المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثاني والعشرون: المقلوب - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ط ابن الجوزي

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الدكتور خالد الحايك

- ‌تقديم تحقيق "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث

- ‌ أهمية الكتاب العلمية:

- ‌نسبة الكتاب لابن كثير:

- ‌ حَوْلَ تَسْمِيَةِ الكِتَابِ:

- ‌ الباعث على تحقيق "الباعث" تحقيقا جديدا:

- ‌ المنهج المتبع في تحقيق الكتاب والتعليق عليه:

- ‌أولا ما يخص العمل في "متن اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير:

- ‌ثانيا ما يخص شرح الشيخ العلامة أحمد شاكر:

- ‌ وصف المخطوطات

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌شكر خاص

- ‌مقدمات الكتاب

- ‌تقديم الكتاببقلم الأستاذ الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة

- ‌نسبه وميلاده وشيوخه ونشأته:

- ‌مؤلفاته من كتب مطولة ورسائل مختصرة

- ‌وفاته

- ‌ذِكْرُ تَعْدَادِ أَنْوَاعِ الحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ: الْمُسْنَدُ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ: الْمُتَّصِلُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ: الْمَرْفُوعُ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ: الْمَوْقُوفُ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ: الْمَقْطُوعُ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ: الْمُرْسَلُ

- ‌النَّوعُ العَاشِرُ: المُنقَطِعُ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ: الْمُعْضَلُ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِيَ عَشَرَ: [الْمُدَلِّسُ]

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: الشَّاذُّ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: الْمُنْكَرُ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَفِي الِاعْتِبَارَاتِ وَالْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ:فِي الْأَفْرَادِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ:الْمُضْطَرِبُ

- ‌النَّوْعُ الْعِشْرُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُدْرَجِ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ:مَعْرِفَةُ الْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقِ الْمَصْنُوعِ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: الْمَقْلُوبُ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَكَيْفِيَّةُ سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَتَحَمُّلِهِ وَضَبْطِهِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَكِتَابَةُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ وَتَقْيِيدُهُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَفي صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَفي آدَابُ طَالِبِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَمَعْرِفَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ

- ‌النَّوْعُ الثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمَشْهُور

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْغَرِيبِ والْعَزِيزِ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ غَرِيبِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمُسَلْسَلِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ نَاسِخِ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخِهِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ ضَبْطِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مَتْنًا وَإِسْنَادًاوَالِاحْتِرَازُ مِنْ التَّصْحِيفِ فِيهَما

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمَزِيدِ فِي الْأَسَانِيدِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْخَفِيِّ مِنَ الْمَرَاسِيلِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي أَرْبَعِينَمَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْمُدَبَّجِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الرُّوَاةِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الْآبَاءِ عَنْ الْأَبْنَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَرِوَايَةُ الْأَبْنَاءِ عَنْ الْآبَاءِ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ رِوَايَةِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ مِنْ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ وَغَيْرِهِمْ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ مَنْ لَهُ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُفْرَدَةِ وَالْكُنَى الَّتِي لَا يَكُونُ مِنْهَا فِي كُلِّ حَرْفٍ سِوَاهُ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي خَمْسِينَ:مَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ مَنْ اُشْتُهِرَ بِالِاسْمِ دُونَ الْكُنْيَةِ

- ‌النَّوعُ الثَّانِي وَالخَمسُونَ:مَعرِفَةُ الأَلقَابِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ في الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ:نَوْعٌ يَتَرَكَّبُ مِنْ النَّوْعَيْنِ قَبْلَهُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ:فِي صِنْفٍ آخَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَمَعْرِفَةُ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمْ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَفِي النِّسَبِ الَّتِي عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَفِي مَعْرِفَةِ الْمُبْهَمَاتِ مِنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي السِّتِّينَمَعْرِفَةُ وَفَيَاتِ الرُّوَاةِ وَمَوَالِيدِهِمْ وَمِقْدَارِ أَعْمَارِهِمْ

- ‌النَّوعُ الحَادِي وَالسِّتُّونَفي مَعرِفَةُ الثِّقَات وَالضُّعَفَاءِ مِن الرُّوَاةِ وَغَيرِهِم

- ‌النَّوعُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَفي مَعرِفَةُ مَن اِختَلَطَ فِي آخِرِ عُمرِهِ

- ‌النَّوعُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَمَعرِفَةُ الطَّبَقَاتِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَفي مَعْرِفَةُ الْمَوَالِي مِنْ الرُّوَاةِ وَالْعُلَمَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ:مَعْرِفَةُ أَوْطَانِ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانِهِمْ

الفصل: ‌النوع الثاني والعشرون: المقلوب

‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: الْمَقْلُوبُ

(1)

وَقَدْ يَكُونُ فِي الْإِسْنَادِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ

فَالْأَوَّلُ كَمَا رَكَّبَ مَهَرَةُ مُحَدِّثِي بَغْدَادَ لِلْبُخَارِيِّ، حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِمْ، إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَتْنٍ حديث آخَرَ، وَرَكَّبُوا مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِسْنَادٍ آخَرَ، وَقَلَبُوا (2) مثاله: مَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ نَافِعٍ، وَمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ سَالِمٍ، وَهُوَ مِنَ الْقَبِيلِ الثَّانِي وَصَنَعُوا ذَلِكَ فِي نَحْوِ مِائَةِ حَدِيثٍ أَوْ أَزْيَدَ، فَلَمَّا قَرَأَهَا رَدَّ كُلَّ حَدِيثٍ إِلَى إِسْنَادِهِ، وَكُلَّ إِسْنَادٍ إِلَى مَتْنِهِ، وَلَمْ يَرُجْ عَلَيْهِ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مِمَّا قَلَبُوهُ وَرَكَّبُوهُ، فَعَظُمَ عِنْدَهُمْ جِدًّا، وَعَرَفُوا مَنْزِلَتَهُ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ، -[فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَأَدْخَلَهُ (3) الْجِنَانَ]«1» -.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] الحديث المقلوب: إما أن يكون القلب فيه في المتن، وإما أن =

(1) انظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 284، و"النكت" للزركشي 2/ 299، و"التقييد والإيضاح" ص 134، و"الشذا الفياح" 1/ 230، و"النكت لابن حجر" 2/ 864، و"فتح المغيث" 2/ 133، و"تدريب الراوي" 1/ 342.

(2)

في الأصل: قبلوا، والصواب ما أثبتناه من باقي المخطوطات.

(3)

في "ب": أسكنه، وما بين المعكوف ساقط من "ط".

ص: 203

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= يكون في الإسناد فمثال المقلوب في المتن: ما رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"[1] من حديث أُنيسة مرفوعاً "إذا أذَّن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا" والمشهور من حديث ابن عمر وعائشة "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"[2].

وما رواه مسلم [3] في السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة .... "ورجل تصدق بصدقة أخفاها، حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" فهذا مما انقلب على أحد الرواة وإنما هو كما في "الصحيحين"[4]"حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"

وما رواه الطبرانيٍ [5] من حديث أبى هريرة مرفوعاً "إذا أمرتكم بشيء فأتوه، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما استطعتم"، فإن المعروف ما في "الصحيحين"[6]"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم"

وأما القلب في الإسناد فقد يكون خطأ من بعض الرواة في اسم راو أو نسبه، كأن يقول "كعب بن مرة" بدل "مرة بن كعب".

وقد ألف الخطيب في هذا الصنف كتابا سماه "رفع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب" وقد يكون الحديث مشهوراً براوٍ من الرواة أو إسناد، فيأتي بعض الضعفاء أو الوضاعين، ويبدل الراوي بغيره، ليُرَغِبْ فيه المحدثون، كأن يكون الحديث معروفاً عن سالم بن عبد الله، فيجعله عن نافع، أو يبدل الإسناد بإسنادٍ آخر كذلك. =

[1] أحمد (27440)، وابن خزيمة (404)، وابن حبان (3474)

[2]

أخرجه البخاري (617)، ومسلم (1092) من حديث ابن عمر، والبخاري (622) من حديث عائشة

[3]

برقم (1031)

[4]

قال الشيخ الألباني [بل البخاري (660) لأن مسلما لم يروه إلا باللفظ المقلوب]

[قلنا]: بل ذكره مسلم أيضا (1031) لكن لم يذكر المتن لكنه من رواية مالك ومالك لم يروِ إلا الوجه الأول كما في الموطأ ت الأعظمي (5/ 1389) رقم 3505/ 761. والله أعلم

[5]

المعجم الأوسط (2715)

[6]

البخاري (7288)، ومسلم (1337)

ص: 204

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= مثل ما روى حماد بن عمرو النَّصيبي-الكذاب -عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً "إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدءوهم بالسلام"[1] الحديث، فإنه مقلوب، قلبه حماد، فجعله عن الأعمش، وإنما هو معروف عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، هكذا أخرجه مسلم [2] من رواية شعبة والثوري وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز الدراوردي، كلهم عن سهيل. وهذا الصنيع يطلق على فاعله أنه يسرق الحديث، إذا قصد إليه وقد يقع هذا غلطا من الراوي الثقة، لاقصداً كما يكون من الوضاعين. مثاله: ما روى إسحاق بن عيسى الطباع قال: حدثنا جرير بن حازم عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني".

قال إسحق بن عيسى: فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث؟ فقال: وهِمَ أبو النضر- يعنى جرير بن حازم- إنما كُنّا جميعا في مجلس ثابت، وحجاج بن أبى عثمان معنا، فحدثنا حجاج الصواف عن يحيي بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس. فقد انقلب الإسناد على جرير، والحديث معروف من رواية يحيى بن أبى كثير [3]، رواه مسلم والنسائي من طريق حجاج بن أبي عثمان الصواف عن يحيي [4].

وقد يقلبُ بعض المحدثين إسناد حديث قصدا لامتحان بعض العلماء لمعرفة درجة حفظهم، كما فعل علماء بغداد حين قدم عليهم الإمام محمد بن إسماعيل

[1] المعجم الأوسط (6358)

[2]

برقم (2167)

[3]

انظر التقييد ص 135، والترمذي (517) وقال: قال محمد (يعني البخاري): ويروى عن حماد بن زيد، قال: كنا عند ثابت البناني، فحدث حجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني» فوهم جرير، فظن أن ثابتا حدثهم، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم

[4]

مسلم (604)، والنسائي (790)

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

البخاري، فيما رواه الخطيب [1] فإنهم اجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد آخر وإسناد هذا لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة. وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الوعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم من البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث؟ فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، .... فما زال يلقى عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فَهِمَ الرجل، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة؟ فقال البخاري: لا أعرفه

فلم يزل يلقي إليه واحد بعد واحد، حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه ثم انتدب إليه الثالث والرابع، إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على: لا أعرفه، فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم، فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا والثالث، والرابع، على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها فأقر له الناس بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل، أ. هـ

وهذا العمل محرم أن يقصده العالم به، إلا إن كان يريد به الاختبار. وشرط الجواز- كما قال الحافظ ابن حجر [2]- أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة.

[1] انظر القصة في "مشايخ البخاري" لابن عدي ص 62 ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد"2/ 340، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 52/ 66، قال ابن حجر "النكت" 2/ 869:" سمعت شيخنا غير مرة يقول: ما العجب من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتساع معرفته، وإنما يتعجب منه في هذا لكونه حفظ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرة واحدة."

[2]

(ص 96 - نزهة)

ص: 206

وَقَدْ نَبَّهَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو (1) هَهُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْحُكْمِ بِضَعْفِ سَنَدِ الْحَدِيثِ الْمُعَيَّنِ الْحُكْمُ بِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ; إِذْ قَدْ يَكُونُ لَهُ إِسْنَادٌ آخَرُ، إِلَّا أَنْ يَنُصَّ إِمَامٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «1» .

(قلت)(2): يكفي في المناظرة تضعيف الطريق التي أبداها المُناظر، وينقطع، إذ الأصل عدم ما سواها، حتى يثبت بطريق أُخرى. والله أعلم.

قال (3): وتجوز رواية ما عدا الموضوع في باب الترغيب والترهيب، والقصص والمواعظ، ونحو ذلك، إلا في صفات الله عز وجل، وفي باب الحلال والحرام. (4)

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر]: من وجد حديثا بإسناد ضعيف فالأحوط أن يقول: "إنه ضعيف بهذا الإسناد" ولا يحكم بضعف المتن- مطلقا من غير تقييد- بمجرد ضعف ذلك الإسناد فقد يكون الحديث واردا بإسناد آخر صحيح إلا أن يجد الحكم بضعف المتن منقولاً عن إمام من الحفاظ المطلعين على الطرق وإن نشط الباحث عن طرق الحديث، وترجح عنده أن هذا المتن لم يرد من طريق أخرى صحيحة وغلب على ظنه ذلك فإني لا أرى بأسا بأن يحكم بضعف الحديث مطلقا.

وإنما ذهب ابن الصلاح إلى المنع تقليدا لهم في منع الاجتهاد كما قلنا نحو هذا الكلام على الصحيح فيما مضى ص (***). [شاكر]

(1) المقدمة ص 286

(2)

وهذا من زيادات ابن كثير على ابن الصلاح

(3)

المقدمة ص 286

(4)

انظر حول العمل بالضعيف في الفضائل " تحرير علوم الحديث" للجديع 2/ 1108 - 1114 و "حكم العمل بالضعيف في الفضائل لأشرف سعيد" و " تدريب الراوي [1/ 350] و" المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية [12/ 659]

ص: 207

قال (1): وممن يرخص في رواية الضعيف - فيما ذكرناه - ابن مهدي، وأحمد بن حنبل، رحمهما الله.

قال (2): وإذا عزوته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير إسناد فلا تقل: " قال صلى الله عليه وسلم كذا وكذا "، وما أشبه ذلك من الألفاظ الجازمة، بل بصيغة التمريض، وكذا فيما يشك في صحته أيضاً «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] من نقل حديثاً صحيحاً بغير إسناده وجب أن يذكره بصيغة الجزم فيقول مثلا. "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" وَيُقبَحُ جداً أن يذكره بصيغة التمريض التي تشعر بضعف الحديث لئلا يقع في نفس القارئ والسامع أنه حديث غير صحيح وأما إذا نقل حديثاً ضعيفاً أو حديثاً لا يعلم حاله أصحيح أم ضعيف؟ فإنه يجب أن يذكره بصيغة التمريض كأن يقول: "روي عنه كذا": أو "بلغنا كذا" وإذا تيقن ضعفه وجب عليه أن يبين أن الحديث ضعيف لئلا يُغتر به القارئ أو السامع ولا يجوز للناقل أن يذكره بصيغة الجزم لأنه يوهِم غيره أن الحديث صحيح خصوصا إذا كان الناقل من علماء الحديث الذين يثق الناس بنقلهم ويظنون أنهم لا يَنْسِبونَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يجزموا بصحة نسبته إليه وقد وقع في هذا الخطأ كثير من المؤلفين رحمهم الله وتجاوز عنهم.

وقد أجاز بعضهم رواية الضعيف من غير بيان ضعفه بشروط.

أولاً: أن يكون الحديث في القصص أو المواعظ أو فضائل الأعمال أو نحو ذلك مما لا يتعلق بصفات الله تعالى وما يجوز له ويستحيل عليه سبحانه ولا بتفسير القرآن ولا بالأحكام كالحلال والحرام وغيرهما.

ثانياً: أن يكون الضعف فيه غير شديد فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب والذين فحش غلطهم في الرواية.

ثالثاً: أن يندرج تحت أصلٍ معمولٌ به.

رابعاً: ألا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط. =

(1) المقدمة ص 286، وانظر الكفاية للخطيب 1/ 134.

(2)

المقدمة ص 287.

ص: 208

النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ (1)

مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ وَبَيَانُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (2)

الْمَقْبُولُ: الثِّقَةُ الضَّابِطُ لِمَا يَرْوِيهِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ (3)،

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= والذي أراه أن بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كل حال لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح خصوصاً إذا كان الناقل له من علماء الحديث الذين يُرجَعُ إلى قولهم في ذلك وأنه لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة بل لا حجه لأحد إلا بما صح عن رسول الله صلى اله عليه وسلم من حديث صحيح أو حسن وأما ما قاله أحمد ابن حنبل وعبد الرحمن ابن مهدي وعبد الله بن المبارك "إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا" فإنما يريدون به - فيما أرجح والله أعلم - أن التساهل إنما هو في الأخذ بالحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة فإن الاصطلاح في التفرقة بين الصحيح والحسن لم يكن في عصرهم مستقراً واضحاً بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو الضعف فقط. [شاكر]

(1) ساقط من "ط"

(2)

انظر: "معرفة علوم الحديث" للحاكم ص 52، و"الكفاية" 1/ 267 - 393، و"مقدمة ابن الصلاح" ص 288، و"شرح علل الترمذي" 2/ 776 وهو مهم، و"النكت" للزركشي 2/ 325، و"التقييد والإيضاح" ص 136، و"الشذا الفياح" 1/ 235، و"فتح المغيث" 2/ 156، و"تدريب الراوي" 1/ 352.

(3)

قال الشيخ الألباني 1/ 280 (في تعليقه على الباعث) (اشتراط البلوغ =

ص: 209

سَالِمًا مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مُتَيَقِّظًا غَيْرَ مُغَفَّلٍ، (حَافِظًا إِنْ حَدَّثَ (مِنْ حِفْظِهِ)«1» ، فَاهِمًا إِنْ حَدَّثَ عَلَى الْمَعْنَى، فَإِنْ اِخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْنَا رُدَّتْ رِوَايَتُهُ. «2»

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] سقطت من الأصل، وزدناها من ابن الصلاح [المقدمه ص 288][شاكر]

«2» [شاكر] أساس قبول خبر الراوي: أن يوثق به في روايته، ذكرا كان أو أنثى، حراً أو عبداً، فيكون موضعا للثقة به في دينه، بأن يكون عدلاً، وفي روايته بأن يكون ضابطًا.

والعدل: هو المسلم البالغ العاقل، الذي سلم من أسباب الفسق وخوارم المروءة. على ما حقق في باب الشهادات من كتب الفقه.

إلا أن الرواية تخالف الشهادة في شرط الحرية والذكورة وتعدد الراوي.

وقد كتب العلامة القرافي في "الفروق" فصلاً بديعا للفروق بين الشهادة والرواية (ج 1 ص 5 - 22 طبعة تونس).

وأما الضبط: فهو إتقان ما يرويه الراوي. بأن يكون متيقظًا لما يروي، غير مغفل، حافظًا لروايته إن روى من حفظه، ضابطًا لكتابه، إن روى من الكتاب، عالماً بمعنى ما يرويه، وبما يحيل المعنى عن المراد، إن روى بالمعنى، حتى يثق المطلع على روايته. المتتبع لأحواله. بأنه أدى الأمانة كما تحملها، لم يغير منها شيئًا. وهذا مناط التفاضل بين الرواة الثقات. فإذا كان الراوي عدلا ضابطًا -بالمعنى =

= [يتنافى] مع احتجاجهم بأحاديث صغار الصحابة، مثل عبد الله ابن عباس -ولد قبل الهجرة بثلاث سنين-وعبد الله بن الزبير أول مولود في الإسلام بالمدينة)

والصواب أن اشتراط الإسلام والبلوغ في حال الأداء وليس التحمل!

قال ابن دقيق العيد [الاقتراح ص 231]: "تحمُّل الحديث لا يُشترط فيه أهليَّة الرواية، فلو سمع في صغره، أو حال كفره، أو فسقه، ثم روى بعد بلوغه أو إسلامه أو عدالته قُبِلَ".

ص: 210

وَتَثْبُتُ عَدَالَةُ الرَّاوِي) (1) بِاشْتِهَارِهِ بِالْخَيْرِ وَالثَّنَاءِ (الْجَمِيلِ)(2) عَلَيْهِ، أَوْ بِتَعْدِيلِ الْأَئِمَّةِ، أَوْ اِثْنَيْنِ مِنْهُمْ لَهُ، أَوْ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ فِي قَوْلٍ «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= الذي شرحنا- سمي "ثقة".

ويعرف ضبطه بموافقة الثقات المتقنين الضابطين، إذا اعتبر حديثه بحديثهم. ولا تضر مخالفته النادرة لهم، فإن كثرت مخالفته لهم وندرت الموافقة، اختل ضبطه، ولم يحتج بحديثه [شاكر][1].

«1» [شاكر] هذا في غير من استفاضت عدالتهم. واشتهروا بالتوثيق والاحتجاج بهم بين أهل العلم وشاع الثناء عليهم، مثل مالك، والشافعي، وشعبة، والثوري، وابن عيينة، وابن المبارك، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وابن المديني، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء، وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره، وقد سئل أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه؟ فقال:"مثل إسحاق يسأل عنه؟ ! ". [2]، وسئل ابن معين عن أبي عُبيد؟ ! فقال:"مثلي يسأل عن أبي عُبيد؟ أبو عبيد يسأل عن الناس"[3]

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني [4]: "الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية =

(1) كل ما بين القوسين مطموس في "ب".

(2)

ساقط من "ب".

_________

[1]

قَالَ ابنُ مُحرز: ((سمعتُ يحيى بنَ معين يقولُ: قالَ لي إسماعيلُ بنُ عُليةَ يوماً: كيفَ حَدِيثي؟ قالَ: قلتُ: أنتَ مُستقيمُ الحَدِيث، قَالَ: فَقَالَ لي: وكيفَ علمتمْ ذاكَ؟ قلتُ لهُ: عارضنا بها أحاديثَ النَّاس، فرأيناها مستقيمة، قَالَ: فَقَالَ: الحمدُ لله، فلم يزلْ يقول: الحمد لله، ويحمد ربَّهُ حتى دَخَلَ دارَ بشر بن معروف، أو قالَ: دَارَ أبي البَخْتَري، وأنا مَعَهُ)). ((معرفة الرجال، رواية ابن مُحرز)) (2/ 39)، وانظر ((تدريب الراوي)) (1/ 357)، و ((فتح المغيث)) (2/ 22)، و ((تحرير علوم الحديث)) (1/ 261)

[2]

"تاريخ بغداد"7/ 368

[3]

"تاريخ بغداد"14/ 405

[4]

القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد المعروف بابن الباقلاني المتكلم على مذهب =

ص: 211

قَالَ اِبْنُ الصَّلَاحِ (1) وَتَوَسَّعَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (2)، فَقَالَ كُلُّ حَامِلِ عِلْمٍ

معروف العناية به، فهو عدل، محمول أمره على العدالة، حتى يتبين جرحه، لقوله عليه الصلاة والسلام:" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ". قال: وفيما قاله اتساع غير مرضي. والله أعلم.

" قلت ": لو صح ما ذكره من الحديث لكان ما ذهب إليه قوياً، ولكن في صحته نظر قوي، والأغلب عدم صحته «1» والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= إذا لم يكونا مشهورين بالعدالة والرضا، وكان أمرهما مشكلا ملتبسا، ومجوزا فيهما العدالة وغيرها". والدليل على ذلك: أن العلم بظهور سرهما واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة" [1][شاكر].

«1» [شاكر] أشهر طرقه: رواية معان بن رفاعة السلامي عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا رواه ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل"، وابن عدي في مقدمة كتابه "الكامل"، والعقيلي في "الضعفاء"[2] في ترجمة معان بن رفاعة [3]، وقال: إنه لا يعرف إلا به. اهـ.

وهذا إما مرسل أو معضل، وإبراهيم الذي أرسله أو أعضله لا يعرف في شيء من العلم غير هذا. قاله أبو الحسن بن القطان في كتابه "بيان الوهم والإيهام" الواقعين في كتاب "الأحكام" لعبد الحق الإشبيلي [4]. =

(1) المقدمة ص 289

(2)

التمهيد (1/ 28)

_________

= الأشعري من أهل البصرة سكن بغداد كان يضرب المثل بفهمه وذكائه، مات 403 هـ (سير أعلام النبلاء 33/ 183)

[1]

انظر "الكفاية" للخطيب 1/ 287

[2]

قال الألباني 1/ 284: وفي مقدمة الضعفاء [1/ 9] أيضا.

[3]

قال الألباني 1/ 284: لين الحديث كثير الإرسال وقال الذهبي: ليس بعمدة

[4]

(3/ 40) ونص كلامه: "إبراهيم بنُ عبد الرحمن العِذري مُرْسِلُ هَذا الحديثِ لا نَعْرِفهُ ألبتَّة في شيءٍ مِن العِلْمِ غيرَ هَذا".

ص: 212

ويُعرفُ ضبط الرَّاوي بموافقةِ الثقاتِ لفظاً أو مَعْنَّى، وعكسُهُ عكسُهُ.

والتعديلُ مقبولٌ، من غير ذكر السبب لأن تعدادَه يَطُول، فَقُبِل إطلاقُه. بخلاف الجَرْح، فإنه لا يقبل إلا مُفَّسَراً، لاختلاف الناس في الأسباب المُفَسِّقَة، فقد يَعْتقدُ الجارِحُ شيئاً مُفَسِّقَاً، فَيُضِّعفُه، ولا يكون كذلك في نَفْسِ الأَمْرِ، أو عند غيره «1» ، فلهذا اشترط بيان السبب في الجرح.

قال الشيخ أبو عمرو (1): وأكثر ما يوجد في كتب الجرح والتعديل: " فلان ضعيف "، أو:" متروك "، ونحو ذلك، فإن لم نكتف به انسد باب كبير في ذلك.

وأجاب: بأنا إذا لم نكتف به توقفنا في أمره، لحصول الريبة عندنا بذلك.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= وقد روي هذا الحديث متصلا من رواية جماعة من الصحابة: علي بن أبي طالب، وابن عمر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وجابر بن سمرة، وأبي أمامة. وكلها ضعيفة. لا يثبت منها شيء، وليس فيها شيء يقوي المرسل المذكور والله أعلم. أفاده العراقي في شرح كتاب ابن الصلاح [ص 193][شاكر].

«1» [شاكر] من ذلك ما نقل عن بعضهم: أنه قيل له: لم تركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون فتركت حديثه. [1]

ومنها: أنه سئل بعضهم عن حديث لصالح المري، فقال: ما يصنع بصالح؟ ذكروه يوما عند حماد بن سلمة، فامتخط حماد! ! [2][شاكر]

(1)"المقدمة" ص 292.

_________

[1]

انظر "الكفاية" 1/ 344

[2]

انظر "الكفاية" 1/ 350

ص: 213

" قلت ": أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يؤخذ مُسَلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم واضطلاعهم (1) في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكاً، أو كذاباً أو نحو ذلك. فالمحدث الماهر لا يتخالجه (2) في مثل هذا وقفة في موافقتهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم.

ولهذا يقول الشافعي، في كثير من كلامه على الأحاديث:"لا يثبته أهل العلم بالحديث "(3)، ويرده، ولا يحتج به، بمجرد ذلك «1» . والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] اختلفوا في الجرح والتعديل: هل يقبلان مبهمين من غير ذكر أسبابهما؟ فشرط بعضهم لقبولهما ذكر السبب في كل منهما، وشرط بعضهم ذكر السبب في التعديل دون الجرح. وقبل بعضهم التعديل من غير ذكر أسبابه. وشرط في الجرح بيان السبب مفصلا وهو الذي اختاره ابن الصلاح [ص 290] والنووي [1/ 359 - التدريب] وغيرهما، وهو المشتهر عند كثير من أهل العلم.

واعتُرِضَ ابن الصلاح [1] على هذا بكتب الجرح والتعديل، فإنها - في الأغلب- لا يُذكر فيها سبب الجرح، والأخذ بهذا الشرط يسد باب الجرح، وأجاب عن ذلك بأن فائدتها التوقف فيمن جرحوه، فإن بحثنا عن حاله وانزاحت عنه الريبة وحصلت الثقة به قبلنا حديثه.

وذهب بعضهم إلى أنه لا يجب ذكر السبب في الجرح أو التعديل، إذا كان

(1) في "ع": اضلاعهم.

(2)

في "ط"، "ع": يتجاحد.

(3)

انظر "الأم" 6/ 442

_________

[1]

" المقدمة" ص 292

ص: 214

أمَّا إذا تعارض جَرْح وتَعْدِيل، فينبغي أن يكون الجَرح حينئذ مفسَّراً. وهل هو المُقَدَّم؟ أو الترجيح بالكثْرةِ أو الأحفَظِ؟ فيه نزاع مشهور في أصول الفقه وفروعه وعلم الحديث «1» . والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= الجارح أو المعدل عالما بأسباب الجرح والتعديل والخلاف في ذلك، بصيرًا مرضيا في اعتقاده وأفعاله. قال السيوطي في التدريب [1] (ص 122): "وهو اختيار القاضي أبي بكر، ونقله عن الجمهور، واختاره إمام الحرمين والغزالي والرازي والخطيب، وصححه الحافظ أبو الفضل العراقي والبلقيني في محاسن الاصطلاح.

واختار شيخ الإسلام - يعني ابن حجر- تفصيلاً حسناً [2]: فإن كان من جرح مجملا قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنا من كان، إلا مفسرا، لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة، فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي، فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون إلا من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه، ونقدوه كما ينبغي، وهم أيقظ الناس، فلا ينقض حكم أحدهم إلا بأمر صريح، وإن خلا عن التعديل قُبل الجرح فيه غير مفسر، إذا صدر من عارف، لأنه إذا لم يعدل فهو في حيز المجهول، وإعمال قول المجرح فيه أولى من إهماله. [3]

وقال الذهبي [الموقظة ص 84]، وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة. اهـ.

ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمعوا على تركه [4].

والتفصيل الذي اختاره ابن حجر هو الذي يطمئن إليه الباحث في التعليل والجرح والتعديل، بعد استقرار علوم الحديث وتدوينها. [شاكر]

«1» [شاكر] إذا اجتمع في الراوي جرح مبين السبب وتعديل، فالجرح =

[1] تدريب (1/ 362)

[2]

"نزهة النظر" ص 139

[3]

انظر "الرفع والتكميل" للكنوي [ص 110] تذنيب مفيد لكل لبيب

[4]

النزهة ص 138

ص: 215

[والصحيح: أن الجرح مقدم مطلقا إذا كان مفسرا. والله أعلم]. (1)

ويكفي قول الواحد في التعديل والتجريح على الصحيح «1» . وأما رواية الثقة عن شيخ: فهل يتضَمَّن تعديله ذلك الشيخ أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال

" ثالثها": إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق، (وإلا فلا. والصحيح أنه لا يكون توثيقاً له، (حتى يسميه بعينه)(2)، ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه. (ولو قال:" حدثني الثقة "«2» ، لا يكون ذلك توثيقاً له على الصحيح) (3)، لأنه قد يكون ثقة عنده، لا عند غيره) (4)، وهذا واضح. ولله الحمد (5).

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= مقدم، وإن كثر عدد المعدلين، لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، ولأنه مصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله، إلا أنه يخبر عن أمر باطن خفي عنه. وقيد الفقهاء ذلك بما إذا لم يقل المعدل: عرفت السبب الذي ذكره الجارح، ولكنه تاب وحسنت حاله، أو إذا ذكر الجارح سبباً معيناً للجرح، فنفاه المعدل بما يدل يقينا على بطلان السبب. قاله السيوطي في التدريب [1]. [شاكر]

«1» [شاكر] وحكى الخطيب في الكفاية [1/ 308]: أن القاضي أبا بكر الباقلاني حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم: أنه لا يقبل في التزكية إلا اثنان، سواء كانت للشهادة أو للرواية. اهـ. عراقي. [شاكر]

«2» [شاكر] يريد بهذا أن الراوي لا بد أن يسمي شيخه ويصفه بأنه ثقة، حتى يكون معينا، أما إذا قال:"حدثني الثقة" فقط، فإنه من باب الراوي المبهم [شاكر].

(1) مثبت من "ط"، "ع"، "ب".

(2)

سقط من "غراس"

(3)

ساقط من "ط".

(4)

مطموس في "ب".

(5)

المقدمة 294

_________

[1]

[1/ 364]

ص: 216

قال (1): وكذلك فُتيا العاِلمِ أو عمَلِهِ على وِفق حديث، لا يستلزم تصحيحه له.

" قلت ": وفي هذا نظر، إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، أو تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه «1» .

قال ابن الحاجب (2): وحكم الحاكم المشتَرِطِ العدالةِ تعديلٌ باتفاق (3).

وأما إعراضُ العالِمِ عن الحديث المعين بعد العِلْمِ به، فليس قادحاً في الحديث باتفاق، لأنه قد يَعْدِلُ عنه لمعارِضٍ أرجح عنده، مع اعتقاد صحته.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] تعقبه العراقي في شرح ابن الصلاح [ص 144] فقال: "لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثمَّ دليل آخر من قياس أو إجماع، ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته. بل ولا بعضَها، ولعل له دليلاً آخر، واستأنس بالحديث الوارد في الباب. وربما كان المفتي أو الحاكم يرى العمل بالضعيف إذا لم يَرِدْ في الباب غيره، وتقديمه على القياس. كما تقدم حكاية ذلك عن أبي داود: أنه كان يرى الحديث الضعيف، إذا لم يرد في الباب غيره، أولى من رأي الرجال .. وكما حُكي عن الإمام أحمد أنه يقدم الحديث الضعيف على القياس. وحمل بعضهم هذا على أنه أريد بالضعيف هنا الحديثُ الحسنُ والله أعلم. [شاكر]

(1) في الأصل "قالوا". المقدمة 295

(2)

مختصر المنتهى 2/ 66، بواسطة تحقيق فتح المغيث 2/ 198

(3)

في "ط"، "ع": بإثبات.

ص: 217

[مَسَائِلُ]

" مسألة ": مجهول العدالة ظاهراً وباطناً لا تقبل روايته عند الجماهير.

ومن جهلت عدالته باطناً، ولكنه عدلٌ في الظاهر، وهو المستور: فقد قال بقبوله بعض الشافعيين، ورجح ذلك سليم بن أيوب الفقيه، ووافقه ابن الصلاح (1). وقد حررت البحث في ذلك في المقدمات. والله أعلم.

فأما المبهم الذي لم يسم، أو من سمي ولا تعرف عينه فهذا ممن لا يقبل روايته أحد علمناه.

ولكنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لهم بالخير، فإنه يستأنس بروايته، ويستضاء بها في مواطن (2). وقد وقع في مسند الإمام أحمد وغيره من هذا القبيل كثير. والله أعلم (3).

(1) المقدمة ص 295

(2)

قال الإمام الذهبي في "ديوان الضعفاء"(ص 478): "وأما المجهولون من الرواة، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم؛ احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ.

وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فُيتَأنى في رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحريه وعدمه وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم، فهو أضعف لخبره سيما إذا انفرد به"

(3)

قال الشريف حاتم العوني في "خلاصة التأصيل" ص 12: " أقسام الرواة من جهة تحقيق العدالة (بقسميها) فيهم:

1 -

من عرفت عدالته الباطنة (والظاهرة باللزوم): وهو العدل. =

ص: 218

قال الخطيب البغدادي (1) وغيره: وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه.

قال الخطيب (2): لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه. أ. هـ

وعلى هذا النمط «1» مشى ابن حبان وغيره: بأن حَكم له بالعدالة بمجرد هذه الحالة، والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] قوله: "وعلى هذا النمط" أي التعديل برواية عدلين عنه. [شاكر]

=

2 -

من عرفت عدالته الظاهرة (دون الباطنة): وهو المستور (باصطلاح المتأخرين)، وحكمه القبول في الرواة الذين تعذرت الخبرة الباطنة بأحوالهم، وخاصة طبقة التابعين، وكبارهم بالأخص، وطبقة المتأخرين من رواة النسخ.

3 -

من جهلت عدالته (الظاهرة والباطنة) لكن عُرفت عينه (في النسب أو الأدب أو الشعر أو أي علم آخر أو في قيادة جيش أو إمارة أو غير ذلك مما يُذكر في التواريخ): فهو مجهول الحال. وحكمه التوقف عن قبول حديثه، ولا يحكم لحديثه بخفّة ضعفٍ بإطلاق، ولكن يُنظر في حديثه (إسناده ومتنه): فإن كان فيه نكارةُ، أو علاماتُ الوضع = حُكم عليه بما يقتضيه ذلك، وإلا فلا يُحكم عليه بشدة الضعف، ويبقى حينها في حيّز الإعتبار.

4 -

من جُهلت عدالته (الظاهرة والباطنة)، وجُهلت عينه أيضا: فهو مجهول العين. وهو كالمبهم (وهو الراوي الذي لم يُسَمَّ). وحكمه حكم سابقه، وقد يكون أبعد عن القبول من سابقه.

5 -

مَنْ عُرف بعدم العدالة: وهو الفاسق، بل والكافر. وهو مردود بالإجماع. وحديث الفاسق غير التأوِّل شديد الضعف لا يُعتبر به، كحديث الكذّاب والمتهم بالكذب."اهـ

(1)

"الكفاية"1/ 289 - 290

(2)

"الكفاية"1/ 290 وما بعدها.

ص: 219

قالوا: فأما من لم يرو عنه سوى واحد، مثل: عمرو ذي مُر «1» وجَبّارُ الطائيُّ «2» ، وسعيد بن ذي حُدّان «3» ، تفرد بالرواية عنهم أبو إسحاق السبيعي.

وجُري (1) بن كليب «4» ، تفرد عنه قتادة.

قال الخطيب (2): والهزهاز ابن ميزن «5» ، تفرد عنه الشعبي

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] هو عمرو [1] ذو مر الهمداني التابعي، روى عن علي بن أبي طالب. وحديثه عنه في مسند أحمد، بتحقيقنا برقم 951 [شاكر].

«2» [شاكر] هو تابعي روى عن ابن عباس. وله ترجمة في التاريخ الكبير للبخاري (ج 1 ق 2، ص 250، ولسان الميزان 2/ 94). [شاكر]

«3» [شاكر] سعيد بن ذي حُدّان، بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين: تابعي ثقة [2]، روى عن سهل بن حنيف، وقيل عن علي أيضًا، ولكن الصحيح أن بينه وبين علي راوياً مبهماً. انظر المسند رقم 696، 697، 1034 [شاكر].

«4» [شاكر] جُريُّ، بضم الجيم. وهو تابعي ثقة [3]. روى عن علي بن أبي طالب، وحديثه في مسند الإمام أحمد برقم 633، 791، 1048. [شاكر]

«5» [شاكر] اختلف في روايته عن علي، وبعضهم يقول: عن رجل عن =

(1) في "ب": ضبطت بفتح الجيم، والصواب ما أثبتناه كما في إكمال ابن ماكولا 2/ 75.

(2)

"الكفاية"1/ 289

_________

[1]

في نسخة الحلبي [(بن) ذي]

[2]

قال الألباني: 1/ 295: هذا وهم من الشارح رحمه الله فإنه نفسه قد قال في المكان المشار إليه من "المسند"(696): إنه غير معروف ونقل عن ابن المديني أنه قال: مجهول.

[3]

قال الألباني 1/ 295: ((في "الجرح" (4/ 2) أنه روى عنه الثوري والجراح بن مليح ولم يذكر فيه شيئا)).

ص: 220

قال ابن الصلاح (1): وروى عنه الثوري.

وقال ابن الصلاح (2): وقد روى البخاري لمرداس الأسلمي (3)، ولم يرو عنه سوى قيس بن أبي حازم، ومسلم لربيعة بن كعب (4)، ولم يرو عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= علي. انظر ترجمته في التاريخ الكبير للبخاري (ج 4 ق 2 ص 250 - 251)، وقد ذكر أنه روى عن الثوري أيضًا [شاكر].

«1» [شاكر][1] تبع المصنف هنا ابن الصلاح، وكذلك تبعه النووي، وابن الصلاح تبع الحاكم، والحاكم تبع مسلماً في كتاب الوحدان.

قال العراقي: وليس ذلك بجيد، فقد روى عن ربيعة أيضًا نُعيم بن عبد الله المجمر، وحنظلة بن علي وأبو عمران الجوني.

قال: وأما مرداس، فقد ذكر الحافظ أبو الحجاج المزي في التهذيب أنه روى عنه أيضًا زياد بن علاقة، وتبعه عليه الذهبي في "مختصره"! وهو وهم منهما، فإن =

(1) المقدمة ص 296

وقال العراقي في "التقييد"(ص: 146): "اعترض على "ابن الصلاح" في قوله إن الثورى روى عنه فإن الثورى لم يرو عن الشعبى نفسه فكيف يروى عن شيوخه وقد يقال لا يلزم من عدم روايته عن الشعبى عدم روايته عن الهزهاز ولعل الهزهاز تأخر بعد الشعبى ويقوي ذلك أن ابن أبى حاتم ذكر في الجرح والتعديل أنه روى عن الهزهاز هذا الجراح بن مليح والجراح أصغر من الثورى وتأخر بعده مدة سنين والله أعلم."

(2)

المقدمة ص 296

(3)

رواه البخاري في كتاب الرقاق باب ذهاب الصالحين مرفوعا برقم (6434).

(4)

رواه مسلم في كتاب الصلاة باب فضل السجود والحث عليه برقم (489)

_________

[1]

زيادة في الحلبي [في علوم الحديث (ص 102)]

ص: 221

قال: وذلك مصير منهما إلى ارتفاع الجهالة برواية واحد. وذلك متجه، كالخلاف في الاكتفاء بواحد في التعديل.

" قلت ": توجيه جيد. لكن البخاري ومسلم إنما اكتفيا في ذلك برواية (الواحد فقط)(1)، لأن هذين صحابيان، وجهالة الصحابي لا تضر، بخلاف غيره (2). والله أعلم.

مسألة (3): المبتدع إن كفر ببدعته، فلا إشكال

في رد روايته. وإذا لم يكفر،

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= الذي روى عنه زياد بن علاقة إنما هو مرداس بن عروة، صحابي آخر، والذي روى عنه قيس: مرداس بن مالك الأسلمي. وهذا ما لا أعلم فيه خلافا .. : قال: وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر من يقف على كلام المزي بذلك لجلالته. والله أعلم. اهـ. كلام العراقي ملخصًا. [شاكر]

(1) مطموس في "ط".

(2)

تدريب الراوي 1/ 372.

(3)

قال الإمام ابن حجر في "مقدمة الفتح"(1/ 385): "وأما البدعة فالموصوف بها إما أن يكون ممن يَكفر بها أو يفسق فالمكفر بها لا بد أن يكون ذلك التكفير متفقا عليه من قواعد جميع الأئمة كما في غلاة الروافض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في عليّ أو غيره أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة أو غير ذلك وليس في الصحيح من حديث هؤلاء شيء البتة، والمفسق بها كبدع الخوارج، والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافا ظاهرا لكنه مستند إلى تأويل ظاهره سائغ فقد اختلف أهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله إذا كان معروفا بالتحرز من الكذب مشهورا بالسلامه من خوارم المروءة موصوفا بالديانة والعبادة فقيل يقبل مطلقا وقيل يرد مطلقا والثالث التفصيل بين أن يكون داعية أو غير داعية فيقبل غير الداعيه ويرد حديث الداعيه وهذا المذهب هو الأعدل وصارت إليه طوائف من الأئمة وادعى بن حبان إجماع أهل =

ص: 222

فإن استحل الكذب رُدت أيضاً، وإن لم يستحل الكذب، فهل يقبل أو لا (1)؟ يُفَرَّق بين كونه داعية أو غير داعية؟ في ذلك نزاع قديم وحديث.

والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره (2).

وقد حكي عن نص الشافعي، وقد حَكَى ابن حبان عليه الاتفاق، فقال (3): لا يجوز الاحتجاج به «1» عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافاً.

قال ابن الصلاح (4): وهذا أعدل الأقوال وأولاها. والقول بالمنع

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] يعني المبتدع الذي يدعو إلى بدعته. [شاكر]

= النقل عليه لكن في دعوى ذلك نظر ثم اختلف القائلين بهذا التفصيل فبعضهم أطلق ذلك وبعضهم زاده تفصيلا فقال ان اشتملت رواية غير الداعيه على ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل وأن لم تشتمل فتقبل وطرد بعضهم هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعيه فقال أن اشتملت روايته على ما يرد بدعته قبل وإلا فلا وعلى هذا إذا اشتملت رواية المبتدع سواء كان داعية أم لم يكن على ما لا تعلق له ببدعته أصلا هل ترد مطلقا أو تقبل مطلقا مال أبو الفتح القشيري إلى تفصيل آخر فيه فقال إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو إخماد لبدعته واطفاء لناره وأن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته والله أعلم

(1)

انظر التنكيل للمعلمي 1/ 42 - 52 فهو مهم ونفيس.

(2)

انظر المجروحين 2/ 375 ترجمة معبد الجهني

(3)

انظر: "المجروحين" 2/ 375 ترجمة معبد الجهني.

(4)

المقدمة ص 299.

ص: 223

مطلقاً بعيد، مباعِد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة عن المبتدعة غير الدعاة، ففي الصحيحين من حديثهم في الشواهد والأصول كثير. والله أعلم.

" قلت ": وقد قال الشافعي (1): أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة، لأنهم يرون «1» الشهادة بالزور لموافقيهم.

فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره، ثم ما الفرق في المعنى بينهما؟ وهذا البخاري قد خرج لعمران بن حطان (2) الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي (3)، وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة «2» ! والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] في الأصل "لا يرون" بالنفي، وهو خطأ، ففي، ابن الصلاح [1] والتدريب [2]:"يرون" بالإثبات، وهو الصحيح، فلذا صححنا ما هنا على الإثبات. [شاكر]

«2» [شاكر] أهل البدع والأهواء، إذا كانت بدعتهم مما يحكم بكفر القائل بها، لا تقبل روايتهم بالاتفاق، فيما حكاه النووي ورد عليه السيوطي في التدريب دعوى الاتفاق ونقل قولا آخر بأنها تقبل روايتهم مطلقا، وقولا آخر بأنها تقبل إن اعتقد حرمة الكذب ثم نقل عن الحافظ ابن حجر [3] أنه قال: "التحقيق أنه =

(1) انظر "الكفاية"1/ 367

(2)

كتاب اللباس باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر مايجوز فيه برقم (5835)

(3)

في "ط"، "ع": علي بن أبي طالب

_________

[1]

(ص 298)

[2]

(1/ 384).

[3]

"النزهة"(103)

ص: 224

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= لا يرد كل مكفر ببدعته، لأن كل طائفة تدعي أن مخالفتها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف.

والمعتمد: أن الذي ترد روايته من أنكر أمرًا متواترا من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة، أو اعتقد عكسه. وأما من لم يكن كذلك وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه، مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله".

وهذا الذي قاله الحافظ هو الحق الجدير بالاعتبار، ويؤيده النظر الصحيح.

وأما من كانت بدعته لا توجب الكفر، فإن بعضهم لم يقبل روايته مطلقا، وهو غلو من غير دليل، وبعضهم قبل روايته إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، وروي هذا القول عن الشافعي، فإنه قال:"أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم". وقال أيضًا "ما رأيت في أهل الأهواء قوما أشهد بالزور من الرافضة". وهذا القيد - أعني عدم استحلال الكذب- لا أرى داعيا له لأنه قيد معروف بالضرورة في كل راو، فإنا لا نقبل رواية الرواي الذي يعرف عنه الكذب مرة واحدة، فأولى أن نرد رواية من يستحل الكذب أو شهادة الزور [1].

وقال بعضهم [2]: تقبل رواية المبتدع إذا لم يكن داعية إلى بدعته، ولا تقبل إن كان داعية، ورجح النووي هذا القول، وقال:"هو الأظهر الأعدل، وقول: الكثير أو الأكثر".

وقيد الحافظ أبو إسحاق الجوزجاني [أحوال الرجال ص 32]- شيخ =

[1] قال الألباني 1/ 302: هذا الرد صحيح لكن لعل القيد المردود لم يكن بهذا اللفظ وإنما بلفظ آخر ليس من السهولة رده فقد قال شيخ الإسلام في المسودة (ص 264) "ذكر القاضي أنه لا تقبل رواية المبتدع الداعي إلى بدعته قال: لأنه إذا دعا لا يؤمن أن يصنع لما يدعو إليه حديثا يوافقه!

قال الشيخ: التعليل بخوف الكذب ضعيف لأن ذلك قد يخاف على الدعاة إلى مسائل الخلاف الفرعية وعلى غير الدعاة وإنما الداعي يستحق الهجران فلا يشيَّخ في العلم .. "

[2]

قال الألباني 1/ 314: وهو إحدى الروايتين عن أحمد وقدمها على الأخرى في المسودة (ص 278) لابن تيمية.

ص: 225

[مَسَائِلُ](1)

"مَسْأَلَةٌ":

التَّائِبُ مِنَ الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ النَّاسِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= أبي داود والنسائي- هذا القول بقبول روايته إذا لم يرو ما يقوي بدعته.

وهذه الأقوال كلها نظرية. والعبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه. والمتتبع لأحوال الرواة يرى كثيرا من أهل البدع موضعا للثقة والاطمئنان، ـ وإن رووا ما يوافق رأيهم ـ، ويرى كثيرا منهم لا يوثق بأي شيء يرويه ولذلك قال الحافظ الذهبي في الميزان (ج 1 ص 4) في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي:"شيعي جلد، لكنه صدوق، فلنا صدقه، وعليه بدعته"، ونقل توثيقه عن أحمد وغيره، ثم قال:"فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحد الثقة العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلا وهو صاحب بدعة؟ وجوابه: أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى، كغلو التشيع، أو التشيع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثر في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة، ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضًا فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله؟ ! حاشا وكلا. فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم: هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنهم، وتعرض لسبهم، والغالي في زماننا وعرفنا: هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضًا، فهذا ضال مفتر".

والذي قاله الذهبي مع ضميمة ما قاله ابن حجر فيما مضى- هو التحقيق، المنطبق على أصول الرواية. والله أعلم [شاكر].

(1) الأولي وضعها قبل المسألة الأولي كما فعلت

ص: 226

الصَّيْرَفِيِّ «1» (1).

فَأَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ كَذَبَ فِي الْحَدِيثِ مُتَعَمِّدًا، فَنَقَلَ اِبْنُ الصَّلَاحِ (2) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَبَدًا.

وَقَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ (3): مَنْ كَذَبَ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ وَجَبَ إِسْقَاطُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهِ «2» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] قال ابن الصلاح في كتاب علوم الحديث [1](ص 128): "وأطلق الإمام أبو بكر الصيرفي الشافعي، فيما وجدت له في شرحه لرسالة الشافعي، فقال: كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه، لم نعد لقبوله بتوبة تظهر. ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك، وذكر أنه مما افترقت فيه الرواية والشهادة".

قال العراقي في شرحه [ص 151]: "والظاهر أن الصيرفي أطلق الكذب، وإنما أراد في الحديث، بدليل قوله: "من أهل النقل"، وقد قيده بالمحدث، فيما رأيته في كتابه المسمى بالدلائل والإعلام، فقال وليس يطعن على المحدث إلا أن يقول: تعمدت الكذب فهو كاذب في الأول، ولا يقبل خبره بعد ذلك ". [شاكر]

«2» [شاكر] الراوي المجروح بالفسق، إذا تاب عن فسقه وعرفت عدالته بعد التوبة، تقبل روايته بعدها، وهذا على إطلاقه في كل المعاصي، ما عدا الكذب في رواية الحديث، فإن أحمد بن حنبل وأبا بكر الحميدي وأبا بكر الصيرفي قالوا: لا تقبل رواية من كذب في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تاب عن الكذب بعد ذلك. =

(1) انظر المقدمة ص 300 - 301

(2)

المقدمة ص 300

(3)

انظر المقدمة ص 301

_________

[1]

علوم الحديث (ص 300)

ص: 227

(قُلْتُ) وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَفَّرَ مُتَعَمِّدَ الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ (1)، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَتِّمُ قَتْلَهُ، وَقَدْ حَرَّرْتُ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= قال الصيرفي: "كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر".

وقال أبو المظفر السمعاني: "من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه".

ورد النووي هذا، فقال في شرح مسلم [1/ 70]:"المختار القطع بصحة توبته وقبول روايته، كشهادته، كالكافر إذا أسلم".

والراجح ما قاله أحمد بن حنبل ومن معه، تغليظاً وزجرًا بليغاً عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعظم مفسدته، فإنه يصير شرعاً مستمرًّا إلى يوم القيامة، بخلاف الكذب على غيره والشهادة، فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة، فلا يقاس الكذب في الرواية على الكذب في الشهادة أو في غيرها ولا على أنواع المعاصي الأخرى.

قال في التدريب [1]: "وقد وجدت في الفقه فرعين يشهدان لما قاله الصيرفي والسمعاني: فذكروا في باب اللعان: أن الزاني إذا تاب وحسنت توبته لا يعود محصنا ولا يحد قاذفه بعد ذلك، لبقاء ثُلمة عرضه. فهذا نظير أن الكاذب لا يقبل خبره أبدًا. وذكروا أنه لو قذف ثم زنى بعد القذف قبل أن يحد القاذف لم يحد، لأن الله تعالى أجرى العادة أنه لا يفضح أحدًا من أول مرة، فالظاهر تقدم زناه قبل ذلك، فلم يحد له القاذف.

وكذلك نقول فيمن تبين كذبه: الظاهر تكرر ذلك منه حتى ظهر لنا، ولم يتعين لنا ذلك فيما روي من حديثه، فوجب إسقاط الكل. وهذا واضح بلا شك، ولم أر أحدًا تنبه لما حررته ولله الحمد". [شاكر]

(1) ولا نعلم أحداً نُقل عنه هذا الكلام غير أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين. [أنظر فتح المغيث 2/ 119، والتدريب 1/ 335]

_________

[1]

(1/ 392)

ص: 228

وَأَمَّا مَنْ غَلِطَ فِي حَدِيثٍ فَبُيِّنَ لَهُ الصَّوَابُ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ فَقَالَ اِبْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيُّ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَيْضًا، وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ «1» ، فَقَالَ إِنْ كَانَ عَدَمُ رُجُوعِهِ إِلَى الصَّوَابِ عِنَادًا، فَهَذَا يَلْتَحِقُ بِمَنْ كَذَبَ عَمْدًا، وَإِلَّا فَلَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ «2» .

وَمِنْ هَاهُنَا يَنْبَغِي التَّحَرُّزُ مِنَ الْكَذِبِ كُلَّمَا أَمْكَنَ، فَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا مِنْ أَصْلٍ مُعْتَمَدٍ، وَيَجْتَنِبُ الشَّوَاذَّ وَالْمُنْكَرَاتِ، فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يوسف (1): من تتبع غرائب الحديث كذب، وفي الأثر (2):" كفا بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع ".

"مسألة":

إذا حدث ثقة عن ثقة بحديث، فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية، فاختار ابن الصلاح (3) أنه لا تقبل روايته عنه، لجزمه بإنكاره، ولا يقدح

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] هو ابن حبان، كما نقله العراقي. وهو اختيار ابن الصلاح [شاكر]

«2» [شاكر] قال العراقي [التقييد ص 157]: "قيد ذلك بعض المتأخرين بأن يكون الذي بين له غلطه عالما عند المبين له. أما إذا لم يكن بهذه المثابة عنده فلا حرج إذن".

وهذا القيد صحيح، لأن الراوي لا يلزم بالرجوع عن روايته إن لم يثق بأن من زعم أنه أخطأ فيها أعرف منه بهذه الرواية التي يخطئه فيها. وهذا واضح. [شاكر]

(1)"الكفاية"1/ 423

(2)

قال الألباني 1/ 310: يعنى مرفوعا. وهو عند مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 8) بإسناد صحيح بلفظ "كذبا" بدل: "إثما". ثم روى نحوه عن عمر موقوفا عليه.

(3)

المقدمة ص 302

ص: 229

ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه، بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي، فإنه تقبل روايته عنه. وأما إذا نسيه، فإن الجمهور يقبلونه، ورده بعض الحنفية.

(كحديث سليمان بن موسى عن الزهري) عن عروة عن عائشة: " أيما امرأة نكحت «1» (بغير إذن وليها فنكاحها باطل) (1) "(2).

قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عنه؟ فلم يعرفه.

وكحديث ربيعة عن «2» سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: " قضى بالشاهد واليمين "(3). ثم نسي سهيل، لآفة حصلت له فكان يقول: حدثني ربيعة عني.

"قلت": هذا أولى بالقبول من الأول. وقد جمع الخطيب البغدادي

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] في الأصل: نكحت نفسها وهو خطأ ومخالف للرواية. [شاكر]

«2» في "ح": بن، [شاكر] كان في الأصل:"ربيعة بن سهيل عن أبي صالح عن أبيه" إلخ.

وهو غلط بَيِّنٌ، كما يعلم من كتب الرجال والحديث، فلذلك صححناه "ربيعة" يعني ابن أبي عبد الرحمن الملقب بالرأي، "عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه". [شاكر]

(1) كل ما بين القوسين: مطموس في "ب".

(2)

مسند أحمد 40/ 243 رقم (24205) وهو عند أبي داود (2083) والترمذي (1102) وابن ماجه (1879) وإسناده صحيح.

(3)

سنن "أبي داود" رقم (3610) وصححه بهذا الإسناد. ورواه مسلم عن عمرو بن دينار عن بن عباس رقم (1712)

ص: 230

كتاباً في "من حدث بحديث ثم نسي"«1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] إذا روى ثقة عن ثقة آخر حديثا، فنفاه المروي عنه، وجزم بأنه لم يحدث بهذا الحديث، بأن قال:"ما رويته"، أو "كذب عليّ"، أو نحو ذلك، وجب رده في الأصح ولكن لا يقدح ذلك في باقي روايات الراوي عنه، ولا يثبت جرحه قال في التدريب [1] (ص 123): لأنه أيضًا مكذب لشيخه في نفيه لذلك، وليس قبول جرح كل منهما أولى من قبول الآخر، فتساقطا، فإن عاد الأصل وحدث به أو حدث به فرع آخر ثقة عنه ولم يكذبه، فهو مقبول. صرح به القاضي أبو بكر والخطيب وغيرهما"

وهذا الذي رجحه لا أراه راجحا، بل الراجح قبول الحديث مطلقًا، إذ إن الراوي عن الشيخ ثقة ضابط لروايته، فهو مثبت، والشيخ وإن كان ثقة إلا أنه ينفي هذه الرواية، والمثبت مقدم على النافي، وكل إنسان عرضة للنسيان والسهو، وقد يثق الإنسان بذاكرته ويطمئن إلى أنه فعل الشيء جازمًا بذلك، أو إلى أنه لم يفعله مؤكدًا لجزمه _: وهو في الحالين ساه ناس.

وإلى هذا القول ذهب كثير من العلماء، واختاره السمعاني، وعزاه الشاشي للشافعي، وحكى الهندي [2] الإجماع عليه. كما نقل ذلك السيوطي في التدريب [3]، ثم قال:"ومن شواهد القبول ما رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس قال: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير. قال عمرو بن دينار ثم ذكرته لأبي معبد بعد، فقال: لم أحدثك، قال عمرو: قد حدثتنيه! قال الشافعي [4]: كأنه نسيه بعد ما حدثه إياه. والحديث أخرجه البخاري (842) من حديث ابن عيينة".

وأما إذا لم ينف الشيخ الحديث الذي حدث عنه الثقة به، بل نسيه فقط، بأن قال:"لا أعرفه" =

[1]" التدريب"(1/ 395)

[2]

هو: محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي، أبو عبد الله، صفي الدين الهندي: فقيه أصولي. 644 - 715 هـ"الدرر الكامنة لابن حجر"

[3]

(1/ 395)، وانظر أيضًا "النكت" للزركشي (3/ 411، 412).

[4]

مسند الشافعي (287 - بترتيب السندي)

ص: 231

"مسألة":

ومن أخذ على التحديث أجرة: هل تقبل روايته أم لا؟ روي عن أحمد، وإسحاق، وأبي حاتم: أنه لا يكتب عنه، لما فيه من خرم المروءة. وترخص فيه أبو نعيم الفضل بن دكين وعلي بن عبد العزيز وآخرون، كما تؤخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقد ثبت في صحيح

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= أو "لا أذكره" أو نحو ذلك: فإنه أولى بالقبول، ولا يرد بذلك، وجاز العمل به على الصحيح، وهو قول الجمهور من أهل الحديث والفقه والكلام، خلافا لبعض الحنفية.

ومثال ذلك ما رواه أبو داود (3611)، والترمذي (1343)، وابن ماجه (2368) من رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد"، زاد أبو داود في رواية: أن عبد العزيز الدراوردي قال: فذكرت ذلك لسهيل، فقال: حدثني ربيعة - وهو عندي ثقة- أني حدثته إياه ولا أحفظه، قال عبد العزيز: وقد كان سهيل أصابته علة أذهبت بعض عقله، ونسي بعض حديثه، فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه،

ورواه أبو داود (3613) أيضًا من رواية سليمان بن بلال عن ربيعة، قال سليمان: فلقيت سهيلا فسألته عن هذا الحديث؟ فقال: ما أعرفه، فقلت له: إن ربيعة أخبرني به عنك، قال: فإن كان ربيعة أخبرك عني فحدث به عن ربيعة عني. نقله في التدريب.

قال ابن الصلاح في علوم الحديث [1](ص 140): "وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعد ما حدّثوا بها عمن سمعها منهم، فكان أحدهم يقول: حدثني فلان عني عن فلان بكذا وكذا. وجمع الحافظ الخطيب ذلك في كتاب: "أخبار من حدث ونسي". [شاكر]

[1] علوم الحديث (ص 303)

ص: 232

البخاري (1): " إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ". وقد أفتى الشيخ أبو إسحاق (الشيرازي)(2) فقيه العراق ببغداد لأبي الحسين بن النقور (3)(بأخذ الأجرة)(4)، لشغل المحدثين له عن التكسب لعياله (5).

" مسألة ":

قال الخطيب البغدادي (6): أعلى العبارات في التعديل والتجريح أن يقال " حجة " أو " ثقة "، وأدناها أن يقال:" كذاب ".

" قلت ": وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ يَعْسُرُ ضَبْطُهَا، وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو (7) عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهَا. «1»

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] ذكر الحافظ في خطبة تقريب التهذيب مراتب الجرح، والتعديل، فجعلها اثنتي عشرة مرتبة:

1 -

الأولي: الصحابة. =

(1) الصحيح (5737)

(2)

الشيخ، الإمام، القدوة، المجتهد، ابراهيم بن علي بن يوسف أبو اسحاق الشيرازي الشافعي توفي: ليلة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع مائة ببغداد [سير أعلام النبلاء (18/ 461)

(3)

الشيخ الجليل، الصدوق، مسند العراق أبو الحسين احمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن النقور حدث عنه الخطيب وقال: كان صدوقا. مَاتَ: فِي سَادس عشرَ رَجَب، سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً. [تاريخ بغداد 6/ 40، سير أعلام النبلاء 18/ 372]

(4)

كل ما بين القوسين ساقط من "ط"

(5)

مقدمة ابن الصلاح ص 305

(6)

"الكفاية"1/ 98

(7)

المقدمة ص 307 - 311

ص: 233

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

=

2 -

من أكد مدحه بأفعل، كأوثق الناس. أو بتكرار الصفة لفظا، كثقة ثقة، أو معنى، كثقة حافظ.

3 -

من أفرد بصفة: كثقة، أو متقن، أو ثبت.

4 -

من قصر عمن قبله قليلا، كصدوق أو لا بأس به، أو ليس به بأس.

5 -

من قصر عن ذلك قليلا، كصدوق سيئ الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأَخَرَةٍ. ويلتحق بذلك من رمي بنوع بدعة، كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم.

6 -

من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، ويشار إليه بمقبول حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.

7 -

من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، ويشار إليه بمستور، أو مجهول الحال.

8 -

من لم يوجد فيه توثيق معتبر، وجاء فيه تضعيف وإن لم يبين، والإشارة إليه: ضعيف.

9 -

من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق، ويقال فيه: مجهول.

10 -

من لم يوثق البتة وضعف مع ذلك بقادح. ويقال فيه: متروك، أو متروك الحديث: أو واهي الحديث، أو ساقط.

11 -

من اتهم بالكذب ويقال فيه: متهم، ومتهم بالكذب.

12 -

من أطلق عليه اسم الكذب والوضع، ككذاب، أو وضاع، أو يضع، أو ما أكذبه. ونحوها اهـ. ملخصًا مع تحوير قليل.

والدرجات من بعد الصحابة: فما كان من الثانية والثالثة، فحديثه صحيح من الدرجات الأولى، وغالبه في الصحيحين. وما كان من الدرجة الرابعة فحديثه صحيح من الدرجة الثانية، وهو الذي يحسنه الترمذي، ويسكت عليه أبو داود. وما بعدها فمن المردود، إلا إذا تعددت طرقه مما كان من الدرجة الخامسة والسادسة، فيتقوى ذلك ويصير حسنا لغيره. وما كان من السابعة إلى آخرها فضعيف على =

ص: 234

وَثَمَّ اِصْطِلَاحَاتٌ لِأَشْخَاصٍ، يَنْبَغِي التَّوْقِيفُ عَلَيْهَا.

مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ إِذَا قَالَ، فِي الرَّجُلِ "سَكَتُوا عَنْهُ" أَوْ "فِيهِ نَظَرٌ" فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي أَدْنَى الْمَنَازِلِ وَأَرْدَئِهَا عِنْدَهُ، وَلَكِنَّهُ لَطِيفُ الْعِبَارَةِ فِي التَّجْرِيحِ، فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ «1» (1).

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= اختلاف درجات الضعف. من المنكر إلى الموضوع [1]. [شاكر]

«1» [شاكر] وكذلك قوله: "منكر الحديث". فإنه يريد به الكذابين. ففي الميزان للذهبي (ج 1 ص 5": (نقل ابن القطان: أن البخاري قال: كل من قلت فيه. منكر الحديث: فلا تحل الرواية عنه". [شاكر]

(1) انظر "الرفع والتكميل" ص 388، "شفاء العليل ص 311، 312، =

_________

[1]

[قلنا]: قال الحافظ ابن حجر: "مرَاتِبُ التَّعْدِيلِ: وَأَرْفَعُهَا الْوَصْفُ بَأَفْعَلَ: كأوْثَقِ النَّاسِ، ثُمَّ مَا تَأكّدَ بِصِفَةٍ أَوْ صِفَتَيْنِ كَثِقَةٍ ثِقَةٍ، أَوْ ثِقَةٍ حَافِظٍ وَأَدْنَاهَا مَا أَشْعَرَ بِالْقُرْبِ مِنْ أَسْهَلِ التَّجْرِيحِ: كَشَيْخِ".

"وَمرَاتِبُ الْجَرْحِ: وَأَسْوَؤُهَا الْوَصْفُ بِأَفْعَلَ، كَأكْذَبِ النَّاسِ، ثُمَّ دَجَّالٍ، أَوْ وَضَّاعٍ، أوْ كَذَّابٍ. وَأَسْهَلُهَا: لَيْنٌ، أَوْ سَيِّئُ الْحِفْظِ، أَوْ فِيهِ مَقَالٌ".

وقال أيضًا ثُمَّ الطَّعْنُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِكَذِبِ الرَّاوِي، أَوْ تُهْمَتِهِ بِذَلِكَ، أَوْ فُحْشِ غَلَطِهِ [والمُراد بفُحْش الغَلَط: أن يَزِيد خَطَأ الرَّاوِي عَلَى صَوَابِه زِيَادة فَاحِشة يخرج بِهَا عَن الاعْتِبَار فِي المُتَابعة، فَلا يُقَوّي غَيره ولا يَتَقَوّى بغيره، ويُعَدُّ ما تفرّد به مَنكرًا كَما هو الحَال في رِواية ظَاهِرِ الفِسقِ وشَدِيدِ الغَفْلَةِ]، أَو غَفْلَتِهِ [وهي: عَدَم الفِطنة بِأنْ لا يكون لَدى الرَّاوي مِن اليَقظة والإتقان مَا يُميّز بِه الصَّواب مِن الخطأ فِي مَروِياتِه. وَقَد تَكون غَفلَةُ الرَّاوِي شَدِيدة بِحَيثُ تُوضَع لَهُ أَحَادِيثُ فَيُحَدِّث بِهَا عَلى أنّه مِن مَسمُوعَاتِهِ، وُيعرَف ذلك بـ (التلقين) مَتى كَان الرَّاوِي يَتَلَقّنُ ما لُقّن سواء كان مِن حَديثه أو لم يكن]، أوْ فِسْقِهِ، أَوْ وَهْمِهِ [والمراد بالوهم: أن يروي الراوي على سَبيل الخَطَأِ وَالتَّوَهُّمِ فَيَصِلُ الإِسنَادَ المُرسَل وَيرفع الأثر المَوقُوف ونحو ذلك]، [والفرق بين الوَهم والغَفلة: الوَهم نَوعٌ مِن الخَطأ قَلَّ أَنْ يَسْلَم مِنه أَحَد مِن الحُفّاظ المُتقنين، فَضلًا عمن دونهم. وإنما يُؤثر في ضَبط الراوي إذا كَثر مِنه ذلك، حَيث لا تُقبل روايته عِندئذٍ إذا لم يُحدث مِن أصل صَحيح بِخِلاف الوَهم اليَسير فإِن أثره يَقتَصِر عَلى ذَلك الحَدِيث الذي حَصَل فيه. وأما الغَفلةُ فهي صِفة ملازِمة لصَاحِبها، فَمن اشتدت غَفلَته سُمِّي حَديثُه مُنكرًا]، أَوْ مُخَالَفَتِهِ [المراد بالمخالفة: أن يخالف الرَّاوِي مَن هُو أَوْثَق مِنه أو جَمعًا مِن الثقاتِ]، أَوْ جَهَالَتِهِ، أَوْ بِدْعَتِهِ، أَوْ سُوءِ حِفْظِهِ". [نخبة الفكر وتضمين الشرح من ضوابط الجرح والتعديل لعبد العزيز عبد اللطيف].

ص: 235

وَقَالَ اِبْنُ مَعِينٍ: إِذَا قُلْتُ "لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ" فَهُوَ ثِقَةٌ (1).

قَالَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ (2): إِذَا قِيلَ "صَدُوقٌ" أَوْ "مَحَلُّهُ الصِّدْقُ" أَوْ "لَا بَأْسَ بِهِ" فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتُبُ حَدِيثَهُ وَيُنْظُرُ فِيهِ.

وَرَوَى اِبْنُ الصَّلَاحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُتْرَكُ الرَّجُلُ حَتَّى يَجْتَمِعَ (الْجَمِيعُ)(3) عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ (4)(5).

وَقَدْ بَسَطَ اِبْنُ الصَّلَاحِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ (6).

وَالْوَاقِفُ عَلَى عِبَارَاتِ الْقَوْمِ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُمْ بِمَا عَرَفَ مِنْ عِبَارَتِهِمْ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، وَبِقَرَائِنِ تُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ (7).

= وللشريف حاتم بحث في مراد البخاري "فيه نظر"ضمنه كتابه "شرح الموقظة" ص 331 فإنه مهم.

(1)

"الكفاية" 1/ 99

(2)

مقدمة "الجرح والتعديل" 2/ 37.

(3)

ساقط من "ط".

(4)

انظر "الكفاية"1/ 341

(5)

قال الألباني 1/ 320: وفي" مسائل المروزي"(ص 217): " قلت: متى يترك حديث الرجل؟ ! قال: إذا كان الغالب عليه الخطأ قلت: الكذب من قليل أو كثير! ؟ قال: نعم".

(6)

المقدمة 307 - 311

(7)

قال المعلمي مقدمة الفوائد المجموعة ص 9: "صيغ الجرح والتعديل كثيراً ما تطلق على معان مغايرة لمعانيها المقررة في كتب المصطلح، ومعرفة ذلك تتوقف على طول الممارسة واستقصاء النظر."

وانظر لشرح عبارات التعديل والتجريح كتاب، "شفاء العليل"لأبي الحسن المأربي، "الرفع والتكميل"لعبد الحي اللكنوي، وفَصل تفسير عبارات الجرح والتعديل من "تحرير علوم الحديث" لعبد الله الجديع

ص: 236

قَالَ اِبْنُ الصَّلَاحِ (1): وَقَدْ فُقِدَتْ شُرُوطُ الْأَهْلِيَّةِ فِي غَالِبِ أَهْلِ زَمَانِنَا، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُرَاعَاةُ اِتِّصَالِ السِّلْسِلَةِ فِي الْإِسْنَادِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ [الشيخ](2) مَشْهُورًا بِفِسْقٍ وَنَحْوِهِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا عَنْ ضَبْطِ سَمَاعِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ «1»

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] الشروط السابقة في عدالة الراوي إنما تراعى بالدقة في المتقدمين. وأما المتأخرون - بعد سنة ثلاثمائة تقريبا- فيكفي أن يكون الراوي مسلما بالغا عاقلاً، غير متظاهر بفسق أو بما يخل بمروءته، وأن يكون سماعه ثابتا بخط ثقة غير متهم، وبرواية من أصل صحيح موافق شيخه؛ لأن المقصود بقاء سلسلة الإسناد. وإلا فإن الروايات استقرت في الكتب المعروفة، وصارت الرواية في الحقيقة رواية للكتب فقط.

قال الحافظ البيهقي: "توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زماننا، الذين لا يحفظون حديثهم، ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون ما يُقرأ عليهم، بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم، وذلك لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث. فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لا يقبل منه. ومن جاء بحديث معروف عندهم، فالذي يرويه لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا، وتبقى هذه الكرامة التي خُصت بها هذه الأمة، شرفا لنبينا صلى الله عليه وسلم".

وقال الذهبي في الميزان [1/ 4]: ليس العمدة في زماننا على الرواة، بل على المحدثين والمفيدين الذين عُرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين. ثم مِن المعلوم أنه لا بد من صون الراوي وستره، فالعبرة في رواية المتأخرين على الكتب والأصول الصحيحة التي اشتهرت بنسبتها إلى مؤلفيها، بل تواتر بعضها إليهم. وهذا شيء واضح لا يحتاج إلى بيان. [شاكر]

(1) المقدمة ص 307

(2)

زيادة من غراس

ص: 237