الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن في التخصيص
وهو إخراج بعض ما يتناوله اللفظ العام أو ما يقوم مقامه، بدليل منفصل في الزمان إن كان المخصص لفظياً، أو بالجنس إن كان عقلياً قبل تقرر حكمه، فقولنا أو ما يقوم مقامه احتراز من المفهوم فإنه يدخله التخصيص، وقولنا بالزمان احتراز من الاستثناء، وقولنا بالجنس لأن المخصص العقلي مقارن، وقولنا قبل تقرر حكمه احتراز من أن يعمل بالعام، فإن الإخراج بعد هذا يكون نسخاً.
دخول التخصيص للمفهوم كقوله عليه الصلاة والسلام «إنما الماء من الماء» مفهومه أنه لا يجب الغسل من القبلة ولا جميع أنواع الاستمتاع إذا لم يكن فيه إنزال، خص من ذلك التقاء الختانين، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام «إنما الربا في النسيئة» خص عن مفهومه ربا التفاضل، فإن السلب في المفهوم كعموم الثبوت في المنطوق، وإذا ثبت معنى العموم دخله الإخراج، وهو التخصيص، وهو لا يسمى عموماً في الاصطلاح، فلذلك قال أو ما يقوم مقامه وهو المفهوم لدخول التخصيص فيه، والاستثناء لا يقع إلا متصلاً على الصحيح (1) والمخصص يجوز أن يتراخى عن العموم كنهيه عليه الصلاة والسلام عن قتل النسوان وغيرهم بعد الأمر بقتل المشركين بزمان طويل، وهذا إذا وقع التخصيص بالملفظ، أما إذا وقع بالفعل، كما في قوله تعالى «الله خالق كل شيء (2) » أو بالواقع كما في قوله تعالى «تدمر كل شيء (3) » فإن الواقع المشاهد دل على أن الريح لم تدمر السموات
(1) الاستثناء المتصل: ما كان المستثنى من جنس المستثنى منه نحو: جاء القوم إلا علياً (فعلياً) من جنس القوم.
(2)
62 الزمر وتمامها «وهو على كل شيء وكيل» .
(3)
35 الأحقاف.
والجبال والأرض وغيرها؛ فعلم بذلك التخصيص في هذا العموم أو بالعوائد كقول القائل: رأيت الناس فلم أر أحسن من زيد، ومعلوم بالعادة أنه لم ير جميع الناس، فيدخل التخصيص بدليل العادة، لكن هذه المخصصات ليست لفظية لكن جنسها غير جنس اللفظ، فالانقطاع هنا بالجنس لا بالزمان، فلذلك قال منفصل بالزمان إن كان المخصص لفظياً أو بالجنس إن كان عقلياً، أي الانفصال لا يكون في العقلي (1)
ونحوه في الزمان لأنه مقارن وإنما ذلك في اللفظي خاصة، وإذا عمل بالعام كان الإخراج منه بعد ذلك نسخاً؛ لأن العمل به يقتضي أن عمومه مراد لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؛ فلو كان بعض هذا العموم غير مراد لما تأخر بيانه، فلما لم يتبين اعتقادنا أنه مراد، وإبطال ما هو مراد نسخ، فلذلك اشترط في التخصيص أن لا يتقرر الحكم.
وهذا الحد باطل مع هذا التحرير العظيم الذي لم أر أحداً جمع ما جمعت فيه بالتخصيص بالأدلة المتصلة، وهي الغاية، كقولنا أكرم قريشاً حتى يدخلوا الدار فإن الداخل للدار يخرج من هذا العموم، والصفة كقولنا أكرم قريشاً الطوال، فإن القصار يخرجون، والشرط كقولنا أكرمهم إن كانوا طوالاً. فهذه مخصصات لفظية، وقد خرجت من الحد الاشتراطي الانفصال في الزمان فإنها متصلة في الزمان، فينبغي أن يؤتى بعبارة تجمع هذه النقوض وتخرج الاستثناء وفيها عسر.
(1) في النسخة المطبوعة: لا يكون إلا في العقلي..