الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحتج أهل الظاهر بأن الظاهر قوله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس» (1) وقوله تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً» (2) وهذه الضمائر إنّما وضعت للمشافهة ومن هو حاضر، فلا تتناول من يحدث بعض.
وجوابهم: أن النصوص تتناول الجميع مثل قوله تعالى: «ويتبع غير سبيل المؤمنين» (3)، وقوله عليه الصلاة والسلام:«لا تجتمع أمتي على خطأ» ، «ولا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أرم الله تعالى وهم كذلك» ، وهذه صيغ لا تختص بعصر، فوجب التعميم.
الفصل الخامس في المجمع عليه
كلّ ما يتوقف العلم بكون الإجماع حجة عليه لا يثبت بالإجماع، كوجود الصانع وقدرته وعلمه والنبوة، وما لا يتوقف عليه كحدوث العالم والواحدانية فيثبت، واختلفوا في كونه حجة في الحروب والآراء، ويجوز اشتراكهم في عدم العلم بما لم يكلفوا به.
كون الإجماع حجة فرع النبوة والنبوة فرع الربوبية، وكون الإله سبحانه وتعالى عالماً، فإن لم يعلم زيداً لا يرسله مريداً، فإن اختيار زيد دون الناس للرسالة فرع ثبوت الإرادة والحياة، لأن الحياة شرط في العلم والإرادة، فهذه شرائط في الرسالة، فلو ثبت بالإجماع الذي هو فرع الرسالة لزم الدور، وأما حدوث العالم فلا يتوقف عليه الإجماع إلاّ بالنظر البعيد من جهة أنه يلزم من قدم العالم انتفاء الإرادة، فإن القديم يستحيل أن يراد، ولأن الفاعل المختار لا يتصور
(1) 110 آل عمران.
(2)
143 البقرة.
(3)
115 النساء.
منه أن يقصد إلى إيجاد أثره غلا حالة عدمه، غير أنه لو فرضنا أن الله تعالى ما أحدث عالماً لم يكن الإرسال مستحيلاً عليه في ذاته بل لا بد من مرسل ومرسل إليه فقط فهذا مانع خارجي، وكذلك لو فرض العقل الهين أو أكثر تصور من كلّ واحد منهما الإرسال، وهذا بالنظر إلى بادئ النظر، وإن كان من المحال أن يثبت عالم مع الشركة حتى يتيسر فيه إرسال، لكن المقصود في هذا الموضع ما يتوقف عليه الإرسال في مجاري العادات.
قال القاضي عبد الوهاب: والأشبه بمذهب مالك أنه لا تجوز مخالفتهم فيما اتفقوا عليه من الحروب والآراء غير أني لا أحفظ فيه عن أصحابنا شيئاً.
وحجته: أن عموم الأدلة يقتضي أنهم معصومون مطلقاً فيحرم خلافهم.
حجة الجواز أن الأدلة إنّما دلت على عصمتهم فيها يقولونه عن الله تعالى وهذا ليس منه فلا يكون قولهم حجة.
وجوابه: أن هذا تخصيص الأصل عدمه، وأما اشتراكهم في الجهل وعدم العلم بما لم يكلفوا به فهذا هو من ضرورات المخلوقات، فلم يجب الإحاطة إلاّ لله تعالى، وأما جهلهم بما كلفوا به فذلك محال عليهم لأنه معصية تأباها العصمة.
وقال القاضي عبد الوهاب: ولا يجوز أن يجمعوا على فعل معصية في وقت أو أوقات متفرقةن لأن تفرق الأوقات لا يخرجهم عن كونهم مجمعين على معصية وكذلك الخطأ في الفتيا، واختلفوا هل يصح أن يجمعوا على خطأ في مسألتين كقول بعضهم بمذهب الخوارج، والبقية بمذهب المعتزلة، وفي الفروع مثل أن يقول البعض بأن العبد يرث والبقية بأن القاتل عمداً يرث؟! فقيل لا يجوز لأنه إجماع على الخطأ، وقيل يجوز لأن كلّ خطأ من هذين الخطأين لم يساعد عليه الفريق الآخر، فلم يوجد فيه إجماع.
تنبيه: الأحوال ثلاث: الحالة الأولى: اتفاقهم على الخطأ في مسألة واحدة كإجماعهم على أن العبد يرث فلا يجوز ذلك عليهم، الحالة الثانية: أن يخطئ كلّ فريق في مسألة أجنبية عن المسألة الأخرى فيجوز، فإنا نقطع أن كلّ مجتهد يجوز
أن يخطئ، وما من مذهب من المذاهب إلاّ وقد وقع فيه ما يتكرر وإن قَل؛ فهذا لا بد للبشر منه، ولذلك قال مالك رحمه الله كلّ أحد مأخوذ من قوله ومتروك، إلاّ صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم. الحالة الثالثة: أن يخطئوا في مسألتين في حكم المسألة الواحدة مثل هذه المسألة، فإن العبد والقاتل كلهما يرجع إلى فرع واحد وهو مانع الميراث فوقع الخطأ فيه كله، فمن نظر إلى اتحاد الأصل منع، ومن نظر إلى تعدد الفروع أجاز. فهذا تلخيص هذه المسألة.