الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع في المجمعين
فلا يعتبر فيه جملة الأمة إلى يوم القيامة، لانتفاء فائدة الإجماع، ولا العوام عند مالك رحمه الله وعند غيره، خلافاً للقاضي، لأن الاعتبار فرع الأهلية، ولا أهلية فلا اعتبار.
أما جميع الأمة إلى قيام الساعة فلم يقل به أحد؛ فإن المقصود من هذه المسألة كون الإجماع حجة، وفي يوم القيامة ينقطع تكاليف الشرائع، وأما العوام فقال القاضي هم مؤمنون ومن الأمة فتناولهم اللفظ فلا تقوم الحجة بدونهم.
وجوابه: أن أدلة الإجماع يتعين حملها على غير العوام، لأن قول العامي بغير مستند خطأ، والخطأ لا عبرة به، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على عدم اعتبار العوام وإلزامهم اتباع العلماء، قاله القاضي عبد الوهاب. وقيل يعتبر العوام في الإجماع العام كتحريم الطلاق والزنا والربا وشرب الخمر، دون الإجماع الخاص الحاصل في دقائق الفقه.
والمعتبر في كلّ فن أهل الاجتهاد في ذلك الفن وإن لم يكونوا من أهل الاجتهاد في غيره، فيعتبر في الكلام المتكلمون وفي الفقه الفقهاء قاله الإمام وقال لا غبرة بالفقيه
الحافظ للأحكام والمذاهب إذا لم يكن مجتهداً. والأصولي المتمكن من الاجتهاد غير الحافظ للأحكام خلافه مستبر على الأصح، ولا يشترط بلوغ المجمعين إلى حد التواتر بل لو لم يبق إلى واحد والعياذ بالله كان قوله حجة. وإجماع غير الصحابة حجة خلافاً لأهل الظاهر.
قال القاضي عبد الوهاب: اختلف هل يشترط في الإجماع العدد المفيد للعلم وهو عدد التواتر، فإن قصروا عن ذلك لم يكن حجة قاله القاضي أبو بكر الباقلاني.
حجة عدم الاشتراط: قوله تعالى: «ويتبع غير سبيل المؤمنين» (1) ولم يفصل بين قليلهم وكثيرهم، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تجتمع أمتي على خطأ» وغير ذلك من الأدلة السمعية.
حجة الاشتراط أنا مكلفون بالشريعة وأن نقطع بصحة قواعدها في جميع الأعصار، ومتى قصر عددهم عن التواتر لم يحصل العلم فيختل العلم بقواعد الدين.
وجوابهم: أن التكليف بالعلم يعتمد سبب حصول العلم، فإذا تعذر سبب العلم سقط التكليف به، ولا عجب في سقوط التكليف لعدم أسبابه أو شرائطه، وأما أن العبرة بأهل ذلك الفن خاصة فلأن غير أهل ذلك الفن كالعوام بالنسبة إلى ذلك الفن، والعامة لا عبرة بقولهم، وينبغي على رأي القاضي أن يلزم اعتبار جميع أهل الفنون في كلّ فن، لأن غايتهم أن يكونوا كالعوام وهو يعتبر العوام.
وأما قولي في الفقيه: الحافظ والأصولي: المتمكن فهو قول الإمام فخر الدين، وفيه إشكال من جهة أن الاجتهاد من شرطه معرفة الأصول والفروع، فإذا انفرد أحدهما يكون شرط الاجتهاد مفقوداً، فلا ينبغي اعتبار واحد منهما حينئذ.
والقاضي عبد الوهاب ذكر عبارة تقرب من السداد فقال: إذا أجمع الفقهاء وخالفهم من هو من أهل النظر ومشاركو الفقهاء في الاجتهاد، غير أنهم لم يتوسموا بالفقه ولم يتصدّوا له، فالأصح اعتبار قولهم، فهذه العبارة تقرب لأنه لم يسلب عنهم إلاّ التصدي للفقه والتوجه إليه، فأمكن أن يكون كلّ واحد منهم نم أهل الاجتهاد، وحكى في اعتبارها ألواً قولين، قال: وقيل أيضاً لا يعتبر بقول من لا يقول بالقياس؛ لأن المقايسة هي طريق الاجتهاد، فمن لا يعتبرها لم يصلح للاجتهاد، قال وهذا غير صحيح، فإنه لو لم يعتبر من لا يعتبر بعض المدارك لألغينا من لا يعتبر المراسيل، والأمر للوجوب أو للعموم أو غير ذلك، وما من طائفة إلا وقد خالفت في نوع من الأدلة، وأما أن إجماع غير الصحابة حجة فلظواهر النصوص، والأدلة الدالة على كون الإجماع حجة.
(1) 115 النساء.