَكم)
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] رده العراقي في شرحه (ص 47)[1]، فقال:" والذي ظهر له تحَكُّمٌ لا دليل عليه. وهو بعيد مِنْ فَهم معنى كلام الترمذي، والله أعلم."[2]
وقال الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة: أوقعهم في هذه الحَيْرةِ جَعْلُهُم الحسن قَسِيم الصحيح فورد عليهم وصف الترمذي لحديثٍ واحدٍ بأنه حسن صحيح، فأجاب كلٌ بما ظهر له.
والذي يظهر أن الحسن في نظر الترمذي أعمُّ من الصحيح، فيجامعه وينفرد عنه، وأنه في معنى المقبول المعمول به، الذي يقول مالك في مثله:"وعليه العمل ببلدنا ". وما كان صحيحاً ولم يُعمل به لسبب من الأسباب، يسميه الترمذي " صحيحاً" فقط. وهو مثل ما يرويه مالك في موطئه ويقول عقبه:" وليس عليه العمل [3] ". وكأن غرض الترمذي أن يجمع في كتابه بين الأحاديث وما أيدها من =
(1) ساقط من "ع".
(2)
في "ب" زيادة لا تناسب السياق: في أحاديث تشرب الحكم ....
_________
[1]
في: "التقييد والإيضاح"
[2]
زاد الحلبي هنا: [أقول: لماذا لا يقبل قوله ويستساغ؟ والمسألة في أصلها اجتهادية].ولم يفصلها عن بقية الكلام.
[3]
قال الألباني 1/ 141: هذا منتقض بقول الترمذي (1/ 366 - شاكر) في حديث الترجيع: "حديث صحيح وعليه العمل بمكة وهو قول الشافعي".
وقوله في حديث الركعتين قبل الظهر وبعدها (2/ 431): "حديث صحيح" وقوله (2/ 431) في حديث أنس في صلاته صلى الله عليه وسلم ركعتين بذي الحليفة: "حديث صحيح".
وذكر مثله (2/ 57 - تحفة) في حديث صوم عاشوراء وقال فيه: "والعمل على هذا عند أهل العلم". =
بالحُسن كَمَا يُشَرِّبُ الْحُسْنَ بِالصِّحَّةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا يَقُولُ فِيهِ "حَسَنٌ (صَحِيحٌ) " أَعْلَى رُتْبَةً عِنْدَهُ مِنَ الْحَسَنِ، وَدُونَ الصَّحِيحِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ عَلَى الْحَدِيثِ (بِالصِّحَّةِ)(1) الْمَحْضَةِ أَقْوَى مِنْ حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْحُسْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= عمل القرون الفاضلة من الصحابة ومن بعدهم. فيسمي هذه الأحاديث المؤيدة بالعمل حساناً، سواء صحت أونزلت عن درجة الصحة، وما لم تتأيد بعملٍ لا يصفها بالحُسْنِ وإن صحت.
هذا الذي يظهر قد استفدناه من مذاكرة بعض شيوخنا ومجالستهم. [شاكر]
(1) كل ما بين القوسين مطموس في "ط".
_________
= وفي حديث سعد في التمتع بالعمرة (2/ 82) وقال بعده: " وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق".