المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع السادس والعشرونفي صفة رواية الحديث - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ط ابن الجوزي

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الدكتور خالد الحايك

- ‌تقديم تحقيق "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث

- ‌ أهمية الكتاب العلمية:

- ‌نسبة الكتاب لابن كثير:

- ‌ حَوْلَ تَسْمِيَةِ الكِتَابِ:

- ‌ الباعث على تحقيق "الباعث" تحقيقا جديدا:

- ‌ المنهج المتبع في تحقيق الكتاب والتعليق عليه:

- ‌أولا ما يخص العمل في "متن اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير:

- ‌ثانيا ما يخص شرح الشيخ العلامة أحمد شاكر:

- ‌ وصف المخطوطات

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌شكر خاص

- ‌مقدمات الكتاب

- ‌تقديم الكتاببقلم الأستاذ الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة

- ‌نسبه وميلاده وشيوخه ونشأته:

- ‌مؤلفاته من كتب مطولة ورسائل مختصرة

- ‌وفاته

- ‌ذِكْرُ تَعْدَادِ أَنْوَاعِ الحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ: الْمُسْنَدُ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ: الْمُتَّصِلُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ: الْمَرْفُوعُ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ: الْمَوْقُوفُ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ: الْمَقْطُوعُ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ: الْمُرْسَلُ

- ‌النَّوعُ العَاشِرُ: المُنقَطِعُ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ: الْمُعْضَلُ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِيَ عَشَرَ: [الْمُدَلِّسُ]

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: الشَّاذُّ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: الْمُنْكَرُ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَفِي الِاعْتِبَارَاتِ وَالْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ:فِي الْأَفْرَادِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ:الْمُضْطَرِبُ

- ‌النَّوْعُ الْعِشْرُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُدْرَجِ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ:مَعْرِفَةُ الْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقِ الْمَصْنُوعِ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: الْمَقْلُوبُ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَكَيْفِيَّةُ سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَتَحَمُّلِهِ وَضَبْطِهِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَكِتَابَةُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ وَتَقْيِيدُهُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَفي صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَفي آدَابُ طَالِبِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَمَعْرِفَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ

- ‌النَّوْعُ الثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمَشْهُور

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْغَرِيبِ والْعَزِيزِ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ غَرِيبِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمُسَلْسَلِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ نَاسِخِ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخِهِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ ضَبْطِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مَتْنًا وَإِسْنَادًاوَالِاحْتِرَازُ مِنْ التَّصْحِيفِ فِيهَما

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْمَزِيدِ فِي الْأَسَانِيدِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الْخَفِيِّ مِنَ الْمَرَاسِيلِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَمَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي أَرْبَعِينَمَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْمُدَبَّجِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الرُّوَاةِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الْآبَاءِ عَنْ الْأَبْنَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَرِوَايَةُ الْأَبْنَاءِ عَنْ الْآبَاءِ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ رِوَايَةِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ مِنْ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ وَغَيْرِهِمْ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ مَنْ لَهُ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَمَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُفْرَدَةِ وَالْكُنَى الَّتِي لَا يَكُونُ مِنْهَا فِي كُلِّ حَرْفٍ سِوَاهُ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي خَمْسِينَ:مَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ مَنْ اُشْتُهِرَ بِالِاسْمِ دُونَ الْكُنْيَةِ

- ‌النَّوعُ الثَّانِي وَالخَمسُونَ:مَعرِفَةُ الأَلقَابِ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ في الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ:مَعْرِفَةُ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ:نَوْعٌ يَتَرَكَّبُ مِنْ النَّوْعَيْنِ قَبْلَهُ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ:فِي صِنْفٍ آخَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَمَعْرِفَةُ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمْ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَفِي النِّسَبِ الَّتِي عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَفِي مَعْرِفَةِ الْمُبْهَمَاتِ مِنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْمُوفِي السِّتِّينَمَعْرِفَةُ وَفَيَاتِ الرُّوَاةِ وَمَوَالِيدِهِمْ وَمِقْدَارِ أَعْمَارِهِمْ

- ‌النَّوعُ الحَادِي وَالسِّتُّونَفي مَعرِفَةُ الثِّقَات وَالضُّعَفَاءِ مِن الرُّوَاةِ وَغَيرِهِم

- ‌النَّوعُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَفي مَعرِفَةُ مَن اِختَلَطَ فِي آخِرِ عُمرِهِ

- ‌النَّوعُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَمَعرِفَةُ الطَّبَقَاتِ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَفي مَعْرِفَةُ الْمَوَالِي مِنْ الرُّوَاةِ وَالْعُلَمَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ:مَعْرِفَةُ أَوْطَانِ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانِهِمْ

الفصل: ‌النوع السادس والعشرونفي صفة رواية الحديث

‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ

في صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ

(1)

قَالَ اِبْنُ الصَّلَاحِ (2): شَدَّدَ قَوْمٌ فِي الرِّوَايَةِ، فَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ مِنْ حِفْظِ الرَّاوِي أَوْ تَذَكُّرِهِ، وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ (3)، وَأَبِي حَنِيفَةَ (4)، وَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيِّ المَرْوَزِيِّ (5).

وَاكْتَفَى آخَرُونَ، وَهُمْ الْجُمْهُورُ، بِثُبُوتِ سَمَاعِ الرَّاوِي لِذَلِكَ الَّذِي يَسْمَعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِخَطِّ غَيْرِهِ، وَإِنْ غَابَتْ عَنْهُ النُّسْخَةُ، إِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتَهَا مِنْ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ (6).

وَتَسَاهَلَ آخَرُونَ (7) فِي الرِّوَايَةِ مِنْ نُسَخٍ لَمْ تُقَابَلْ، وبِمُجَرَّدِ قَوْلِ

(1) انظر المقدمة ص 390، والشذا الفياح 1/ 356، والتقييد والإيضاح ص 222، وفتح المغيث 3/ 103، والتدريب 1/ 525

(2)

انظر المقدمة ص 390

(3)

رواه الخطيب في الكفاية 2/ 83 بسنده إلى مالك بن أنس

(4)

رواه الخطيب بسنده إليه في الكفاية 2/ 91

(5)

قال السخاوي في فتح المغيث 3/ 105: "ونُسب - يعني رأي أبي بكر الصيدلاني- للزين الكتناني من المتأخرين، حتى كان يقول: لا يحل لي أن أروي إلا قوله صلى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب فإني حفظته من حين سمعته إلى الآن" وانظر "الجواهر المضية في طبقات الحنفية" 1/ 31

(6)

انظر المقدمة ص 391

(7)

قال ابن الصلاح في مقدمته ص 390: " ومن المتساهلين "عبد الله بن =

ص: 294

الطَّالِبِ "هَذَا مِنْ رِوَايَتِكَ" مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ، وَلَا نَظَرٍ (1) فِي النُّسْخَةِ، وَلَا تَفَقُّدِ طَبَقَةِ سَمَاعِهِ.

قَالَ (2): وَقَدْ عَدَّهُمْ الْحَاكِمُ فِي طَبَقَاتِ الْمَجْرُوحِينَ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ (3): وَالسَّمَاعُ عَلَى الضَّرِيرِ أَوْ (4) الْبَصِيرِ الْأُمِّيِّ، إِذَا كَانَ مُثْبَتًا بِخَطِّ غَيْرِهِ أَوْ قَوْلِهِ؛ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ فمن العلماء من منع الرواية عنهم، ومنهم من أجازها (5).

" فرع آخر ": إذا روى كتاباً، كالبخاري مثلاً، عن شيخ، ثم وجد نسخة به ليست مقابلة على أصل شيخه، أو لم يجد أصل (سماعه)(6) فيها عليه، لكنه تسكن نفسه إلى صحتها - فحكى الخطيب (7) عن عامة أهل الحديث أنهم منعوا من الرواية بذلك، ومنهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ الفقيه، و (حكى)(8)(عن أيوب ومحمد بن بكر البرساني أنهما رخصا في ذلك (9).

" قلت ": وإلى هذا أجنح «1» .. والله أعلم.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] وهو الصواب، لأن العبرة في الرواية بالثقة واطمئنان النفس إلى صحة ما يروى [شاكر].

= لهيعة المصري" تُرك الاحتجاج بروايته مع جلالته لتساهله ".

(1)

في "ط"، "ع": ينظر.

(2)

يعني ابن الصلاح في المقدمة ص 390

(3)

الكفاية 2/ 84

(4)

في"ب": و.

(5)

في"ب": ومنهم من إجازة غيره.

(6)

في "ط": شيخه.

(7)

انظر الكفاية 2/ 159

(8)

ساقط من "ط".

(9)

انظر الموضع السابق.

ص: 295

وقد توسط الشيخ تقي الدين بن الصلاح فقال (1): إن كانت له من شيخه إجازة جازت) (2) روايته والحالة هذه «1» .

" فرع آخر ": إذا اختلف حفظ الحافظ وكتابه: فإن كان اعتماده في حفظه على كتابه فليرجع إليه، وإن كان من غيره فليرجع إلى حفظه (3).

وحَسُنَ أن ينبه على ما في الكتاب مع ذلك، كما روي عن شعبة (4). وكذلك إذا خالفه غيره من الحفاظ، فلينبه على ذلك عند روايته كما فعل سفيان الثوري (5). والله أعلم.

" فرع آخر ": لو وجد طبقة سماعه في كتاب، إما بخطه أو خط من يثق به، ولم يتذكر سماعه لذلك -: فقد حُكي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية: أنه لا يجوز له الإقدام على الرواية (6)، والجادة من مذهب الشافعي - وبه يقول محمد بن الحسن وأبو يوسف - الجواز، اعتماداً على ما غلب على ظنه، وكما أنه لا يشترط أن يتذكر سماعه لكل حديث حديث أو ضبطه، كذلك لا يشترط تذكره لأصل سماعه (7).

(قلت): هذا يشبه ما إذا نسي الراوي سماعه فإنه يجوز روايته عنه

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] لأنه إذا كانت في النسخة الأخرى زيادات فقد رواها عن شيخه بالإجازة [شاكر].

(1) انظر المقدمة ص 393

(2)

مطموس في "ب".

(3)

انظر المقدمة ص 393

(4)

انظر الكفاية 2/ 49 وما بعدها

(5)

انظر الكفاية 2/ 75

(6)

المقدمة ص 393

(7)

انظر الموضع السابق

ص: 296

لمن سمعه ولا يضر نسيانه، والله أعلم) (1).

" فرع آخر": وأما روايته الحديث بالمعنى: فإن كان الراوي غير عالم ولا عارف بما يحيل المعنى: فلا خلاف أنه لا تجوز له روايته الحديث بهذه الصفة.

وأما إذا كان عالماً بذلك، بصيراً بالألفاظ ومدلولاتها، وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك -: فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً وعليه العمل، كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدة، وتجيء بألفاظ متعددة، من وجوه مختلفة متباينة. (2)

ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث (3)، منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء والأصوليين، وشددوا في ذلك آكد (4) التشديد. وكان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع، ولكن لم يتفق ذلك. والله أعلم.

وقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس (5) رضي الله عنهم يقولون - إذا رووا الحديث -: " أو نحو هذا "، أو "شبهه"، أو قريباً منه " «1»

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] اتفق العلماء على أن الراوي إذا لم يكن عالما بالألفاظ =

(1) ما بين القوسين ساقط من: "ح"، "ط"، "ع"

(2)

انظر المسألة في "المحدث الفاصل" ص 530، والكفاية 1/ 502، والإلماع ص 174، والمقدمة ص 394، وفتح المغيث 3/ 120

(3)

في "ط": الألفاظ، وهي الأنسب لسياق الكلام.

(4)

في "ب": أكثر

(5)

أخرجه الدارمي في سننه رقم (276 - 279)، والخطيب في الكفاية 2/ 7، وانظر الإلماع ص 177 وما بعدها

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= ومدلولاتها ومقاصدها، ولا خبيرا بما يحيل معانيها، ولا بصيرا بمقادير التفاوت بينها- لم تجز له رواية ما سمعه بالمعنى، بل يجب أن يحكي اللفظ الذي سمعه من غير تصرف فيه.

هكذا نقل ابن الصلاح [1] والنووي وغيرهما الاتفاق عليه.

ثم اختلفوا في جواز الرواية بالمعنى للعارف العالم:

فمنعها أيضًا كثير من العلماء بالحديث والفقه والأصول. وبعضهم قيد المنع بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المرفوعة، وأجازها فيما سواه. وهو قول مالك، رواه عنه البيهقي في المدخل، وروي عنه أيضًا أنه كان يتحفظ من الباء والياء والتاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم [2].

وبه قال الخليل بن أحمد. واستدل له بحديث: "رب مبلغ أوعى من سامع". [3]

فإذا رواه بالمعنى فقد أزاله عن موضعه ومعرفة ما فيه. وذهب بعضهم إلى جواز تغيير كلمة بمرادفها فقط. وذهب آخرون إلى جوازها إن أوجب الخبر اعتقادًا وإلى منعها إن أوجب عملا.

وقال بعضهم بجوازها إذا نسي اللفظ وتذكر المعنى، لأنه وجب عليه التبليغ، وتحمل اللفظ والمعنى، وعجز عن أداء أحدهما، فيلزمه أداء الآخر.

وعكس بعضهم: فأجازها لمن حفظ اللفظ، ليتمكن من التصرف فيه، دون من نسيه،

والأقوال الثلاثة الأخيرة خيالية في نظري.

وجزم القاضي أبو بكر بن العربي بأنه إنما يجوز ذلك للصحابة دون غيرهم. قال في أحكام القرآن (ج 1 ص 10): (إن هذا الخلاف إنما يكون في عصر الصحابة ومنهم. وأما من سواهم فلا يجوز لهم تبديل اللفظ بالمعنى، وإن استوفى ذلك المعنى فإنا لو جوزناه لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث، إذ كل أحد إلى زماننا هذا قد بدل ما نقل، وجعل الحرف بدل الحرف فيما رآه، فيكون خروجا =

[1] المقدمة ص 394

[2]

انظر الكفاية للخطيب 1/ 523

[3]

حديث متواتر أخرجه البخاري (1741)، (7078) وغيره كثير

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= من الأخبار بالجملة. والصحابة بخلاف ذلك، فإنهم اجتمع فيهم أمران عظيمان: أحدهما الفصاحة والبلاغة، إذ جبلتهم عربية، ولغتهم سليقة. الثاني: أنهم شاهدوا قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة، واستيفاء المقصد كله. وليس من أُخْبِرَ كمن عاينَ. ألا تراهم يقولون في كل حديث:(أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) و (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا)، ولا يذكرون لفظه؟ وكان ذلك خبرًا صحيحًا، ونقلا لازماً. وهذا لا ينبغي أن يستريب فيه منصف لبيانه).

وقال ابن الصلاح [1](ص 189): (ومنعه بعضهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره. والأصح جواز ذلك في الجميع، إذا كان عالما بما وصفناه قاطعًا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه؛ لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين. وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة. وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ. ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس - فيما نعلم- فيما تضمنته بطون الكتب. فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظًا آخر بمعناه فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص، لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحَرجِ والنَّصَبِ، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب؛ ولأنه إن ملك تغيير اللفظ، فليس يملك تغيير تصنيف غيره).

واقرأ في هذا الموضوع بحثاً نفيسًا للإمام الحافظ ابن حزم، في كتابه:(الإحكام في أصول الأحكام). (ج 2 ص 86 - 90).

وقد استوفى الأقوال وأدلتها شيخنا العلامة الشيخ طاهر الجزائري، رحمه الله في كتابه (توجيه النظر). (ص 298 ص 314)

وبعد: فإن هذا الخلاف لا طائل تحته الآن، فقد استقر القول في العصور الأخيرة على منع الرواية بالمعنى عملا، وإن أخذ بعض العلماء بالجواز نظرا. =

[1] مقدمة (ص 394 - 396)

ص: 299

"فرع آخر": وهل يجوز اختصار الحديث، فيحذف بعضه، إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمذكور؟ على قولين: فالذي عليه صنيع (أبي عبد الله)(1) البخاري: اختصار الأحاديث في كثير من الأماكن (2).

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= قال القاضي عياض: (ينبغي سد باب الرواية بالمعنى، لئلا يتسلط من لا يحسن، ممن يَظُن أنه يحسن، كما وقع للرواة قديماً وحديثاً).

والمتتبع للأحاديث يجد أن الصحابة - أو أكثرهم- كانوا يروون بالمعنى، ويعبرون عنه في كثير من الأحاديث بعباراتهم، وأن كثيرا منهم حرص على اللفظ النبوي، خصوصا فيما يتعبد بلفظه، كالتشهد، والصلاة، وجوامع الكلم الرائعة، وتصرفوا في وصف الأفعال والأحوال وما إلى ذلك.

وكذلك نجد التابعين حرصوا على اللفظ، وإن اختلفت ألفاظهم، فإنما مرجع ذلك إلى قوة الحفظ وضعفه. ولكنهم أهل فصاحة وبلاغة، وقد سمعوا ممن شهد أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وسمع ألفاظه

وأما من بعدهم، فإن التساهل عندهم في الحرص على الألفاظ قليل، بل أكثرهم يحدث بمثل ما سمع، ولذلك ذهب بن مالك -النحوي الكبير- إلى الاحتجاج بما ورد في الأحاديث على قواعد النحو واتخذها شواهد كشواهد الشعر، وإن أبى ذلك أبو حيان رحمه الله. والحق ما اختاره ابن مالك.

وأما الآن، فلن ترى عالما يجيز لأحد أن يروي الحديث بالمعنى. إلا على وجه التحدث في المجالس. وأما الاحتجاج وإيراد الأحاديث رواية فلا.

ثم إن الراوي ينبغي له أن يقول عقب رواية الحديث: (أو كما قال) أو كلمة تؤدي هذا المعنى، احتياطًا في الرواية. خشية أن يكون الحديث مرويًّا بالمعنى. وكذلك ينبغي له هذا إذا وقع في نفسه شك في لفظ ما يرويه؛ ليبرأ من عهدته [شاكر]

(1) ساقط من "ط".

(2)

انظر المقدمة ص 397 - 399 وأضاف ابن الصلاح أيضا مع البخاري مالكا في هذا الصنيع.

ص: 300

وأما مسلم فإنه يسوق الحديث بتمامه، ولا يقطعه. ولهذا رجحه كثير من حفاظ المغاربة، واستروح إلى شرحه آخرون، لسهولة ذلك بالنسبة إلى صحيح البخاري وتفريقه الحديث في أماكن متعددة بحسب حاجته إليه (1). وعلى هذا المذهب جمهور الناس قديماً وحديثاً «1» .

قال ابن الحاجب في مختصره: " مسألة ": حذف بعض الخبر جائز عند الأكثر، إلا في الغاية والاستثناء ونحوه. أما إذا حذف الزيادة لكونه شك فيها، فهذا سائغ، كان مالك رحمه الله يفعل ذلك كثيراً، بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله. وقال مجاهد: انقِص الحديث ولا تَزد فيه (2).

"فرع آخر": ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية. قال الأصمعي: " أخشى عليه إذا لم يعرف العربية أن يدخل في قوله: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] أي على جواز اختصار الحديث، وعليه عمل الأئمة. والمفهوم أن هذا إذا كان الخبر واردا بروايات أخرى تاما، وأما إذا لم يرد تامًّا من طريق أخرى فلا يجوز، لأنه كتمان لما وجب إبلاغه.

وإذا كان الراوي موضحا للتهمة في روايته فينبغي له أن يحذر اختصار الحديث بعد أن يرويه تاما، لئلا يتهم بأنه زاد في الأول ما لم يسمع. أو أخطأ بنسيان ما سمع. وكذلك إذا رواه مختصرًا وخشي التهمة: فينبغي له أن لا يرويه تاما بعد ذلك [شاكر].

(1) انظر المسألة في النوع الأول "الصحيح".

(2)

أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص 543، الخطيب في الكفاية 2/ 22.

ص: 301

يلحن" (1)(2).

وأما التصحيف، فدواؤه أن يتلقاه من أفواه المشايخ الضابطين. والله الموفق (3).

وأما إذا لحن الشيخ، فالصواب أن يرويه السامع على الصواب، وهو محكي عن الأوزاعي، وابن المبارك، والجمهور (4).

وحكى عن محمد ابن سيرين وأبي معمر عبد الله بن سخبرة «1» أنهما قالا: يرويه كما سمعه من الشيخ ملحوناً (5).

قال ابن الصلاح (6): وهذا غلو في مذهب اتباع اللفظ.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] بفتح السين المهملة وإسكان الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة [شاكر].

(1) انظر ابن حبان في روضة العقلاء ص 223، وابن عساكر في تاريخه 37/ 80، والمزي في تهذيب الكمال 18/ 388 كلهم بلفظ:" إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار لأنه لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه"

(2)

زاد العلامة أحمد شاكر: "فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه"، وقال: هذه تتمة كلام الأصمعي، ولم تكن في الأصل

(3)

"انظر المقدمة ص 400

(4)

انظر الكفاية 2/ 155 وما بعدها.

(5)

انظر "العلم" لابن أبي خيثمة ص 32 الجامع للخطيب ص 2/ 21 وما بعده

(6)

انظر المقدمة ص 401.

ص: 302

وعن القاضي عياض (1): أن الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ: أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم، ولا يغيروها في كتبهم، حتى في أحرف من القرآن، استمرت الرواية فيها على خلاف التلاوة، ومن غير أن يجيء ذلك في الشواذ، كما وقع في الصحيحين والموطأ، لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على ذلك عند السماع وفي الحواشي. ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها «1» ، منهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي، لكثرة مطالعته وافتنانه.

قال (2): وقد غلط في أشياء من ذلك، وكذلك غيره ممن سلك مسلكه.

قال (3): "والأولى سد باب التغيير والإصلاح، لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، وينبه على ذلك عند السماع".

وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: أن أباه كان يصلح اللحن الفاحش، ويسكت عن الخفي السهل (4).

" قلت ": ومن الناس من إذا سمع الحديث ملحوناً عن الشيخ ترك روايته، لأنه إن تبعه في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن في كلامه، وإن رواه عنه على الصواب، فلم يسمعه منه كذلك.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] في الأصل: (واصطلاحها) وهو خطأ [شاكر].

(1) الإلماع ص 185.

(2)

يعني القاضي عياض وانظر "المقدمة" ص 402.

(3)

يعني القاضي عياض.

(4)

أخرجه الخطيب في الكفاية 1/ 556.

ص: 303

" فرع ": وإذا سقط من السند أو المتن ما هو معلوم، فلا بأس بإلحاقه، وكذلك إذا اندرس بعض الكتاب، فلا بأس بتجديده على الصواب. وقد قال الله تعالى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] إذا وجد الراوي في الأصل حديثا فيه لحن أو تحريف، فالأولى أن يتركه على حاله، ولا يمحوه، وإنما يضبب عليه، ويكتب الصواب في الهامش. وعند الرواية يروي الصواب من غير خطأ، ثم يبين ما في أصل كتابه. وإنما رجحوا إبقاء الأصل، لأنه قد يكون صوابا وله وجه لم يدركه الراوي، ففهم أنه خطأ، لا سيما فيما يعدونه خطأ من جهة العربية. لكثرة لغات العرب وتشعبها.

قال ابن الصلاح: [1](ص 192): (والأولى سد باب التغيير والإصلاح، لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، وهو أسلم مع التبيين).

ثم قال: (وأصلح ما يعتمد عليه في الإصلاح: أن يكون ما يُصْلَح به الفاسد قد ورد في أحاديث أخر، فإن ذاكره آمن من أن يكون مُتَقَوِّلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يَقُلْ).

وإذا كان في الكتاب سقط لا يتغير المعنى به، كلفظ (ابن)، أو حرف من الحروف، فلا بأس من إتمامه، من غير بيان أصله. وكذا إذا كان يغير المعنى، ولكن تيقن أن السقط سهو من شيخه، وأن من فوقه من الرواة أتى به، وإنما يجب أن يزيد كلم (يعني)، كما فعل الحافظ الخطيب: إذ روى عن أبي عمر بن مهدي عن القاضي المحاملي بإسناده عن عروة عن عمرة (تعني عن عائشة) أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله)، قال الخطيب:(كان في أصل ابن مهدي: عن عمرة أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه)، فألحقنا فيه ذكر عائشة، إذا لم يكن منه بد، وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه، وإنما سقط من كتاب شيخنا أبي عمر، وقلنا فيه: تعني عن عائشة رضي الله عنها، لأجل أن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك) [2].

- وإذا درس من كتابه - أي ذهب بتقطع أو بلل أو نحوه- بعض الكلام، أو شك في شيء مما فيه، أو مما حفظ، وثبته فيه غيره من الثقات، واطمأن قلبه إلى الصواب: جاز له إلحاقه بالأصل، ويحسن أن يبين ذلك، ليبرأ من عهدته. =

[1](ص 402)

[2]

انظر الكفاية للخطيب 2/ 147

ص: 304

(فَرْعٌ آخَرُ)(1): وَإِذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ عَنْ شَيْخَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَبَيْنَ أَلْفَاظِهِمْ تَبَايُنٌ فَإِنْ رَكَّبَ السِّيَاقَ مِنَ الْجَمِيعِ، (كَمَا فَعَلَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ (2)، حِينَ رَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ " وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ، فَدَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ" وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ، فَهَذَا سَائِغٌ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ قَدْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ، وَخَرَّجُوهُ فِي كُتُبِهِمْ الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا.

وَلِلرَّاوِي أَنْ يُميز رواية كُلَّ وَاحِدَ مِنْهَا عَنْ الْأُخْرَى، وَيَذْكُرَ مَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ، وَتَحْدِيثٍ) (3) وَإِخْبَارٍ وَإِنْبَاءٍ وَهَذَا مِمَّا يَعتني بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَيُبَالِغُ فِيهِ، وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَلَا يُعَرِّجُ غالبا عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا تَعَاطَاهُ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ، وَهُوَ نَادِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ آخَرُ) وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي نَسَبِ الرَّاوِي، إِذَا بَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ عِنْدِهِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ =

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= هذا الذي رآه علماء الفن.

والذي أراه في كل هذه الصور، وأعمل به في كتاباتي وأبحاثي -: أن الواجب المحافظة على الأصل، مع بيان التصحيح بحاشية الكتاب، إلا إذا كان الخطأ واضحًا، ليس هناك شبهة في أنه خطأ. فيذكر الصواب ويبين في الحاشية نص ما كان في الأصل، أداء للأمانة الواجبة في النقل [شاكر].

(1) انظر المقدمة ص 405.

(2)

أخرجه البخاري في عدة مواضع منها (2637)، (2638)، ومسلم (2770).

(3)

في الأصل: يُمَيِّزْ.

(4)

في "م ": وَاحِدٍ.

(5)

مطموس في "ح".

ص: 305

وَاللَّهُ أَعْلَمُ (1).

(فَرْعٌ آخَرُ) جَرَتْ عَادَةُ الْمُحَدِّثِينَ إِذَا قَرَءُوا يَقُولُونَ أَخْبَرَك فُلَانٌ، قَالَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، قَالَ أنبأنا (2) فُلَانٌ"، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُ لَفْظَةَ "قَالَ"، وَهُوَ سَائِغٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.

وَمَا كَانَ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ، كَنُسْخَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ معمر عن همام عن أبي هريرة «1» ، (ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وغير ذلك -: (فله إعادة الإسناد)(3) عند كل حديث، وله أن يذكر الإسناد عند أول حديث منها، ثم يقول:" وبالإسناد ". أو: " وبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا "، ثم له أن يرويه كما سمعه، وله أن يذكر عند كل حديث الإسناد (4).

"قلت": والأمر في هذا قريب) (5) سهل يسير. والله أعلم.

وأما إذا قدَّم ذكر المتن على الإسناد كما إذا قال: " قال

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] فائدة: صحيفة همام بن منبه: صحيفة جيدة. صحيحة الإسناد. رواها عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، وقد اتفق الشيخان - البخاري ومسلم- على كثير من أحاديثها. وانفرد كل واحد منهما ببعض ما فيها، وإسنادها واحد، ودرجة أحاديثها في الصحة درجة واحدة. وهذا حجة لمن ذهب إلى أن الشيخين لم يستوعبا الصحيح، ولم يلتزما إخراج كل ما صح عندهما. وقد رواها أحمد في مسنده عن عبد الرزاق (رقم 8100 - 8235 ج 2 ص 312 - 319)، وروى منها ثلاثة أحاديث في مواضع متفرقة [شاكر].

(1) انظر الكفاية 2/ 35، وانظر المقدمة ص 407.

(2)

في "ح"، "ط"، (ع": أخبرنا.

(3)

مطموس في "ب".

(4)

أنظر المقدمة ص 409

(5)

مطموس في "ح".

ص: 306

رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا " ثم قال: " أخبرنا به "، وأسنده: فهل للراوي عنه أن يقدم الإسناد أولاً ويتبعه بذكر متن الحديث؟ فيه خلاف، ذكره الخطيب وابن الصلاح (1)، والأشبه عندي جواز ذلك، والله أعلم.

ولهذا يعيد (2) محدثو زماننا إسناد الشيخ بعد فراغ الجزء (3)، لأن من الناس من يسمع من أثنائه بفوت، فيتصل له سماع ذلك من الشيخ، وله روايته عنه كما يشاء، من تقديم إسناده وتأخيره «1» . والله أعلم.

" فرع ": إذا روى حديثاً بسنده، ثم أتبعه بإسناد له آخر، وقال في آخره:" مثله " أو " نحوه "، وهو ضابط محرر: فهل يجوز رواية لفظ الحديث الأول بإسناد الثاني؟ قال شعبة: لا، وقال الثوري: نعم (4)، حكاه عنهما وكيع، وقال يحيى بن معين: يجوز في قوله "مثله"، ولا يجوز في "نحوه" (5). قال الخطيب (6): إذا قيل بالرواية على هذا المعنى

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] نقل السيوطي في التدريب [1](ص 168) عن ابن حجر أنه قال: (تقديم الحديث على السند يقع لابن خزيمة إذا كان في السند من فيه مقال، فيبتدئ به، ثم بعد الفراغ يذكر السند. وقد صرح ابن خزيمة بأن من رواه على غير ذلك الوجه لا يكون في حل منه: فحينئذ ينبغي أن يمنع هذا ولو جوزنا الرواية بالمعنى)[شاكر].

(1) انظر الكفاية 2/ 27، والمقدمة ص 411

(2)

في "ب": يعتد.

(3)

في "غراس": "الخبر"

(4)

أخرجهما الخطيب في الكفاية 2/ 30 وما بعدها.

(5)

أخرجه الخطيب في الكفاية 2/ 32.

(6)

الموضع السابق بتصرف.

_________

[1]

تدريب (1/ 577)

ص: 307

فلا فرق بين قوله " مثله " أو " نحوه "، ومع هذا أختار قول ابن معين «1» . والله أعلم.

أما إذا أورد السند وذكر بعض الحديث ثم قال: "الحديث"، أو " الحديث بتمامه "، أو " بطوله " أو " إلى آخره "، كما جرت به عادة كثير من الرواة: فهل للسامع أن يسوق الحديث بتمامه على هذا الإسناد؟ رخص في ذلك بعضهم ومنع منه آخرون، منهم الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني الفقيه الأصولي (1)، وسأل أبو بكر البرقاني شيخه أبا بكر الإسماعيلي (2) عن ذلك؟ فقال: إن كان الشيخ والقارئ يعرفان الحديث فأرجو أن يجوز ذلك، والبيان أولى.

قال ابن الصلاح (3): " قلت ": وإذا جوَّزنا ذلك فالتحقيق أنه يكون بطريق الإجازة الأكيدة القوية.

(قلت)(4): وينبغي أن يُفصَّل (5)، فيقال: إن كان قد سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو في غيره، فتجوز

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] وقال الحاكم: (إن مما يلزم الحديثي من الضبط والإتقان: أن يفرق بين أن يقول (مثله) أو يقول (نحوه)، فلا يحل له أن يقول (مثله) إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد، ويحل له أن يقول (نحوه) إذا كان على مثل معانيه) [شاكر].

(1) انظر المقدمة ص 414

(2)

أخرجه الخطيب في الكفاية 2/ 256

(3)

المقدمة ص 415

(4)

ساقط من "ح".

(5)

في "ب": يفضل.

ص: 308

الرواية، وتكون الإشارة إلى شيء قد سلف بيانه (وتحقق سماعه. والله أعلم)(1).

فرع: إبدال لفظ " الرسول ""بالنبي "أو " النبي "" بالرسول ".

قال ابن الصلاح (2): الظاهر أنه لا يجوز ذلك، وإن جازت الرواية بالمعنى، يعني (لاختلاف)(3) معنييهما، ونقل عن عبد الله بن أحمد أن أباه كان يشدد في ذلك.

فإذا كان في الكتاب " النبي " فكتب المحدث " رسول الله صلى الله عليه وسلم " ضرب على " رسول " وكتب " النبي "(4).

قال الخطيب (5): وهذا منه استحباب، فإن مذهبه الترخيص في ذلك.

قال صالح «1» : سألت أبي عن ذلك؟ فقال: أرجو أنه لا بأس به (6).

وروي عن حماد بن سلمة أن عفان وبَهْزاً «2» كانا يفعلان ذلك

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] صالح يعني ابن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه له مسائل عن أبيه [شاكر].

«2» [شاكر] بفتح الباء وسكون الهاء وبالزاي [شاكر].

(1) ساقط من "ب" ..

(2)

المقدمة ص 415

(3)

ساقط من "ب".

(4)

أخرجه الخطيب في الكفاية 2/ 122.

(5)

الموضع السابق.

(6)

أخرجه الخطيب في الكفاية 2/ 122 وما بعدها

ص: 309

بين يديه «1» ، فقال لهما: أمَّا أنتما فلا تفقهان أبداً! ! «2» (1)! ! "

فرع: الرواية في حال المذاكرة ": هل تجوز الرواية بها؟ حكى ابن الصلاح (2) عن ابن مهدي، وابن المبارك، وأبي زرعة، المنع من التحديث بها، لما يقع فيها من المساهلة، والحفظ خوَّان «3» .

(قال ابن الصلاح (3): "ولهذا امتنع جماعة من أعلام الحفاظ من رواية ما يحفظونه) (4) إلا من كتبهم، منهم أحمد بن حنبل.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] بين يديه: أي بين يدي حماد بن سلمة [شاكر].

«2» [شاكر] استدل للمنع من ذلك بحديث البراء بن عازب في الدعاء عند النوم، وفيه:(ونبيك الذي أرسلت)، فإعاده البراء على النبي صلى الله عليه وسلم ليحفظه، فقال فيه:(ورسولك الذي أرسلت)، فقال (لا، ونبيك الذي أرسلت)[1] وأجاب عنه العراقي: بأنه لا دليل فيه، لأن ألفاظ الذكر توقيفية.

والراجح عندي اتباع ما سمعه الراوي من شيخه، وأولى بالمنع تغيير ذلك في الكتب المؤلفة [شاكر].

«3» [شاكر] حال المذاكرة: هي أن يتذاكر أهل العلم فيما بينهم في مجالسهم ببعض الأحاديث فإنهم حين ذاك لا يحرصون على الدقة في أداء الرواية، لتيقنهم أنها لم يقصد بها السماع منهم، ولذلك منع جماعة من الأئمة الحمل عنهم حال المذاكرة [شاكر].

(1) الموضع السابق.

(2)

المقدمة ص 417، وروى ذلك عنهم الخطيب في جامعه 2/ 27 وما بعدها

(3)

الموضع السابق.

(4)

ساقط من "ط"، "ع"، "ب".

_________

[1]

أخرجه البخاري (247)، (6311)، ومسلم (2710)

ص: 310

قال: فإذا حدث بها فليقل: " حدثنا فلان مذاكرة "، أو " في المذاكرة "، ولا يطلق ذلك فيقع في نوع من التدليس والله أعلم".

[فرع](1): وإذا كان الحديث عن اثنين، جاز ذكر ثقة منهما وإسقاط الآخر ثقة كان أو ضعيفاً. وهذا صنيع مسلم في ابن لهيعة غالباً (2).

وأما أحمد بن حنبل فلا يسقطه، بل يذكره «1» . والله أعلم (3).

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] إذا كان الحديث واردًا عن رجلين ثقتين، أو عن ثقة وضعيف، فالأولى أن يذكرهما معا، لجواز أن يكون فيه شيء لأحدهما لم يذكره الآخر. فإن اقتصر على أحدهما جاز، لأن الظاهر اتفاق الروايتين، والاحتمال المذكور نادر.

وأما إذا كان الحديث بعضه عن رجل، وبعضه عن رجل آخر من غير أن تميز رواية كل واحد منهما، فلا يجوز حذف أحدهما، سواء كان ثقة أو مجروحا، لأن بعض المروي لم يروه من أبقاه قطعا.

ويكون الحديث كله ضعيفاً إذا كان أحدهما مجروحًا، لأن كل جزء من الحديث يتحمل أن يكون من رواية المجروح.

وأما إذا كانا ثقتين، فإنه حجة، لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة.

ومن أمثلة ذلك حديث الإفك في الصحيح من رواية الزهري قال: "حدثني عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة"، قال: "وكل قد حدثني طائفة من حديثها، ودخل حديث بعضهم في بعض، وأَنَا أَوْعَى لحديث بعضهم من بعض) ثم ذكر الحديث [شاكر].

(1) ساقط من "ح"، "ط"

(2)

انظر "تحرير علوم الحديث" 2/ 993

(3)

الكفاية 2/ 416، والمقدمة ص 417

ص: 311

(النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ)(1)

في (آدَابِ)(2) الْمُحَدِّثِ «1» (3)

وَقَدْ أَلَّفَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ "الْجَامِعُ لِآدَابِ الراوي وَالسَّامِعِ".

وَقَدْ تَقَدَّمَ مِن ذَلِكَ مُهِمَّاتٌ فِي غضونِ (4) الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ.

قَالَ اِبْنُ خَلَّادٍ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ لَا يَتَصَدَّى لِلْحَدِيثِ إِلَّا بَعْدَ اِسْتِكْمَالِ خَمْسِينَ سَنَةً (5)، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرْبَعِينَ سَنَةً (6)، وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] وقع بياض بالأصل يسع كلمة "آداب" فأضفناها من السياق ومن عنوان هذا الباب في مقدمة ابن الصلاح [شاكر]

(1) ساقط من "ط".

(2)

ساقط من "ح".

(3)

انظر المحدث الفاصل 352، والمقدمة ص 419، والنكت للزركشي 3/ 635، و "الشذا الفياح" ص 385، و "التقييد والإيضاح" ص 243، وفتح المغيث 3/ 214، والتدريب 2/ 565

(4)

في "ط"، "ع"، "ب": عيون.

(5)

المحدث الفاصل ص 352. وعلل ذلك بقوله: " لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد".

(6)

انظر المحدث الفاصل ص 352 بتصرف.، وعلل ذلك بقوله: " وليس بمستنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال نبئ =

ص: 312

عِيَاضٌ ذَلِكَ (1) بِأَنَّ أَقْوَامًا حَدَّثُوا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ بَلْ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُمْ: "مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ" ازدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِهِ أَحْيَاءٌ.

قَالَ اِبْنُ خَلَّادٍ (2): فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اِخْتَلَطَ.

وَقَدْ اِسْتَدْرَكُوا عَلَيْهِ بِأَنْ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ حَدَّثُوا بَعْدَ هَذَا السِّنِّ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وخَلْقٌ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ (3).

وَقَدْ حَدَّثَ آخَرُونَ بَعْدَ اِسْتِكْمَالِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهُمْ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الهُجَيْمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ -أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ (4) -

[قلت](5): وَجَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ.

= رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته ويتوفر عقله ويجود رأيه وقال في الأربعين:

إذا ما عاشها رجل

ما أوضح الحق والتبيان للرجل

وفي هذا المعنى شعر كثير وقال عمر بن عبد العزيز: "تمت حجة الله على ابن الأربعين ومات فيها".

(1)

انظر الإلماع ص 200 وما بعدها.

(2)

"المحدث الفاصل ص 352.

(3)

انظر المحدث الفاصل ص 355 وما بعدها، والإلماع ص 204 وما بعدها.

(4)

انظر الإلماع ص 207 وما بعدها

(5)

ساقط من "ح".

ص: 313

لَكِنْ إِذَا كَانَ الِاعْتِمَادِ عَلَى حِفْظِ الشَّيْخِ الرَّاوِي فَيَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِنْ اِخْتِلَاطِهِ إِذَا طَعَنَ فِي السِّنِّ.

و(أما)(1) إذا كان الاعتماد على حفظ غيره وخطه وضبطه، فهاهنا كلما كان السن عالياً كان الناس أرغب في السماع عليه. كما اتفق لشيخنا أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار (2)، فإنه جاوز المائة محققاً، سمع على الزبيدي (3) سنة ثلاثين وستمائة صحيح البخاري، واسمعه في سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان شيخاً كبيراً عامياً، لا يضبط شيئاً ولا يتعقل كثيراً من المعاني الظاهرة، ومع هذا تداعى الناس إلى السماع منه عند تفرده عن الزبيدي، فسمع منه نحو من مائة ألف أو يزيدون «1» .

قالوا: وينبغي أن يكون المحدث جميل الأخلاق، حسن الطريقة، صحيح النية، (فإن عزبت نيته عن الخير «2» فليسمع، فإن العلم يرشد

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] وأنا أرى أن مثل هذا السماع لا قيمة له، بل هو تكلف وغلو في طلب علو السند، من غير وجهه الصحيح، فما قيمة السماع من رجل يوصف بأنه "عامي"، لا يضبط شيئًا، ولا يتعقل كثيرًا من المعاني الظاهرة؟ ! [شاكر].

«2» [شاكر] في الأصل" في الخير" وهو خطأ. [شاكر]

(1) ساقط من "ط"، "ع"، "ب".

(2)

في "ع"، "ب": الحجاز، وهو الشيخ الكبير المسند المعمر الرحلة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن بن علي بن بيان الدير مقرني ثم الصالحي الحجار المعروف بابن الشحنة، توفي سنة 624. انظر ترجمته "البداية والنهاية " 14/ 172.

(3)

في "ط"، "ع":[الزبير]، وهو: الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى الربعي الزبيدي الأصل، البغدادي وتوفي 631 هـ[سير أعلام النبلاء 22/ 357]

ص: 314

إليه) (1)، قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله (2).

وقالوا (3): ولا ينبغي أن يحدث بحضرة من هو أولى (4) سناً أو سماعاً. بل كره (5) بعضهم التحديث، لمن في البلد أحق منه. (وينبغي له أن يدل عليه ويرشد إليه فإن الدين.)(6) النصيحة «1» .

قالوا: وينبغي عقد مجلس التحديث، وليكن المسمِع على أكمل

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] وذهب ابن دقيق العيد [1] إلى أنه لا يرشد إلى صاحب الإسناد العالي إذا كان جاهلاً بالعلم، لأنه قد يكون في الرواية عنه ما يوجب خللاً، وهذا قيد صحيح [شاكر].

(1) ساقط من "ب".

(2)

هذا القول محكي عن غير واحد من السلف منهم، معمر بن راشد كما رواه الإمام أحمد بسنده في كتابه "الأسماء والكنى" ص 61

وقد شرح الإمام الذهبي مرادهم بمثل هذا فقال [السير 7/ 17]: "نعم، يطلبه أولا، والحامل له حب العلم، وحب إزالة الجهل عنه، وحب الوظائف، ونحو ذلك، ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه، ولا صدق النية، فإذا علم، حاسب نفسه، وخاف من وبال قصده، فتجيئه النية الصالحة كلها، أو بعضها، وقد يتوب من نيته الفاسدة، ويندم.

وعلامة ذلك: أنه يقصر من الدعاوى وحب المناظرة، ومن قصد التكثر بعلمه، ويزري على نفسه، فإن تكثر بعلمه، أو قال: أنا أعلم من فلان، فبعدا له."

(3)

"انظر الجامع للخطيب 1/ 319.

(4)

في "ب": أعلا منه

(5)

في "ط": بذكره

(6)

ساقط من "ط".

_________

[1]

انظر الاقتراح ص 247

ص: 315

الهيئات، كما كان مالك رحمه الله: إذا حضر مجلس التحديث، توضأ، وربما اغتسل، وتطيب، ولبس (1) أحسن ثيابه، وعلاه الوقار والهيبة، وتمكن في جلوسه، وزَبرَ (2) من يرفع صوته «1» (3).

وينبغي افتتاح ذلك بقراءة شيء من القرآن (4)، تبركاً وتيمناً بتلاوته، ثم بعده التحميد الحسن التام، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وليكن القارئ حسن الصوت، جيد الأداء، فصيح العبارة، وكلما مر بذكر النبي صلى الله عليه وسلم؛ صلى عليه وسلم.

(قال الخطيب (5): ويرفع صوته بذلك، وإذا مر بصحابي ترضى عنه. وحسن أن يثني على شيخه، كما كان عطاء يقول: حدثني الحبر (6)(7) البحر ابن عباس.

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] كان مالك رحمه الله إذا رفع أحدٌ صوته في مجلس الحديث انتهره وزجره، ويقول:"قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} [الحجرات الآية 2]، فمن رفع صوته عند حديثه فكأنما رفع صوته فوق صوته"[شاكر].

(1) في "ط": ليس.

(2)

في "ط"، "ع": زين.

(3)

أخرجه ابن الصلاح بسنده في المقدمة ص 423، وبمعناه أخرجه الخطيب في الجامع 1/ 388 برقم 903.

(4)

انظر الجامع للخطيب 2/ 68.

(5)

الجامع 2/ 103.

(6)

في"ع": الخبر.

(7)

مطموس في "ب"

ص: 316

وكان وكيع يقول: حدثني سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث. وينبغي أن لا يذكر أحداً بلقب يكرهه، فأما لقب يتميز به فلا بأس «1» .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

«1» [شاكر] لا بأس أن يذكر الشيخ من يروي عنه بلقب، مثل "غُنْدَر"، أو وصف، نحو "الأعمش"، أو حرفة، مثل "الحناط"، أو بنسبتهِ إلى أمه، مثل "ابن عُلية"، إذا عرف الراوي بذلك، ولم يقصد أن يعيبه به، وإن كَرِهَ الملقب بهِ ذلك.

(فائدة): كان الحفاظ من العلماء المتقدمين، رضي الله عنهم، يعقدون مجالس لإملاء الحديث. وهي مجالس عامة، فيها علم جم، وخيرٌ كثير، ومن آدابها أنه يجب على الشيخ أن يختار الأحاديث المناسبة للمجالس العامة، وفيها من لا يفقه كثيراً من العلم، فيحدثهم بأحاديث الزهد ومكارم الأخلاق ونحوِها. وليجتنب [1] أحاديث الصفات، لأنه لا يُؤْمَنُ عليهم من الخطأ والوهم والوقوع في التشبيه والتجسيم، ويجتنب أيضُا الرخص والإسرائيليات، وما شَجَرَ بين الصحابة من الخلاف، لئلا يكون ذلك فتنة للناس. ثم يختم مجلس الإملاء بشيء من طُرَف الأشعار والنوادر. كعادة الأئمة السالفين- رضي الله عنهم.

وإذا كان الشيخ المُملي غير متمكن من تخريج أحاديثه التي يمليها، إما لضعفهِ في التخريج، وإما لاشتغاله بأعمال تهمه، كالإفتاء أو التأليف، استعان على ذلك بمن يثق بهِ من العلماء الحفاظ.

وهذا الإملاء سنة جيدة، اتبعها السلف الصالح رضوان الله عليهم، ثم انقطع بعد الحافظ ابن الصلاح المتوفى سنة 643.

قال السيوطي في التدريب: (ص 176)[2]: "وقد كان الإملاء دَرَس بعد ابن الصلاح إلى أواخر أيام الحافظ أبي الفضل العراقي، فافتتحه سنة 756، فأملى أربعمائة مجلس وبضعة عشر مجلسا إلى سنة موته، سنة 806 ثم أملى ولده إلى أن مات، سنة 826 ستمائة مجلس وكسراً. ثم أملى شيخ الإسلام ابن حجر إلى =

[1] في ((الحلبي)): وليتجنب

[2]

تدريب (2/ 582)

ص: 317

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= أن مات سنة 852، أكثر من ألف مجلس. ثم دَرَس تسعة عشر سنة، فَافْتَتَحْتُهُ أول سنة 878، فأمليتُ ثمانين مجلساً، ثم خمسين أخرى".

وقد انقطع الإملاء بعد ذلك، إلا فيما نَدَر؛ لندرة العلماء الحفاظ، وندرة الطالبين الحريصين على العلم والرواية.

وقد رأيت بعض أمالي الحافظ ابن حجر، مخطوطة في بعض المكاتب، وياليتنا نجد من يطبعها وينشرها على الناس.

واعلم أنه قد أطلق المحدثون ألقاباً على العلماء بالحديث:

فأعلاها: "أمير المؤمنين في الحديث"، وهذا لقب لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر، الذين هم أئمة هذا الِشأن، والمرجع إليهم فيه، كشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وإسحاق ابن راهويه، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والدارقطني، وفي المتأخرين ابن حجر العسقلاني، رضي الله عنهم جميعا.

ثم يليه: "الحافظ"[1]، وقد بين الحافظ المزي الحدَ الذي إذا انتهى إليه الرجل جاز أن يُطلق عليه "الحافظ"، فقال:"أقل ما يكون أن تكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبُلدانهم: أكثر من الذين لا يعرفهم، ليكون الحكم للغالب". فقال له التقي السبكي: "هذا عزيز في هذا الزمان، أدركت أنت أحداً كذلك؟ "، فقال:"ما رأينا مثل الشيخ الدمياطي، ثم قال: وابن دقيق العيد كان له في هذا مشاركة جيدة، ولكن أين الثُّرَيَّا من الثّرى؟ ! " فقال السبكي: "كان يصل إلى =

[1] الخطيب في جامعه 2/ 173: ((فمن صفات الحافظ الذي يجوز إطلاق هذا اللفظ في تسميته: أن يكون عارفا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيرا مميزا لأسانيدها يحفظ منها ما أجمع أهل المعرفة على صحته وما اختلفوا فيه للاجتهاد في حال نقلته يعرف فرق ما بين قولهم: ((فلان حجة)) و ((فلان ثقة)) و ((مقبول)) و ((وسط)) و ((لا بأس به)) و ((صدوق)) و ((صالح)) و ((شيخٌ)) و ((لين)) و ((ضعيف)) و ((متروك)) و ((ذاهب الحديث))، ويميز الروايات بتغاير العبارات نحو ((عن فلان)) و ((أن فلانا)) ويعرف اختلاف الحكم في ذلك بين أن يكون المسمى صحابيا أو تابعيا والحكم في قول الراوي ((قال فلان)) و ((عن فلان)) وأن ذلك غير مقبول من المدلسين دون إثبات السماع على اليقين. ويعرف اللفظة في الحديث تكون وهما وما عداها صحيحا ويميز الألفاظ التي أدرجت في المتون فصارت بعضها لاتصالها بها ويكون قد أنعم النظر في حال الرواة. بمعاناة علم الحديث دون ما سواه لأنه علم لا يعلق إلا بمن وقف نفسه عليه ولم يضم غيره من العلوم إليه))

ص: 318

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= هذا الحد؟ "، قال: "ما هو إلا كان يشارك مشاركة جيدة في هذا، أعني في الأسانيد، وكان في المتون أكثر، لأجل الفقه والأصول" [1].

وقال أبو الفتح بن سيد الناس: "أما المحدث في عصرنا، فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع رواته، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك، حتى عُرِفَ فيه خطُهُ، واشتهر ضبطُهُ، فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه، طَبَقةً بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله- فهذا هو الحافظ".

وسأل شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل بن حجر العسقلاني شيخَه الحافظ أبا الفضل العراقي فقال: "ما يقول سيدي في الحد الذي إذا بلغه الطالب في هذا الزمان استحق أن يسمى حافظًا؟ وهل يُتسامح بنقص بعض الأوصاف التي ذكرها المزي وأبو الفتح في ذلك، لنقص زمانه أم لا؟ " فأجاب: "الاجتهاد في ذلك يختلف باختلاف غلبة الظن في وقتٍ ببلوغ بعضهم للحفظ، وغلبتهُ في وقت آخر، وباختلاف من يكون كثير المخالطة للذي يصفه بذلك"[2].

وكلام المزي فيه ضيق، بحيث لم يسم ممن رآه بهذا الوصف إلا الدمياطي.

وأما كلام أبي الفتح فهو أسهل، بأن ينشط بعد معرفة شيوخه إلى شيوخ شيوخه وما فوق.

ولا شك أن جماعة من الحفاظ المتقدمين كان شيوخهم التابعين أو أتباع التابعين وشيوخ شيوخهم الصحابة أو التابعين: فكان الأمر في ذلك الزمان أسهل، باعتبار تأخر الزمان.

فإن اكتفى بكون الحافظ يعرف شيوخه وشيوخ شيوخه أو طبقة أخرى، فهو سهل لمن جعله فيه ذلك دون غيره، من حفظ المتون والأسانيد، ومعرفة أنواع علوم =

[1] أخرج هذه القصة السخاوي في الجواهر والدرر 1/ 81 طبعة ابن حزم، لكنه لم يصرح باسم السبكي.

[2]

انظر الجواهر والدرر ص 1/ 82، 83.

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= الحديث كلها، ومعرفة الصحيح من السقيم، والمعمول به من غيره، واختلاف العلماء واستنباط الأحكام، فهو أمر ممكن. بخلاف ما ذَكَرَ من جميع ما ذُكر، فإنه يحتاج إلى فراغ وطول عمر، وانتفاء الموانع.

وقد روي عن الزهري أنه قال: لا يولد الحافظ إلا في كل أربعين سنة [1].

فإن صح كان المراد رتبة الكمال في الحفظ والإتقان، وإن وجد في زمانه من يوصف بالحفظ، وكم من حافظ وغيره أحفظ منه.

نقل ذلك كله السيوطي في التدريب (ص 7 - 8)[2].

وأدنى من "الحافظ" درجة يسمى "المحدث" قال التاج السبكي في كتابه: "معيد النعم" فيما نقله في التدريب: "ص 6"[3]:

"من الناس فرقة ادعت الحديث، فكان قصارى أمرها النظر في مشارق الأنوار للصاغاني، فإن ترفعت فإلى مصابيح البغوي، وظنت أنها بهذا القدر تصل إلى درجة المحدثين! وما ذلك إلا بجهلها بالحديث، فلو حفظ من ذكرناه هذين الكتابين عن ظهر قلب، وضم إليهما من المتون مثليهما: لم يكن محدثا، ولا يصير بذلك محدثاً، حتى يلج الجملُ في سم الخياط! فإن رامت بلوغ الغاية في الحديث -على زعمها- اشتغلت بجامع الأصول لابن الأثير، فإن ضمت إليه كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، أو مختصره المسمى بالتقريب للنووي، ونحو ذلك، وحينئذ ينادى من انتهى إلى هذا المقام: محدث المحدثين، وبخاري العصر! وما ناسب هذه الألفاظ الكاذبة فإن ما ذكرناه لا يعد محدثًا بهذا =

[1] أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 9) في ترجمة الوليد بن عبيد الله من روايته عن الزهري، وأورده ابن حجر في اللسان (4/ 273، 274) في ترجمة صاعد بن الحسن الربعي مرفوعا من قول النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقده بقوله: " وهذا الحديث لا أصل له وإنما ذكره بن أبي حاتم في الجرح والتعديل من كلام الزهرى ولم يصح أيضا عن الزهرى فإنه ذكره في ترجمة الوليد بن عبيد الله فقال روى عثمان بن رجاء عن محمد بن بشير بن مروان الكندي عن الوليد بن عبيد الله عن الزهري أنه قال لا يولد الحافظ إلا في كل أربعين سنة ومحمد بن بشير المذكور ضعيف ".

[2]

تدريب (1/ 39)

[3]

تدريب (1/ 34، 35)

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= القدر. إنما المحدث: من عرف الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال، والعالي والنازل، وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون، وسمع الكتب الستة، ومسند أحمد بن حنبل، وسنن البيهقي، ومعجم الطبراني، وضم إلى هذا القدر ألف جزء من الأجزاء الحديثية، هذا أول درجاته، فإذا سمع ما ذكرناه، وَكَتَبَ الطِّبَاقَ، ودار على الشيوخ، وتكلم في العلل والوفيات والأسانيد: كان في أول درجات المحدثين، ثم يزيد الله من يشاء ما يشاء".

ودون هذين من يسمى "المسنِد" - بكسر النون- وهو الذي يقتصر على سماع الأحاديث وإسماعها، من غير معرفة بعلومها أو إتقان لها، وهو الرَّاوية فقط.

وقد وصف التاج السبكي هؤلاء الرواة فقال: "ومن أهل العلم طائفة طلبت الحديث، وجعلت دأبها السماع على المشايخ، ومعرفة العالي من المسموع والنازل، وهؤلاء هم المحدثون على الحقيقة، إلا أن كثيرا منهم يجهد نفسه في تهجي الأسماء والمتون، وكثرة السماع، من غير فهم لما يقرؤونه، ولا تتعلق فكرته بأكثر من أني حَصَّلْتُ جزء ابن عرفة عن سبعين شيخا. وجزء الأنصاري عن كذا كذا شيخا. وجزء البطاقة، ونسخة ابن مُسْهِر، وأنحاء ذلك! ! وإنما كان: السلف يسمعون فيقرؤون، فيرحلون، فيفسرون، ويحفظون فيعلمون ".

وأما عصرنا هذا فقد ترك الناس فيه الرواية جملة، ثم تركوا الاشتغال بالأحاديث إلا نادرًا وقليل أن ترى منهم من هو أهل لأن يكون طالبا لعلوم السنة، وهيهات أن تجد من يصح أن يكون محدثا.

وأما الحفظ فإنه انقطع أثره، وختم بالحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ثم قارب السخاوي والسيوطي أن يكونا حافظين، ثم لم يبق بعدهما أحدٌ. ومن يدري؟ فلعل الأمم الإسلامية تستعيد مجدها، وترجع إلى دينها وعلومها، ولا يعلم الغيب إلا الله. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ

) [1][شاكر].

[1] أخرجه مسلم في صحيحه (145).

ص: 321