الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه الشيعة أبا بكر وعمر فانعكس المعنى أي يا أبا بكر وعمر فيكونان مقتديين لا مقتدى بهما وهو كثير، واسم الفاعل من المفعول إنما يعلم من جهة التصريف، وإنما قلد من مضى في أحوال الرواة لبعد أحوالهم عنا فتعين التقليد لمن اطلع على حالهم لتعذر ذلك علينا.
حجة عدم اشتراط عموم النظر: أن المقصود البعد عن الخطأ بتحصيل شرائط الاجتهاد
فإذا حصل ذلك في فن واحد كان كحصوله في جميع الفنون.
حجة المنع: أن العلوم والفنون يمد بعضها بعضاً فمن غاب عنه فقد غاب نور فيما هو يعلمه وحينئذ لا يكمل النظر إلا بالشمول ولذلك أن النحوي الذي لا يحسن الفقه ولا المعقولات تجده قاصراً في نحوه بالنسبة لمن يعلم ذلك، وكذلك جميع الفنون.
الفصل السادس في التصويب
قال الجاحظ وعبد الله العنبري بتصويب المجتهدين في أصولا لدين؛ بمعنى عدم الإثم لا بمعنى مطابقة الاعتقاد، واتفق سائر العلماء على فساده، وأما في الأحكام الشرعية فاختلفوا هل لله تعالى في نفس الأمر حكم معين في الوقائع أم لا، والثاني قول من قال كلّ مجتهد مصيب وهو قول جمهور المتكلمين، ومنهم الأشعري والقاضي أبو بكر منا، وأبو علي وأبو هاشم من المعتزلة، وإذا لم يكن لله تعالى حكم معين فهل في الواقعة حكم لو كان لله تعالى حكم معين فهل في الواقعة حكم لو كان لله تعالى حكم معين في الواقعة لحكم به أو لا والأول هو القول بالأشبه وهو قول جماعة من المصوبين. والثاني قول بعضهم، وإذا قلنا بالحكم المعين فإما أن يكون عليه دليل ظني أو قطعي أو ليس عليه واحد منهما، والثاني قول جماعة من الفقهاء والمتكلمين. ونقل عن الشافعي رضي الله عنه وهو عندهم كدفين يعثر عليه بالاتفاق، والقول بأن عليه دليلاً ظنياً فهل كلف بطلب ذلك الدليل، فإن أخطأه تعين التكليف إلى ما غلب على ظنه وهو قول، أو لم يكلف بطلبه لحقائقه وهو قول كافة الفقهاء منهم الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما. والقائلون بأن عليه دليلاً قطعياً اتفقوا على أن المكلف مأمور بطلبه، وقال بشر المريسي إن أخطأ استحق
العقاب وقال غمير لا يستحق العقاب.
واختلفوا أيضاً هل ينقض قضاء القاضي إذا قضى بخلافه قاله الأصم خلافاً للباقين، والمنقول عن مالك رحمه الله أن المصيب واحد واختاره الإمام، وقال الإمام علي عليه دليل ظني ومخالفه معذور والقضاء لا ينقض، لنا أن الله تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة أو درء المفاسد الخالصة أو الراجحة ويستحيل وجودها في النقيضين فيتحد الحكم: احتجوا بانعقاد الإجماع على أن المجتهد يجب عليه أن يتبع ما غلب على ظنه ولو خالف الإجماع، وكذلك من قلده، ولا نعني بحكم الله تعالى إلاّ ذلك فكل مجتهد مصيب وتكون ظنون المجتهدين تتبعها الأحكام كأحوال المضطرين والمختارين بالنسبة إلى الميتة، فيكون الفعل الواحد حلالاً حراماً بالنسبة إلى شخصين كالميتة.
حجة الجاحظ: أن المجتهد في أصول الدين إذا بذل جهده فقد فنيت قدرته فتكليفه بعد ذلك بما زاد على ذلك تكليف بما لا يطلق وهو منفي في الشريعة، وإن قلنا بجوازه لقوله تعالى:«لا يكلف الله نفساً إلها وسعها» (1) .
حجة الجمهور: أن أصول الديانات مهمة عظيمة فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيرها فيكره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري وذلك أعظم الإكراه، وإذا حصل الإيمان في هذه الحالة اعتبر في ظاهر الشرع وغيره لو وقع بهذه الأسباب لم يعتبر، ولذلك لم يعذره الله بالجهل في أصول الدين إجماعاً، ولو شرب خمراً يظنه حلالاً أو وطئ أمرأة يظنها امرأته عذر بالجهل، وكذلك جعل النظر الأوّل واجباً من الجهل بالموجب وذلك تكليف ما لا يطاق، فكذلك إذا حصل الكفر مع بذل الجهد يؤاخذ الله تعالى به ولا ينفعه بذل جهده لعظم خطر الباب وجلالة رتبته، وظواهر النصوص تقتضي أنه من لم يؤمن بالله ورسوله ويعمل صالحاً فإن له نار جهنم خالداً فيها، وقياس الخصم الأصول على الفروع غلط لعظم التفاوت بينهما، وإذا قلنا ليس لله تعالى في نفس الأمر حكم معين فليس هناك إلاّ ما ظهر في ظنون المجتهدين فقد أصابوه، فكل مجتهد مصيب، أي إذا أفتى بشيء فقد أصابه أما لو انتهى به الحال للوقف فتمادى مهلة النظر فلا يقال له
(1) 286 البقرة.
إنه مصيب ولا مخطئ، وإذا قلنا في نفس الأمر حكم معين وهو ما تضمنه المصلحة الخالصة أو الراجحة فمن صادفه فهو المصيب ومن لم يصادفه فهو مخطئ له، فليس كلّ مجتهد مصيباً.
ومعنى المذهب الثالث، وهو القول بالأشبه: أنه ليس في نفس الأمر حكم معين وإنما في نفس الأمر ما لو عين الله شيئاً لعينه فهو أشبه الأمور بمقاصد الشريعة، كما تقول لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الزمان رجل صديق خير لو أن الله تعالى يبعث نبياً لبعثه، والقائل الآخر يقول ليس في نفس الأمر شيء هو أشبه، والظاهر هو الأوّل فإن الأفعال المتخيلة لا تخلو عن الرجحان في بعضها، والقائل الثاني يقول إذا لم يعين الله تعالى شيئاً استوت الأفعال، كما لو أن المباحات كلها مباحة لم تختلف وإن كانت مصالحها مختلفة.
حجة الدليل القطعي على الحكم في نفس الأمر: أن تكليف الكل بشيء معين يعتمد دليلاً يظهر للكل وما ذاك إلاّ القطعي، أما الظني فيختلف فيه القرائح.
حجة الدليل الظني: أن الله سبحانه وتعالى امتحن الخلق بذلك الحكم في نفس الأمر وأمرهم ببذلك الجهد في طلبه، فلولا أنه ودليله في غاية الخفاء لعرفه الكل فزال الامتحان وليس كذلك.
حجة أنه ليس دليل لا ظني ولا قطعي: أنه لو كانت عليه أمارة لفهمها الكل ألا ترى أن المطر إذا كانت عليه أمارة علمها الكل، لكن الحكم ليس كذلك فلا أمارة عليه.
وقول بشر باستحقاق العقاب إذا أخطأه لأنه يجعل التقصير من جهته ومن قصر استحق العقاب.
حجة الجمهور: قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران» فجعل الثواب مع الخطأ فلا عقاب حينئذ.
وأما قول الأصم: أنه ينقض قضاء القاضي إذا خالفه فإنه في غاية العسر من جهة تصوره، بسبب أن هذا الحكم غير معلوم، وكذلك دلسله. ونحن وإن قلنا المصيب واحد فهو غير معلوم، ونقض قضاء القاضي إنّما يكون بما يتحقق وما لا يتحقق كيف ينقض به القضاء فهذا المذهب مشكل.
وأما قول المصوبة: إنه يجب عليه اتباع ظنه وإن خالف الإجماع فمسلم، ولكن