الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ
مَعْرِفَةُ ضَبْطِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مَتْنًا وَإِسْنَادًا
وَالِاحْتِرَازُ مِنْ التَّصْحِيفِ فِيهَما
(1)(2)
فَقَدْ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْحُفَّاظِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ تَرَسَّمَ بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَقَدْ صَنَّفَ الْعَسْكَرِيُّ فِي ذَلِكَ مُجَلَّدًا «1» (3) كَبِيرًا.
وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ ذَلِكَ لِمَنْ أَخَذَ مِنْ الصُّحُفِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْخٌ حَافِظٌ يُوقِفُهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَمَا يَنْقُلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَحِّفُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَغَرِيبٌ جِدًّا; لِأَنَّ لَهُ كِتَابًا فِي التَّفْسِيرِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ أشياء لا
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] في نسخة: (كتاباً)[شاكر]
(1) في "ح"، "ط"، "ع": فيها.
(2)
انظر: "معرفة علوم الحديث" ص 146، و"المقدمة" ص 471، والشذا الفياح 2/ 467، والتقييد والإيضاح ص 282، وفتح المغيث 3/ 456، والتدريب 2/ 648.
(3)
قلنا: اسمه "تصحيفات المحدثين" وهو مطبوع.
تصدر عن صبيان المكاتب «1» .
وأما ما وقع لبعض المحدثين من ذلك، فمنه ما يكاد اللبيب يضحك منه، كما حكي عن بعضهم: أنه جمع طرق حديث: "يا أبا عُمَيْر، ما فعل النُّغَيْر"«2» ، "ثم أملاه في مجلسه على من حضره من الناس
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] فن "التصحيف والتحريف" فن جليل عظيم لا يتقنه إلا الحفاظ الحاذقون وفيه حكمٌ علي كثير من العلماء بالخطأ ولذلك كان من الخطر أن يقدم عليه من ليس له بأهل.
وقد حكي العلماء كثيراً من الأخطاء التي وقعت للرواة في الأحاديث وغيرها.
ولم نسمع بكتاب خاص مؤلف في ذلك غير كتابين:
أحدهما: للحافظ الدارقطني -علي بن عمر- المتوفى في 8 ذي القعدة سنة 385 وهذا الكتاب لم نعلم بوجود نسخ منه وإنما ذكره ابن الصلاح والنووي وابن حجر والسيوطي ولم يذكره صاحب "كشف الظنون" ولم أجده في تراجم الدارقطني التي رأيتها ويظهر أن السيوطي رآه لأنه نقل منه في التدريب (ص 197).
الكتاب الثاني: "التصحيف والتحريف وشرح ما يقع فيه" للإمام اللغوي الحجة أبي أحمد العسكري -الحسن بن عبد الله بن سعيد المتوفى في صفر سنه 383 كما ذكر ذلك تلميذه الحافظ أبو نُعيم في "تاريخ أصبهان"(ج 1 ص 272) وهذا الكتاب موجود بدار الكتب المصرية في نسخة مكتوبة سنه 621 وأوراقها 156 ورقه وقد طبع نصفه بمصر في سنة 1326 [1] طبعاً غير جيد وليتنا نوفق إلى إعادة طبعه كله طبعا جيداً متقنا.
وهو من أنفس الكتب وأكثرها فائدة. [شاكر]
انظر أمثلة ذلك "تصحيفات المحدثين"(ص 26، 145، 146).
«2» [شاكر](النُّغَيْر) بالنون والغين المعجمة: تصغير "نُغَر" طائر صغير يُشبه العصفور أحمر المنقار. صحفه المصحف إلي "بعير" بالباء والعين المهملة! ! [شاكر]
قلنا: انظر معرفة علوم الحديث للحاكم ص 146.والحديث أخرجه البخاري (6129، 6203)، ومسلم (2150).
فجعل يقول: "يا أبا عمير ما فعل البعير"! (1) فافتضح عندهم، وأرَّخوها عنه! !
وكذا اتفق لبعض مدرسي النظامية (2) ببغداد: أنه أول يوم إجلاسه أورد حديث "صلاة في إثر صلاة كتاب في عليين"، فقال:"كنار في غلس"(3)" (4)! فلم يفهم الحاضرون ما يقول، حتى أخبرهم بعضهم بأنه تصحف عليه [من] (5) "كتاب في عليين"! ! وهذا كثير جداً. وقد أورد ابن الصلاح أشياء كثيرة هاهنا (6)«1» .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«1» [شاكر] هذا النوع يسمي عندهم "التصحيف والتحريف".
وقد قسمه الحافظ ابن حجر إلي قسمين: فجعل ما كان فيه تغيير حرف أو حروف بتغيير النقط مع بقاء صورة الخط: تصحيفاً وما كان فيه ذلك في الشكل: تحريفاً وهو اصطلاح جديد.
وأما المتقدمون فإن عباراتهم يفهم منها أن الكل يسمي بالاسمين وأن التصحيف مأخوذ من النقل عن الصحف وهو نفسه تحريف قال العسكري في أول كتابه (ص 3)"شرحت في كتابي هذا الألفاظ والأسماء المُشْكِلة التي تتشابه في صورة الخط فيقع فيها التصحيف ويدخلها التحريفُ" وقال أيضا (ص 9). =
(1) ساقط من "ب".
(2)
أسسها الوزير نظام الملك الحسن بن علي، المتوفي 485 هـ. وانظر البداية والنهاية 12/ 168 ط التراث.
(3)
في "ط"، "ع":(عكس).
(4)
أخرجه ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد 16/ 233.
(5)
زيادة من "غراس"
(6)
قلنا: انظر المقدمة ص 471 وما بعدها، وانظر أيضا الجامع لأخلاق الراوي ص 1/ 291 باب "من صحف في متون الأحاديث".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= " فأما قولهم: الصحفي والتصحيف فقد قال الخليل: إن الصحفي الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف باشتباه الحروف وقال غيره أصل هذا أن قوماً كانوا أخذوا العلم عن الصحف من غير أن يَلْقَوْا فيه العلماء فكان يقع فيما يروونه التغيير فيقال عنده: قد صحفوا أي رَوَوْه عن الصحف وهم مصحفون والمصدر التصحيف)
وهذا التصحيف والتحريف قد يكون في الإسناد أو في المتن من القراءة في الصحف وقد يكون أيضا من السماع لاشتباه الكلمتين علي السامع.
وقد يكون أيضا في المعني ولكنه ليس من التصحيف علي الحقيقة بل هو من باب الخطأ في الفهم.
فمن ذلك: العوام بن مرُاجِم -بالراء والجيم- القيسي يروي عن أبي عثمان النهدي روى عنه شعبة صحف يحيي بن معين في أسم أبيه فقال "مزاحم" بالزاي والحاء المهملة [1]
ومنه حديث روي عن معاوية قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يُشَقِّقُون الخُطَب تشقيق الشِّعْر) [2] صحفه وكيع فقال "الحَطَب" بالحاء المهملة المفتوحة بدل الخاء المعجمة المضمومة [3].
ونقل ابن الصلاح [4]: أن ابن شاهين صحف هذا الحرف مرة في جامع المنصور فقال بعض الملاحين: "يا قوم فكيف نعمل والحاجة ماسه؟ ! "
ومنه أيضا فيما ذكره المؤلفون هنا "خالد بن علقمة" فقالوا: إن شعبة صحفه إلي "مالك بن عرفطة"[5] وهو يسمى عندهم: (تصحيف السماع). =
[1] انظر العلل ومعرفة الرجال (3564)، "المؤتلف والمختلف" للدارقطني 4/ 2077، 2078 طبعة دار الغرب الإسلامي.
[2]
أخرجه أحمد في مسنده برقم (16900) بلفظ "يشققون الكلام"، والطبراني في الكبير برقم (848)
[3]
أخرجه الخطيب في الجامع برقم 619.
[4]
انظر المقدمة ص 475، 476
[5]
انظر التاريخ الكبير 3/ 163، وعلل ابن أبي حاتم 1/ 614 طبعة الحميد، والثقات =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= وهذا المثال فيه نظر كثير عندي فإن خالد بن علقمة الهمداني الوادعي يروي عن عبد خير عن علي في الوضوء وروى عنه أبو حنيفة والثوري وشريك وغيرهم وروى شعبة الحديث نفسه عن مالك بن عرفطة عن عبد خير عن علي فذهب النقاد إلي أنه أخطأ فيه وأن صوابه: خالد بن علقمة.
وقد يكون هذا أي أن شعبه أخطأ ولكن كيف يكون تصحيف سماع وهذا الشيخُ شيخٌ لشعبة نفسه! فهل سمع اسم شيخه من غير الشيخ! ما أظن ذلك فإن الراوي يسمع من الشيخ بعد أن يكون عرف اسمه، وقد ينسَى فيخطئ فيه. والذي يظهر لي أنهما شيخان روى شعبة عن أحدهما، وروى غيره عن الآخر.
والإسنادان في المسند بتحقيقنا رقم (928 - 989).
وقد فصلنا القول في ذلك في "شرحنا على الترمذي"(ج 1 ص 67 - 70).
والمثال الجيد لتصحيف السماع: اسمُ "عاصم الأحْوَل" رواه بعضُهم: فقال "عن واصل الأحدب".
قال ابن الصلاح (ص 243): "فذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع، لا من تصحيف البصر. كأنه ذهب- والله أعلم- إلى أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة، وإنما أخطأ فيه سَمْعُ من رواه".
ومنه أيضا "ما رواه ابن لهيعة عن زيد بن ثابت: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد" [1]، وهذا تصحيف، وإنما هو (احْتَجَرَ) بالراء، أي اتخذ حجرة من حصير أو نحوه للصلاة [2].
ومنه أيضا حديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى عَنَزَةٍ"[3] بفتح العين والنون، =
= لابن حبان 6/ 260 الطبعة الهندية، والمؤتلف والمختلف للدارقطني 2/ 589، وموضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 62
[1]
أخرجه بهذا اللفظ أحمد في المسند (21608)
[2]
أخرجه بهذا اللفظ البخاري (6113)، ومسلم (781)، وانظر التمييز لمسلم، و"أطراف المسند المعتلي" 2/ 384
[3]
أخرجه البخاري في عدة مواضع بألفاظ مختلفة منها (187)، (499)، ومسلم (503).
وقد كان شيخنا الحافظ الكبير الجهبذ أبو الحجاج المزي، تغمده الله برحمته، من أبعد الناس عن هذا المقام، ومن أحسن الناس أداءً للإسناد والمتن، بل لم يكن على وجه الأرض - فيما نعلم - مثله في هذا الشأن أيضاً. وكان إذا تغرب عليه أحد برواية مما يذكره بعض شراح الحديث على خلاف المشهور عنده، يقول: هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصحف والأخذ منها.
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
= وهي رمح صغير له سنان كان يغرز بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في الفضاء سُترةً له.
فاشتبه على الحافظ أبي موسي محمد بن المثنى العنزي، من قبيلة "عنزة".
معنى الكلمة، فظنها القبيلة التي هو منها، فقال:"نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلينا"[1]
قال السيوطي في "التدريب"(ص 197)[2]: "وأعجب من ذلك ما ذكره الحاكم [3] عن أعرابي: أنه زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى شاة! صحفها عنْزة، بسكون النون، ثم رواها بالمعنى على وهمه فأخطأ من وجهين! ! ".
وهذا الذي استغربه الحافظ السيوطي رحمه الله قد وقع مثله معه، فيما استدركناه عليه سابقاً في تعليقنا على "النوع الثامن عشر" فإنه نقل حديثاً عن أبي شهاب، وهو الحناط،،فتصحف عليه وظنه "ابن شهاب"، ثم نقله بالمعنى، فقال "كحديث الزهري"[شاكر].
[1] أخرجها الخطيب في الجامع 1/ 295
[2]
تدريب (2/ 650)
[3]
انظر معرفة علوم الحديث ص 148.