الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصدوا إفهامنا الظاهر فهو إغراء بالجهل وهو لا يجوز على الله تعالى، أو غير الظاهر وهو تكليف ما لا يطاق، لأن فهم غير الظاهر بغير بيان محال، فتعين تقديم الباين الإجمالي خلوصاً من الجهل.
الثاني لو جوزنا تأخير البيان مطلقاً فيما له ظاهر لم يكن لنا طريق إلى معرفة وقت الفعل، فإنه إذا قال افعلوا غداً فيجوز أن يريد بقوله غدا ما بعده مجازاً، ولم يبينه لنا فلا نثق بوقت البتة.
والجواب عن الأوّل: أن الجهل لا يستحيل امتحان الله تعالى الخلق به على أصولنا. وعن الثاني: أنا نكتفي بالظاهر المفيد للظن طابق أم لا، فإن ادعيت أنه لا بد من اليقين فممنوع.
ويجوز له عليه الصلاة والسلام تأخير ما يوحى إليه إلى وقت الحاجة، لنا قوله تعالى:«فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه» (1) وكلمة ثم للتراخي فيجوز التأخير وهو المطلوب.
لنا أن التبليغ يقتضي المصلحة فقد تكون في التعجيل وقد تكون في التأخير، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام لو أوحي إليه بقتال أهل مكة بعد سنة كانت المصلحة تتقاضى تأخير ذلك إلى وقته لئلا يستعد العدو للقتال ويعظم الفساد، ولذلك أنه عليه السلام لما أراد قتالهم قطع الأخبار عنهم وسد الطرق حتى دهمهم، وكان ذلك أيسر لأخذهم وقهرهم، فكذلك يجوز تأخير الإبلاغ في بعض الصور بل يجب.
الفصل السادس في المبين
يجب البيان لمن أريد إفهامه فقط، ثم المطلوب قد يكون عِلماً فقط كالعلماء بالنسبة إلى الحيضن أو عملاً فقط كالنساء بالنسبة إلى أحكام الحيض
(1) 18- 19 القيامة.
وفقهه، أو العلم والعمل كالعلماء بالنسبة إلى أحوالهم، أو لا علم ولا عمل كالعلماء بالنسبة إلى الكتب السالفة، ويجوز إسماع المخصوص بالعقل من غير التنبيه عليه وفاقاً، والمخصوص بالسمع بدون بيان مخصص عن النظام وأبي هاشم، واختاره الإمام، خلافاً للجبائي وأبي الهذيل.
من لم يرد إفهامه لا حاجة إلى البيان له، ولا يمتنع، وقولهم إن النساء أردن بالعمل فقط، غير متجه بسبب أن النساء أيضاً مأمورات بتحصيل العلم، فكذلك من سلف هذه الأمة عائشة رضي الله عنها التي قال فيها عليه الصلاة والسلام:«خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء» وكانت من سادات الفقهاء، وكذلك جماعة من نساء التابعين وغيرهم، غاية ما في الباب أن التقصير عن رتبة العلم ظهر في النساء أكثر، وذلك لا يبعثنا على أن نقول المطلوب منهن العمل فقط، بل الواقع اليوم ذلك، إما أنه حكم الله فغير ظاهر، وقولي أو العلم
والعمل كالعلماء بالنسبة إلى أحوالهم مبني على أن المجتهد لا يجوز له أن يقلد، بل يحصل العلم بتلك المسألة، ويعمل بمقتضى ما حصل له، فإن قلت المتحصل بالاجتهاد إنّما هو الظن فقط، فلم سميته علماً؟ قلت تقدم أن الحكم الشرعي معلوم من جهة انعقاد الإجماع، على أن ما غلب على ظنه فهو حكم الله في حقه وحق من قلده إذا حصل له سببه، فصار الحاصل له علماً بهذا الطريق، وأما الكتب السالفة فلم يؤمر بتعلمها لعدم صحتها وأدباً مع الأفضل منها وهو القرآن، ولا العمل بما فيها من حيث هو فيها لعدم الصحة، وإنما نعمل بما فيها من حيث دلالة شرعنا على اعتباره من العقائد والقواعد الكليّة وغيرها من الفروع، أما من جهة تلك الكتب فلا وإنما حصل الاتفاق على إسماع المخصوص بالفعل، من جهة تلك الكتب فلا وإنما حصل الاتفاق على إسماع المخصوص بالفعل، من جهة أن العقل حاصل في الطباع فيحصل البيان بالتأمل، فتأخره إنّما هو من جهة تفريط المكلف، لا من جهة المتكلم، وأما المخصص السمعي فليس في الطباع، والمكلف إذاً لم يسمعه معذور.
سؤال: ما الفرق بين هذه المسألة، وبين مسألة تأخير البيان دون وقت الخطاب المتقدمة.
جوابه: أن تلك المسألة مفروضة فيما إذا لم ينزل البيان البتة، وهذه إذا نزل، ولكن سمعه البعض فقط والذي لم يسمعه هو صورة النزاع.
لنا أن أحدنا قد يسمع العموم ولا يسمع مخصصه، وذلك معلوم من الدين بالضرورة، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في تبليغه يطوف على القبائل حتى يستوعب أنواعهم وأشخاصهم بكل حكم، بل يبلغ من حيث الجملة، ويقول:«بلغوا عني ولو آية، فرحم الله أمرءا سمع مقالتي فوعاها فأدها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ، وهذا يدل على أنه كان يُسمع البعض فقط، وذلك معلوم من حاله عليه الصلاة والسلام بالضرورة، فيكون أكثر المكلفين لم يسمع المخصص وهو صورة النزاع.
احتج الخصم بأن ذلك يفضي إلى اعتقاد السامع الحكم على خلاف ما هو عليه، وأنه مفسدة لا تليق بالحكيم.
وجوابه: أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.