الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال التبريزي: والألقاب كالأعلام. وجعلها الأصل، وألحق بها أسماء الأجناس، وغيره أطلق في الجميع واعتمد على صورة التخصيص وإنها لا بد لها من فائدة، وسمى فحوى الخطاب مفهوم الموافقة وتنبيه الخطاب، لأن المسكوت وافق المنطوق في حكمه، والمنطوق نبه على حكم المسكوت، وقولي كما يترادف مفهوم المخالفة ودليل الخطاب وتنبيهه، صوابه: الاقتصار على الأولين ونترك تنبيه الخطاب لأنه لم يتقدم له ذكر في مفهوم المخالفة.
الفصل العاشر في الحصر
هو إثبات نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه بصيغة إنما ونحوها وأدواته أربعة
إنما نحو «إنما الماء من الماء» ، وتقدم النفي قبل غلا نحو «لا يقبل الله صلاة إلا بطهور» ، والمبتدأ مع خبره نحو قوله عليه الصلاة والسلام «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» (1) فالتحريم محصور في التكبير والتحليل محصور في التسليم، وكذلك «ذكاة الجنين ذكاة أمه» وتقديم المعمولات نحو قوله تعالى» إياك نعبد وإياك نستعين (2) » وهم بأمره يعملون، أي لا نعبد إلا إياك، وهم لا يعملون إلا بأمره، وهو منقسم إلى حصر الموصوفات في الصفات وإلى حصر الصفات في الموصوفات نحو قولك إنما زيد عالم إنما العالم زيد، وعلى التقديرين فقد يكون عاماً في المتعلق نحو ما تقدم، وقد يكون خاصاً نحو قوله تعالى «إنما أنت منذر» أي باعتبار
(1) الحديث في شأن الصلاة.
(2)
5 الفاتحة.
من لا يؤمن، فإن حظه منه الإنذار ليس إلا، فهو محصور في إنذاره ولا وصف له غير الإنذار باعتبار هذه الطائفة وغلا فهذه الصيغة تقتضي حصره في الندارة فلا يوصف بالبشارة ولا بالعلم ولا بالشجاعة ولا بصفة أخرى. ومن هذا الباب قولهم زيد صديقي وصديقي زيد، فالأول يقتضي حصر زيد في صداقتك فلا يصادق غيره، وأنت يجوز أن تصادق غيره، والثاني يقتضي حصر أصدقائك فيه وهو غير محصور في صداقتك، بل يجوز أن يصادق غيرك على عكس الأول.
قد تقدم أن الذي يلزم ثبوته في هذه المواطن كلها من المفهومات إنما هو النقيض لا الضد ولا الخلاف.
وقولي بصيغة (إنما) ونحوها لا يحسن في الحدود، لأن نحوها ليس هو مثلها في اللفظ وإلا لكان هو إياها بعينها. بل معناه ونحوها مما يفيد الحصر والجاهل بالحصر كيف يعلم ما يفيده، فيصير هذا تعريفاً بالمجهول. بل حسن ذلك أني فسرت ذلك بثلاث أخرى مبينة بعدها، فذهب الإجمال.
وقولي تقديم النفي قبل إلا يعمم جميع أنواع النفي نحو ما قام إلا زد، ولم يقم إلا زيد، ولن يقوم إلا زيد، ولما يقم إلا زيد. كيفما تقلب النفي.
وقولي المبتدأ مع الخبر تارة يكون الخبر معرفة باللام أو الإضافة، وتارة يكون نكرة، وعلى كل تقدير يفيد الحصر، لكن يختلف الحصر. وإنما قلنا إن الحصر ثابت مطلقاً لأن المبتدأ يجوز أ، يكون أخص أو مساوياً، ويمتنع عليه أن يكون أعم لغة وعقلاً، فلا يجوز أن تقول الحيوان إنسان ولا الزوج عشرة، بل الإنسان حيوان والعشرة زوج، حينئذ يصدق وقبل ذلك فهو كاذب، والعرب لم تضع إلا للصدق دون الكذب، والمساوي يجب
أن يكون محصوراً في مساويه والأخص محصوراً في أعمه، وإلا لم يكن أخص ولا مساوياً، فهذا برهان
على ثبوت الحصر مطلقاً كيف كان المبتدأ وخبره، غير أنه إذا كان الخبر نكرة يقع الحصر في الخبر دون نقيضه وضده، ولا يمنع هذا الحصر ثبوت الخلاف، فإذا قلت زيد قائم فقد أثبت له مطلق القيام، فهي موجبة جزئية مطلقة، ونقيض الموجبة الجزئية، السالبة الدائمة الكلية، ولا شك في أن هذا النقيض كاذب إذ لو صدقت السالبة الدائمة لما صدقت المطللقة المفروض صدقها، لكنها صادقة، وكذلك كل ما يضاد مطلق القيام يجب نفيه، بل كل ما هو شرط في ثبوت مطلق القيام يجب ثبوته، وكل ما هو مانع من مطلق القيام يجب نفيه لضرورة صدقه.
نعم يجوز ثبوت ما هو خلاف القيام مثل نحو كونه فقيهاً أو شجاعاً أو شيخاً فاضلاً، فإن هذه الأمور كلها يمكن ثبوتها مع قولنا قائم، وهي أمور تخالف مطلق القيام ولا تضاده ولا تناقضه، فهذا تحرير الحصر مع التنكير، وأما مع التعريف فيجب سلب الخلاف أيضاً فلا يوصف بغير ذلك الخبر فتقتضي الصفة أنه ليس موصوفاً إلا بتلك الصفة خاصة؛ فإن كان في الواقع له صفة غيرها فهو تخصيص لعموم الحصر. فقوله عليه الصلاة والسلام «تحليلها التسليم» يقتضي أن المصلي لا يخرج من حرمات الصلاة إلى حلها إلا بالتسليم دون جميع الصفات من الأضداد والنقائض والخلافات، فإن الكل ساقط عن الاعتبار إلا بالتسليم، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام:«تحريمها التكبير» يقتضي أنه لا يدخل في حرماتها إلا بالتكبير دون جميع الأمور المتوهمة.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» فروي برفع ذكاة الثانية وبنصبها، وتمسك المالكية والشافعية بالرفع على أن الجنين إذا خرج وقد كمل خلقه ميتاً بعد ذكاة أمه أكل، لأنه عليه الصلاة والسلام حصر ذكاة الجنين في ذكاة أمه فيكون داخلاً فيها ومندرجاً فيؤكل بذكاة أمه التي فيها ذكاته، ولا يفتقر إلى ذكاة أخرى، واحتج الحنفية برواية النصب على أنه يستقل بذكاة نفسه وإذا لم يذكى لم يؤكل لأن النصب يقتضي أن يكون التقدير ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة
مثل ذكاة أمه، ثم حذف المصدر وصفته التي هي مثل، وأقيم المضاف إليه مقامها، فأعرب بإعرابها؛ فنصب، لأنها قاعدة حذف المضاف.
والجواب عن تمسكهم برواية النصب أن تقول: ليس التقدير كما ذكرتموه، بل التقدير ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه، ثم حذف الخبر الذي هو داخله وحرف الجر من ذكاة أمه، وهذا أولى الوجهين: الأول أنه أقل حذفاً والثاني أنه يؤدي إلى الجمع بين الروايتين، وهو أولى من إطراح إحداهما، وأما تقديم المعمولات فكونه مفيداً للحصر قاله الزمخشري وغيره، وخالفه جماعة في ذلك. ومن المثل المقوية لقول الزمخشري قول العرب «إياك
أعني واسمعي يا جارة» فإنه يقتضي أنه لا يعني غيره، وعن الأصمعي أنه مر ببعض أحياء العرب فشتمت رفيقه امرأة ولم تعين الشتم له دون الأصمعي، ثم التفت إليها رفيقه فقالت له إياك أعني، فقال للأصمعي انظر كيف حصرت الشتم فيّ.
وزاد الإمام فخر الدين في كتاب الإعجاز له: لام التعريف في الخبر، وقال: هي تقتضي حصر الخبر في المبتدأ عكس الحصور كلها في المبتدآت، فإن الأول يكون محصوراً في الثاني فإذا قلنا أبو بكر الصديق الخليفة بعد رسول الله b يكون الثاني محصوراً في الأول، وكذلك قولك زيد المتحدث في هذه القضية أي لا يتحدث فيها غيره وهو كثير.
وذكرت حصرا لصفة في الموصوف وعكسه وبقي على ثالث وهو حصر الصفة في الصفة: نحو النزاهة في القناعة، والدين الورع، والتدبير العيش، والبشر حسن الخلق. وهو كثير، ومن باب الحصر بحسب بعض الاعتبارات قوله عليه الصلاة والسلام «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ» الحديث (1) حصر نفسه عليه الصلاة والسلام الكريمة في البشرية دون غيرها باعتبار الاطلاع على بواطن الخصوم
(1) وباقي الحديث «ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار» .
نقلاً صفة له عليه الصلاة والسلام باعتبار هذا المقام إلا البشرية الصرفة وما عدا ذلك من الرسالة والنبوة وجميع صفات كماله عليه الصلاة والسلام لا مدخل لها في الاطلاع على بواطن الخصوم، بل كما قال عليه الصلاة والسلام فأقضي له على نحو ما أسمع، وقال أقضي بالظاهر والله يتولى السرائر. ومن ذلك قوله تعالى:«إنما الحياة الدنيا لعب ولهو» (1) وحصرها في اللعب مع أنها مزرعة الآخرة، وفيها تحصل الولاية والصديقية، وتكتسب المراتب العلية والدرجات الرفيعة، وكل خير مكتب في الآخرة فهو من هذه الدار، وهذه خيرات حسان وفضائل علية للدنيا، فكيف تحصر في اللعب؟! وإنما ذلك باعتبار من آثرها، فإنها في حقه لعب صرف. وتلك المحاسن لا ينال هذا منها شيئاً، فهو حصر بحسب بعض الاعتبارات، وهو كثير في القرآن الكريم. وقد ذكرت منه جملاً كثيرة في كتاب الاستغناء في أحكام الاستثناء، وصديقي زيد يجوز أن يصادق غيري لأن الأول أبداً محصور فيا لثاني، والثاني يجوز أن يكون أعم فلا ينحصر في الأول، فلذلك يجوز أن يصادق زيد غيري، لأني حصرت صداقتي فيه ولم أحصره في صداقتي، وكذلك قوله تعالى «إنما يخشى الله من عباده العلماء» (2)
يقتضي حصر خشية الله تعالى في العلماء، فلا يجوز أن يخشاه تعالى غيرهم، ويجوز أن يخشوا هم غيره تعالى بالنظر على دلالة هذا اللفظ، ولو عكس فقيل: إنما يخشى العلماء الله
بتقديم الفاعل انعكس الحال، فلا يخشون غيره، ويجوز أن يخشاه غيرهم بالنظر إلى دلالة اللفظ.
فائدة: باب الحصر ينقسم على حصر الثاني في الأول في تقديم المعمولات، فالعبادة والاستعانة والعمل محصورات في تلك الآيات فيما تقدم عليها. وكذلك لام التعريف فيما حكيته عن الإمام فخر الدين، وإلى حصر الأول في الثاني فيما عدا ذلك.
(1) من الآية 36 سورة محمد عليه السلام.
(2)
38 فاطر..